Take a fresh look at your lifestyle.

العتبة العلوية المقدسة.. نهضة في الإعمار وإعادة الاعتبار المعماري لقاء مع مدير الشؤون الهندسية المهندس مظفر محبوبه

0 923

                           العتبات الدينية المقدّسة في العراق كثيرة إلى حد استحق فيه العراق أن يُلقّب بـعراق المقدسات.. ولكن هذه العتبات تعرضت ـ ولا تزال ـ إلى عوامل الإهمال والقدم الزماني واللاّمُبالاة من قبل النظام السابق، وإلى محاولات التخريب والهدم والاعتداء كما حدث في سامراء مطلع عام 2000م ومُحافظة ديالى وغيرها..

وبعد الاحتلال بدأ عهد جديد من التعامُل مع واقع هذه العتبات فأنشأت مجالس إدارات وأمانات عامة تكفلت بإدارة شؤون هذه العتبات وبإشراف المراجع بما من شأنه إصلاح وضعها وتطوير عُمرانها وتوسيعها إلى أفضل شكل مُمكن.

(شرق برس) اختارت أقدس العتبات الدينية في العراق وهي العتبة العلوية المقدسة التي تضُم جسد الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) لتستكشف طبيعة الجهود المبذولة في السنوات الثلاث الأخيرة لإعمار وتوسعة وتأهيل هذا الصرح العظيم الذي تستذكر وتستوحي معاني المروءة والإيمان والبطولة والعدالة والحرية كُلما وقفت في ساحته المقدسة في مدينة النجف الأشرف ولتشعُر بوضوح جلي مدى حجم التطوّر والإعمار الكبير الذي طرأ على العتبة مُنذ العام 2004م، فكان لنا هذا اللقاء المليء بالمعلومات الجديدة التي يُكشف عنها

ـ إعلامياً ـ لأول مرة مع مدير الشؤون الهندسية في العتبة العلوية المقدسة المهندس مُظفر محبوبة والذي بدأناه بالسؤال حول أبرز أعمال ومشاريع الإعمار والتأهيل والترميم للعتبة مُنذ تولي الإدارة الحالية للأمانة مهمة الإشراف عليها فأجاب:

بعد العام 2003م بدأت خطوة جديدة تتمثل في ترميم الخراب الموجود في العتبة والتي كانت كبيرة جداً والعمل على إصلاح ما يُمكن إصلاحه وقد استمر العمل هذه الخطوة سنتين تقريباً بعدها في نهاية العام 2004م وبداية العام 2005م بدأت عمليات تأهيل وإعمار العتبة والتي تشمل جميع أنحاء العتبة ولكن يُمكن الإشارة إلى أبرز هذه الأماكن بالفقرات التالية..

* ابتداءً كان العمل بتأهيل الطابق العلوي للعتبة وعلى ثلاثة مراحل الأولى كانت من جهة باب الطوسي (الشمالية) ثُم مُضيف الإمام علي(عليه السلام) والمنطقة المحصورة بين باب الفرج وباب القبلة، أما المرحلة الثالثة فكانت في الركن الجنوبي الشرقي المحصورة من جهة باب القبلة إلى باب الإمام الرضا(عليه السلام)
تحت الساعة.

والآن نحنُ بصدد العمل في المرحلة الرابعة والتي تقع بالرُكن الشمالي الشرقي المحصورة بين باب الإمام الرضا(عليه السلام)
وباب الشيخ الطوسي.

* المشروع الآخر كان يتمثل بإعادة إصلاح وترميم سطح العتبة بعد أن كان يُعاني من الكثير بسبب إهمال الأساليب الهندسية والعلمية الصحيحة فتم رفع كُل السطوح القديمة لإعادة تأهيلها من جديد وبطريقة علمية حديثة.

* ومن مشاريع التأهيل هو عملية تأهيل مضيف الإمام علي(عليه السلام) حيث كانت المجاميع الصحية التابعة لهُ غير جيدة وتُعاني من النضوح التي أدت إلى إلحاق أضرار بالهيكل الأساسي للمضيف فتم إعادة تأهيله وترميمهُ من جديد.

