Take a fresh look at your lifestyle.

مرقد سعيد بن جبير اشراقة خالدة في عالم الاباء

0 798

             عناوين الفكر لدى أصحاب المبادئ وإن اختلفت من ميدان لآخر، إلا أنها تبقى ذات ثوابت شاخصة للعيان، يمر عليها التاريخ فلا يغادرها حتى يسجل عندها علامات مضيئة تذكرها الناس جيلاً بعد جيل، وذلك بسبب مواقفها الصلبة اتجاه تحقيق الحق وتعرية الباطل من كل ما يتستر به تحت مسميات شتى.

وكما أسلفنا فإن ميادين الصراع مختلفة، فتارة تكون ساحات الحرب، بغض النظر عن معطياتها سواء أكانت معطيات ذات نصر مادي كما تحقق ذلك في معركة بدر الكبرى، حينما انتصر المسلمون الأوائل بقيادة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) على جموع قريش ومن سار في ركابها، أم معطيات ذات نصر معنوي مثلما تحقق للإمام الحسين(عليه السلام) في ملحمة كربلاء فبالرغم من استشهاده عليه السلام وحسم المعركة لصالح المعسكر المقابل إلا أن الخلود الذي حازه الإمام بنهضته قلب النتيجة لصالحه وما بقاء ذكر الحسين(عليه السلام) لهذا اليوم والى ما شاء الله إلا مصداق لذلك.

وتارة تكون الميادين مجالس الجبابرة والطواغيت، حين يكبلون أصحاب المبادئ بالقيود ويأتون بهم، فيدور الحوار بينهم، حوار غير متكافئ بين متسلط جائر متصدر المجلس، مهيأة له أسباب الراحة وبين داعية حق مؤمن بقضيته يرزح تحت وطأة السلاسل يرى الموت ظله الظليل.

وخير مثال على هذه الفئة الصالحة، الصلبة في إيمانها التابعي الجليل الشهيد (سعيد بن جُبير) الذي زرنا مرقده ووقفنا على آثاره فسجلنا استطلاعنا هذا اعتزازاً منا بموقفه الذي ينم عن إرادة قوية ونفس أبيه.

سعيد بن جُبير في دائرة الضوء
أبو عبد الله (وقيل أبو محمد) سعيد بن جُبير بن هشام، الأسدي بالولاء، مولى بني والبه بن الحارث(1) (بطن من بني أسد بن خزيمة) التي كانت تقطن الكوفة إضافة لذلك ((فوالبه) تسكن وادي الرمة بين جبلي ابان، وقد سكن قسم من القبيلة أذربيجان حيث وجد هناك موضع يسمى (والبه) وهو الذي لجأ إليه سعيد بعد قتل ثورة بن الأشعث)(2) والظاهر أن بني والبه كانوا يعدون أخواله لانتماء أمه إليهم وقد عرف سعيد تارة بـ(ابن الحارثية)(3) وأخرى (ابن أم الدهماء)(4)، وهذا يدل على أن أم سعيد كانت امرأة معروفة كما سمي بـ(ابن أبي الجهم)، في حين يذكر ابن حبان (أن عكرمة مولى ابن عباس كان متزوجاً بأم سعيد بن جُبير)(5).

عموماً يمكن القول بأن الكوفة كانت دار مولده ومربع نشأته، أما ولادته فيمكن تحديد تاريخها كما ذكر السيد حيدر وتوت بقوله: (بناءً على ما ذكره أكثر المؤرخين، من أن عمره حين استشهاده عام 94هـ (على أشهر الأقوال) كان يناهز التاسعة والأربعين عاماً، أي أنه ولد أيام معاوية بن أبي سفيان الأموي)(6).

وبناء على ما تقدم فإن عمر سعيد يوم الطف ستة عشر سنة، وهذا يعني أنه ساير أحداث واقعة كربلاء مع ما تمثله من خطوط خلفية للجيش الأموي الذي نزل كربلاء واتخذها ساحة حرب لقتال سيد شباب أهل الجنة. أما الأستاذ محمد سعيد الطريحي فيقول: (صار والياً على الكوفة في خلافة عثمان وعلى المدينة في عهد معاوية)(7).

ولا ندري علام اعتمد الأستاذ الطريحي فيما ذكره وقد نصّت أغلب الكتب الرجالية على ولادته في فترة حكم معاوية.
على أننا لم نجد ما سجله سعيد عن ذكرياته خلال الفترة التي حدثت فيها واقعة كربلاء، سوى قوله: (ما مضت عليّ ليلتان منذ قتل الحسين(عليه السلام) إلا أقرأ فيهما القرآن، إلا مسافراً أو مريضاً)(8) ونجده تارة أخرى يقول: (منذ قتل
الحسين(عليه السلام) حتى اليوم أتلو في كل ليلة حزباً من القرآن)(9) وهذان الحديثان يكشفان لنا عن شدة تعلق سعيد بالقرآن، حيث واظب على قراءته منذ ريعان شبابه.

أما أبوه وأخوته فلم نجد أي نصوص تشير لذكرهم هذا فيما إذا كان له أخوة أصلاً، في حين يذكر لنا التاريخ أن له ولدين هما عبد الملك بن سعيد وعبد الله بن سعيد، وعبد الله هذا ذكره ابن كثير(10) قائلاً له روايات كثيرة، فقد كان من أفضل أهل زمانه، وهناك من زعم أن له ولداً ثالثاً كان يكنى به اسمه محمد(11) ومن الجدير ذكره أن الجد السادس للشيخ المفيد أعلى الله مقامه يقال له (سعيد بن جُبير) فهو محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جُبير بن وهب بن هلال الحارثي، نسبة إلى الحرث بن كعب، من يعرب بن قحطان(12).

