Take a fresh look at your lifestyle.

مرقد ابن إدريس.. صرح خالد في الحلة الفيحاء

0 989

                للمدن العراقية قصة ممتدة مع جذور الحضارة التي نمت فيها وترعرعت فاستطال عودها واخضر، وأينع نتاجها وأثمر فكانت الثمار تمثل ذلك الكم الهائل من صور الإبداع المعرفي والعلمي الذي ارتقى بالإنسان إلى مرتبة سامية جعلته بمكان يليق به أن يكون خليفة لله في الأرض.

وكان اعتماد هذه المدن في مواكبتها قافلة الحضارة على أبنائها الذين ما برحوا يواصلون الليل بالنهار في نشاط دؤوب وعزيمة لا تعرف الكلل والملل حتى أوجدوا بجهودهم الجبارة وعطائهم الثر قاعدة علمية رصينة تفتخر بها المدينة التي انتسبوا إليها وحملوا اسمها، بل ومنحوها صفة خالدة تتشرف بها ولو بعد أفول نجمها وانكماش دورها الحضاري والعلمي.
وهذا ما حصل لمدينة الحلة الفيحاء، منار العلماء وملتقى الشعراء، الأرض التي أنجبت قادة الفكر وفرسان العلم فكانت الحلبة التي يتبارز فيها الشجعان.

لقد منحت الحلة اسمها لعدد من فطاحل العلم حتى التبس على الناس الأمر، فإذا ذكر (الحلي) وحده، أفتراهم يقولون أنه المحقق أم العلامة، ابن البطريق أم ابن إدريس، فلان أم فلان وهلم جراً ؟.

ثم دخل الشعراء هذا المعنى فراحوا يتنافسون مع العلماء أيهم يدخل مضمار المجد ويحظى بالعدد الأوفر في إحراز لقب (الحلي).
ومع ولادة الحلة ولد العلم فكانت الأسر والقبائل العربية الأصيلة تفيض بالأعلام وقد أشار لسبب ظهور هذا الحشد العلمي الضخم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قدس سره) قائلاً: (وقد ساعد الحليين على هذه العبقرية ولطيف القريحة والأريحية، طيب التربة ولطافة الهواء وعذوبة الماء، ومن هنا شاع نعتها بالحلة الفيحاء، ونبغ منها العشرات بل المئات من أساطين علماء الإمامية ودعائم هذا المذهب الحق ناهيك بابن إدريس والمحقق وأسرته الكرام بني سعيد وابن عمه يحيى بن سعيد صاحب (الأشباه والنضائر) وآل طاووس وآل المطهر كالعلامة وأبيه سديد الدين وولده فخر المحققين إلى كثير من أمثال هؤلاء الأماثل)(1).

وهذا ما دفعنا لتخصيص استطلاع هذا العدد من مجلتنا (ينابيع) عن واحد من هؤلاء الأفذاذ، فأصبح مرقد العلامة ابن إدريس الحلي أعلى الله مقامه اختيارنا ووجهة مقصدنا الذي وجدنا فيه رمزاً من رموز العبقرية التي دللت على العقلية الإسلامية بكل أبعادها ومدلولاتها.

ابن إدريس في دائرة الضوء
هو فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى الحلي العجلي نسبة إلى عجل بن لجيم قبيلة من بني ربيعة الفرس(2)، وقد اختلفت الروايات في تحديد نسبه فتارة نرى يأتي كما ذكرنا وأخرى يأتي على نحو محمد بن منصور بن إدريس العجلي الربعي الحلي(3)، وقد يأتي على نحو محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس بن الحسين بن القاسم بن عيسى(4)، ولد سنة (543هـ) على أشهر الروايات(5)

في مدينة الحلة، ولم يحدثنا التاريخ عن أبيه ولا عن أسرته إلا أن العلاقة النسيبة بينه وبين الشيخ الطوسي باعتبار الشيخ الطوسي (جده لأمه)، أصبحت موضع سجال حيث امتاز فريقان في آرائهما إزاء هذه العلاقة ففريق اثبت النسبة وآخر جاء بحقائق فنفاها نفياً قاطعاً مستدلاً بعدم ذكر أبن إدريس لهذه العلاقة ولو على نحو الإشارة سيما وأنه ذكره مرات ومرات في السرائر، كما أن الفاصلة الزمنية بين الطوسي وأبن إدريس تبلغ حوالي 83 سنة، كما ذكر الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب في ترجمة ابن سعيد الحلي قائلاً: (المعروف بالشيخ نجيب الدين ابن عم المحقق الحلي وسبط صاحب السرائر) والمقصود بصاحب السرائر هو ابن إدريس مما يعني أن سبط ابن إدريس كان عالماً فاضلاً فقيهاً ورعاً، مقتفياً بذلك أثر جده لوالدته ابن إدريس أعلى الله مقامه.

