Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ محمد علي اليعقوبي المجاهد والخطيب والشاعر المتعدد الجوانب

0 574

رشيد القسام
كاتب وصحفي

 

              الشيخ محمد علي اليعقوبي أديب كبير ورائد مدرسة شعرية خاصة تحلت بالوفاء والولاء والعقيدة والوطنية والإخلاص والحب لبلده العراق ولدينه الإسلام وهو خطيب بارع له شأن في الخطابة قل نظيره لما له من تأثير في المستمع، وهو زينة المجالس والمنتديات وهو أحد أولئك الذين برزوا في ميادين الجهاد والكفاح البطولي.

ولد الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر اليعقوبي في منتصف شهر رمضان عام (1313هـ) في مدينة النجف في نفس السنة التي هاجر بها والده الشيخ يعقوب إلى مدينة الحلة، وذلك بسبب ظروف قاهرة خارجة عن إرادته فنشأ العلامة اليعقوبي في مدينة الحلة الفيحاء (مدينة العلم والأدب والتاريخ والحضارة…) تعلم القراءة والكتابة في التاسعة من عمره وقد رعاه في بداية عمره وفتح له طريق المعرفة العلامة السيد محمد القزويني فغمره برعايته وأفاض عليه من علمه وأدبه الجم وثقافته الواسعة وكان يوليه

عناية فائقة، ومرت الأعوام وهو ينهل من العلوم والأدب من رجال وأعلام وأدباء في مدينة الحلة فصقلت مواهبه وفتحت أكمام قابليته وحببت إليه الأدب حتى أصبح من أعلامه وأقطابه وأساتذته فكان يحظى بإعجاب وتقدير كل من يتصل به من العلماء والأفاضل والأدباء والشعراء لما يتحلى به من القابليات والقدرات والمواهب… وكان الشيخ عالماً جليلاً فاضلاً وباحثاً كبيراً أجازه كبار علماء عصره مثل الحجة محمد الحسين آل كاشف الغطاء، والحجة السيد صدر الدين الكاظمي، والعلامة السيد حسين القزويني، والعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني وغيرهم.

وحين هب الشعب العراقي والمتطوعون من العلماء والوجهاء ورؤساء العشائر من مدن العراق كافة واستنفرت العشائر العربية الأصيلة للدفاع عن العراق واسترجاع مدينة البصرة بعد سقوطها بأيدي الإنكليز، كان المجاهد اليعقوبي ضمن الركب الذي نفر واستنهض بقيادة العلامة المجاهد السيد محمد سعيد الحبوبي(رحمه الله) في أواخر المحرم من عام (1333هـ) وقد كانت مهام

اليعقوبي وبحكم مهنته المنبرية القيام بتحريض عشائر السماوة والرميثة على الانضمام في صفوف المجاهدين، وكان الشيخ متحمساً للقضايا الوطنية أشد الحماس وكان مندفعاً للانضواء تحت راية الجهاد بقيادة أي عراقي أصيل ووطني شريف بعيداً عن المذهب أو الطائفة أو الدين تحت راية العراق الموحد، وبعد دخول الإنكليز البصرة فالناصرية وبعد أن رأى اليعقوبي حصار الحلة داخلياً وخارجياً على يد الجيش التركي.

وبعد سقوط بغداد عام (1335هـ) عاد الشيخ اليعقوبي إلى مدينته (النجف الأشرف) حتى شبت نيران الثورة العراقية في الفرات الأوسط وكان خطيبنا يخوض غمارها حيث شهد معارك الهاشمية ونواحيها وقد ألهبت تلك الثورة عواطف اليعقوبي فتفجرت قريحته بعدة قصائد تساعد على هيجان الحماس والرغبة لدى الثوار العراقيين، ومنها قصيدته الشهيرة التي نظمها عام (1338هـ) منها قوله:
أحبتنا بساحات الكفاح
ثقوا بالنصر فيها والنجاح
سمحتم بالنفوس لها فكنتم
مثالاً للشجاعة والسماح
زأرتم كالأسود غداة رامت
تروعها الأعادي بالنباح
وكيف تطيب في الدنيا حياة الــ
ـفتى في ظل شعبٍ مستباح
وخير من رجال في قصور
شباب يستظل شبا الصفاح
وما سيان كأس دم الأعادي
وكأس طلى يطاف به وراح
كتبتم بالدماء سطور مجد
نواصع مالها في الدهر ماح
بها تتبجّح الأجيال فخراً
وتطريها بألسنها الفصاح
بها ابتهجت نواحي الشعب بشراً
(ولندن) منه باكية النواحي
فان لم الق بينكم حمامي
عسى أحظى بتضميد الجراح