* وهُناك تأهيل لغرف الطابق الأرضي التي تضُم كبار عُلماؤنا ومراجعنا كالشيخ الأنصاري والسيّد أبو الحسن الأصفهاني والسيّد شرف الدين.. فكان الترميم بإعادة ترميم وتغليف الجدران بالمرمر على ارتفاع مترين وتغليف السقوف بالمرايا. والآن فإن المشروع مُتكامل لكُل غرف الطابق الأرضي.

* كذلك قمنا بتأهيل مكتبة الروضة الحيدريّة والتي كانت عبارة عن بناية مهجورة والتي تم تأهيلها وفق المتطلبات الحديثة للمكتبة بكُل تفاصيلها.

* وتأهيل مخازن العتبة الموجودة داخل سرداب المكتبة والعمل على إنشاء مخازن جديدة خارج العتبة.
* وتأهيل الغُرف المحيطة بالرواق حيث كانت عبارة عن غرف للنفايات تم تأهيلها بالمرمر والمرايا لتفتح للزائرين بالإضافة إلى نصب تبريد لكُل غرفة.

* مشروع ترميم وتأهيل الساعة، وهي من هيكل خشبي مبنية بنفس مواصفات ساعة (BIG BIN) البريطانيّة في لندن، لذلك فإن الحفاظ عليها كان هدفاً كبيراً بالنسبة إلينا فحافظنا على الهيكل كما هو كي نتجنب حدوث أي خلل في الساعة فقمنا بتدعيم وترميم الهيكل ثم إعادة تغليفه بالكاشي المُعرّق الكاشاني بعد أن كان مُغلفاً بكاشي مرسوم عليها نقوش هنديّة على قطعة ألمنيوم (شينكو) لا تليق بمقام العتبة.

* تأهيل محطات وشبكات العتبة بتفاصيلها الدقيقة مع محطاتها حيث أُنشأت محطة خارج العتبة لم تكُن جاهزة فكانت هذه هي المرحلة الأولى وفي المرحلة الثانية سوف يُصار إلى إنشاء محطة للحرم القديم وإنشاء محطتين أُخرتين في صحن فاطمة الزهراء(عليها السلام).

* إعادة تأهيل وصيانة شبكة الإسالة في العتبة مع إنشاء خزان بسعة مليوني لتر خارج العتبة من الجهة الشمالية وفي النية الآن إنشاء نقطة تعقيم عند خزان الماء بسبب بعض القصور في عملية تعقيم المياه الواصلة من شبكة مياه المدينة إلى العتبة بسبب طول المسافة بين مصدر التجهيز والعتبة.

* كذلك وضعنا برنامج مُتكامل خلال ستة أشهر لمُكافحة حشرة الأرضة والتي كانت مُتفشية في كُل مكان من العتبة من أعلى قبة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)

لذا فقد تم إنجاز هذا البرنامج، ثم بدأنا بإعادة المعالجة حسب الكشف الموقعي للحالات المشاهدة.
* إعادة تنظيم وتطوير منظومة العتبة، حيث كانت تعمل بنسبة صلاحية 10 % فتم رفعها وتطويرها.
* ترميم وتأهيل الجدار الخارجي للعتبة، وتنظيم مداخل العتبة والمنطقة المحيطة بها حيث كانت بمظهر لا يليق بمنظر المرقد الطاهر ومكانة الإمام(عليه السلام)

والذي تم إكمال مُعظمه ولم يبق سوى جدران المداخل.
* تجميل وترميم الواجهات الخشبية داخل إيوانات العتبة حيث أن مُعظمها مصنوعة من الخشب الساج من النوع الجيّد ولكن بسبب إهمال ولا مُبالاة النظام السابق فقد تم طلاءها بالطلاء الدهني لأكثر من خمس مرّات وهو ما يُفقد جمالية هذا النوع من الخشب فقمنا بإعادتها وتأهيلها إلى شكلها الطبيعي.

* تأهيل شبكة الصّرف الصحي داخل الحرم حيث كانت تُعاني من التكسّرات والنضح نظراً لقدمها ولأنها مصنوعة من معدن الآهين فكان أكثرها متآكل وتالف فتم إبدالها بالكامل ونصب شبكة جديدة.
* تأهيل وتشغيل خزان ماء للشرب بحجم 25 طن مع إنشاء خزانين آخرين جديدين يتبعهُما اثنين آخرين في القريب العاجل سيدخُلان الخدمة.

