Take a fresh look at your lifestyle.

الدور الريادي للسيد عبد العزيز الطباطبائي في نشر التراث الإسلامي

0 514

               أوشكت المخطوطات الإسلامية التي اتخذت من رفوف المكتبات العامة منها والخاصة على الانقراض بفعل الإهمال وعدم الاهتمام تارة وأخرى خوفاً من السلطات التي كانت تطارد التراث الإسلامي محاولة التخلص منه بشتى الوسائل كونه يمثل ميراثاً ضخماً استوعب الفكر الشيعي الأصيل فكان بحراً خضماً تنبي أمواجه الهادرة عن عظم المكنون في أعماقه.

وقد قيض الله جلت نعمائه رجالاً أخذوا على عاتقهم مهمة صيانة هذا التراث ونشره في الآفاق ليكون شاهداً معاصراً على درجة الرقي والنبوغ التي وصل إليها علماؤنا ومؤرخونا بما خطته الأقلام واحتوته الكتب، فكان السباق إلى هذا العمل العلم البحاثة الشيخ محسن الطهراني الشهير بـ(آغا بزرك) الذي اضطلع بدور الباعث والمحفز على إشاعة ثقافة تحقيق المخطوطات وإخراجها للنور بعد أن كانت أسيرة الرفوف.

وقد شكل الشيخ آغا بزرك(قدس سره) مع السيد محسن الأمين العاملي(قدس سره) والسيد حسن الصدر الكاظمي(قدس سره) والشيخ عبد الحسين الأميني(قدس سره) جبهة موحدة ذات رؤى ثابتة هدفها حفظ الأثر الإسلامي وتخليد رجاله والعمل على تبويبه وتصنيفه ليتسنى للباحث الحصول عليه بيسر وسهولة، فكان الجهد شاقاً والعمل مضن حيث لا حاسب آلي يبحث ويعين ولا كتب متوفرة تغني وتفيد وهذا يعني مراجعة ودراسة عشرات الكتب والسعي وراءها أينما وجدت في شتى أنحاء العالم، فأثمر ذلك السعي عن موسوعات أصبحت فيما بعد المراجع والمصادر التي لابد للباحث من الاطلاع عليها.

وكانت نظرة الشيخ آغا بزرك الطهراني بعيدة المدى، رسم خلالها معالم المرحلة التي تليه فأعد ـ لمواصلة ما بدأه ـ
صفوة من الرجال كان بينهم سماحة العلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي اليزدي الشهير بـ(المحقق)، فكان(قدس سره) عند حسن الظن، قضى حياته المباركة يتنقل بين الكتب والمكتبات ولا يكاد القلم يفارق أنامله، مشمراً عن ساعده يدون بسجله كل واردة، ويلاحق بفكره الخصب ورؤيته الواضحة كل شاردة حتى أخرج للنور فهارساً للمكتبات، ثم سعى في تدوين ما لأهل البيت(عليهم السلام) في المكتبة العربية وللتعرف على دوره الريادي في نشر التراث الإسلامي لابد لنا من الوقوف على سيرته المباركة.

 

سيرة السيد الطباطبائي
هو السيد عبد العزيز بن السيد جواد ابن السيد إسماعيل ابن السيد حسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن علي(1) بن محمد حسين(2) بن سعيد بن أبي الحسن بن محمد سعيد بن أبي الحسن بن محمد بن فاضل ابن قاسم بن محمد بن القاسم بن أمير ابن حسن بن محمد بن زين العابدين بن إسماعيل بن عباد بن أبي المجد أحمد بن عباد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي المكنى بأبي الحسن الشاعر بن أحمد ابن أبي الحسن محمد بن أحمد الرئيس بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط(عليه السلام) ابن الإمام أمير المؤمنين بن أبي طالب(عليه السلام).

