كان الإمام الصادق(عليه السلام) من أوسع الناس علمًا وأكثرهم عطاءً واطلاعًا حتى قيل عنه: (إنه ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الوحدة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات)(1).
وقد جعلته هذه الصفات مقدمًا بين أعلام عصره، وفقهاء زمانه، فتتلمذ على يديه فقيه العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت150هـ), وفقيه الحجاز مالك بن أنس (ت179هـ), كما تتلمذ عليه شيخ المعتزلة واصل بن عطاء، ورائد الكيمياء جابر بن حيان، فضلًا عن شيوخ التفسير والحديث والفقه والأصول وغيرهم من العلماء والأدباء والبلغاء الذين تأثروا به كثيرًا.
ومن الجدير بالذكر أن عصر الإمام الصادق شهد نموًا وازدهارًا وتفاعلًا على المستوى العلمي والأدبي والحضاري بين الثقافة والتفكير الإسلامي من جهة وبين ثقافات الشعوب ومعارف الأمم وعقائدها من جهة أخرى، ففي عصره نشطت حركة الترجمة، ونُقِلَ كثير من المعارف والعلوم والفلسفات من مؤلفات أجنبية إلى اللغة العربية.
أولاً: نسب الإمام الشريف:
اهتم أغلب علماء الأدب والسيرة بنسب الإمام الشريف، وأخذوا يذكرونه من جوانب متعددة، فمرة نجدهم يتحدثون عنه من جهة نسبة المذهب الإمامي إلى الجعفرية، ومرة أخرى يتحدثون عن صلة الإمام بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ومرة أخرى يشيرون إلى مسألة الإمامة وامتدادها عند أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ورد في ديوان الحماسة:
(ويقولون إن الإمامة انتقلت بعد الحسين السبط(عليه السلام) في أبنائه إلى تمام الاثني عشر فانتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه موسى الكاظم ثم إلى ابنه على الرضا ثم إلى ابنه محمد التقي ثم إلى ابنه على النقي ثم إلى ابنه الحسن الزكي ثم إلى ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر)(2).
ومن الكتاب من تطرق للحديث عن نسب الإمام وعلاقته بالجعافرة في قوله: (أما أبو طالب فله ثلاثة أولاد، وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وجعفر وعقيل فمن ولد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الحسن والحسين عليهما السلام من فاطمة بنت رسول الله، وعقبهما قد ملأ الشرق والغرب، وقد ذكر الحمداني أن منهم بصعيد مصر جماعة من الجعافرة، بني جعفر الصادق من ولد الحسين بن علي)(3).
لاشك في أن ذكر أهل البيت(عليهم السلام) على ألسنة الأمم ليس بأعظم من ذكرهم في القرآن الكريم، وعلى لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين، وكل ذلك للدلالة على علو منزلتهم من رب العالمين(4)، فهذه المنزلة والطاعة المفترضة على الخلق، جعلت القلوب تهوى إليهم وتخطب ودهم.