السيد عامر الحلو
خطيب مسجد الإمام علي(عليه السلام)/ فيننا
كثر في الآونة الأخيرة وعلى لسان بعض الموتورين والحاقدين تكرار مصطلح الرافضة وبشكل مقصود ومنفر للطباع بقصد الإساءة إلى أتباع أهل البيت(عليهم السلام) في العراق لأهم تنفسوا الصعداء بعد سنين الظلم والاضطهاد والدكتاتورية وشعروا بحريتهم قليلاً فاستكثر البعض عليهم ذلك فجرى ما جرى لهم من قتل علمائهم وهدم ضرائح أئمتهم وتهجير عوائلهم واستهداف مراكز العبادة لديهم إضافة إلى التصريحات النارية التي نسمعها هذه الأيام كثيراً من رميهم بالصفوية والبويهية والقرامطة وغير ذلك من الأكاذيب التي ليس لها من الواقع والحق نصيب. ومن ذلك تسميتهم بالرافضة فما المقصود بذلك فنقول:
1ـ الرفض لغة هو الترك ورفض الشيء بمعنى تركه.
2ـ والرفض اصطلاحاً يطلق في الأعصار المتأخرة على مطلق محبي أهل البيت(عليهم السلام) وهو اصطلاح سياسي طائفي حاقد وبغيض أطلق على الشيعة حيث قال الرازي في مختار الصحاح: (والرافضة فرقة من الشيعة قال الأصمعي سموا بذلك لتركهم زيد بن علي)(1).
3ـ يظن البعض خطأ أن هذا المصطلح أطلقه زيد بن علي بن الحسين الشهيدِ(عليه السلام) سنة (120هـ) بالكوفة على الذين بايعوه ثم قالوا له أبرء من الشيخين نقاتل معك فأبى وقال: (كانا وزيري جدي فلا أبرء منهما) فرفضوه وأرفضوا عنه فسموا رافضة وهذا غير صحيح تاريخياً للأسباب التالية:
1ـ ورد هذا المصطلح على لسان معاوية في وصف شيعة عثمان بن عفان الذين لم يخضعوا لحكومة علي بن أبي طالبٍ(عليه السلام) وسلطته بالرافضة وقال يكتب لعمرو بن العاص بفلسطين (أما بعد فأنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد نزل إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة) فهذا المصطلح موجود في هذا النص قبل ثورة زيد(عليه السلام).
2ـ ورود هذا المصطلح قبل ذلك وزيد بن علي(عليه السلام) بعد لم يتحرك على لسان الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) فقد روى أبو الجارود عن أبي جعفر أن رجلاً يقول: إن فلاناً سمّانا باسم. قال: وما ذاك الاسم؟ قال: سمّانا الرافضة. قال أبو جعفر(عليه السلام) مشيراً بيده إلى صدره: وأنا من الرافضة وهم مني قالها ثلاث.
3ـ روى أبو بصير قال قلت لأبي جعفر الباقر(عليه السلام): جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وأعراضنا، قال(عليه السلام): ما هو؟، قلت: الرافضة، قال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): أن سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون وأتوا موسى فلم يكن في قوم موسى أحد أشد اجتهاداً وأشد حباً لهارون منهم فسماهم قوم موسى الرافضة. وهذه التعابير عن الباقر(عليه السلام) أصدق شاهد على أن مصطلح الرفض ليس وليد فكرة زيدٍ(عليه السلام) بل كان مصطلحاً سائداً في أقوام قبل ذلك فكل من لم يخضع للحاكم القائم والحكومة السائدة سمي رافضياً وأن كلمة الرفض والرافضة ليست من خصائص الشيعة وبما أن الشيعة منذ تكونها لم تخضع للحكومات القائمة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فكانت رافضة بحسب هذا الاصطلاح(2).
ولكن أعداء آل محمد(صلى الله عليه وآله) أطلقوها على من ينتمي إليهم في مختلف العصور لغرض الوقيعة بهم والتأشير عليهم من أجل رصدهم ومراقبتهم والنيل منهم وأخذوا يحذرون من الإنسان لكونه شيعياً فصار يضايق في معيشته ووظيفته وتعليمه ولا يزال ذلك إلى يومنا هذا، وأضرب أمثلة قديمة وحديثة لإلقاء الضوء على ذلك:
1ـ كان عبد الرحمن بن صالح الشيعي يأتي أحمد بن حنبل فاعترض عليه أصحابه قائلين إنه رافضي فكان جواب أحمد بن حنبل أنه رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي نقول له لا تحبهم إنه ثقة(3).
2ـ يقول هاني الفكيكي عضو المجلس الوطني لقيادة الثورة عام (1963م) إن عبد السلام عارف رئيس الجمهورية العراقية آنذاك كان يقول حين يدخل هاني الفكيكي وزميله محسن الشيخ راضي: (لقد دخل الروافض) وهو الاسم الذي يطلقه الغلاة الطائفيون على الشيعة وكانا يضحكان(4).
3ـ عين سعدون حمادي رئيساً لشركة النفط الوطنية العراقية عام (1972م) وعين علي هادي الجابر نائباً له وهما من الشيعة فسميت شركة النفط (حسينية النفط) بدلاً من شركة النفط لأن رئيسها ونائبه من الشيعة.
4ـ كان الدكتور أحمد عبد الستار الجواري وحماد شهاب التكريتي في حديث عن المحافظات وذلك في مبنى القصر الجمهوري وهما ينتظران مقابلة أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية آنذاك، فقال حماد شهاب للجواري: (إن جميع سكان المنطقة التي تقع بين المحمودية وجنوب العراق هم عجم ولابد من التخلص منهم لتنقية الدم العربي في العراق) فرد عليه وزير التخطيط العراقي آنذاك الدكتور جواد هاشم قائلاً: (أنا من مدينة عين التمر التابعة لكربلاء وحامد علوان الجبوري من مدينة الحلة فهل يعني أننا عجميان أم أنك تقصد شيئاً آخر).
5ـ قال سعدون غيدان بعد فشل محاولة ناظم كزار عام (1973م) المزعومة: (قلت للبكر وصدام أن يحترسا من هذا العجمي مدير الأمن العام) وأضافت زوجته قائلة: (زوجي لا يتآمر على البكر وصدام هذا العجمي والمتآمر). علماً أن ناظم كزار لم يكن مسلماً لا شيعي ولا سني وإنما هو من الصابئة(5).