ولد في النجف الأشرف يوم الأحد المصادف 23 جمادى الأولى سنة (1348هـ)(3) وعن العلاقة التي تربط السيد عبد العزيز بـ(السيد محمد كاظم الطباطبائي) يتحدث بنفسه(قدس سره) قائلاً:

(هاجر جدي السيد إسماعيل من يزد إلى النجف الأشرف لإنهاء دروسه العالية في مطلع القرن الرابع عشر وصاهر ابن عمه الفقيه الأعظم آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، مرجع الطائفة وزعيمها، المتوفى سنة (1337هـ) صاحب (العروة الوثقى)، فولد أبي السيد جواد عام (1306هـ) وتوفي سنة (1363هـ)، فوالدي ابن بنت السيد صاحب العروة، وتزوج بنت خاله السيد أحمد ابن السيد صاحب العروة، فأنا حفيد السيد صاحب العروة من الطرفين، أبي ابن ابنته، وأمي بنت ابنه، رحمهم الله جميعاً)(4).

وبناءً على ما تقدم فالرجل صاحب جذر معرفي متأصل في دوحة العلم، اجتمعت الموروثات الأسرية والبيئية والعلمية على صياغة أفكاره وصقل مواهبه منذ نعومة أظفاره وكانت النجف الأشرف، مركز الإشعاع العلمي العالمي تضفي عليه من إشعاعها ما أهله ليحمل هم نتاج علمائها فلم يئل في نشره وإبراز معالمه.

بدأ نشاطه المدرسي(5) على يد ثلة من الأفاضل أمثال السيد هاشم الحسيني الطهراني (1411هـ) الذي قرأ عليه العلوم الأدبية، ثم حضر دروس المنطق عند السيد جليل الطباطبائي (1413هـ)، ثم حضر أبحاث الفلسفة عند آية الله الفقيه عبد الأعلى الموسوي السبزواري والحكيم الماهر الشيخ ملا صدرا البادكوبي (1392هـ) ثم واصل بحث في مرحلة السطوح العالية وهو يتنقل بين جهابذة العلم أمثال الشيخ عبد الحسين الرشتي (1373هـ) والشيخ مجتبى اللنكراني (1406هـ) والسيد عبد الهادي الشيرازي (1382هـ) ثم التحق بدرس زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (1412هـ)، وقد بدأ حبه يظهر للفهرسة مع بدأ علاقته وصلته بالشيخ آغا بزرك الطهراني(قدس سره) والشيخ عبد الحسين الأميني(قدس سره).

غادر مدينة النجف الأشرف في ذي الحجة عام (1396هـ/1976م) متجهاً نحو إيران فاستوطن مدينة قم المقدسة، وهناك بدأ نشاطه يزداد ويتضاعف، موف بعهده الذي قطعه لشيخه (آغا بزرك) في حفظ وبث التراث الإسلامي.

وعن شخصية السيد الطباطبائي تحدث عميد المنبر الحسيني الدكتور الشيخ أحمد الوائلي قائلاً: (… إن من الواضح أن مجتمعاً كمجتمع النجف الأشرف بما يحفل به من شرائح علمية متنوعة وعلى كفاءة عالية ليس من السهل أن يشد بصرك فيه ما لم يكن على تميز غير عادي، وهكذا كان السيد عبد العزيز رحمه الله يجتذبك فيه، إنه روض معطاء يعطي بدون مَنّ، وإذا تعمقت صلتك به زدت تعلقاً به وتكشفت لك جوانب غنية في ذاته تجعلك تحرص أن لا تفرط بهذا الكنز الذي ظفرت به)(6).

كما أشار الشيخ الوائلي كتابة المقدمات (ديباجة الكتب) التي استخدمها السيد الطباطبائي في الكتب المحققة إلى منهجية قائلاً(7): (لكل كاتب سمات تميز قلمه، وفيما بدا لي أن أبرز سمات قلم المترجم له هي التالية:

1ـ سيولة الأداء: أي أن إدمانه(قدس سره) ممارسة الكتابة أكسبه مرونة في التعبير فلم يخضع أسلوبه لكلمة نافرة أو جملة معقدة.
2ـ تناول المواضيع الحساسة المجدية: أي يبحث عن مواضيع الساحة فيعالج الغامض والمبهم منها.
3ـ التحاور الموزون: أي التزامه أدب الحوار مع الآخرين.
4ـ تساوي الإجادة: أي تميز كتاباته كلها بنسق واحد من الرقي في الأسلوب والطرح والمعالجة.
5ـ التناسق: أي دقة اختياره الألفاظ التي تغطي مضامين البحوث بحيث تستوعب عناصره وتبرزها بصورة إبداعية، ومن الجدير بالذكر أن السيد الطباطبائي كان يتخذ من مدرسة اليزدي الدينية في النجف الأشرف التي أسسها جده الأكبر السيد محمد كاظم الطباطبائي مقراً لنشاطه إضافة لإدارتها باعتباره من المتولين عليها(8).