* إزالة وإلغاء مجموعة الصرف الصحيّة التي لا تليق بقدسيّة المكان نظراً لقربها من المرقد الطاهر وبالمقابل تم توفير مجامع صحية في الرُكن الشمالي الغربي بطاقة 200 مرفق صحي مُناصفة للرجال والنساء مع الحمامات. بالإضافة إلى ترميم وتأهيل المرافق المعروفة بالباكستانية في الرُكن الجنوبي الغربي وكذلك بناء مجاميع صحيّة تبرّع بها أحد المحسنين جنوب العتبة في شارع الرسول والذي توقف عن إكمالها بسبب عدم تمكنه مالياً من ذلك فتبرع أخوة مُحسنين آخرين لإكمالها، وفي النيّة إنشاء مجامع صرف صحية في الرُكن الشمالي الشرقي للعتبة في منطقة المصرف الإسلامي سابقاً ذي أربعة طوابق مُستفيدين من بُعد

المياه الجوفيّة عن مُحيط العتبة حيث يصل إلى عمق 14 متراً والذي من المؤمل أن تكون مواصفاته مُطابقة للمرافق الصحية الموجودة قرب الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة من حيث تطورها واشتمالها على الأجهزة الحديث والمتطورة والمصاعد ورغم ضخامة المشروع وارتفاع كُلفته إلاّ أن هُناك الكثير من المتبرعين قد أبدوا استعدادهم للمساهمة في تمويل هذا المشروع وسيكون بمساحة ألف متر مربع بواقع أربعة طوابق وبإمكانية توسعة لاحقاً بألف متر مُربّع أخرى وبنفس الطريقة.

كان ذلك فيما يخُص مشاريع التأهيل والترميم.. ماذا عن المشاريع الجديدة للعتبة؟
ـ في البداية قمنا بإنشاء مطعم مؤقت لمُنتسبي العتبة مع طموحنا الكبير بأن يتطور المطعم ويتحوّل إلى مطعم للزائرين كمضيف للزائرين وقد تحقق مثل هذا الطموح بإنشاء قاعة مُتعددة الأغراض مُقابل باب الفرج بمساحة 600 متر مربع تقريباً بطابقين ويُمكن استغلال هذه القاعة في استقبال الزائرين في المناسبات مع إضافة طابق آخر للضيوف المهمّين (VIP) وقد أنشأت هذه القاعة على شكل هيكل مؤقت يُمكن رفعه ونقله إلى أي مكان آخر مع إمكان التوسع في الجهة الغربية الممتدة لغاية مسجد التابعي صافي الصفا وحسب إحتياج العتبة.

ماذا عن صحن فاطمة الزهراء(عليها السلام)؟
يقع هذا الصحن في المنطقة المحصورة بين العتبة شرقاً وبين مسجد ومرقد التابعي صافي الصفا(رضي الله عنه) غرباً وهي الأرض التي كانت توجد فيها مساكن محلة العمارة القديمة والتي أقدم النظام السابق على هدمها لأغراض سياسيّة فبقيت المنطقة فارغة إلى أن بنيت عليها عمارات تجارية على الجانبين بطريقة مُساطحة لمُدة عشرين سنة وهذا ما جعل الأبنية التي بُنيت فيها غير متينة حسب عُمر المساطحة التي اتفق عليها ولحد أكثر من عام كانت هذه العمارات، ثم قامت العتبة بمُفاتحة المحافظة لاستملاك هذه العمارات بحُكم تصوّراتنا المستقبلية للعدد الضخم من الزائرين الذي لا يُمكن أن تستوعبه مساحة العتبة الحالية

فكانت جهود المحافظة ومجلس المحافظة والبلدية ودائرة التخطيط العمراني جهود مشكورة في خدمة إمامهم ووليّهُم للموافقة على ضمها للعتبة المقدسة وهي بمساحة 37000 متر مُربع ثم رفع طلب العتبة هذا إلى الجهات العُليا في وزارة البلديات لاستحصال الموافقات الرسمية عليها وأثناء رفعها بفترة وجيزة إلى الإدارة كان توفيق دولة رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي بزيارة العتبة وأثناء لقاءه بالأمانة العامة للعتبة قدّم إليه الطلب للموافقة عليه فكان ترحيبه كبيراً بهذا الشأن ولديه رغبة كبيرة لأن يُقدم خدمة لإمام المتقين(عليه السلام) فثبّت موافقتهُ على الطلب بدون أي بدل فتم استكمال كافة الإجراءات لذلك فأصبحت المنطقة جزءاً من العتبة.

