Take a fresh look at your lifestyle.

العلويون.. والشعار الأخضر

0 3٬086

علي سعد النجفي
باحث في سيرة الإمام الرضا(عليه السلام)

                قد يتبادر إلى ذهن القارئ العزيز عن سبب تميز السادة العلويين من ذرية رسول الله(صلى الله عليه وآله) بلبس اللون الأخضر فيا ترى لماذا هذا التميز وهل هذه الخصوصية كانت لهم في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو زمن الأئمة عليهم السلام بحيث كان هذا الشعار متعلق بهم فقط دون بقية المسلمين وإذا كان كذلك فما هو السبب في جعل ذلك اللبس ما جاء به الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) ينطبق على جميع المسلمين أم إنها مسألة استحدثت فيما بعد ذلك. هذه الأسئلة بالإضافة إلى مجموعة أخرى منها حول الموضوع سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال المتواضع، وقبل الولوج في صلب الموضوع ينبغي علينا أن نوضح معنى لكلمة شعار.

الشعار: وردت هذه الكلمة في كتب اللغة ومعناها (العلامة المميزة)(1) فمثلا نقول:
شعار الدولة: أي علامتها التي تميزها عن بقية العلامات الأخرى.
شعار الحرب: أي النداء المخصوص الذي يعرف القوم به بعضهم بعضاً أو يتنادون به للحرب أو الغزو ويسميه بعضهم حسب المصطلحات العسكرية كما هو الجاري بـ (سر الليل) فهو علامة يميز به الصديق من العدو في الحروب وكان رسول الله(ص) يستخدمها في حروبه ففي بدر كان شعار المسلمين (احد احد)(2) وفي معركة أحد كان شعارهم (امت، امت)(3) وفي معركة الأحزاب أو الخندق (حم لا ينصرون)(4) وفي خيبر(يا منصور امت امت)(5) فهذه علامات كانوا يتعارفون بها في ظلمة الليل خشية تغلغل العدو في أوساطهم.

الرايات تعتبر من شعار الحروب
أو نقول شعائر الإسلام أي علاماته ومناسكه وأعماله ومعالمه كما جاء في القرآن الكريم (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج32.
(إن الصفا والمروة من شعائر الله….) البقرة 158.
إلى غيره من الشواهد الأخرى والخلاصة نقول أن المقصود (بالشعار) هو (العلامة).

شعار الألوان: منذ قديم الزمان تعلق الإنسان بالألوان وأصبح لها تأثيراً واضحاً في حياتهم لما لها من جاذبية على النفس البشرية فلعبت دوراً مهماً حتى اتخذت بعض الألوان شعاراً مميزاً لهم وكل ذلك يأت من تعلقه بها وبين فترة وأخرى نرى بروز هذا الأمر واضحاً من خلال جعل لون معيناً علامة يتميز بها جماعة أو مذهب أو ملة وفق ما كانوا يعتقدون به من مباني فكرية وعقائدية التي كانوا يؤمنون بها فمثلا دولة بني العباس حينما انطلقت من خراسان استفادت من اللون الأسود وجعلته شعاراً لهم وذلك بعد استفادتهم من حديث الرسول(صلى الله عليه وآله) حول خروج الرايات السود من المشرق وان الفرج متعلق بها كذلك بقية

الطوائف والأهواء والملل الأخرى فقبل الإسلام كان شعار المانوية هو الأحمر والبابكية في عصر المعتصم وفي عصرنا مثلا الشيوعيون يتخذون من اللون الأحمر شعاراً لهم وأنصار البيئة جعلوا من اللون الأخضر علامة مميزة لهم وأنصار السلام اتخذوا اللون الأبيض شعاراً لهم فنرى أن اتخاذ الألوان لم يكن وليدة عصر من العصور بل منذ قديم الزمن.

شعار الإسلام: جاء الإسلام وهو خاتمة الشرائع السماوية والأديان الإلهية يعمل معه أكمل رسالة عرفتها البشرية وكانت له شعائر يتميز بها عن بقية الطوائف والملل من الأمور العبادية كالصلاة والحج وغيرها من الشعائر الأخرى وبالنسبة للألوان كان (الأبيض) هو اللون المميز له لما فيه من نقاء وصفاء وطهارة وأصبح هذا اللون بارزاً في أكثر المراسم للعبادية من ولادة الإنسان حتى مماته فعندما يولد الطفل يلف بخرقة بيضاء وعندما يذهب المسلم إلى الحج يرتدي اللباس الأبيض وعندما يموت يكفن بقطعة بيضاء وكان لباس المسلمين المعروف حتى في العمائم والرايات واليك بعض الشواهد على ذلك.

