Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام الحسن(ع) دراسة موضوعية تاريخية في أخبار الصلح.. وفرية التزويج والتطليق

0 626

الشيخ حسن كريم الربيعي
الكلية الإسلامية الجامعة

 

              تخلو المناهج الدراسية من النظرة الموضوعية والبحث العلمي الجاد عن سيرة الأئمة(عليهم السلام)، والحق أن سيرتهم المكتوبة كمناهج تحتاج إلى إعادة نظر من قبل لجان متخصصة في التاريخ الإسلامي لتكون مناراً للأجيال ثم تدخل هذه المناهج لكافة المراحل من الابتدائية إلى مرحلة الدراسات العليا في الجامعات العراقية.

لقد درسنا في التاريخ الإسلامي على سبيل المثال الإمام الحسن(عليه السلام)، ولم نعرف إلا عام الجماعة، وبكل بساطة ويسر تبدأ الدولة الأموية بانعقاد الصلح مع العلم أن المرحلة التي تلته كانت من أخطر المراحل في حياة الأمة الإسلامية.
نحن هنا ندعو لدراسة موضوعية لسيرة الإمام الحسن(عليه السلام)، وبالأخص ملابسات الصلح وظروفه، لأنه لا يمكن تصور الإمام(عليه السلام) وهو يتنازل عن الخلافة بهذه السهولة ويعطيها لمعاوية.

لقد عاش أمير المؤمنين(عليه السلام) الظروف الصعبة والحروب الداخلية التي لم تمهله للإصلاح وإلغاء بعض البدع فقد أشغلته هذه الصراعات عن الكثير من أمور الدولة وأكثر المشاكل خطورة مع معاوية وأتباعه في الداخل والخارج فقد سبب هذا الصراع انقسام الأمة إلى قسمين متناحرين على طول التاريخ ومن آثاره ظهور فرقة الخوارج التي تولت الصراع الداخلي بين أهل الكوفة ونجح معاوية في زرع الفرقة والتناحر بينهم ثم تبلور الصراع بشكله العملي بعد حرب النهروان ووقوع الدم بين القبائل الكوفية بل أكثر من ذلك انقسم البيت الكوفي إلى عدة انقسامات قد تكون علوية وأموية وخارجية في البيت الواحد.

هذا ما كان يحلم به معاوية وأتباعه، وهو ما أدى إلى ضعف القبائل بسبب ظهور التيارات الفكرية المتطرفة فتغيرت عقائد الناس وأعطوا ولائهم لما يعتقدون.

ومع ظهور هذه الانقسامات في المجتمع الكوفي نجح معاوية وصديقه الحميم عمرو بن العاص في اقتطاع مصر من جسم الدولة وقتل والي أمير المؤمنينَ(عليه السلام) محمد بن أبي بكر ومن ثم اغتيال الوالي الجديد مالك الاشتر قبل وصوله مصراً، مما يدل على وصول الأخبار بدقة من جواسيس في داخل الكوفة.

وبعد هذا تعرضت الدولة وأطرافها لهجمات متتالية ووصلت الهجمات إلى منطقة عين التمر وهيت والأنبار ومكة والمدينة المنورة، وسار معاوية بجيشه حتى وصل دجلة، ووصلت جيوشه اليمن سميت هذه الهجمات في التاريخ بالغارات، وألف العلماء الكتب بهذا الموضوع، ولكن لم يصلنا منها إلا كتاب الغارات للشيخ الجليل إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي(ت 283هـ)، ويعد هذا المصدر من أهم المصادر القديمة التي تناولت هذه الهجمات بنوع من التفصيل، والمصدر أقدم من تاريخ اليعقوبي(ت292هـ) وتاريخ الطبري(ت 310هـ)، ولا يمكن للباحث الاستغناء عنه في دراسة هذه الحقبة الخطيرة من حياة الأمة.

إن لفظة الغارات أخذها العلماء من كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) من أحدى خطبه لأهل الكوفة حيث قال لهم وهو يلومهم على تقاعسهم عن الحرب ورد المعتدي (حتى شنت عليكم الغارات).