رحلته في عالم الكتب والمكتبات
كان المحقق الطباطبائي ملازماً كما قلنا للشيخ آغا بزرك الطهراني والشيخ عبد الحسين الأميني، والظاهر من كلامه أن ملازمتهما على نحو ربع قرن كانت المحرك الفعال الذي ولد في داخله حب التراث والعمل على إخراجه للنور، وعن ذلك يقول: (بل لازمتهما طوال ربع قرن، وأخذت منهما الكثير، وتخرجت بهما في اختصاصهما قدر قابليتي واستعدادي، وكانا يغمراني بالحنان والعطف، فاتبعت أثرهما في اتجاههما وجعلتهما القدوة والأسوة في أعمالي ونشاطاتي)(9).

ومن الوفاء لاستاذيه فقد استدرك على كتاب الذريعة (لآغا بزرك الطهراني)، ثم استدرك على كتابه الآخر (طبقات أعلام الشيعة)، وكان هذا الاستدراك قد أصبح كتاباً تحت عنوان (معجم أعلام الشيعة)، أما ما قدمه للشيخ الأميني صاحب كتاب الغدير فقد بدأ بجمع استدراكاته وإضافات على الجزء الأول مستغلاً المخطوطات والكتب التي لم يتمكن الأميني من الحصول عليها. ثم اتبع أثر الأميني في أسفاره إلى الدول الأخرى فكان يقضي وقته في المكتبات، يقرأ المخطوطات وينتقي منها ويسجل ما ينتخبه في دفاتر سماها (نتائج الأسفار).

أما عن آثاره التي بلغت سبعاً وثلاثين كتاباً فقد رتبها الباحث صائب عبد الحميد في أربعة محاور(10):
المحور الأول: المتابعة والاستدراك: وقد ضم هذا القسم عدة كتب استدرك بها على كتب طبعت مثل أضواء على الذريعة وأنباء السماء برزية كربلاء وتعليقات على طبقات أعلام الشيعة، وعلى ضفاف الغدير.

المحور الثاني: التأليف، وقد زود المكتبة العربية بعدد من التأليفات القيمة مثل: أهل البيت في المكتبة العربية، والحسين والسنة، حياة الشيخ يوسف البحراني، الغدير في التراث الإسلامي، في رحاب نهج البلاغة، المهدي في السنة النبوية، قيد الأوابد، وعدد من الكتب العربية لفهارس لمكتبات عربية وإيرانية.

المحور الثالث: التحقيق، وهو المحور الذي شغل معظم أوقاته وكان هدفه من التحقيق إحياء التراث والاستفادة منه على قدر الإمكان، وقد أغنى المكتبة العربية والإسلامية بروائع من أعماله، وقد أكد على هذا المعنى الباحث نفسه حيث قال: (لا نزاع في كونه(رحمه الله) شيخ المحققين، والخبير الذي يرجع إليه المحققون، في كل ما يتوقفون فيه من لوازم التحقيق ومشكلاته، وكم أرشد المحققين إلى المخطوطات التي تنقصهم وأملى عليهم أرقامها وأماكن تواجدها من حفظه، وهذه سمة لا تخفى على أحد

جالسه وانتفع منه… فمن المألوف جداً أن نجد في أعماله تحقيقاً لنفائس التراث وقد حمل فعلاً على تحقيق عشرة كتب…)، نذكر منها الأربعون المنتقى من مناقب المرتضى، عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين، فهرست الشيخ الطوسي، مناقب أمير المؤمنين، طرق حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، ترجمة الإمامين الحسن والحسين عن كتاب الطبقات لابن سعد وغيرها.

