Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ محمد الخطيب (1301 – 1380هـ)

0 1٬203

          كربلاء مدرسة تاريخية جامعة شاملة لحضارات ذات تاريخ حافل بالمآثر والآثار والتراث العربي والإسلامي العريق منذ استشهاد سبط الرسول الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) حتى اليوم. وفيها تظهر لك عبقرية المبدعين، وتتجلى في كونها مهداً لأغلب العلوم الثقافية على اختلاف مشارب المفكرين واتجاهات المصنفين..

         ومن هؤلاء آية الله الشيخ محمد بن داود الخطيب أحد رجال العلم النشطين وحملة لواء الشريعة والدين في منتصف القرن العشرين، عالم فاضل وفقيه بارع.

          عاش في كنفه جملة من كبار أساطين الفكر وعشاق الأدب في مدينة كربلاء أمثال: السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي والسيد عبد الحسين الحجة الطباطبائي والسيد حسين القزويني الحائري والميرزا هادي الخراساني والشيخ محمد تقي الشيرازي الحائري قائد ثورة العشرين والسيد هبة الدين الحسيني الشهير بالشهرستاني والسيد ميرزا مهدي الشيرازي والسيد أغا مير القزويني وغيرهم.

          ثم إن هؤلاء الأعاظم تمكنوا من العلم ونشأوا على معاطاة الأعمال بفضل عقولهم وقوة فكرهم، ومترجمنا نشأ وسط بيئة منورة ترغب في التعليم والتهذيب وتنشيط القائمين بأمرها. فكان له من جودة العلم أعظم سبب يوصله إلى غاية الفضل والفضيلة.

 

   مولدة ونشأته:

         ولد الشيخ محمد بن داوود بن خليل بن حسين بن نصير بن زيد بن حارث بن طعان بن جشعم الخطيب في مدينة كربلاء سنة 1301هـ ، وأرخ أبوه الجليل ولادة ابنه:

     بمليح وجهٍ مذ علت أنواره              كالشمس أشرق نورها وضياؤها

     جاء البشير مهنئاً مذ أرخوا             (فازت بيمن محمد خطباؤها)

        نشأ شيخنا في بيئة عربية كما ينشأ أبناء الذوات، ولما بلغ مبلغ الشباب أدخل الحوزة العلمية فكانت مدرسة الزينبية الدينية هي المحطة الأولى لدراسته.

 

   أسرته:

           آل الخطيب إحدى الأسر العلمية المعروفة في كربلاء، تنتمي إلى قبيلة (الجشعم) وهي إحدى القبائل العربية الشهيرة في العراق والجزيرة العربية.

 

   دراسته:

          أولى الشيخ الخطيب اهتماماً كبيراً، بذل عناية فائقة بالدراسة والسعي وراء العلم والمعرفة، قالوا: (الأحوال توجد الرجال)، وهو قول يصدق على شيخنا الخطيب كما يصدق على غيره، فقد درس على جمع من رجال كربلاء من أمثال الشيخ جعفر الهر المتوفى سنة 1347هـ وغيره فقضى في دراسته سنين طويلة أتته بأجزل الفوائد ووسعت أفق معرفته.

            ثم تزوج من أسرة علوية عريقة من إحدى كرائم السادة آل نصر الله المتفرعة من آل فائز الموسويين.

         واصل دراسته على علماء عصره كالميرزا حسن المرندي، وبعد أن أنهى المقدمات لازم كلاً من السيد إسماعيل الصدر والشيخ فتح الله الغروي الشهير بشيخ الشريعة فاستحصل إجازة الاجتهاد، ثم أجازه بعد ذلك كبار العلماء أمثال السيد محمد البحراني الحائري والشيخ كاظم الآخوند والسيد كاظم اليزدي والشيخ محمد حسين النائيني.

        أخذ الرجل يخوض عباب العلم ليثبت وجوده، منكباً على التأليف والتدريس والبحث، فكانت له حلقات تدريسية، وكان شديد الغيرة على لسان العرب، حيث كان يألم ممن يرتكب خطأً لغوياً إنشائياً، وكان واسع الاطلاع على الأخبار وله إحاطة تامة باللغة العربية والرجال والفقه والمنطق والثقافة عموماً، وهي التي تشكل واجهة العراق الحضارية المعاصرة، وكان حريصاً على أن يحمل رسالة الثقافة والفكر، فوضع نصب عينيه مستقبل الأمة،

         واستمر يواصل نشاطه في خدمة العلم والمعرفة والذب عن حياض الشريعة وتأدية الواجبات الدينية وإقامة الصلاة في الصحن الحسيني الشريف فترة من الزمن.

        ونقرر هنا أن ما حصل عليه الشيخ من العلوم من هذا المنبع أو ذاك، هو شهادة منصفة لأن يكون أستاذًا متمرسًا للّغة العربية، يقدم للنشء الحياة الفكرية والثقافية في كربلاء على مدى عشرات السنين، فهو صاحب رسالة خالدة، لا يهمه ما قد يتعرض له من صعوبات ومشاكل تعتور مسيرة حياته.