كانت هذه الغارات تشيع الخوف والرعب في نفوس الناس، وتوسعت بعد معركة النهروان فأصبحت أكثر من ذي قبل وكان الأمر يتفاقم أكثر فأكثر حتى سنة 40هـ من الهجرة.

كل هذه الأحداث لها الدور الفعال في صنع أحداث الهدنة أو الصلح بعد شهادة أمير المؤمنين(عليه السلام) وهي أحدى العوامل المؤثرة، والعامل الأخر خلو الساحة من العناصر المخلصة فقد قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في أحدى خطبه: (أيها الناس أن أول نقصكم ذهاب أولي النهى والرأي منكم الذين يحدثون فيصدقون ويقولون فيفعلون…)(1).

وظلت العناصر المتلونة في الولاء، وهم بعض زعماء القبائل الطامعين في الزعامة القبلية وهم ينعقون مع كل ناعق.
وصرح مالك الأشتر مخاطباً أهل التحكيم قائلا: (قتل أماثلكم وبقي أراذلكم)(2)، فان كل هذه الأمور انعكست تماماً على الأحداث وماتلاها من تصدع الدولة وظهور دولة بني أمية.

أجمعت المصادر التاريخية على بيعة الإمام الحسن(عليه السلام) وانه اقر الولاة على أعمالهم وزاد أعطية الجيش وأوصاهم بالعدل والإحسان ومحاربة أهل البغي وكان يقول: (إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت)(3).
بويع بالخلافة في شهر رمضان من سنة 40هـ ووجه عماله إلى السواد والجبل(4)، وينقل الطبري (ت310هـ) في تاريخه خطبة للإمام الحسن(عليه السلام) ثم ينقل رد من سمع الخطبة ويبدو أنهم كثرة بالشكل الآتي كان قولهم: (ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال)(5).

بينما نرى أن ابن الأثير(ت630هـ) الذي نقل تاريخ الطبري وأودعه في كتابه الكامل في التاريخ ـ ولكن ليس بحاطب ليل كما صرح هو ـ ينقل نفس النص بوجود أداة الاستثناء فيه فيتغير أصل المعنى برمته فيكون النص بالشكل الآتي: (ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا إلا القتال)(6)،

انتبه إلى هذا التفاوت محمد جواد فضل الله في كتابه صلح الإمام الحسن(عليه السلام) ولكن لم يشرح ذلك الأمر الخطير بل أشار إليه في الهامش، ومن المعلوم من هذا خطورة الباحث في التاريخ فعليه البحث والفحص والتنقيب والمقارنة للوصول إلى الحكم على النص أو له، ويمكن أن يقال: إنه لابد للنص من النقد الداخلي والنقد الخارجي، كما يحدث عند الفقيه لأنه لا يعمل بالعموم إلا بعد الفحص واليأس من المخصص وهو عين ما يبحث عنه الدارس للتاريخ دراسة موضوعية فان المؤرخين قد اختلفوا في نقل الروايات فقد تجد رواية عند مؤرخ غير موجودة عند غيره ولا تعلم الصحيحة منها إلا بعد عقد المقارنة بين جميع المرويات والعوامل المؤثرة في إيراد الرواية عند هذا المؤرخ دون سواه.

وبعد المقارنة بين الروايتين ونقدهما والظروف المحيطة بالحدث رجحنا تنقيح الرواية من قبل ابن الأثير على رواية الطبري وذلك للمرجحات الكثيرة، ويظهر ذلك جليا لمن تتبع الأحداث فإنه يرى عزم الإمام الحسن(عليه السلام) من زيادة أعطية الجيش والتحرك الفعلي له نحو ملاقاة جيش الشام وإنهاء التمرد على الدولة الشرعية، وفعلا قد وصلت طلائعه منطقة مسكن ومن ثم تحرك الجيش الأساس إلى منطقة المدائن ويبدو أنها محطة انتظار للجيوش الملتحقة به من بقية الأمصار لكي يتكامل العدد ثم الانطلاق نحو مسكن وهي ساحة المعركة كما تذكر الروايات.

