الإحاطة بحركة الإمام الحسين(عليه السلام) إحاطة تامة طريق مسدود، فلا يستطيع عالم أو فيلسوف أو مفكر أو عاشق أن يدعي أنه أحاط بشكل تام بالنهضة الحسينية، فكل شخص سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو من أي مذهب آخر إنما يتزود منها بقدره لا بقدرها.
ولكن للنهضة الحسينية آثار على المجتمع الإسلامي على امتداد الزمن والمجتمع الإنساني على طول التاريخ، سأعرض لها بشكل مقتضب، ولعلي أوفق إن شاء الله في التوسع في آثار النهضة الحسينية المباركة في وقت آخر .
أولاً: البعد الديني:
لعل من أهم الآثار التي تركتها نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) هي إسقاط الشرعية الدينية عن الحكم بشكل تام، حيث إن الناس كانوا يأخذون الحكم الشرعي من الحكام، باعتبار أن الحاكم هو ظل الله في الأرض وأنه يمثل رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنه خليفته المفروض طاعته من الله (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء:59).
وبواقعة كربلاء انكشف للأمة زيف الحكام تماماً، وأنهم لا يمثلون شريعة سيد المرسلين(صلى الله عليه وآله) بأي وجه من الوجوه.
فنرى معاناة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)لما أراد أن يغير السنة التي سنها الشيخان فقال بعضهم غيّرت السُنة أو (سُنة عمر) وكذلك وضع عبد الرحمن بن عوف سنة الشيخين شرطًا لإعطاء البيعة في مؤامرة الشورى، لذا فإن من أكبر نتائج النهضة الحسينية المقدسة وثمارها هي إسقاط الشرعية الدينية أو سلطة التشريع عن الحكام.
ثانياً: البعد العاطفي:
إن مودة أهل البيت(عليهم السلام) فرض من الله عز وجل على المسلمين (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(الشورى:23). وقد فهم المسلمون هذا المعنى، إلا أن السياسة الأموية خاصة حاولت بكل ما تملك إبعاد المسلمين عن أهل البيت(عليهم السلام) عاطفياً وتحريف تفسير القربى، وبتقادم الزمن ومرور الأيام ودخول أمم أخرى في الإسلام وانقراض دائرة الصحابة، هذه العوامل تسببت في حالة من التراخي تجاه مودة أهل البيت(عليهم السلام).
فكانت لواقعة كربلاء القدرة على إحداث هزة عميقة في عواطف المسلمين تجاه أهل البيت(عليهم السلام) ومظلوميتهم الكبيرة، أبرزت وجهها كربلاء، سبب كبير في ارتباط المسلمين العاطفي مع أهل البيت(عليهم السلام) لأن الجماهير بطبيعتها تتعاطف مع المظلومية.
وقد ركز أهل البيت(عليهم السلام) بعد كربلاء على الجانب العاطفي، فشرّعوا البكاء على الحسين(عليه السلام) وحثوا عليه كثيراً فأصبح من الشعائر المسنونة لأن أقصى درجات التأثر العاطفي هو البكاء ونحن نرى أن العاطفة لها دور كبير للارتباط بأي فكر فهناك تلازم وجداني بين العاطفة والفكر.
نرى اليوم هجومًا ضخمًا من أعداء أهل البيت(عليهم السلام) على سنة البكاء، وذلك لأن مدرسة البكاء لها دور كبير في تجذير حب أهل البيت(عليهم السلام) وولائهم في نفوس المسلمين فيهاجمون هذا النهج بكل قوة وذلك لسلب قوة هذا المؤثر. ونرى اليوم مئات الملايين الذين يحيون ذكرى عاشوراء في مواكب اللطم والمسير إلى كربلاء والحزن لما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) يشكلون سببًا في انتشار رقعة التشيع.
ولو قدر لنا أن نحصي الذين تأثروا عاطفياً بكربلاء ودخلوا الإسلام وانجذبوا إلى التشيع على مدى التاريخ، أكثر من الذين تأثروا فكرياً بكربلاء ودخلوا الإسلام أو انجذبوا إلى التشيع.