وفي الوقت الذي ولد فيه ابن إدريس كانت الحلة في أوج حركتها العلمية حيث تزدحم فيها المدارس بالطلبة الوافدين الذين جاؤوا لينهلوا من نميرها المعرفي العذب.

أما الحالة السياسية أبان فترة حياة ابن إدريس فقد كانت قلقة، حيث انهارت الإمارة المزيدية التي حكمت الحلة منذ تأسيسها على يد الأمير صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الذي اتخذها عاصمة له سنة (495هـ/1002م)(6) فازدهرت الحياة العلمية بل أصبحت في عصرها الذهبي حيث اكتظت مدارس الحلة بالعلماء والمتعلمين.

وعندما توفي الأمير علي بن صدقة سنة (545هـ) بالحلة، انقرضت الإمارة وصارت الحلة تابعة للعباسيين يرسلون إليها إليها العمال من قبلهم(7).

 

أساتذة ابن إدريس
تدرج ابن إدريس في البحث والدراسة حتى بلغ ما بلغ إليه وكان ذلك نتيجة لنشاطه حيث حضر الدرس على ثلة من خيرة أساتذة مدرسة الحلة الفقهية نذكر منهم(8):
1ـ عربي بن مسافر العبادي.
2ـ عبد الله بن جعفر الدوريستي.
3ـ الحسين بن رطبة السوراوي.
4ـ الحسن بن رطبة السوراوي.
5ـ هبة الله بن رطبة السوراوي.
6ـ محمد بن علي المعروف بعماد الدين الطبري.
7ـ علي بن إبراهيم العريضي العلوي.
8ـ السيد شرف شاه بن محمد الأفطسي.
9ـ الياس بن إبراهيم الحائري.
10ـ ابن شهراشوب المازندراني.
11ـ أبو المكارم بن زُهرة الحلبي.
12ـ راشد بن إبراهيم.
13ـ عميد الرؤساء هبة الله بن حامد.

تلامذة ابن إدريس
ما أن وصل ابن إدريس إلى تلك المنزلة العلمية المتقدمة حتى ذاع اسمه وطارت في الآفاق شهرته حتى تزاحم على حضور مجلسه عدد من الأعلام الذين لمس فيهم ابن إدريس حب العلم فراح يشبع نهمهم، وقد أكد ذلك الباحث (علي همت بناري) بقوله: (… فقد لعب هذا الجيل الذي تربى على يد الحلي دوراً هاماً في تاريخ الفقه الشيعي)(9) ونذكر من هؤلاء(10):
1ـ السيد فخار بن معد الموسوي.
2ـ محمد بن نما الحلي.
3ـ السيد يحيى الدين الحلبي.
4ـ جعفر بن أحمد الحائري.
5ـ علي بن يحيى الخياط (الحناط).
6ـ طمعان (طومان) بن أحمد العاملي.
7ـ أحمد بن مسعود الحلي.
8ـ الحسن بن يحيى بن حسن الحلي، وهو شقيق زوج ابنته أحمد بن يحيى.

الدور العلمي الذي قام به ابن إدريس
من يستعرض آراء وكبار العلماء في شخصية ابن إدريس الحلي يلاحظ علو المنزلة التي تبوأها بين أقرانه، فقد وصفه الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي بـ(الإمام العلامة) و(شيخ العلماء) و(حبر المذهب)(11)، أما السيد نور الله الشوشتري فقد أطنب في وصفه قائلاً: (الشيخ العالم المدقق فخر الدين أبو عبد الله محمد بن إدريس العجلي الربعي الحلي، تجاوز فخر الدين الرازي في اشتغال الفهم وتعالي التحليق، وتقدم في علم الفقه وابتكار النكات على محمد بن إدريس الشافعي، (كتاب السرائر) ـ أحد مصنفاته الشريفة ـ دليل ظاهر وبرهان باهر على دقة فهمه وكثرته، وقد زاد بالكثير من الأبحاث على تصانيف الشيخ الأجل أبي جعفر الطوسي، وكانت له على أكثر مسائله الفقهية مخالفة أو اعتراض أو استدراك)(12).