وماذا كانت ردّة فعل أصحاب العمارات التجارية هذه؟
ـ أخذت هذه العمارات مُساطحة مع البلدية، وبنيت فنادق، لكن الزائرين الأجانب لا يرغبون بالنزول فيها بحُكم الإشكالات الشرعية المثارة حول جواز إشغالها تجارياً وسياحياً على حساب حاجة المرقد للتوسعة وكذلك البيوت المهدّمة التي بنيت هذه العمارات على أنقاضها بالإضافة إلى أن المنطقة تعرّضت إلى أضرار كبيرة بعد معارك أحداث النجف عام 2004م، فشكّلت على إثر هذه التداعيات لجنة من إدارة العتبة وضريبة المحافظة ودار التسجيل العقاري في المحافظة فتم تقييم أسعار العمارات ووضع حدود للكلف التعويضيّة للأبنية الموجودة وتم التفاوض مع الأخوة أصحاب المساطحات ولحد الآن لم يتم تحديد الرقم وقد تم مُفاتحة الدوائر ذات العلاقة في الدولة لرصد مبالغ التعويضات لهذا الموضوع ونأمل الموافقة عليه خلال الفترة القليلة القادمة.
هذه العمارات والأبنية كيف سيكون وضعها ضمن التوسعة والتطوير الجديد للعتبة؟

ـ مبدئياً أن يكون على الجانبين عمارات تضم إدارات ومؤسسات العتبة من مُتحف، مُضيف، مع كافة خدماتها من تبريد ومياه وكهرباء واتصالات.. الخ على أن تكون ثلاث طوابق فوق الأرض، وطابقين تحت، طابق خدمي فوق الأرض بارتفاع 6 أمتار وتحت الأرض بارتفاع 3 أمتار وهي معلومة أتحدث بها لأول مرة لأننا بالأمس فقط انتهينا من وضع اللمسات الأخيرة على التصميم المقترح.

أما الصحن في الوسط فسيكون بطابق تحت الأرض بارتفاع 9 أمتار، مع وجود صحن تحت الأرض بالإضافة إلى إضافة مسجد كبير مُلاصق للعتبة بعمق 60 ستون متراً وطول 80 ثمانون متراً يبدأ من جهة باب الفرج وحتى الرُكن الشمالي للعتبة وبطابقين تحت الأرض بارتفاع 9 أمتار لكُل طابق وهذا المشروع مُهم جداً تمت المباشرة به مُنذ سنتين تقريباً شمل حتى منطقة المقابر المحيطة بمنطقة السوباط غرب الحرم المقدس ومسجد الرأس والقاعة الصغيرة لمضيف الإمام علي(عليه السلام) وجميعها تم دراستها دراسة دقيقة من قبل كادر مُتخصّص في جامعة الكوفة بالنجف الأشرف من تاريخيين ومعماريين وإنشائيين، فكان على رأس الكادر التاريخي الأُستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم، أما الكادر المعماري فكان تحت إشراف الدكتور المهندس المعماري

ساهر القيسي المعماري الأستاذ في جامعة النهرين والكادر الإنشائي تحت إشراف الدكتور علي ناجي عطيّة رئيس قسم الهندسة المدنيّة في جامعة الكوفة وجميع أعضاء هذه الكوادر عملوا معنا بدون أي مقابل تطوعاً لخدمة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وقد سُمي بصحن فاطمة الزهراء لمظلوميّة الزهراء(عليها السلام) وعدم معرفة قبرها وعلاقتها بأمير المؤمنين(عليه السلام)
وسُمّي بذلك تزامُناً مع فاجعة هدم قبة الإمامين العسكريين(عليهما السلام) لذلك سُمّي الباب المقابل لمسجد التابعي صافي الصفا بمدخل الإمام علي الهادي(عليه السلام).