لو نسأل لماذا غير ابن الأثير نص الطبري؟ بعد أن رجحنا رواية ابن الأثير المتأخر كثيرا عن الطبري، نقول: إن أبن الأثير لم ينقل الروايات على علاتها بل غير ما يجده ملائما كما رأيناه هنا قد أضاف أداة الاستثناء، وربما قارن بين مصادر كانت موجودة في عصره لم تصل إلينا.

ومن المؤيدات لرواية ابن الأثير خطبة الإمام الحسن(عليه السلام) التي قال فيها: (إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة فسكتوا)(7)، وفيها دلالة واضحة على إصرار الإمام(عليه السلام) على القتال، وعدم رغبة الناس بالقتال أو هم على اختلاف على أقل تقدير.

وبعد انتهاء الخطبة قام عدي بن حاتم وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي وزياد التيمي ولاموا الناس وحرضوهم على القتال(8).

تكوّن الجيش الذي تجمع بصعوبة بالغة من خليط غير متجانس ومن عدة فئات هي:
1ـ الفئة المخلصة وهي قليلة بالقياس إلى الفئات الأخرى.
2ـ فئة الخوارج وهم فئة مكفرة لمعاوية ولأمير المؤمنين(عليه السلام) ولكنهم خرجوا مع الإمام الحسن(عليه السلام) لمعرفتهم بعزم الإمام وإصراره على القتال، وهذا ما يؤكد عزم الإمام على قتال أهل الشام وإلا لم يخرجوا معه أبداً لو عرفوا أنه مصالح لمعاوية من بداية الأمر، وبالتالي هم الذين أثاروا فتنة الجيش وكادوا يقتلون الإمام لما شعروا بالهدنة قد اقتربت واتهموا الإمام بالشرك.

3ـ فئة الموالين والطامعين بهدايا معاوية، وهم بعض زعماء القبائل العربية الساكنة في الكوفة ولها تأثير مباشر على أفرادها.
تحرك الجيش المثقل بالاختلافات الجوهرية بين أفراده، وتحركت طلائع منه صوب منطقة مسكن التي تقع الآن شمال بغداد، واستقر الإمام(عليه السلام) في منطقة المدائن، ويبدو أنها من المراكز المهمة لتجمع الجيوش من الولايات الجنوبية والشرقية.
كانت الطلائع بقيادة عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد، ولكن لم يصمد عبيد الله أمام إغراء معاوية له بمبلغ ألف ألف درهم(9).

وكان لهذا الحدث الخطير آثاره إذ ظهرت العديد من المواقف الانهزامية مما أثر على نفسية الجيش في مسكن(10).
استطاع معاوية من تفتيت الطلائع قبل وصول الجيش ثم بث جملة من الأخبار الكاذبة والدعايات المضللة عن طريق عيونه في جيش الكوفة والتي لعبت دورها بذاك الجيش المتعب بهموم الماضي والمحمل بالعصبية والأحقاد والانقسامات الفكرية والآراء المتعددة(11).

ربما تطرح الأسئلة الآتية: من الذي طلب الصلح؟ هل هو الإمام(عليه السلام) أم معاوية؟ وإذا كان معاوية لماذا لم يسمه الناس صلح معاوية؟.

ويمكن الإجابة بأن الروايات التاريخية صريحة بأن معاوية هو الطالب للصلح فقد أرسل وفوده ومنهم: المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن الحكم إلى الإمام(عليه السلام) وهو في المدائن (ليفاوضوه في أمر الصلح)(12).
وروى البخاري (ت256هـ) في كتاب الصلح أن معاوية أرسل جماعته وقال: (اذهبا إلى هذا الرجل أي الحسن بن علي فاعرضا)(13)، ومن خطبة له(عليه السلام) يذكر فيه الصلح فقال: (ألا إن معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددنا عنه وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلنا وأخذنا لكم الرضا… فناداه الناس من كل جانب البقية البقية وأمضى الصلح…)(14).

