Take a fresh look at your lifestyle.

مواعظ الإمام الصادق(عليه السلام) وحكمهُ وأثرها في الموروث العربي

0 1٬076

          كان الإمام الصادق(عليه السلام) من أوسع الناس علمًا وأكثرهم عطاءً واطلاعًا حتى قيل عنه: (إنه ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الوحدة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات)(1).

          وقد جعلته هذه الصفات مقدمًا بين أعلام عصره، وفقهاء زمانه، فتتلمذ على يديه فقيه العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت (ت150هـ), وفقيه الحجاز مالك بن أنس (ت179هـ), كما تتلمذ عليه شيخ المعتزلة واصل بن عطاء، ورائد الكيمياء جابر بن حيان، فضلًا عن شيوخ التفسير والحديث والفقه والأصول وغيرهم من العلماء والأدباء والبلغاء الذين تأثروا به كثيرًا.

          ومن الجدير بالذكر أن عصر الإمام الصادق شهد نموًا وازدهارًا وتفاعلًا على المستوى العلمي والأدبي والحضاري بين الثقافة والتفكير الإسلامي من جهة وبين ثقافات الشعوب ومعارف الأمم وعقائدها من جهة أخرى، ففي عصره نشطت حركة الترجمة، ونُقِلَ كثير من المعارف والعلوم والفلسفات من مؤلفات أجنبية إلى اللغة العربية.

 

   أولاً: نسب الإمام الشريف:

            اهتم أغلب علماء الأدب والسيرة بنسب الإمام الشريف، وأخذوا يذكرونه من جوانب متعددة، فمرة نجدهم يتحدثون عنه من جهة نسبة المذهب الإمامي إلى الجعفرية، ومرة أخرى يتحدثون عن صلة الإمام بالنبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ومرة أخرى يشيرون إلى مسألة الإمامة وامتدادها عند أهل البيت(عليهم السلام)، فقد ورد في ديوان الحماسة:

           (ويقولون إن الإمامة انتقلت بعد الحسين السبط(عليه السلام) في أبنائه إلى تمام الاثني عشر فانتقلت بعد الحسين إلى ابنه زين العابدين ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق ثم إلى ابنه موسى الكاظم ثم إلى ابنه على الرضا ثم إلى ابنه محمد التقي ثم إلى ابنه على النقي ثم إلى ابنه الحسن الزكي ثم إلى ابنه محمد الحجة وهو المهدي المنتظر)(2).

           ومن الكتاب من تطرق للحديث عن نسب الإمام وعلاقته بالجعافرة في قوله: (أما أبو طالب فله ثلاثة أولاد، وهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وجعفر وعقيل فمن ولد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الحسن والحسين عليهما السلام من فاطمة بنت رسول الله، وعقبهما قد ملأ الشرق والغرب، وقد ذكر الحمداني أن منهم بصعيد مصر جماعة من الجعافرة، بني جعفر الصادق من ولد الحسين بن علي)(3).

         لاشك في أن ذكر أهل البيت(عليهم السلام) على ألسنة الأمم ليس بأعظم من ذكرهم في القرآن الكريم، وعلى لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين، وكل ذلك للدلالة على علو منزلتهم من رب العالمين(4)، فهذه المنزلة والطاعة المفترضة على الخلق، جعلت القلوب تهوى إليهم وتخطب ودهم.

 

   ثانياً: مواعظ الإمام(عليه السلام) وحكمه:

          شكلت هذه القضية بابًا واسعًا في الأدب العربي فقد استشهد الكتاب كثيرًا بأقوال الإمام(عليه السلام)، وقد استطاعوا بفضل درايتهم أن يستفيدوا من توظيف هذه الحكم في خدمة الغرض الذي يتحدثون عنه، ويأتي كلام الإمام كي يعزز حججهم ويقويها، وهذا نابع من معرفتهم بمدى تأثير كلام الإمام، كون هذا الكلام يتحلى بصفة الصدق الموضوعي، خاصة في باب الترغيب والترهيب والإرشاد، فقد استشهد صاحب كتاب المدهش بسيرة الإمام(عليه السلام) عند حديثه عن قضية خشوع المؤمن بين يدي ربه وقت العبادة قال:

         (حج جعفر الصادق فأراد أن يلبي فتغيَّر وجهه، فقيل مالك يا بن رسول الله فقال:أريد أن ألبي فأخاف أن أسمع غير الجواب)(5).