   مدرسة الخطيب الدينية:

           في ثلاثينيات القرن المنصرم، أسس شيخنا الخطيب هذه المدرسة وبالتحديد سنة 1937م في دار تقع بالقرب من (تل الزينبية) في محلة المخيم، ولعلها كانت الجسر الثقافي العربي الإسلامي دائماً، تقدم الوعي والثمار وإبداعات كبار الطلبة المجدّين.

           ومما يجب أن يشار إليه أنه سبق العلامة الجليل الشيخ محمد رضا المظفر في تأسيس مدرسة دينية معترف بها رسميًا، وتزويد طلبتها بهوية تعتبر مستمسكًا لتأجيل الخدمة العسكرية الإجبارية. وكان الشيخ الخطيب يجلس في مدرسته حيث يتحلق حوله الطلاب، وطفقت أقواله تشع نوراً وتجيش حماسة وغبطة، فنالوا من معارفه وعلومه الشيء الكثير.

          وكان من خريجيها عدد من المثقفين بينهم أدباء وشعراء كربلاء، حملوا مشعل الثقافة والأدب، ومن أبرز هؤلاء: السيد مرتضى القزويني والشيخ محمد علي داعي الحق والشيخ عبد الرضا الصافي والسيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني والسيد صادق آل طعمة والسيد حسن المصباح والشيخ عبد الحسين الدارمي والسيد مرتضى الموسوي والسيد عباس الكاشاني والسيد محمد علي نجل آية الله السيد محمد هادي الميلاني والشيخ مجيد الهر والشيخ حسين البيضاني والسيد عبد الواحد الجزائري وغيرهم.

          وهذه المدرسة أعطت الشيخ الخطيب المنزلة الرفيعة التي اكتسبها بما حوته من منهاج الدراسة، إذ شملت تعليم القرآن الكريم وتفسير آياته ودراسته قواعد اللغة العربية كالنحو والصرف والبلاغة والبيان والبديع ودراسة التاريخ والدين والعقائد، فضلاً عن بعض الدروس الحوزوية.

       ولما كان السلوك الأخلاقي يعد من أهم مقاييس التحضر والارتقاء بالشباب، فهو ممارسة فعلية لتعاليم الإسلام وإرشاداته، فقد أسهمت هذه المدرسة بدور ثقافي متميز من خلال دراستها ونجومها البارزين في المجال الإعلامي وتركت لنا ثروة معرفية موثقة، كما أن الشيخ الخطيب جلب لها رعيلاً من الفضلاء المرموقين المختصين بتدريس العلوم كالشيخ أحمد الشذر والشيخ جابر العفكاوي والشيخ عبد الحسين الدارمي.

 

   مهــارته:

           برع الشيخ محمد الخطيب في الدراسات اللغوية والفقهية حتى أصبح العالم المبرز الذي كان يعالج أدق المشكلات في اللغة والفقه، من ذلك ما حدثني به العلامة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي إذا قال:

          كان الشيخ محمد الخطيب فقيهًا فاضلًا لبيبًا له كتاب في الحديث، وروى لي طرفة كان قد سمعها في حينه، أن آية الله السيد كاظم اليزدي أعلن بعد طبع كتابه (العروة الوثقى) بأنه من أتى بفرع زيادة على ما في العروة من فروع الفقه، نمنحه جائزة الإبداع وهي (ليرة ذهبية) فالشيخ محمد الخطيب كان قد بادر لذلك، فقدم له ثلاثة فروع ليست موجودة في العروة، وهذا يدل على قوة فقاهته.

           لقد كان العالم العامل والغيور الصادق والحكيم العاقل، فضلاً عن طيب أخلاقه وفضيلته العلمية.

 

   تـآليـفه:

         للشيخ محمد الخطيب تواليف جمة حسنة صنفها إبان حياته، شملت الفقه والأصول واللغة والأدب، لكنها ظلت مخطوطة، سطت عليها طوارق الحدثان، ولو طبعت لأمدت أهل المعرفة وطلاب الحوزة بكنز علمي رفيع. وهذه المؤلفات هي:

التذكرة في شرح التبصرة.

الدورة الفقهية في أحكام الجعفرية (عدة أجزاء).

رسالة في حضانة الطفل.

رسالة في مناسك الحج.

رسالة في إطلاق المريض.

رسالة في عملية إتمام الصلاة والطهارة.

رسالة في طب النبي.

رسالة في صلاة الجمعة.

رسالة في أجوبة المسائل الطهرانية.

10ـ صحاح الخبر في الأدلة على إمامة الاثنى عشر.

          ونحن نتساءل هنا: هل ترك هذا الشيخ كتباً أخرى غير التي ذكرناها؟!

        هذا ما لم نقف عليه فيما تيسر لنا من المراجع التي ترجمت له، ولعل الأيام القابلة ستكشف بما لهذا الشيخ الجليل من المصنفات الضائعة التي نحن بأمس الحاجة إليها.