أما الصلح فهل هو هدنة بالمعنى الاصطلاحي الفقهي، أم هو صلح بالمعنى الأعم؟ فالمهادنة قد عرفها الفقهاء بأنها: (المعاقدة على ترك الحرب مدة معينة، وهي جائزة إذا تضمنت مصلحة للمسلمين)(15)، وما دامت الحرب بين الطرفين قائمة فما حصل أشبه بالهدنة وليس صلحاً، وإذا سلمنا بالصلح ـ وقد اشتهر بين المؤرخين والباحثين بذلك ـ فهو يحتاج إلى وقفة وتأمل وبحث في الأسباب الحقيقة لهذا الموقف من الإمام(عليه السلام) وهل وقع بالاختيار أم بالإكراه أم هي رؤية معصومية للأحداث وعدم استطاعته إجبار الناس على ما لا يرغبون.

ومع كل الذي جرى فقد أعلن الإمامُ(عليه السلام) شروطه العديدة ووافق عليها معاوية بدون أي تردد وكانت البنود التاريخية كالآتي:

1ـ تسليم الأمر لمعاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وآله).
2ـ أن يكون الأمر للإمام(عليه السلام) من بعده فان حدث به حدث فلأخيه الإمام الحسينِ(عليه السلام) وليس لمعاوية أن يعهد لأحد.
3ـ أن يترك سب أمير المؤمنين(عليه السلام).
4ـ على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وان يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى ولا يأخذ أهل العراق بأحنة وعلى أمان أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)
حيث كانوا…)(16).

لم يف معاوية بهذه الشروط وأشاع بين الناس أن الإمام(عليه السلام) وجده أهلاً للخلافة، ولما وصلت هذه الأقاويل للإمام قال: (كذب معاوية)(17)، ونقل عنه(عليه السلام) قوله: (والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري…)(18).

إن روايات الإمام الحسن(عليه السلام) ومحاولات الأمويين والعباسيين لتشويه سمعته قائمة إلى اليوم فقد ادعوا أن له مائة ألف سيف كناية عن كثرة الجيش وهو لم يقاتل ونقلوها عن أصحابه ودست في كتب الشيعة الإمامية ونقلت على الألسن وعلى المنابر،

ويبدو أنه تعرض لهجمة إعلامية مستمرة إلى اليوم، وبعد أن تمت فصول هذه الفرية جئ بتهمة أخطر من الأولى فاتهم بكثرة الأزواج ولم يتوقفوا عند هذه الكثرة حتى راحوا ينسجون من محض خيالاتهم أن هذه الكثرة ملازمة للفرقة فكانت حياته مقتصرة على هذا العمل، وتسربت الروايات الموضوعة إلى كتب الحديث المعتبرة عند الشيعة الإمامية بإسناد صحيح ولكنها تخالف أصل الإمامة، فقد جاء على لسان أمير المؤمنين(عليه السلام) قوله: (لا تزوجوا الحسن…)، إن هذا الحديث قد كتبه محدثو الشيعة في كتبهم وعلى لسان الثقات من الرجال ونسبوه إلى الإمام الصادق(عليه السلام) وورد في كتاب الكافي ووسائل الشيعة ومستدركه ودعائم الإسلام للقاضي المصري (ت 363هـ)، ونقرأ سنده وكلهم ثقات من أمثال: عبد الله بن سنان ومحمد بن إسماعيل بن بزيع وجعفر بن بشير هذا من جهة سند الرواية، ولكن الكلام في متنها فهي مخالفة لأصول الإمامة ووظيفتها، فإن للإمامة صفات خاصة.

ومن المعلوم أن فرية التزويج والتطليق قد ألصقت بالإمام بدوافع سياسية من قبل الأمويين ثم العباسيين ومن أبي جعفر المنصور بالذات وذلك لما كثرت ثورات الحسنيين عليه وعلى الدولة فأشاع بين الناس أن الإمام الحسن يتزوج اليوم ويطلق غدا أخرى إلى أن مات على فراشه(19).

ولو ألقينا نظرة على مسألة الطلاق فهل يحل للإمام فعل المكروه والمبغوض مع جوازه؟!.
ذكر الفقهاء في كتبهم أن طلاق الزوجة بغير سبب مكروه، قال ابن البراج (ت481هـ) في كتابه المهذب في باب الطلاق: (فإذا اختار الرجل طلاق زوجته كان له ذلك بسبب وبغير سبب لأنه مباح له إلا أن طلاق الزوجة بغير سبب مكروه فإن فعل ذلك كان تاركاً للأفضل ولم يكن عليه شيء)(20).