وبعد دراسات مُستفيضة لواقع العمارات والأبنية المحيطة بالحرم وجد أنها لا تمُت بعمارة وقيمة معمار الحرم بصلة فمسجد الرأس هُدم في ثمانينيات القرن الميلادي الماضي وأعيد بناؤه وكذلك المضيف حيث هدم على أنقاض التكية البكتاشيّة وأما السوباط فبعد الفحص والتحرّي وجدنا أن عمرها لا يتجاوز الخمسين عاماً وأمام الحاجة لتوفير أماكن لائقة للزائرين اخترنا راحة الزائرين على بناء ليس بالقديم أو ذي قيمة تاريخية وبالنسبة للقبور الموجودة أو المعالم الأخرى فسوف تؤشر وتُعلّم لتعريفها وتمييزها والحفاظ عليها وهو بمساحة 1200 مُربع تم تصميمهُ بطريقة حديثة مُتصلة مع العمارة الإسلاميّة مع فتح خمسة أبواب

في رواق النساء موجودة الآن من الجهة الغربية تفتح على هذا المشروع مع استخدام تفاصيل معمارية دقيقة في المشروع مع الحرص على استخدام التفاصيل الفلكيّة التي أسّسها الشيخ البهائي في بناء الحرم الحالي مع تثبيت أربعة شبابيك بهندسة معمارية تؤشر إلى حالة الزوال والغروب وتفاصيل أخرى، وقد تأخر العمل في هذا المشروع أكثر من عام بسبب الحرص على عدم الإضرار بأسس بناء الحرم.

يُذكر أن بداية الإعمار كانت من الجهة الغربية للحرم حيث السوباط ومسجد الرأس ومضيف الإمام علي(عليه السلام)
بُنيت بمرحلة مُتقدمة بعد عمارة الحرم من خلال الدراسات المستفيضة للمشروع أولاً ومُتابعة إزالة أبنية ذلك المكان ثانياً إن هذا الجزء يشمل جهة الرأس الشريف للضريح المقدس حيث المكان الأنسب للدعاء والزيارة، بينما كانت مجمعاً للمواد التالفة ومُخلفات الطيور دون أن يُستعمل المكان لأي خدمة فتطورت دراسة توسعة الحرم بهذا الاتجاه من مُجرّد فتح الأبواب والشبابيك بين الرواق والسوباط والمقابر ومسجد الرأس ليكون التصميم النهائي هو إزالة الأبنية كافة وذلك لعدم ارتباطها بالحرم إنشائياً وعدم كونها تاريخية وبعد إعلام المراجع العظام من قبل سماحة السيّد مُحمّد رضا الغريفي (دامت توفيقاته) بدأت المباشرة بأعمال إزالة الأبنية بتأريخ 11/ ربيع الأول/1426 هجـ الموافق 20/نيسان/2005م وكانت بركات

الإمام(عليه السلام) جليلة في تسهيل العمل وسُرعة إنجازه. حتى إنني أذكُر أن أحد العاملين في أعمال البناء والتوسعة سقط مع عربته من ارتفاع عشرة أمتار تقريباً وفوق رُكام من الأنقاض والطابوق دون أن يُصاب أحد بأذى أو كسر أو جُرح ومواصلته العمل حتى انتهائه بالهمة نفسها والنشاط.

لقد كان الحرص كبيراً لأن يُحاكي تصميم مشروع التوسعة في هذا الجزء التصاميم المعماريّة للحرم التي تعتبر تحفة معماريّة وفنية مع ما تحتويه من أسرار فلكيّة عديدة مع احتفاظ المصمم بحقه بإضفاء بصمته عليها، فكان التصميم يتشكّل من أربع عشرة قبة تشير إلى عدد المعصومين عليهم السلام وكُل قبة تتألف من أربعة مقاطع يفصل بين جزء وآخر شباك عمودي، فيما بقيت المحافظة على شكل وروحيّة فتحة السوباط القديمة مع تعليم مسارهُ أيضاً. وقد أجرى المهندس وميض ضياء الدين الغريفي أحد