 

   مجلسه في عاشوراء:

          كان شيخنا الخطيب يعقد مجلساً حسينياً في مدرسته الواقعة في عكد السور بمحلة المخيم، وذلك في صباح أول يوم من المحرم الحرام حتى اليوم العاشر منه، وقد كنا نرتاد هذا المجلس على ما أتذكر في مطلع الخمسينيات وبالتحديد سنة 1950م وربما كان المجلس يقام قبل ذلك.

         حدثني بعض من أثق بروايته: أن جمعًا من كربلاء كانوا يأتون بموكب عزاء في اليوم العاشر من المحرم ويقصدون هذا المجلس لتقديم التعازي للعالم الشيخ محمد الخطيب، فكان يستقبلهم برحابة صدر.

          كان يحضر المجالس كبار أهل البلد والعلماء الأعلام، وخطباء هذا المجلس هم: الشيخ على الحلي، ثم انصرف في بعض الأحيان إلى اعتلاء المنبر السيد عبد الرزاق آل زيني ثم السيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني، ثم تولى إدارة المجلس أولاده وعلى رأسهم الشيخ عبد الحسين الخطيب، وبعد وفاته تولى ولده الدكتور محمد الخطيب هذه المهمة، ولا يزال المجلس معقوداً اليوم، وخطيب المجلس هو الشيخ بهاء نجل الخطيب المتغمد بالرحمة الشيخ هادي الخفاجي.

 

   رحيــله:

           دَبَّ الضعف في جسم شيخنا الخطيب واستولى عليه الوهن فمرض، ولم يمهله الزمن ليؤدي عملاً أكثر، فأودى بحياته وذلك في يوم 17 رجب سنة 1380هـ المصادف لسنة 1960م، وشيع تشييعاً فخماً من مدرسته إلى صحن سيدنا العباس(عليه السلام) ثم إلى صحن الإمام الحسين(عليه السلام) حيث دفن في مقبرة خاصة تقع عند باب الصفاء المقابلة للحسينية الحيدرية.

           ترك الفقيد عدداً من الأولاد الأفاضل هم: الشيخ عبد الحسين الخطيب والدكتور حسن الخطيب والدكتور سعيد الخطيب وصادق الخطيب ـ رئيس بلدية كربلاء ـ وعلي الخطيب ومحمد رضا الخطيب.

          لقد فجعت (العربية) بهذا العَلَم الطيب الذكر والأثر، اللغوي الضليع، والمترسل النحرير، ذلك الذي قضى حياة المتعلم والمعلم والعالم على أكمل وجوهها، وبزَّ أقرانه في علوم العربية، فعدّ من آحاد زمانه. فلقد عزَّ نعيه على كل من عرف فضله وما خصَّ به من دماثة الخلق ولين الجانب وعزة النفس وحسن العهد، ورثاه جمهور من الفضلاء. ففي يوم أربعينه أقيم له حفل تأبيني حافل في الحسينية الحيدرية بكربلاء ذكروا مزاياه وفضائله.

           فقد رثاه الشاعر علي محمد الحائري بقصيدة مطلعها:

     تسخو وتسترجع الدنيا بما تهبُ            ولا يدوم على حالٍ لها سببُ

          وللخطيب الشاعر السيد محمد مهدي السيد حسن الأسترابادي قصيدة مطلعها:

     خطب عظيم بكاه الأنس والجان               مذ مال من زورق الإسلام سكان

          ورثاه الخطيب الشاعر السيد حسين المرعشي الشهرستاني، ومطلع قصيدته:

     لا تأمن الدهر إن الدهر خوّان               خطب الأعاظم أنواع وألوانُ

ورثاه الشاعر الشيخ حسين البيضاني بقصيد مطلعها:

     قسماً بشأنك يا عظيم الشأن                ما أنت إلا معدن الإيمانِ

         أخيراً، حبذا لو يسعى حملة الأقلام للتحدث عن أعماله وإبرازها إلى النور خدمة للعلم وأسوة بنشر تراجم المشاهير من الأعلام. والله المسؤول أن يسددنا إلى الصواب، ويجلو لنا غامض العلوم والآداب بمنه وحسن تيسيره.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر البحث:
1ـ العلامة الخطيب/ منشورات مدرسة الإمام الخطيب الدينية.
2ـ عام الثمانين/ الشيخ حسين البيضاني ج1.
3ـ عشائر كربلاء وأسرها/ للسيد سلمان هادي آل طعمة.
4ـ مشاهير المدفونين في كربلاء/ للسيد سلمان هادي آل طعمة.
5ـ من أعلام كربلاء/ الشيخ أحمد رضا الحائري.
6ـ المخطوطات العربية في خزائن كربلاء/ للسيد سلمان هادي آل طعمة.
7ـ خزائن كتب كربلاء الحاضرة/ للسيد سلمان هادي آل طعمة.
8ـ معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء/ للسيد سلمان هادي آل طعمة.
9ـ جريدة الندوة الكربلائية لسنة 1941م.
10ـ مجلة رسالة الشرق الكربلائية لسنة 1954م.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.