وقد سكن شيخنا مدينة الكوفة بعد انتهاء الثورة وتأسيس المملكة العراقية لمدة من الزمن بحكم مهنته (الخطابة) ومن ثم ذهب إلى مدينة الحيرة والإقامة فيها من اجل التوعية والإصلاح، ولكنه خلال هذه الفترة اشتاق كثيراً إلى أندية النجف الأدبية وهذا ما دفع بالشاعر العراقي الكبير الأستاذ محمد مهدي الجواهري إلى أن يكتب له رسالة يبثه فيها شوق الأندية الأدبية إليه ويدعوه للعودة إليها ليوقظ الأدب بعد سباته فقال له:

هجرت الديار فقلنا العفاء
لــــــربع الســـــرور وزواره
وبت بليل لفرط الأسى
كليل الضجيع على ناره
وظل يحن فؤادي المشوق
لذكر الحبـــــيب وأخباره
إلى أن يقول:
فمثلك ينهض قطر العراق
ويجمع أشتـــــــــات أحراره
فلا تحرم الشرق من مقولٍ
تـــــــروع عــــــــــداه ببتـــــــــاره
دعوا ودعيت لنظم القريض
فكنت السبوق بمضماره
فهل أنت تغنمها فرصة
فتنهض قطرك من عاره

وبعد أن قرأ هذه الأبيات الرائعة بحقه وبالفراغ الذي أحدثه عاد أديبنا الكبير إلى مدينته المقدسة، وبعد أن طلب منه أيضاً المرجع الديني السيد أبو الحسن الموسوي أن يعود من أجل أن يكون ضمن الحركة الأدبية الناهضة التي كانت في عنفوانها، ويكون احد محاورها الرئيسية لما له من قابلية وسرعة البديهية والحفظ والكنز الذي يحمله من العلوم المختلفة فتزهو مدينته وحركتها بهذا النموذج الرائع والموسوعة المنوعة، صاحب الأسلوب الجميل والبيان الساحر الذي يستحوذ على العقول ويلعب بالعواطف عندما تستمع إليه الناس بطبقاتها كافة، انه متنوع الثقافة متشعب المعارف.

وبعد عودته عمل بكل همة وعزيمة على تأسيس رابطة أدبية مع زملائه من كبار الأدباء والفضلاء المرموقين في النجف الأشرف وذلك من أجل جمع شمل الأدباء، والعمل على تطوير الأدب والنهوض به إلى أعلى المستويات وهنا لابد أن أقول إن النجف التي خرجت العلماء والفلاسفة والفقهاء والأدباء والشعراء… لم تهدأ في مرحلة من مراحل تأسيسها والى يومنا هذا فإذا كانت المرأة تلد كل تسعة أشهر مولوداً واحداً فالنجف تلد كل يوم عشرات العلماء والشعراء والأدباء والكتاب، وعائلاتها المعروفة

في النجف هي أيضاً لم تهدأ، فكل عائلة أو بيت أو عشيرة تلد على مدار الأيام والسنين المواليد الجديدة كالصافي والوائلي والبغدادي والحكيم والجواهري واليعقوبي وبحر العلوم والشرقي والمظفر والقسام والحبوبي وكاشف الغطاء والصدر والخاقاني والدجيلي وغيرهم الكثير، فكان تأسيس (جمعية الرابطة الأدبية) عام (1351هـ) التي تعتبر أول مدرسة أدبية في تاريخ العراق الحديث حيث خرجت العدد الكبير من ألمع شعراء العراق آنذاك منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال يقدم عطاءه للعراق والأمة الإسلامية.