مُهندسي قسم الصيانة في العتبة دراسة مُستفيضة حول تثبيت زاوية شبابيك القباب الأربع عشرة ليكون أحدها مُقابل الشّمس وقت الزوال ليُشير دخول الشمس من خلاله إلى وقت الزوال ثُم يحتجب ضوؤها عنه بعد انتهاء وقت الفريضة، كما قام بدراسة تثبيت شُباك آخر منها ليُقابل الشمس عند الغروب، ذلك ليكون المشروع مُكملاً لعمارة الحرم القديمة. يرتفع السقف على (24) عموداً حديدياً رُباعياً أي (يتكوّن من أربعة أنابيب حديديّة بأقطار مُختلفة لتحقيق أكبر مدى رؤية مُمكنة من خلالها) يتوّجهُ مُقرنصات تحمل فوقها مجموعة أقواس إسلاميّة بنقوش وزخارف مُستوحاة من الحرم القديم، وستكون أرضيّة المشروع وجدرانه مُغلفة بالمرمر الأونكس الأخضر.

ومن المشاريع الأُخرى التي جرى تنفيذها في العتبة هي إنشاء مُسقفات إيواء في الجهة الشمالية للعتبة بمساحة حوالي 1800 متر مربّع وفي النية إنشاء مسقف آخر مُشابه في الركن الشمالي الشرقي للعتبة بمساحة 600 متر مربع.

ومن المشاريع الأخرى التي نأمل العمل فيها هي نفق الخدمات إذ ليس من المنطق تخريب منطقة من مناطق العتبة لمجرد إضافة خدمات الماء أو الكهرباء فقمنا بحفر نفق للخدمة بعمق متر ونصف وعرض متر واحد في مُحيط العتبة على أن يستمر إمتداده في المستقبل محيط صحن فاطمة الزهراء(عليها السلام).

ومن المشاريع أيضاً نصب 13 برج إنارة حول العتبة بواقع 24 ضوء في البرج الواحد لإنارة المنطقة المحيطة بالعتبة أما ارتفاع هذه الأبراج كان المقترح هو 32 متر وبعد التحقيق في ارتفاع القبة الشريفة وجد أن ارتفاعها يصل إلى 30 متراً فتم تقليل ارتفاع البرج لكي لا يعلو على القبة الشريفة.
ماذا عن القُبّة الشريفة؟ وهل من أسرار معماريّة بخصوصها؟

ـ فيما يخص القبة فقد باشرنا بترميمها من الداخل بسبب تضرّرها لتبقى كما هي لأنها فريدة بطرازها المعماري، حتى أن بعض الباحثين الفلكيين يقولون بأنك عندما تضع خط وهمي بين القبة الشريفة وإحدى المنائر فإن هذا الخط سيُوصلك إلى موقع شروق الشمس في بداية فصل الربيع في آذار، أما إذا أوصلت خطاً آخر من القبة الشريفة بالمنارة الأخرى فإنهُ سيوصلك إلى مطلع شروق الشمس في فصل الخريف في أيلول، أما حزام الكاشي المحيط بالقبة فقد رفعهُ النظام السابق لا لشيء سوى لأنهُ كُتب عليه شعراً باللغة الفارسية من الأعلى والأسفل رغم أن عُمر هذا الحزام يتجاوز القرن. وعندما طُبق النظام الإداري الجديد للعتبة

العلوية المقدسة وعُيّن السيّد الأمين العام الجديد الحالي أتخذ قرار إعادة كُل ما رفعهُ النظام السابق لأغراض سياسية وعند مُعاينة هذا الحزام وجدنا أن الذهب والمينا ذهبت عنهُ لذلك فإننا سنعمل على إعادة المينا إليه وعند تجرُبة إعادة النحاس مع المينا وجدنا أنهُ يتضرّر لأنهُ يتعرض إلى درجة حرارة تصل إلى 90 درجة مئويّة، وبعد دراسة مُستفيضة استمرت لثمانية شهور من قبل مُختصين أجانب تم استنساخ هذا الحزام بالكامل وبنفس تفاصيلهُ والنحاس الموجود فيه وطلاء الشكل المستنسخ لهُ بالذهب والمينا ليتحمّل الحرارة والاحتفاظ بالحزام القديم، ومن المصاعب التي واجهتنا في خصوص هذا الحزام هي عدم وجود فنيين مختصين

بطلائه من داخل البلد، ونظراً لقيمته التاريخية والدينية فقد تحرّجنا كثيراً عن إخراجه خارج العتبة فضلاً عن إخراجه خارج البلد، لذلك وصلنا إلى هذا القرار بعد تجارُب مُتعدّدة ودراسات مُستفيضة. وقد اعتمدنا تقنيّة تصوير القطع ودراسة أبعاد سُمكها في الكومبيوتر وأتوقع أن يكتمل تنصيب الحزام خلال العام القادم.