هذا وقد تعدت شهرة ابن إدريس المذهب الجعفري حتى امتدحه علماء ومؤرخي المذاهب الإسلامية فقد قال فيه ابن حجر العسقلاني: (محمد بن إدريس العجلي الحلي، فقيه الشيعة وعالمهم، له تصانيف في فقه الإمامية، ولم يكن للشيعة في وقته مثله)(13)، أما شمس الدين الذهبي فيقول: (العجلي، رأس الشيعة، وعالم الرافضة، العلامة أبو عبد الله محمد بن إدريس بن أحمد بن إدريس العجلي الحلي، صاحب التصانيف…، له بالحلة شهرة كبيرة وتلامذة)(14).

وقد قسم العلامة السيد جودت القزويني الأطوار التي مرت بها مدرسة الحلة الفقهية المتطورة إلى أربع أطوار هي كالتالي(15):

1ـ ظهور مركز الحلة العلمي على يد ابن إدريس.
2ـ تبلور ذلك المركز على يد نجيب الدين محمد بن جعفر بن نما.
3ـ الازدهار الفكري على يد نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي.
4ـ التكامل المعرفي والسياسي على يد الحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي.
وبذا يكون أبن إدريس مؤسساً حقيقياً للمدرسة الحلية الحديثة.

كما لمس الباحث (علي همت بناري) السمات البارزة في شخصية ابن إدريس فثبتها بنقاط(16):
1ـ النبوغ الذاتي.
2ـ التفكير الحر.
3ـ الشجاعة العلمية والجرأة الفقهية.
4ـ التضحية والفداء.

لقد وظف ابن إدريس هذه السمات في كسر الجمود الذي طوق الدراسة الفقهية آنذاك، فقد كان شائعاً تقليد السلف والاقتصار على آراء ونظريات الشيخ الطوسي، وقد جابه رفضاً واسعاً في طبقات العلماء ولم تجد أفكاره المتنورة ونظراته السديدة في مناقشة الأدلة والاعتراض على بعض المسائل أذن صاغية وقد عبر عن ألمه لما واجهه في مجتمعه قائلاً: (ليس بقدم العهد يفضل القائل،

ولا لحدثان العهد يهتضم المصيب، ولكن يعطى كل واحد منهما ما سيحق، فالعاقل اللبيب الذي يتوخى الإنصاف فلا يسلم إلى المتقدم إذا جاء بالردى لتقدمه، ولا يبخس المتأخر حق الفضيلة إذا أتى بالحسن لتأخره، وكأين نظر للمتأخر ما لم يسبقه المتقدم إليه، ولا أتي بمثله: أما استحقاقاً أو اتفاقاً، فمن العدل أن يذكر الحسن ولو جاء ممن جاء، ويثبته للآتي به كائناً من كان، ولا ينظر إلى سبق المتقدم وتبع المتأخر، فإن الحكمة ضالة المؤمن على ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) والخبر المشهور عن أمير المؤمنين(عليه السلام) من قوله: (انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال…)(17).

لقد (قام الشيخ ابن إدريس مناضلاً في سبيل فتح باب الاجتهاد وأخذ يناقش آراء الشيخ الطوسي قاصداًًًً بذلك إزالة الجمود، … وما يتمتع به الفقه الشيعي من روح الاستنباط هو من آثار سعيه)(18).

نتاجه العلمي:
يعد كتاب ابن إدريس (السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي) أشهر كتبه على الإطلاق حتى اقترن اسمه باسم الكتاب وقد (أودع فيه نظراته الاجتهادية وطرق استنباطه الشرعي للأحكام، ومارس نقداً لتيار المقلدة الذين جمدوا على تراث الشيخ الطوسي، ولم يستطيعوا الإفلات منه، الأمر الذي أشاع أن جهود ابن إدريس الاجتهادية أعادت فتح باب الاجتهاد الذي أوشك أن يغلق بعد وفاة الشيخ الطوسي)(19).

