Take a fresh look at your lifestyle.

جامع حادي بادي المعروف قديماً بـ (مسجد الآجرة)

0 1٬831

          يعد هذا المسجد المبارك من أقدم المساجد الأثرية في الجانب الشرقي من بغداد، ويرقى تاريخ تأسيسه إلى أكثر من ألف سنة. وكان يعرف (بمسجد المأمونية). وقد كان أول تجديد له في سنة (455هـ) أي قبل نحو (979) سنة ولا يزال قائماً بعد التجديد المستمر والترميم المتتالي إلى اليوم وهو يقع في محلة (القُشَلْ)(1).

          وفي تعيين موضعه فائدة خططية جليلة وأهمية بالغة التعيين بعض المواضع البغدادية الأثرية القديمة القريبة منه ممّا أشار إليه البُلْدانيّون ولم يبقَ منه اليوم عينٌ ولا أثر، وإنَّ هذا المسجد المبارك الشريف له حرمة وقدسية متميزة لكونه من أقدم الآثار التي تركها سلفنا الصالح إضافة كونه من المساجد التي باركها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمر بتعميره كما سيأتي في بيان ذلك فيما ننقله عن العلاّمة ابن الجوزي،

         وتقع محلة القُشَلْ المذكورة بالقرب من (جامع المصلوب)، وتتصل بها من أعلاها محلة (الدّهّانة) الممتدة من مسجد قاضي الحاجات إلى ما بعد حسينية العلاّمة السيّد عبد الكريم ابن السيد حسين الحيدري(رحمه الله) وتتصل بها من جنوبها محلة (الهيتاويين)(2) التي سكنها بعض الأسر الهيتيّة من آل السيد جعفر الأدهمي الهيْتلي الذي يرتقي نسبه إلى العارف بالله السيد عبد المحمود المعروف بذي الأنوار الخارقة دفين مدينة هيت ولا يزالُ قبره قائماً إلى اليوم وهو من ذرية سيدنا الحمزة ابن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام) وهذه المحَالُّ الثّلاثُ متداخلةٌ في الجملة.

         وقد يطلق على الشارع الممتد من سوق الهيتاويين مروراً بمحلة الدهانة، عقد القشل ومن المحال المتصلة بها محلة صبابيغ الآل (بتفخيم اللام) وفيها جامع الحاج داود (أبي التمّن) ومحلة سويدان.

        وفي محلة القشل المذكورة كانت ولادة العلاّمة المؤرخ الكبير الخططي البارع الشهير الدكتور(3) مصطفى جَواد (ت1389هـ) وكان موضع المحال المذكورة يعرف في أيام الدولة العباسية بعد نقل دار الخلافة إلى الجانب الشرقي بمحلة المأمونية.

           قال ياقوت الحمويّ (ت 626هـ) في مادّة (التاج) من معجم البلدان بعد أن ذكر موضع دار الخلافة العباسية: كان أول ما وضع من الأبنية بهذا المكان …

         ثم انتقل إلى المأمون فكان من أحب المواضع إليه وأشهاها لديه…وابتنى قريباً منه منازل برسم خاصته وأصحابه سمّيت المأمونية وهي إلى الآن (الثلث الأول من القرن السابع الهجري) الشارع الأعظم بين عقدي المصطنع والزّرادين.

         وعقد المصطنع هو اليوم ملتقى قاضي الحاجات وعقد القشل ومحلة الزّرادين كانت في موضع محلة سراج الدين الحاليّة وقد سمي هذا المسجد الشريف بمسجد الآجُرَّة لحكاية رواها العلاّمة مؤرخ بغداد وواعظها المشهور أبو الفرج الجوزي (ت 597هـ) في حوادث سنة (455هـ) قال في كتابه (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم):

       (وفي ليلة الأربعاء ولثمان بقين من شعبان رأت امرأةٌ هاشمية في منامها (النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب(عليه السلام) في مسجد صغير بالمأمونية من الحريم الشريف يعني حريم دار الخلافة ـ فقال النبي(صلى الله عليه وآله):

       (مُريِهِم أنْ يُعَمِّروا هذا المسجد). فقالت: (لا يصدقوني في رؤيتي لكم، فمَدَّ يدهُ إلى حائط عقد هناك قديم مبنيّ بالجص والآجُر، وهو من أحد حيطان المسجد، وجَرّ آجُرَّةً (أي طابوقةً) من وسطها حتى برز ثُلُثُها وقال لها: (هذا دليل على صدق قولك وصحة رُؤْياك) وقد عرف المسجد بعد ذلك بـ(مسجد الآجُرّة

       موضع الآجُرَّة كما يبدو في ظاهر الجدار الخارجي للمسجد

         قال المؤرخ البغداديُّ الحافظ بن النجّار في ترجمته عبد المنعم بن محمد بن الحسين الباجسرائي الفقيه المتوفى سنة (612هـ) من كتابه (التاريخ المُجَدَّ ولمدينة السلام):

         (…ثم درَّس بمسجد ابن المِنّي بالمأمونية مُدّة وكان يؤُمُّ الناسَ في الصلوات بمسجد الآجُرّة) وكان للناس بهذا المسجد الميمون مزيد اعتقادٍ منذ القديم حتّى قال الحافظ ابن الجوزي واصفاً تقديس الناس لهذا المسجد في عصره (القرن السادس الهجري) في كتابه (التلبيس) ص386:

           (والويلُ عندهم لَمَنْ يُقَبِّلْ مَشْهَدَ الكهف (كذا والصواب مشهد الكف) ولم يتَمسَّحْ بآجُرَّةِ مسجد المأمونية يوم الأربعاء).

