أولاً: مفهوم السياسة المالية.
وهي عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي ينصب اهتمامها على دراسة النشاط المالي للدولة وما يتبع هذا النشاط من آثار بالنسبة لمختلف قطاعات الاقتصاد القومي، وتتضمن تكيفاً كمياً لحجم الإنفاق العام والإيرادات العامة ونوعياً لأوجه هذا الإنفاق ومصادر هذه الإيرادات. بغية تحقيق أهداف محددة، أبرزها تنمية الاقتصاد القومي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة في توزيع الدخول والثروات.
ثانياً: آراء الإمام علي(عليه السلام) في السياسة المالية قبل خلافته.
تتمثل السياسة المالية للإمام علي(عليه السلام) في حرصه الشديد على أموال المسلمين، وفي كيفية تحصيلها وأنفاقها في مجالاتها الصحيحة، سواء أكان ذلك في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) عندما بعثة إلى اليمن لجباية الصدقة عندما منع أصحابه أن يركبوا إبل الزكاة ليربحوا إبلهم وقال(عليه السلام) لهم: (إنما لكم منها سهم كما للمسلمين)،
أو في عهد الخلفاء الذين سبقوه من خلال تقديم النصح والمشورة لكثير من الأمور التي واجهتهم في هذا المجال، وقد أشاروا بدقتها وسلامتها فذلك معاوية بن أبي سفيان يقول لمحقن بن أبي محقن: (ويحك كيف تقول أنه ابخل الناس، وهو الذي لوملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه، وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها، قال يا صفراء ويا بيضاء غري غيري، وهو الذي لم يخلف ميراثاً سوى العلم وكانت الدنيا كلها بيده إلا ما كان من الشام). ونستطيع أن نعرض بعض الآراء في ذلك وكما يأتي:
1ـ عندما حصلت الدولة الإسلامية على أموال كثيرة في عهد الخليفة الثاني فسأل عن الطريقة المثلى لتوزيعها، فأشار إليه الإمام علي(عليه السلام) قائلاً: (قسم كل سنة مااجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئاً) وهذا الرأي هو بمثابة قاعدة مالية قدمها الإمام علي(عليه السلام) تؤكد على ضرورة توزيع أموال المسلمين (الإيرادات العامة) في كل سنة على المسلمين وعلى المصالح العامة ولا يبقى منها شيئاً.
2ـ روي أن قوماً من أصحاب عمر بن الخطاب أشاروا إليه بأخذ حلي الكعبة واستخدامها في تجهيز جيوش المسلمين يكون ذلك أعظم إجراء مما لو تركت هذه الحلي على الكعبة المشرفة، فسأل الخليفة عمر أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يقوم بذلك، فقال الإمام علي(عليه السلام): (إن القرآن أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله) والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث موضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ، فتركه على حاله، ولم يتركه نسياناً ولم يخف عليه مكاناً، فأقره حيث أقره الله ورسوله،
فقال له عمر: لولاك لافتضحنا. وترك الحلي بحاله) وبهذا الرأي فإنه قدم قاعدة ماليه تؤيد عدم جواز صرف الأموال العامة، إلا ضمن الحدود التي رسمها الله جل جلاله في كتابه العزيز وسنة نبيه المصطفى(صلى الله عليه وآله).
3ـ عندما فتح العراق والشام ومصر في عهد الخليفة الثاني، ظهر اختلاف في الرأي حول مصير هذه الأراضي المفتوحة، هل تبقى عند أهلها أم تقسم كغنائم على جند المسلمين، ولكن عندما طلب من أمير المؤمنين أعطاء رأيه بهذا الموضوع، أشار(عليه السلام) بعدم تقسيم الأرض بين المقاتلين، وقال لعمر: (إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدها شيء لكن نقرها في أيديهم يعملونها فتكون لنا ولمن بعدنا) ومن هذا الرأي، الذي أخذ به عمر بن الخطاب، أن تكون البلاد المفتوحة مورداً مالياً ثابتاً للدولة الإسلامية، وأكد أيضاً على الملكية العامة لأنها تحقق الإيرادات العامة،
التي لا يستفيد منها الجيل الحالي فقط، وإنما الأجيال المستقبلية وأيضاً للحد من التفاوت في الدخول ولضمان استثمار هذه الأراضي بصوره جيدة، لأن توزيعها على أفراد لا معرفة لهم قد يساء استغلالها.