وكان اليعقوبي(رحمه الله) كثير الترحال إلى أكثر من دولة عربية وإسلامية من أجل التعرف والبحث والمشاركة والزيارة، ومن هذه الدول ذهب إلى دولة الباكستان مع نخبة من أقرانه من أهل العلم والفضل والأدب من أعلام النجف وبغداد والكاظمية، فكان أديبنا ممن رفع صوت الإسلام في هذا المهرجان التاريخي فأعطى الصورة الصادقة والواضحة للفكر الإسلامي الصحيح الذي يحمله، وقد ترك الشيخ اليعقوبي مجموعة قيمة من المؤلفات العلمية والأدبية والتاريخية والشعرية والتي هي شاهد حقيقي على قدرته وتتبعه العلمي الدقيق وتعمقه الرصين في التأليف والبحث والتحقيق، منها: (المقصورة العلية) و (عنفوان المصائب في مقتل

الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)) و (الذخائر) و (البابليات) و (ديوان جهاد المغرب العربي) و (الجعفريات) و (نقد شعراء الحلة) وغيرها الكثير من المطبوعة والمخطوطة، وكان اليعقوبي يملك مكتبة رائعة تضم أعداد كبيرة من الكتب وتضم أيضاً المخطوطات النفيسة والدواوين الشعرية المخطوطة لطائفة من كبار الشعراء في مختلف العصور، وسميت هذه المكتبة لما تضمه من النفائس بـ (صندوق اليعقوبي).

يقول عنه الشبيبي: (وهو من شعراء العراق الموهوبين وخطبائه المعروفين وانه جبل على كثير من كرم النفس وشرف السجية، فهو لا يتملق ولا يتصنع بأدبه…)، ويقول عنه المجاهد الشيخ عبد الحسين الأميني في كتابه الغدير: (هو قاموس الأدب، ولسان العرب، وخطيب العصر الفذ، وأحد أمراء الكلام، إن خطب أبهج، وإن نظم أطرب، وإن سامر سر، وإن قال أتقن والغالب على شعره المتانة والجزالة…).

وقال الأمين العام للمجمع العلمي العراقي آنذاك الدكتور يوسف عز الدين: (لم يضعف شعر اليعقوبي السياسي لأنه لم يكن موظفاً ولم يلتو في معالجة مشكلات السياسة كما التوى الشعراء الموظفون، وكما ضعف شعر حافظ إبراهيم أيام زمان في دار الكتب المصرية، لأن اليعقوبي ظل متصلاً بالشعب اتصالاً مباشراً فهو قريب من الشعور العام).

وقال الأستاذ توفيق الفكيكي المحامي (كان رضوان الله عليه كما وصفته مكتبة سيارة وموسوعة جامعية نادرة في الأدب والتاريخ والنقد العلمي فهو أمة واحدة) وأقول لم أعاصرك ولم أرك ولكن قرأت الكثير عنك وبحثت وتحققت فوجدتك صورة حية لجميع الصفات والسمات النبيلة الطاهرة وموسوعة للعلوم والأدب، وذلك الخطيب الذي يقود النفوس إلى الحق والصواب وكيفية التعامل مع الأعداء وحب الوطن والولاء كيف لا وهو يقول:
أحبتنا بساحات الكفاح
ثقوا بالنصر فيها والنجاح
سمحتم بالنفوس لها فكنتم
مثالاً للشجاعة والسماح
وكاد يطير من شوق إليكم
فؤادي وهو مقصوص الجناح
توفي شاعرنا الكبير(رحمه الله) عام (1385هـ) وعلى أثر وفاته روعت الخطابة بفارسها المجلي ونكّس الأدب بعلمه الخفاق الذي ملأ المجالس أدباً وشعراً وحباً وعلماً وتاريخاً وسمراً ونثراً وولاء للوطن والعقيدة والإسلام.

نشرت في العدد 20

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.