أما عن نتاجه غير الفقهي فقد تنوع، منه كتاب مستطرفات السرائر ومختصر التبيان وكتاب التعليقات وحاشية الصحيفة السجادية وكتاب الطب والاستشفاء وأخيراً رسائل ابن إدريس.

وفــاته
توفي ابن إدريس في اليوم الثامن عشر من شهر شوال سنة (598هـ) عن عمر لا يتجاوز الخمس والخمسين سنة كما أثبتت ذلك جملة من المصادر(20) وقد ذكر الشيخ عباس القمي في تاريخه قائلاً:
ثم ابن إدريس من الفحول
ومتقن الفـــروع والأصــــــول
عنه النجيب بن نما الحلي حكا
جاء مبشــراً مضى بعد البكـــا

تاريخ مرقده
ذكر عدد من المؤرخين قبر ابن إدريس والظاهر أن القبر كان بعد وفاته عبارة عن غرفة صغيرة تحيطها جدران طينية وتعلوها سقيفة كما أورد ذلك السيد هادي كمال الدين قائلاً: (كانت على ضريح ابن إدريس قبة من آجر وجص متواضعة لم تتناسب وكيانه العلمي بنيت في مدرسته التي تهدم سورها ولم يبق من آثاره شيء)(21). ثم انضم إلى مرقده مسجد حسب ما ذكره السيد محمد صادق بحر العلوم: (ومرقد ابن إدريس اليوم في الحلة في محلة الجامعين كان قديماً مسجد وقد تهدم واندرست آثاره وصار المكان مجمعاً للأوساخ مما لا يتناسب ومكانة المرقد)(22).

أما الشيخ محمد حرز الدين فيقول: (مرقده في الحلة المزيدية، عليه قبة صغيرة، حوله نخيلات في أرض تنز ماءً، وكانت دور السكن غربية ولم تقرب منه العمارة)(23).

أما عن بداية أعمار المرقد فقد ذكر السيد هادي كمال الدين: (…وكان إلى جانب الحاج حسان مرجان التاجر عبد الخالق ياسين والحاج عبد بدير والحاج عباس بيعي… ثم يضيف، أما إجازة البناء فقد كانت باسم رئيس الطائفة المجتهد آية الله المحسن الحكيم وقد صادف هذا المشروع الخيري العظيم الذي لم يسبق له مثيل في الحلة في هذا العصر ولا في العصر الذي قبله رضا كافة أهالي الحلة وتأييدهم له تأييداً مطلقاً إلا المرتدين عن الإسلام من طغمة الفوضى أخزاها الله في دنياها وآخرها ووفق العاملين إلى الخير وقد أرخت هذا المشروع الجليل بعده تواريخ منها قولي:

هذا ابن إدريس له
لقد هدى الله كرا
شادوا له مسجده
أولهم حسان مر
أسرع للخير، ومن
للخير راح مسرعاً
سرائر معطرة
ماً ليعيدوا أثره
وقبة مطهرة
جان جليل المأثرة
يعمل من الخير يره
أرخ وتلك مفخرة
1381هـ(24)

زيارتنا للمرقد
في صبيحة يوم السبت المصادف (4) شعبان (1428هـ) الموافق 18/8/2007م توجهنا نحو هذا المرقد الطاهر الذي يضم رفاة شخص، حمل مشعل العلم، وأعاد الحيوية للدرس الفقهي بعد أن تقيد وتحدد.
وكان في استقبالنا كل من السادة (السيد حسام الشلاه، والسيد خليل المشايخي والسيد محمد علي النجار)،

وقد تحدث لنا السيد النجار (وهو ممن عاصر عملية أعمار وصيانة مرقد ابن إدريس) قائلاً: (كان المرقد عبارة عن غرفة صغيرة في منطقة مهملة ومهجورة تقريباً ونظراً لانخفاضها فقد كانت مجمعاً للمياه، وفي سنة (1960م) تصدى لأعمار المرقد جمع من تجار الحلة وشرعوا بجمع مبلغ معين، وعندما باشروا بأعمال البناء وجدواً أن المبلغ الذي بحوزتهم لا يفي إنجاز فقرة الأسس، وعندها توقف البناء فترة قصيرة، فتصدى حينها المحسن المغفور له الحاج حسان مرجان وأخذ الأمر على عاتقه وأكمله على أحسن ما يرام.