         وفي عام (1813م) جدَّدَ بِناءَهُ رجل من المحسنين اسمهُ حادي بادي فَنُسِبَ إليه وكان هذا المسجد تُدَرَّسُ فيه اللغة وعلوم الدين حتى اللغة التركية.

         قال السيد محمد رؤوف طه الشيخلي البغدادي (ت 1965م) في كتابة (المعجم الجغرافي لمدينة بغداد القديمة) ص240

      (مسجد حادي بادي في الرصافة في أول عقد القشل عن يسار الداخل إليه من جهة سوق الهيتاويين العائد لمحلة الهيتاويين، وقد درستُ أنا شخصياً فيه اللغة التركية لأكون مقبولاً في المدرسة الرُّشديّة العسكرية عند الملاّ جابر في هذا المسجد……وتعلمت قراءة الجريدة التركية وهي كانت جريدة الزوراء الوحيدة في بغداد).

        ولا يزال موضع الآجُرَّة موجوداً على ظاهر الجدار الخارجي للمسجد يتبرك به الناس وآخرُ تجديد له على يد الوجيه الحاج جاسم عاصم خليل وقد أُلحقت به قاعة لإقامة مجالس الفاتحة باسم الحاج قاسم عاصم خليل(رحمه الله) وهو شقيق الحاج جاسم عاصم المتولي الحالي للمسجد وقد تناوب على الإمامة في هذا المسجد جماعة العلماء والأفاضل يحضرنا منهم:

    1ـ العلاّمة الفقيه الكبير الشيخ عبد الحسين بن محمد جواد البغدادي ت 1365هـ وهو غير معاصره العلاّمة الشيخ عبد الحسين بن داود البغدادي الحديدي(رحمه الله).

الشيخ عبد الحسين البغدادي (ت1365هـ)
         

والشيخ البغدادي المذكور هو صهر السادة الحيدرية وهو والد الشيخ محمد جواد والشيخ محمد رضا.

    العلاّمة السيد محمد طاهر ابن السيد مسعود الموسوي الكاظمي صاحب كتاب (من أمثال القرآن) وهو مطبوع.

    العالم الفاضل الشيخ محمد جواد المسلماوي(رحمه الله).

    4ـ سماحة العلاّمة الجليل السيد محمد دامت بركاته نجل سماحة آية الله الفقيه المحقق السيد طاهر الحيدري محمد.

السيد محمد الحيدري

    سماحة السيد تحسين ابن السيد إبراهيم ابن السيد علي الموسوي الخواري دام عزُّه. وهو إمامه الحالي.

  السيد تحسين الموسوي.. إمام المسجد الحالي             الحاج جاسم عاصم خليل.. المتولي الحالي للمسجد

        وممّا ينبغي الإشارة إليه أنَّ أوّل من نبه على (أثرية) هذا الجامع هو العلاّمة الخططي الكبير الدكتور مصطفى جواد (رحمه الله) في كتاب (دليل خارطة بغداد) ص298 الذي ألّفه بالاشتراك مع الدكتور أحمد نسيم سُوْسة.

        وبهذه المناسبة نهيب بالإِخوة المؤمنين أن يعرفوا لهذا المسجد الشريف قدسيته وحرمته مضافاً إلى كونه من المعالم الأثرية النادرة التي طاولت العصور والأحداث المبيرة التي كانت تأتي على الحرث والنسل، ولكن شاءت عناية الله تعالى بهذا المسجد المقدس أن يبقى رمزاً شامخاً ومعلماً بارزاً من آثار سلفنا الصّالح .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القُشَلْ: جمع القُشلة وهي كلمة تركية. قال السيد محمد رؤوف الشيخلي في كتابه (المعجم الجغرافي لمدينة بغداد القديمة) ص189: (ومحلة القشل تشتمل على شارع واحد طويل يبتدئ من سوق الهيتاويين وينتهي عند مخفر قاضي الحاجات. ويسمى هذا الطريق عقد القشل.
والقشل جمع قشلة وهي الثكنة. والغالب على الظن أن (هذا) الشارع مستقيم وطويل كان يشتمل على ثكنات عديدة في أزمان السلاطين العثمانيين).
(2) وفي هذه المحلة كان يقع زقاق (عقد) النيّار، ذكره فيليكس جونس في كتابه المؤلف عام (1846م) كما جاء في كتاب (دليل خارطة بغداد) ص265 وقد بني أخيراً في هذا العقد مسجد جديد باسم (مسجد النيّار) قام بتشييده الحاجُّ عبد علي والحاج محمد وكذا الحاجّ جواد النيار عام (2002م).
(3) محل ولادة العلاّمة الدكتور مصطفى جواد(رحمه الله) لا يزال معروفاً أُنشئت في موضعه عمارة ذات طابقين مجاورة لمقهى السّيّاب الحالية وبينهما زقاق ضيق يمضي إلى جامع حادي بادي وفي الطابق الأسفل منها محلاّت تجارية. وإنما نبّهنا على ذلك لنلفت أنظار المسؤولين عن رعاية تراث أعلامنا الأعلام إلى الاهتمام بهذا الموضع وجَعْلِهِ مِتحفاً أو على رأي الدكتور مصطفى جواد مقروناً باسمه تخليداً لذكراه طيَّب الله ثراه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.