من هي أبرز الجهات والشخصيّات المساهمة بالتبرّع لتطوير وتأهيل العتبة؟
ـ بشكل عام لدينا شُعبة في العتبة تُدعى (شُعبة الهدايا والنذور) وهي تستقبل المتبرعين من أي جهة كانت وتصرف أمواله في المكان الذي أراد المتبرع أن تصرف فيها، فمثلاً عندما يتبرّع شخص بمبلغ لإنارة العتبة فلا يُمكن شراء طابوق بهذا المبلغ وهكذا.. وأهل الخير كثيرون، وفي السنوات الماضية كانوا محرومين من إمكانية التعبير عن حُبهم وارتباطهم بإمامهم بينما أصبح المجال مفتوحاً لذلك من خلال المساهمة بالتبرع بما يُمكنهُم علماً أن العتبة أصبحت من خلال النظام الإداري الجديد كياناً مُستقلاً بذاته دون أخذ أي مبالغ مالية أو هدايا مُقابل الخدمات المقدمة للزائرين، أما التبرعات فبإمكان أي جهة أو شخص التبرع والمساهمة دون تقييد.

ماذا عن مُستشفى الإمام علي(عليه السلام) والتابعة للعتبة العلوية المقدسة؟
ـ مُستشفى الإمام علي(عليه السلام) مشروع كان مُنذ سقوط النظام مُخصّص لأبناء المدينة من قبل إحدى الجهات التي قادها توفيقها إلى العتبة العلوية المقدسة، فتم تخصيص قطعة أرض على شارع أبي صخير مُقابل الحامية العسكرية القديمة وهو مُستشفى ذو طابقين يسع لستين سرير مُمكن مُضاعفتها إلى 120 سرير خلال فترة قليلة وقد أُعتُمِد في النظام الداخلي للمُستشفى أن تكون خيريّة أكثر منها أهلية تقوم بمُساعدة المرضى وخصوصاً غير القادرين على العلاج خارج القطر حيث سيتم جلب أجهزة طبية حديثة مع مُلاحظة خصوصيّة مُنتسبي العتبة فيها.

هل هُناك مشاريع توسعة مُستقبلية لإضافة مُلحقات للعتبة من ضمن المناطق المحيطة بها؟
ـ مُنذُ أكثر من عام ونحنُ نعقد الندوات الثقافية والمعمارية التي تهدف إلى دراسة السُبل والآفاق المُستقبلية التي تُساعدنا على التخطيط للتوسعة تماشياً مع زيادة عدد زوار العتبة المقدسة، فيما طرَح المُصمّم المعماري للعتبة الدكتور رؤوف الأنصاري ثلاثة مشاريع مُقترحة لتوسعة العتبة العلوية المقدسة، الخيار الأوّل يتمثل بالتوسعة من جهة صحن فاطمة الزهراء(عليها السلام)

فقط، والخيار الثاني أن تكون التوسعة بالإضافة إلى صحن فاطمة الزهراء(عليها السلام) يتم ضم السوق الكبير ويُبنى مكانهُ سوقين حديثين كبيرين مكوّن من ثلاث طوابق واحد فوق وآخر أرضي وثالث تحت الأرض يُستخدم كمرآب للسيارات على أن يُعوض أصحاب المحلات بتعويض مُجزي ومُناسب، والاقتراح الثالث هو إزالة جميع المدينة القديمة ومن ثُم إعادة تصميمها.

ومن خلال الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع فإن مُعظم الأفكار والطروحات التي قدّمت كانت مع الحفاظ على المدينة القديمة باعتبارها مدينة عريقة خرجت كبار العُلماء والمفكرين والمراجع وهي مدينة تتمتع بهندسة معماريّة مُتميزة. ونتمنّى من الإدارة المدنيّة والأجهزة المختصّة أن تمنع عمليات التغيير العمراني التي قد تحصل بسبب سعي البعض لبناء الفنادق على أنقاض البيوت القديمة في محلاّت النجف الأشرف القديمة.

نشرت في العدد 21

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.