          لقد جاء الكاتب بهذه الرواية في معرض حديثه عن خشية الله، وقد وجد في قول الإمام وسلوكه ما يشفي غليله، وكأنه يقدم لنا النموذج الذي يجب أن نحتذيه في هذا الباب من أدب التعامل مع الله، وخشيته والتعظيم من شأنه وهو أهل لذلك حتى قال فيه الشاعر:

     ولقد كان مكثرًا في العبا                دات بخوف من ربّه ورجاء

     مستجيبًا لله يخشاه حقًا                 بعد عرفانه بخير اختشاء

     ولقد جاءت الأحاديث تطغى          في عبادة صادق الأمناء(6)

          ومن الجدير بالذكر أن الراغب الأصفهاني أشار إلى هذه القضية عند الإمام الصادق(عليه السلام) في أثناء حديثه عن الصديق والصداقة في قوله:

          (الأمر بالإغضاء على عيب الصديق) جاء فيه: (قيل إن جعفر الصادق كان يقول: لا تفتش على عيب الصديق، فتبقى بلا صديق)(7).

           ويعزز الكاتب رأيه بقول الشاعر بشار في هذا المعنى:

     إذا كنت في كل الأمور معاتبًا              صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه(8)

            وربما يكون الشاعر سمع بقول الإمام(عليه السلام)

            وتأثر به في نظمه لهذه الأبيات من الشعر.

  أما الأبشيهي فيتخذ من حنكة الإمام الصادق وحلمه صورة يضرب بها المثل في قوله:

         (وحكي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أن غلامًا له وقف يصب الماء على يديه فوقع الإبريق من يد الغلام في الطست فطار الرشاش في وجهه، فنظر جعفر إليه، نظر مغضب، فقال يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: قد كظمت غيظي، قال: والعافين عن الناس، قال: لقد عفوت عنك، قال: والله يحب المحسنين، قال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى)(9).

          نلاحظ أن الإمام يقدم لنا النموذج الذي يجب أن يُحتذى، وهو ضرب من ضروب المعرفة الإسلامية المتمثل بالأخلاق الحميدة.

   ثالثًا: توظيف علم الإمام الصادق(عليه السلام):

           حاول أغلب الكتاب الاستفادة القصوى من علوم الإمام (عليه السلام) فيما يكتبون فيه، خاصة عندما يكون الحديث منصبًا على قضية من قضايا العلم،نحو حديثهم عن معادن الأرض أو ما يتعلق بعلم الفلك، أو طريقة حساب الأيام ودلالتها، ومن صور اهتمام الكتاب بعلم الإمام وإيراد جانب منه ما أورده صاحب المستطرف عند حديثه عن الأحجار الكريمة في قوله:

           (الزمرد ويسمى الزبرجد وهو ألوان: أخضر وزنجاري وصابوني ويكون الحجر منه خمسة مثاقيل وأقل ومن خواصه أنه يدفع العين ويفرح القلب ويقوي البصر ويصفي الذهن وينشط النفس، أما الفيروزج نوعان: إسحاقي وخلنجي، وأجوده الإسحاقي الأزرق الصافي، خواصه: النظر فيه يجلو البصر ويقويه وينشط النفس ولا يصيب المتختم به آفة من قتل أو غرق وقال جعفر الصادق (رضي الله تعالى عنه): ما افتقرت يد تختمت بفيروزج)(10).

         فالأبشيهي هنا يقدم المعلومة للقارئ بعدها يعزز كلامه بالحجة والدليل، وهو قول الإمام(عليه السلام) عرفانًا منه بأن هذا القول صادر عن إمام معصوم.

