أنمار معاد المظفر
اسمه ونسبه
هو عمارة بن أبي الحسن علي بن زيدان بن أحمد الحكمي المذحجي اليمني الملقب بنجم الدين(1) والمكنى بأبي محمد(2) أو أبي حمزة(3) أو أبي الحسن(4)، عالم فقيه مؤرخ كاتب شاعر. هو من قبيلة الحكم بن سعد العشيرة من مذحج كبرى القبائل القحطانية، وهو من بيت الرئاسة فيها إذ كانت رئاستها تنتهي لزيدان بن احمد جدّه لأبيه والمثيب بن سليمان جدّه لامه(5)،
ثم إلى ولديهما من بعدهما، يقول عمارة (ولقد أدركت عمي علي بن زيدان وخالي محمد بن المثيب ورئاسة حكم بن سعد العشيرة تقف عليهما وتنتهي إليهما)(6). وكان أبوه ـ واسمه علي أيضاً ـ الشخصية الثالثة بعد عمه وخاله.
وقد جمعت أسرته مع السيادة والرئاسة حب العلم والمعرفة إذ يتحدث عمارة عن جده قائلاً (كان زيدان يقول: أنا اعدّ أسلافي أحد عشر جدّاً ما منهم إلاّ عالم مصنف في عدة علوم)(7). وعن زيدان هذا يقول العماد الأصفهاني: (كان ذا قدرة على النظم الحسن وبلاغة في اللهجة واللسن وشعره كثير وعلمه غزير)(8).
كما كان أحد أخوة عمارة وهو يحيى عالماً بأيام الناس(9). وقبيلته وأهله معتدّون بأصالتهم ويمتازون بفصاحتهم ومحافظتهم على العربية إذ كانوا (لا يساكنهم حضري ولا يناكحونه ولا يجيزون شهادته ولا يرضون بقتله قوداً بأحد منهم ولذلك سلمت لغتهم من الفساد)(10)، وينقل عمارة عن نفسه أن فقهاء زبيد كانوا يتعجبون أيّام صباه من كونه لا يلحن في شيء من الكلام(11).
ولادته ونشأته
ولد عمارة عام513هـ كما قال بعض من ترجم له(12) أو عام 515هـ كما قال أكثرهم(13) وعمارة نفسه ـ وهو المؤرخ ـ لم يحدد تاريخ ولادته بل اكتفى بالقول انه دخل زبيد عام 530هـ وهو دون العشرين(14).
أما مكان ولادته فقد ذكر عمارة في كتابه (النكت العصرية)(15) أنها كانت في تهامة باليمن في مدينة مرطان من وادي وساع. إلاّ أن عمارة نفسه ذكر في كتابه (تاريخ اليمن)(16) أن ولادته في الزرائب وان الزرائب وطن أهله ومحل سكناهم، وعليه فأمّا أن الزرائب ومرطان اسمان لمدينة واحدة أو أن الزرائب إقليم يضم مدناً منها مرطان(17).
تقلّب عمارة في موطن قبيلته ومغنى أجداده في كنف أسرة ذات جاه عريض وبقي على هذا الحال حتى عام 530هـ (18) إذ بعثه أبوه إلى زبيد لطلب الفقه بصحبة الوزير مسلم بن سحت فهبطها عمارة ولازم طلب العلم فيها لمدة أربع سنوات مكباً على درسه حتى أنه لم يكن يخرج من مدرسته طوال السنوات الأربع إلاّ لصلاة الجمعة(19). وكان قد تفقه خلال هذه المدة على المذهب الشافعي على يد الفقيه أبي محمد عبد الله بن القاسم الأبّار رأس الشافعية في زبيد وقتذاك(20).
وفي السنة الخامسة ذهب إلى زيارة والديه ثم عاد إلى زبيد(21).
بين زبيد وعدن
عاد عمارة إلى زبيد وصار أستاذاً يقرأ عليه الطلبة الفقه الشافعي(22). وخلال هذه الفترة ذهب حاجاً إلى مكة بصحبة الملكة الحرة أم فاتك آل نجاح ملك زبيد وفي سفرته هذه عرفته الملكة الحرة وقربته وعن طريقها تعرف إلى الوزير القائد أبي محمد سرور الفاتكي القائم بدولة فاتك صاحب زبيد(23) ومن هنا بدأت علاقته ببلاط آل نجاح ملوك زبيد وبدأ نجمه بالسطوع وصار موضع ثقة الملكة الحرة ووزيرها سرور حتى أنهما أرسلاه إلى عدن على إثر أزمة اقتصادية مرت بها زبيد كي يتجّر بشراء البضائع الرخيصة في زبيد وبيعها في عدن وزوداه بالمال لأجل ذلك(24).
فذهب عمارة إلى عدن تاجراً واستطاع خلال سفرته الاتصال بآل زريع حكام عدن وبرأسهم محمد بن سبأ ومدحهم بشعره وبلغت علاقته بهم درجة عالية من الاختصاص والمودة فحصل عمارة على صحبة ملوك الحاضرتين وصار خلال السنوات الممتدة بين سنة 538و548هـ من المقدمين في بلاطي الدولتين ويقول عمارة بأنه (ما من أهل دولتي زبيد وعدن إلاّ من يغار على نصيبه من مجالستي ومؤانستي)(25).
إلاّ أن عمارة في الواقع كان أقرب إلى آل زريع حكام عدن منه إلى آل نجاح في زبيد وكان آل زريع من دعاة الفاطميين(26) مما أثار حفيظة أهل زبيد وملوكهم ـ وهم من أهل السنة ـ عليه إذ كان التنافس السياسي والمذهبي بين آل زريع وآل نجاح على أشده، كما قام حساده ببث الدعايات ضده فهمّ أهل زبيد باغتيال عمارة فخرج حاجاً سنة 549هـ إلى مكة(27).
وفي موسم الحج توفي أمير الحرمين هاشم بن فليتة الحسني وولي مكانه ابنه قاسم بن هاشم فكلف الأمير الجديد عمارة بالسفارة عنه إلى مصر حيث دولة الفاطميين(28).