وجاء في كتاب الكافي: (عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: سمعت أبي(عليه السلام) يقول: إن الله عز وجل يبغض كل مطلاق ذواق)(21)، وليس بين هذه الرواية ورواية لا تزوجوا الحسن أو لا تنكحوا إلا صفحة واحدة فكيف يمكن الجمع بينهما وكيف نفسرهما إن صح سندهما؟!.

وذكر الحر العاملي (ت1104هـ) في كتابه الفصول المهمة في أصول الأئمة روايتين أحداهما عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وهي بعينها المروية في كتاب الكافي وليس في الرواية ما يقيدها فهي مطلقة تشمل الجميع، والأخرى عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (ما من شيء مما أحله الله أبغض من الطلاق وإن الله يبغض المطلاق الذواق)(22)، وروي في غير هذا الكتاب أيضا: (لعن الله كل ذواق مطلاق)(23).

والطلاق وإن كان مباحاً وجائزاً إلا انه مكروه ولا يمكن تصور فعل الإمام المعصوم للمكروه، وترتفع الكراهة في حالات المرض والعقم والنشوز والفسق وغيرها من الأمور المبيحة لذلك.
وقد رد بعض المحققين على ما أخرجه ابن سعد في طبقاته وهي عين الرواية المروية عند الإمامية لا تزوجوا الحسن، وغفل إنها مروية في كتب الإمامية ثم علل كثرة الأزواج أن هناك جملة حوادث استدعت ظروف شرعية محضة من شأنها أن يكثر فيها الزواج والطلاق معا(24).

ولم يبين ما هي هذه الظروف التي دعت الإمام المعصوم أن يتفرغ للزواج والطلاق لما يترك واجبه الشرعي؟، وكان الأحرى به أن يسقط هذه الموضوعات من الأساس مع أنه التزم بعنوان الأكاذيب والمفتريات الصريحة في بعض أبحاثه(25).

والعجب من بعض المعاصرين إذ ذكر أن كثرة زيجاته وأنه رجل مطلاق وغير ذلك انتشر في كتب المخالفين لأهل البيت(عليه السلام)(26)، وغفل هو الآخر عن مصادر الشيعة الإمامية المعتبرة وقد مر ذكرها.

وعلى كل حال فإن هذه الصفات التي ألصقت بالإمام(عليه السلام) تنافي عصمته وإمامته وتصوره يتزوج ويطلق من غير سبب ثم ذكروا أن أمير المؤمنين(عليه السلام) كان يكره هذا العمل(27)، ويصف ابنه بالمطلاق وينهى الناس عن تزويجه(28) ألا يستطيع هو نهره عن هذا الفعل أم خرج عن طاعته، لا يمكن تصور ذلك بحقهم فهو محض كذب وافتراء.

إن الأمويين والعباسيين هم الذين اختلقوا هذه المفتريات وبثوها بين الناس وكتبها الوعاظ في كل زمان لتصويره منشغلا عن الخلافة بملذاته الخاصة وتلقفها المستشرقون وبنوا عليها أحكامهم على الإمام الحسن(عليه السلام).

جاء في ترجمة الإمام الحسن(عليه السلام) من طبقات ابن سعد بتحقيق السيد العلامة عبد العزيز الطباطبائي، قال ابن سعد: (أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال علي(عليه السلام): يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن بن علي فأنه رجل مطلاق، فقال رجل من همدان: والله لنزوجنه فما رضي امسك وما كره طلق)(29)، وعلق السيد الطباطبائي فقال: (محمد بن عمر الواقدي وعلي بن عمر في هذه الطبقة نكرة هو وأبوه مجهولان، قال الذهبي في ميزان الاعتدال: علي بن عمر الدمشقي عن أبيه وعنه بقية لا يدرى من هو)(30).