        وأما صاحب كتاب صبح الأعشى فقد وظف علم الإمام(عليه السلام) في مجال دلالة أيام الأسبوع، وقضية توزيع الأعمال عليها في قوله:

        (وقد وردت القرعة عن جعفر الصادق (رضي الله عنه) في توزيع الأعمال على الأيام أنه قال: السبت يوم مكر وخديعة، ويوم الأحد يوم غرس وعمارة، ويوم الاثنين يوم سفر وتجارة، ويوم الثلاثاء يوم إراقة دم وحرب ومكافحة، ويوم الأربعاء يوم أخذ وعطاء ويقال يوم نحس مستمر، ويوم الخميس يوم دخول على الأمراء وطلب الحاجات، ويوم الجمعة يوم خلوة ونكاح, ووجهوا هذه الدعوى بأن قريشًا مكرت في دار الندوة يوم السبت وأن الله ابتدأ الخلق يوم الأحد، وأن شعيبًا سافر للتجارة يوم الاثنين، وأن حواء حاضت يوم الثلاثاء، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، وأن فرعون غرق هو وقومه يوم الأربعاء وفيه أهلك الله عادًا وثمودًا، وأن إبراهيم دخل على النمرود يوم الخميس، وأن الأنبياء(عليهم السلام) كانت تنكح وتخطب يوم الجمعة)(11).

          نلاحظ أن الكاتب يتخذ من كلام الإمام حجة يستدل بها على ما نقله من كلام يتعلق بأيام الأسبوع، وحديثه السابق يكشف عن المكانة العلمية التي امتاز بها الإمام، فقد مارس الإمام نشاطه العلمي ومسؤولياته العقائدية كإمام وأستاذ وعالم فذ لا يدانيه أحد من العلماء في عصره كما هو في بقية العصور، حتى قال الخطيب جعفر الهلالي يمدح علم الإمام:

     يا أبا العلم أنت حررت جيلًا               هو لولاك قد كساه العناء

     لم تزل تصنع الخلود معاليك               وإن قلَّ في الزمان الوفاء(12)

           أما أبو هلال العسكري فقد اعتبر أن أحسن التشبيه في مدح الأخ ما أنشده أبو علي بن أبي حفص عن جعفر بن محمد:

     أخ لي كأيام الحياة إخاؤه                تلوّن ألوانًا عليَّ خطوبها

     إذا عبت منه خلة فهجرته               دعتني إليه خلّة لا أعيبها(13)

          أما ابن عبد ربّه الأندلسي فقد أعجب بقول الإمام عندما رأى فتى على ثيابه أثر المداد وهو يستره فقال له:

     لا تجزعن من المداد فإنه              عطر الرجال وحلية الكتاب(14)

          أما أبو حيان التوحيدي فقد أعجب بحكمة الإمام في قوله (الفتن حصاد الظالمين وأنشد:

     إذا عظمت محنة عن عزاء              فعادل بها صلب زيد تهن

     وأعظم من ذاك قتل الوصي             وذبح الحسين وسمّ الحسن(15)

         هذه النصوص تدلل على المنزلة التي يتمتع بها شعر الإمام(عليه السلام) وحكمه،وهي تشير إلى التنوع المعرفي والجمال الفني الذي احتوى النصوص فكان تأثر المتلقي بها بصورة سريعة كونها استطاعت التعبير عن الغرض بإيجاز بليغ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد هذا القول في كتاب الملل والنحل للشهرستاني.
(2) ديوان الحماسة:2\352.
(3) صبح الأعشى:1\413.
(4) ظ: الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أسرار في المثال الصامت \85.
(5) المدهش:2\22.
(6) ظ: مدائح ومراثي في الإمام الصادق(عليه السلام) على مختلف العصور: 437 وما بعدها.
(7) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء: 1\76.
(8) ظ: ديوان بشار بن برد:233.
(9) المستطرف:1\ 417.
(10) المستطرف: 2\ 312.
(11) صبح الأعشى:2\393.
(12) نقلا عن كتاب لولا السنتان.
(13) ديوان المعاني:2\194.
(14) العقد الفريد:4\251.
(15) البصائر والذخائر:23.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.