عن أسماء بنت عميس حينما ولد الإمام الحسن(عليه السلام) وهو السبط الأول للرسول(صلى الله عليه وآله) قال النبي(صلى الله عليه وآله) لأسماء: يا أسماء هلمي إليَّ ابني فدفعته إليه في خرقة صفراء ـ وكانوا في الجاهلية يلفون الرفيع بها ـ فالقاها عنه قائلاً: الم اعهد إليكن أن لا تلفوا مولوداً بخرقة صفراء؟ فلفته بخرقة بيضاء. وقيل أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) اخذ خرقة بيضاء ولفة فيها بيده الشريفة(6).

ـ كانت أكثر ألوية القتال التي كان يعقدها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيضاء كتب عليها (لا اله إلا الله محمد رسول الله)(7) وكان ذلك في:
1ـ أول لواء عقد في الإسلام ودفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعمه حمزة بن عبد المطلب(8).
2ـ ثاني لواء عقد في الإسلام ودفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لابن عمه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب(9).
3ـ لوائه(صلى الله عليه وآله) في غزوة الابواء ودفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعمه حمزة بن عبد المطلب(10).
4ـ لوائه(صلى الله عليه وآله) يوم بني القينقاع(11).
5ـ لوائه(صلى الله عليه وآله) يوم خيبر ودفعه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)(12).
6ـ لوائه(صلى الله عليه وآله) يوم غزوة قرقرة الكدر ودفعه إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)(13).
8ـ لوائه(صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكة(14).
9ـ لواء الإمام علي(عليه السلام) في يوم الجمل والذي توارثه الأئمة(عليهم السلام) حتى صار إلى الحجة بن الحسن(عليه السلام) وسينشره في النجف الأشرف.

ـ كانت العمائم البيضاء من الأمور المميزة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام):
1ـ لبس أمير المؤمنين(عليه السلام) عمامة بيضاء يوم صفين(15).
2ـ قال الواقدي: كان علي بن الحسين من أروع الناس واعبدهم واتقاهم لله عز وجل وكان إذا مشى لا يخط، وكان يعتم بعمامة بيضاء يرضيها من ورائه(16).
3ـ روى البيهقي عن ابن عباس قال: كان سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها على ظهورهم عند القتال(17).
ـ لبس الثياب البيض
عن ابن عباس(رضي الله عنه) قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلي في كساء ابيض(18).
فللون الأبيض هو شعار رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشعار أمير المؤمنين(عليه السلام) وشعار العلويين وشعار المسلمين واستمر كذلك حتى أن الدولة الفاطمية اتخذت من هذا اللون شعاراً لها فقد جاء في كتاب الحضارة الإسلامية في القرن الرابع لأدام متز
(أما خلفاء الفاطميين بمصر فكان لباسهم البياض، وهو شعار العلويين وكانت ألويتهم بيضاء وعليها أحياناً أهلة من ذهب)(19).
الشعار الأخضر: يعتبر اللون الأخضر من الألوان المحببة للإنسان لما فيه راحة للنفس وهو لون ثياب أهل الجنة حسب تصريح القرآن الكريم
(أولئك لهم جنت عدنٍ…. ويلبسون ثياباً خضراً من سندس) الكهف31.
(عليهم ثياب سندس خضرٌ وإستبرق...) الانسان21.
وقد وردت أخبار كثيرة عن النبي(صلى الله عليه وآله) بخصوص إكرام ذريته من ولد فاطمة(عليها السلام).
قال(صلى الله عليه وآله): من صنع إلى احد من أهل بيتي يداً كافأته عنه يوم القيامة(20).
قال(صلى الله عليه وآله): أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: المكرم لذريتي والقاضي حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه(21).

ومن أجل إكرام ذرية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) أمر سلطان مصر الملك الأشرف في شعبان سنة773هـ بأن يتميز السادة العلويين بعلامة خضراء بارزة إكراماً وإجلالا لهم فقد جاء في كتاب النجوم الزاهرة ج11 ص56 في أحداث سنة 773.