والحديث مشهور في كتب الجمهور ومروي بعدة طرق، وذكره الطبراني (ت360هـ) عن محمد بن سيرين وذكر حادثة الخطوبة من منظور بن سيار الفزاري وقوله للإمام(عليه السلام): (والله إني لأنكحك واني لأعلم أنك غلق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمه نسبا)(31)، والغلق: كثير الغضب، والملق: مبذر المال، والطلق: مطلاق(32)، انظر إلى هذه الصفات وتأمل.
والعجب من تسرب مثل هذه الروايات إلى كتبنا المعتبرة، ولا ينقضي عتبي عن البعض بإيجاد عدة تخريجات لأمثال هذه الروايات المناقضة للعصمة والمخالفة لأصل الإمامة، فان الأئمة(عليهم السلام) كما وصفهم الله تبارك وتعالى فان خلقهم القرآن وسجيتهم الزهد والعبادة وإصلاح الناس والاهتمام بأمور المسلمين.

أما ذريته فهي على عدة أقوال نذكرها تتميما للبحث:
1ـ اثنا عشر، ثمانية ذكور وأربع إناث.
2ـ خمسة عشر، الذكور أحد عشر والإناث أربع.
3ـ ستة عشر، الذكور أحد عشر والإناث خمس.
4ـ تسعة عشر، الذكور ثلاثة عشر والإناث ست.
5ـ عشرون، ستة عشر ذكراً وأربع بنات.
6ـ اثنان وعشرون، الذكور أربعة عشر والإناث ثمان.
وقد اتفق المؤرخون أنه لم يعقب أحد من أولاده سوى الحسن وزيد(33)، وبذلك ترتفع شبهة كثرة الزوجات بالنظر إلى هذه الأقوال في ذريته.

نشرت في العدد 21


(1) اليعقوبي، احمد بن أسحاق، تاريخ اليعقوبي، (بيروت: دار الكتب العلمية، 2000م)، ج2، ص137.
(2) الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، (القاهرة: دار المعارف، 1960م)، ج5، ص50.
(3) المصدر نفسه، ج5، ص50.
(4) المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجواهر، (بيروت: دار الكتاب العربي، 2004م)، ج3، ص50.
(5) الطبري، التاريخ، ج:5، ص162.
(6) أبن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، (بيروت، 1965م)، ج3، ص402.
(7) فضل الله، محمد جواد، صلح الإمام الحسنِ(عليه السلام)، (بيروت: دار الزهراء،1979م)، ص81.
(8) الربيعي، حسن، نظرات في فكر أهل البيت(عليهم السلام) (الحسن المجتبى)، ص81.
(9) المصدر نفسه، ص92.
(10) المصدر نفسه، ص 93.
(11) المصدر نفسه، ص98.
(12) القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسن بن علي(عليه السلام)، ج2، ص105.
(13) أبن العربي، القاضي أبي بكر، العواصم من القواصم، ص199.
(14) فضل الله، صلح، ص108.
(15) المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام ن ج1، ص 322.
(16) الربيعي، نظرات، ص107.
(17) المصدر نفسه، ص109.
(18) الطبرسي، أبو علي، الاحتجاج، (النجف الأشرف: المطبعة المرتضوية، 1350هـ)، ص106.
(19) القرشي، حياة، ج2، ص460.
(20) ابن البراج، عبد العزيز الطرابلسي، المهذب، ج2، ص275.
(21) الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص55.
(22) المصدر نفسه، ج6، ص365.
(23) النقوي، حامد، خلاصة عبقات الأنوار، ج4، ص231.
(24) الحسون، فارس، الروض النضير، ص248.
(25) المصدر نفسه، ص248.
(26) الطائي، نجاح، أزواج النبي وبناته، ص126.
(27) النوري، المستدرك، ج15، ص280.
(28) المصدر نفسه، ج15، ص280.
(29) ابن سعد، الطبقات، تحق: عبد العزيز الطباطبائي بخصوص ترجمة الإمام الحسن(عليه السلام) الترجمة غير منشورة في أصل الكتاب بل عثر عليها مؤخرا، ص69.
(30) المصدر نفسه، هامش التحقيق، ص69.
(31) الطبراني، أخبار الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، ص41.
(32) المصدر نفسه، هامش ص41.
(33) القرشي، حياة، ج2، ص468.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.