أما الأرض التي بني عليها المرقد فهي حسب السجلات الرسمية مسجلة كوقف وقد ظهرت مشاكل مع مديرية الأوقاف التي منعت استمرار البناء منعاً باتاً حتى وصل الأمر إلى المحكمة، وبعد مدة جرت خلالها محاولات كثيرة من المحسنين تم تسجيل الأرض بمبلغ معين باسم الحاج حسان مرجان، والذي بدوره أوقفها وقفاً خيرياً ونصب لها متولي يقوم بخدمة المرقد،ثم ضم مساحة أخرى إلى المرقد لتشكل مزاراً يليق بمكانة (ابن إدريس).

يطل مرقد العلامة ابن إدريس الواقع في منطقة الجبل، على شارعين رئيسيين من شوارع مدينة الحلة العامرة أحدهما يقال له: شارع الجبل (المأخوذ من حديقة الجبل الواقعة بالقرب من مرقد ابن إدريس ـ والتي عدها الشيخ محمد حسين حرز الدين حديقة أثرية، والظاهر أن هذا الشارع هو الشارع العام الواصل بين النجف وبغداد في بداية الستينات من هذا القرن(25)ـ).

أما الشارع الآخر فيقال له: شارع الطهمازية المؤدي إلى قرية الطهمازية، تطل الباب الرئيسة للمرقد على تقاطع الشارعين كما تحيط المحلات التجارية، بجهات ثلاث عدا الجهة الخلفية، ومن الباب الرئيسة يمكن الدخول إلى الساحة عن طريق ممر مسقف تقع على جانبه الأيسر، المنارة الشامخة البالغ ارتفاعها (25م) وقد كُتب على جبهتها المقابلة لمرقد أبن إدريس تاريخ شعري للسيد محمد علي النجار ما نصه:
شـــــاد حســـان للبلاد منـــــاراً
آيـــة في الزمان يسمو ذراها
كــــم أياد لآل مرجـــــان تبدو
ناصعـــــات وأنهــــا لا تضاهــا
ليس تحصى مـــآثر خلدوها
إنمـــــــــا هــذه ترى إحداهـــــــــا
وبأقصى المنا(ر) ناديت أرخ
(وعلى هذه فقس ما سواها)
(1380هـ)
أما عن يمين الداخل فيوجد إيوان مسقف تبلغ مساحتها (20م2) تقريباً، أما المساحة الإجمالية لهذا المرقد فتبلغ (1814م2) يتوسط المرقد فناء ذو ساحة واسعة، تقع في منتصفه، حديقة وارفة الظلال تبلغ مساحتها (225م2)، أما حرم المرقد فيقع في منتصف الفناء تقريباً، حيث يتداخل أكثره مع المسقف الممتد على طول الجهة الخلفية، أما المتبقي الأخر فيطل ببروز واضح على ساحةالمرقد، والحرم عبارة عن حجرة، تبلغ مساحتها (16م2) تقريباً تحوي قبرين متوازيين أحدهما مرقد الشيخ محمد بن إدريس وهو عبارة عن دكة بطول (2م) وبعرض (1م) من الرخام، ويرتفع القبر عن الأرض (0،5م) تقريباً والقبر الآخر هو بنفس

مواصفات قبر ابن إدريس وهو للسيد الطاهر جلال الدين أحمد (ابن الفقيه) من رجال القرنين السابع و الثامن الهجريين، وقد ذكره الشيخ محمد حسين حرز الدين في تعليقه، إلا أن الطاهر كان مدفوناً بعيداً عن ابن إدريس ثم نقل بعد التجديد بفترة طويلة فقد ذكر قائلاً: (ويقرب من باب الحسينية هذه على يمين الداخل إلى مرقد ابن إدريس مرقد يعرف بمرقد الطاهر عليه قبة متوسطة الحجم، يزعم بعض الحليين المعمرين هناك أنه قبر والد العلامة الحلي وهو الحسن بن المطهر ولا دليل لهذا الزعم المجرد ظاهراً)(26)،

والطاهر هذا هو السيد الفقيه نقيب العلويين جلال الدين أبو القاسم أحمد بن الفقيه يحيى بن هبة الدين بن أبي الحسن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي تغلب علي بن الحسن الأصم السورائي بن الحسن الفارس بن يحيى بن الحسين النسابة بن أحمد المحدث بن عمرو بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن الإمام زين العابدين بن الحسين بن أمير المؤمنين(عليهم السلام).