(وفي سنة ثلاث وسبعين المذكورة رسم السلطان الملك الأشرف أن الأشراف ـ السادة العلويون ـ بالديار المصرية والبلاد الشامية كلهم يسيمون عمائمهم بعلامة خضراء بارزة للخاصة والعامة إجلالا لحقهم وتعظيماً لقدرهم ليقابلوا بالقبول والإقبال ويمتازوا عن غيرهم من المسلمين فوقع ذلك ولبسوا الأشراف العلائم الخضر، التي هي الآن مستمرة على رؤوسهم فقال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي الشهير بالمذِّين في هذا المعنى:

[الكامل]
أطراف تيجان أتت من سندس
خضر كأعلام على الإشرافِ
والأشرف السلطان خصصهم بها
شرفا لنعرفهم من الاطراف
وقال أيضا في المعنى الشيخ شمس الدين محمد بن احمد بن جابر الأندلسي:
[الكامل]
جعلوا لأبناء الرسول علامة
إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم
يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وقال أيضا في المعنى الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الجلبي:
[الرجز]
عمائم الاشراف قد تميزت
بخضرة رقت وراقت منظرا
وهذه إشارة أن لهم
في جنة الخلد لباساً اخضرا
وقال ولده أبو العز طاهر بن حسن بن حبيب في المعنى أيضا:
[الطويل]
ألا قل لمن يبغى ظهور سيادة
تملكها الزهر الكرام بنو الزهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة
فكم رفعوا للمجد الوية حمرا
وقال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة التلمساني ـ تغمده الله تعالى ـ في المعنى أيضا:
[الطويل]
لآل رسول الله جاه ورفعة
بها رفعت عنا جميع النوائب
وقد أصبحوا مثل الملوك برنكهم(22)
إذا ما بدوا للناس تحت العصائب
قلت: وبهذه الفعلة يدل على حسن اعتقاد الملك الأشرف المذكور في آل بيت النبوة وتعظيمه لهم ولقد احدث شيئا كان الدهر محتاجاً إليه ولا الهم الله تعالى الملوك ذلك من قبلة، ولله در القائل: (كم ترك الأول للآخر)(23)).
ومنذ ذلك اليوم تميز السادة العلويون من ذرية الزهراء(عليها السلام) بالشعار الأخضر، من اجل إظهار نسبهم لتعظيمهم وتكريمهم عند الناس. ولكن بقي سؤال يتبادر إلى الذهن وهو إذا كان اللون الأخضر أصبح شعاراً للعلويين منذ سنة 773هـ فلماذا جعل المأمون العباسي شعار الدولة الرسمي عند بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) لولاية العهد الثياب الخضر. وهذا ما سنعرضه في ما يلي:

بيعة الإمام الرضا(ع)
تفاجأ العالم الإسلامي في شهر رمضان من سنة 201هـ بأمرين وهما:
1ـ تنصيب الإمام علي بن موسى
الرضا(عليه السلام) ولياً للعهد فهو أول وآخر علوي ينصب ولياً للعهد لخليفة عباسي وكانت هذه حسب خطة محكمة ومدبرة من المأمون العباسي فكانت البيعة مفاجأة لم يتوقعها أحد.

2ـ تغيير اللباس الرسمي للدولة العباسية من اللون الأسود إلى اللون الأخضر.
وبما أن أكثر المحققين والباحثين الذين كتبوا في بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) عن دوافعها وأسبابها سلطوا الضوء على الشطر الأول واغفلوا الجانب الثاني وهو تغيير شعار الدولة فنقول أن اللون الأخضر لم يكن شعاراً للعلويين في ذلك الوقت كما اشرنا سابقاً وإنما كان شعارهم اللون الأبيض وكان اللون الأخضر هو شعار المجوس في ذلك الزمان فقد جاء في الخبر (أن المأمون قال للفضل بن سهل: ينبغي أن تحضر نعيم بن حازم فإنه وجه من الوجوه وله سابقة وجلالة ورياسة، متناظرة فيما اجمعنا من هذا

الأمر ـ ويقصد بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) ـ فأحضره الفضل بحضرة المأمون، وعرفه بما عزم عليه… فقال له نعيم: انك إنما تريد أن تزيل الملك عن بني العباس إلى ولد علي، ثم تحتال عليهم، فتصير الملك كسرويا، ولولا انك أردت ذلك لما عدلت عن لبسه علي وولده، وهي البياض، إلى الخضرة وهي لباس كسرى والمجوس)(24).