أما المحور الرابع: فيدور حول أعماله التي لم تذكر ومنها الشيخ المفيد وعطاؤه الفكري الخالد وغيره، ومع فكرة تحقيق التراث كانت فكرة حفظ مآثر الرجال الذين صنعوا هذا التراث وسيرتهم وفهرسة كتبهم تسير في ذهنه حتى وضع فهارساً لمكتبات شتى قديمة وحديثة.

وعند انبثاق فكرة تأسيس مؤسسة إسلامية أصيلة في قم المقدسة تأخذ على عاتقها مهمة صيانة التراث كان السيد عبد العزيز الطباطبائي سباقاً في تأييد هذا المشروع ودعمه بكل ما أوتي من قوة، لأنه(قدس سره) رأى فيه صرحاً يضم الباحثين والمحققين ويمكنهم من تحقيق ما يصبون إليه في إخراج أعماقهم للنور،

فشد على ساعد أصحاب الفكرة حتى أصبحت مؤسسة آل البيت لإحياء التراث من المؤسسات التي خدمت بحق الطائفة المحقة ورفعت ذكر علمائها فيما تنتجه من موسوعات وكتب، وكانت مجلة تراثنا خير مؤشر على نجاح حركة المؤسسة، وقد سايرت هذه المجلة بحوث السيد الطباطبائي منذ العدد الأول الصادر في صيف سنة (1405هـ)، وحتى الأعداد الأخيرة التي صدرت بعد وفاته.

وبعد عمر مكلل بالبحث والتنقيب، مثقل بهموم التراث وصيانته، ودع السيد عبد العزيز الطباطبائي قلمه وأوراقه وارتحل إلى دار الخلد، ففي الخامس من شهر رمضان سنة (1416هـ)، الموافق 9/2/1996م انتقلت روحه الطاهرة إلى رحمة الله وقد أرخ وفاته الشيخ باقر الإيرواني قائلاً(11):
لبى نداء الحق خير محقق
وعزيز قوم حين وافاه الأجل
ومجامع التحقيق تنعى فقده
وبفقده قد خاب وانقطع الأمل
أحيا المآثر وهي من آثاره
وجهوده المثلى بها ضرب المثل
خدماته هي لم تزل مذكورة
من بعده والذكر حي لم يزل
والباقيات الصالحات سعى لها
بالعلم قد نال الخلود وبالعمل
أفنى لإحياء التراث حياته
حتى ذوى والرأس بالشيب اشتعل
ترك الحياة وبالولا نال المنى
إن قلت من فأقول سل أو لا تسل
شوقاً إلى المعبود أرخه (التقى
عبد العزيز طباطبائي ارتحل
(1416هـ)

نشرت في العدد 20


(1) كما ذكره السيد الطباطبائي بنفسه.
(2) إلى علي هذا ينتهي نسب السيد محمد كاظم اليزدي فهو ابن عبد العظيم بن خليل بن محمد علي، والشجرة ذكرها الأستاذ كامل سلمان عندما قال وجدت ضمن أوراق السيد عبد العزيز الطباطبائي، انظر: السيد محمد كاظم اليزدي، سيرته وأضواء على مرجعيته، ص17.
(3) الفتلاوي، المنتخب من أعلام الفكر والأدب، ص255، وقد اثبت الكاتب ولادته يوم (21) جمادى الأولى والصحيح ما أثبتها.
(4) الطباطبائي، مكتبة العلامة الحلي، ص10.
(5) المصدر السابق، بتصرف، ص10ـ11.
(6) المحقق الطباطبائي في ذكراه السنوية الأولى، 1/38.
(7) المصدر السابق، 1/41ـ43.
(8) كما أخبرني بذلك سماحة الخطيب الحسيني الشيخ شاكر القريشي (حفظه الله).
(9) الطباطبائي، مكتبة العلامة الحلي، ص11.
(10) المحقق الطباطبائي في ذكراه السنوية الأولى، 1/184ـ187.
(11) المصدر السابق، 1/339.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.