وذكر السيد حيدر وتوت في كتابه (المزارات ومراقد العلماء في الحلة الفيحاء) قائلاً: (كان مرقد السيد جلال الدين أحمد بن الفقيه مرقداً عامراً بجوار حديقة الجنائن المعلقة قرب باب المشهد (حديقة الجبل) ولكن تم هدم المرقد قبل بضعة عشر سنة ونقل رفات صاحب الترجمة إلى مرقد الشيخ ابن إدريس الحلي…)(27).

يعلو المرقد قبة يبلغ ارتفاعها (6م)، تبدو من الداخل مصبوغة باللون الأبيض أما من الخارج فقد غلفت بالكاشي الكربلائي مع زخرفة بسيطة باللون الأصفر وحلقات دائرية ذكر عليها أسماء أصحاب الكساء موزعة بصورة متساوية على محيط القبة.

يمكن الدخول للمرقد عن طريق باب حديدية صغيرة من الجهة اليمنى، أما الجهات الأخرى فتحيط بها شبابيك تعمل على تلطيف جو المرقد وإدخال الإنارة الطبيعية، أما أرضية المرقد فقد غلفت بالمرمر أيضاً ، وخلف الحرم نلاحظ وجود قاعتين كبيرتين تتنصفان الجهة الخلفية الكلية للمرقد، وكلا القاعتين يطلق عليهما اسم الحسينية، أما اليوم فقد أصبحت إحدى القاعتين مسجداً تقام فيه الصلاة، والأخرى تقام فيها الفواتح والمناسبات الدينية والمآتم الحسينية،

أما الجهة اليمنى من المرقد فإنها تحتوي على مكتبة ضخمة كانت قد أسست في عهد السيد الحكيم(قدس سره) وكانت تقدم خدماتها للمطالعين الذين وجدوا فيها ضالتهم في بحوثهم ودراساتهم، ومن الجدير بالذكر فقد تابع صيانة المرقد وأعماره وتوفير الخدمات الرئيسية فيه الحاج محمود نجل المرحوم الحاج حسان مرجان.

هاهم علماؤنا الذين حملوا الأمانة الكبرى وأدوها حق الأداء وقد وسم النبي(صلى الله عليه وآله) صدورهم بوسام الخلد حينما قال: (علماء
أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل).

نشرت في العدد 20


(1) مقدمة كتاب البابليات.
(2) كمال الدين،فقهاء الفيحاء،1/80.
(3) الفضلي، تاريخ التشريع الإسلامي.
(4) آغا بزرك، طبقات أعلام الشيعة، ق6 ص290.
(5) همت بناري، ابن إدريس الحلي، ص28.
(6) كركوش، تاريخ الحلة، 1/22.
(7) المصدر السابق، 1/46.
(8) همت بناري، ابن إدريس الحلي، ص66.
(9) المصدر السابق، ص67.
(10) المصدر السابق، ص76.
(11) المجلسي، بحار الأنوار، 104/197.
(12) مجالس المؤمنين، 1/569.
(13) لسان الميزان، 5/75.
(14) سير أعلام النبلاء، 21/332.
(15) دائرة المعارف الشيعية، 11/179.
(16) ابن إدريس الحلي، ص39.
(17) السرائر، ص44ـ45.
(18) كركوش، تاريخ الحلة، 22/54.
(19) القزويني، دائرة المعارف الشيعية، 11/180.
(20) آغا بزرك، طبقات أعلام الشيعة، ق6 ص290، حرز الدين، مراقد المعارف، 1/52.
(21) فقهاء الفيحاء، 1/87.
(22) البحراني، لؤلؤة البحرين، ص278.
(23) معارف الرجال، 1/52.
(24) فقهاء الفيحاء، 1/87ـ88.
(25) تعليقات مراقد المعارف، 1/52.
(26) المصدر السابق.
(27) المزارات ص 45.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.