ونلاحظ هذا التعبير واضحاً في جواب المأمون لرسالة بني العباس عندما عيروه بأنه سار بسيرة المجوس (وأما تعييركم إياي: بسياسة المجوس إياكم، فما أذهبكم عن الأنفة من ذلك…)(25).

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا فعل المأمون ذلك والى أي شيء كان يرمي وكيف خطرت له هذه الفكرة فنقول للإجابة على هذه الأسئلة: إن المأمون لم يأت بشيء جديد في ذلك فقد سبقه إلى هذا الأمر جده المنصور الدوانيقي حينما قام بتغيير المظاهر الشكلية لرجال الدولة فقد قام في سنة 153هـ بنبذ الزي العربي وذلك من خلال نزع العمائم واتخذ الأزياء الفارسية كالقلانس الطوال وكذلك الطلسان والجوراب والسروال والأقبية إلى غير ذلك فقد جاء (أن المنصور اخذ الناس بتلبيس القلانس الطوال المفرطة الطول فقال أبو دلامة:

وكنا نرجى من إمام زيادة
فزاد الإمام المصطفى في القلانس
تراها على هام الرجال كأنها
دنان يهود جللت بالبرانس(26)
هذه الفكرة اقتبسها المأمون من جدة ولكن بشكل آخر فالمنصور أمر بنزع العمائم واتخاذ القلانس الفارسية والمأمون نزع الثياب السود والبس رجال الدولة الثياب الخضر والتي كانت شعار المجوس في ذلك الوقت، وكان المأمون يهدف من ذلك إلى عدة أمور منها.

1ـ أراد أن يوهم الجميع بان أمر بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) إنما هي من تدبير الفضل بن سهل المجوسي الذي اسلم عن قريب. وانه غلب على أمره في هذا الشأن وقد تحقق ذلك للمأمون وننقل إليكم بعض الشواهد:
أـ لما أتى خبر بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) لولاية العهد إلى بغداد وأمرهم بطرح الثياب السود ولبس ثياب الخضرة قال بعضهم: لا نبايع ولا نلبس الخضرة، ولا نخرج هذا الأمر من ولد العباس، وإنما هذا دسيس من الفضل بن سهل)(27).
ب ـ قال الريان بن صلت: أكثر الناس في بيعة الرضا من القواد والعامة ومن لا يجب ذلك، وقالوا: أن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين، فبلغ المأمون ذلك، فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريان بلغني أن الناس يقولون: أن بيعة الرضا كانت من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين.

فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون هذا.
قال: ويحك يا ريان…أيجسر احد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقواد واستوت له الخلافة، فيقول له ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك أيجوز هذا في العقل؟ قلت له: لا والله يا أمير المؤمنين، ما يجسر على هذا احد(28).

أراد المأمون من هذا الأمر أن تقع لائمة حقد بني العباس على شخص الفضل بن سهل وأراد أن يخرج هو منها وقد تحقق له ذلك مع العلم أن المأمون هو المقترح لفكرة ولاية العهد كما تنص عليه الروايات الواردة، وقد حاول الفضل بن سهل منعه ودفعه عنها، عندما أعظم له سوء النتائج التي تترتب عليها، ولكنه أذعن أخيراً أمام إصرار المأمون.

2ـ كان الصراع العنصري في أوجه في تلك الفترة بين العرب والفرس ومقتل الأمين والذي كان يمثل الجانب العربي خير دليل على ذلك، وبما أن أكثر الثروات المناهضة للعباسيين كانت من جانب العلويين انطلقت من البلاد العربية كالمدينة واليمن والكوفة أراد المأمون وضع حاجز نفسي ضد العلويين بعضهم إلى الجانب الفارسي ليقلل ما أمكن من انخراط العرب في الثورة مع العلويين وقد نجح في ذلك.

3ـ أراد إضفاء صفة المجوسية على التشيع وان هناك تقارب بينهما لذلك بدأت الأحجار تنحدر علينا من كل حدب وصوب من ذلك الوقت إلى عصرنا الحاضر فأكثر المؤرخين ذهبوا إلى تشييع الفضل بن سهل المجوسي فابن أثير مثلا يذهب في تاريخه إلى تشيع الفضل وانه هو الذي أشار على المأمون بالعهد لعلي بن موسى(29). وللأسف الشديد ذهب بعض أعلامنا إلى هذا الرأي حتى جعلوا الفضل بن سهل في أعيان الشيعة ووجهائهم وترجموا له في كتبهم. وكانت هذه فرحة للمستشرقين ليدسوا سمومهم في هذا المجال.

كل ذلك كان من نتائج هذه الخطة بالإضافة إلى أمور أخرى لا يتسع المجال لذكرها.

موقف العلويين
وأما عن موقف العلويين تجاه هذه القضية فانه تجلى في موقفين بارزين:
1ـ صلاة العيد: حينما أصر المأمون على الإمام الرضا(عليه السلام) أن يخرج لصلاة العيد وقد وافق الإمام الرضا(عليه السلام) بشرط أن يخرج كما خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) فوافق على ذلك، فخرج الإمام وقد لبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء(30) ـ وهي شعار رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين كما اشرنا إليه سابقاً ـ فنلاحظ أن الإمام قد اجبر على لبس الثياب الخضر كما اجبر على قبول ولاية العهد وان صلاة العيد قد أظهرت شعار الإسلام وطرح شعار الدولة العباسية.

2ـ في سنة202هـ أي بعد عدة أشهر من بيعة الإمام الرضا(عليه السلام) ثار العلويين ويتزعمهم علي بن محمد بن جعفر الصادق واخو أبو الريا في الكوفة ولبسوا الثياب البيض(31) إعلاناً منهم بشعار أهل البيت عليهم السلام إلا أن النصر لم يكتب لهذه الثورة فقد قتل أخوا أبو الريا في رجب من نفس السنة وفشلت الثورة.

وفي الختام نقول بان اللباس الأخضر لبيعة ولاية العهد للإمام الرضا(عليه السلام) كان لعبة سياسية مدبرة قد خطط لها المأمون وليس هو شعاراً للعلويين كما ذهب البعض في ذلك وان الرسول(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) قد لبسوا جميع الألوان ـ باستثناء اللون الأسود الذي وردت فيه الروايات ـ وان شعارهم الأبيض وهو شعار المسلمين وان العلويين عرفوا وميزوا باللون الأخضر منذ عام 773هـ بأمر السلطان الأشرف حاكم مصر والشام.

نشرت في العدد 20


(1) المنجد في الإعلام واللغة ص:391.
(2) سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لابن هشام ج:2.
(3) سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لابن هشام ج:2.
(4) سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لابن هشام ج:2.
(5) سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) لابن هشام ج:2.
(6) حقوق آل البيت ص:159، موسوعة التاريخ الإسلامي ج:2 ص:250.
(7) سبل الهدى والرشاد ج:7 ص:372.
(8) تاريخ الطبري ج:2 ص:120، سبل الهدى والرشاد.
(9) تاريخ الطبري ج:2 ص:120.
(10) تاريخ الطبري ج:2 ص:123.
(11) تاريخ الطبري ج:2 ص:174.
(12) سبل الهدى والرشاد ج:5 ص:120.
(13) سبل الهدى والرشاد.
(14) السيرة النبوية لابن كثير ج:3 ص:555.
(15) أخبار الدولة العباسية ص:119.
(16) البداية والنهاية ج:9 ص: 122.
(17) تاريخ الطبري ج:2 ص:154، سبل الهدى والرشاد ج:4 ص:43.
(18) سبل الهدى والرشاد ج:7 ص:304.
(19) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع ج:1 ص:238.
(20) سبل الهدى والرشاد ج:11 ص:11.
(21) ينابيع المودة ج:2 ص:115، كشف الغمة ج:1 ص:52، ج:2 ص:25، ج:3 ص:84، منازل الآخرة ص85.
(22) الرنك: كلمة فارسية معناها الشعار.
(23) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج:11 ص:56، حسن المحاضرة ج:2 ص: 181، ينابيع المودة، درة الأسلاك لابن حبيب.
(24) الوزراء والكتاب للجهشياري ص: 203.
(25) الحياة السياسية للإمام الرضا(عليه السلام) ص:463.
(26) تاريخ الطبري، تاريخ ابن الأثير ـ أحداث سنة 153.
(27) تاريخ الطبري، تاريخ ابن الأثير، المنتظم لابن الجوزي ـ أحداث سنة 201هـ
(28) عيون أخبار الرضا ج:2 ص:151.
(29) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج:5 ص:123.
(30) عيون أخبار الرضا ج:2.
(31) تاريخ الإسلام للذهبي، تاريخ الطبري، تاريخ ابن الأثير ـ أحداث سنة 202هـ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.