 

فيما ورد من الثناء على شخصيته
كان سعيد محط إعجاب وإكبار لدى العلماء وأصحاب التراجم والسير عند جميع المسلمين، فقد ذكر ابن شهراشوب سعيداً قائلاً: (أبو محمد سعيد بن جُبير مولى بني أسد، نزيل مكة، وكان يسمى جهبذ العلماء، ويقرأ القرآن في ركعتين، وقيل، ما على الأرض أحد إلا وهو محتاج إلى علمه)(13).

وأما الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) فيقيّم شخصية سعيد بقوله: (كان يأتم بعلي بن الحسين(عليه السلام) وكان علي(عليه السلام) يثني عليه وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر، وكان مستقيماً)(14).

في حين يثني عليه أبو نعيم قائلاً: (ومنهم الفقيه البكاء، والعالم الدعاء، السعيد الشهيد، السديد الحميد، أبو عبد سعيد بن جُبير)(15) إلى غير ذلك من جمل الإطراء والمدح التي وردت في سعيد ومن كلا الفريقين.

شيوخه وتلامذته
عدّ السيد حيدر وتوت الحسيني شيوخ سعيد فبلغوا اثني عشر، وكان عبد الله بن عباس (حبر الأمة) في طليعتهم، إضافة لأبي سعيد الخدري (سعد بن مالك) وغيره ممن صحب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، أما تلامذته الذين يروون عند فقد كانوا ثلاثة وستين، أمثال أبان بن تغلب وثابت بن دينار (أبي حمزة الثمالي) وحمران بن أعين والمنهال بن عمرو الأسدي(16)، وغيرهم.

فيمن كتب عن سعيد
هناك عدد من المؤلفات التي اختصت بدراسة سيرة سعيد بن جُبير وما يتعلق به ومن أهمها:
1ـ سعيد بن جُبير ومروياته في الأخبار والحديث والتفسير، تأليف السيد حيدر وتوت الحسيني.
2ـ سعيد بن جُبير أو شهيد واسط، تأليف الخطيب السيد علي الهاشمي.
3ـ سعيد بن جُبير، تأليف كمال السيد.
4ـ سعيد بن جُبير شهيد الصدق والإيمان، تأليف سلام محمد علي البياتي.
5ـ جهبذ العلماء، سعيد بن جُبير، تأليف ناظم الموسوي الصافي.

المدن التي نزلها سعيد
وبما أن سعيداً قد ولد في الكوفة، كما أسلفنا فقد أثرت في تكوين شخصية سعيد، حيث كانت حينها الجامعة العلمية الكبرى، يضج مسجدها برواد العلم والمتعلمين إضافة لذلك فقد كانت الكوفة مسرحاً لنشاط مجموعة من التيارات السياسية، خصوصاً في الفترة التي تزامنت مع مولد سعيد بن جُبير إذا ما جزمنا بأن ولادته كانت خلال العقد الرابع من القرن الهجري الأول، وقد ولد سعيد في الفترة التي تلت استشهاد الإمام علي(عليه السلام)، تلك الفترة التي استقطب الصراع فيها بين أهل العراق وأهل الشام والتي تميزت باندفاع أهل العراق نحو العلوم الدينية وما يتبعها من علوم لغوية، وتقوقع أهل الشام حول ملاذ الدنيا وخدمة سلطانها ومن يتفحص أقوال سعيد وهو يتحدث عن ذكرياته يجد أن لبيئة الكوفة أثراً كبيراً في تنشئته تلك النشأة الدينية)(17).

أما انتقاله إلى مكة المكرمة وصحبته لابن عباس(رضي الله عنه) فهناك احتمال من احتمالين يمكن أن نتبناه يفسر اتصاله بابن عباس(رضي الله عنه):

الاحتمال الأول: أن سعيداً هاجر إلى مكة وترك الكوفة وعندها جعل يختلف إلى مجلس ابن عباس الذي استأنس بسعيد كثيراً وخصه بعلوم لم يحظ شخص آخر بها ممن كان يطلب العلم من ابن عباس بها بمعنى اتخاذه مكة وطناً يسكنه فيتصل بابن عباس ويتزود بنمير علومه ومعارفه.

الاحتمال الثاني: اتصال سعيد بعبد الله بن عباس عن طريق سفره الدؤوب لمكة تارة للحج وأخرى للعمرة، فعن (هلال بن خباب، قال: خرجت مع سعيد بن جُبير في أيام مضين من رجب فأحرم من الكوفة بعمرة، ثم رجع من عمرته، ثم أحرم بالحج في النصف من ذي القعدة أو كان يخرج كل سنة مرتين مرة للحج، ومرة للعمرة)(18).

يحدثنا سعيد عن اتصاله الأول بـ(حبر الأمة) عبد الله بن عباس بقوله: (قال لي ابن عباس: ممن أنت؟ قلت: من بني أسد، قال: من عربهم أو من مواليهم؟، قلت: لا، بل من مواليهم، قال: فقل: أنا ممن أنعم الله عليه من بني أسد)(19).

لقد تعلق ابن عباس بتلميذه أيما تعلق حيث وجد فيه نبوغاً عالياً وقابلية على إدراك الحديث فاقت على قابليات نظرائه، ممن قدموا على ابن عباس يطلبون التزود من علمه ومعارفه التي أخذها عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وعند ابن عباس كان اللقاء الأول بين سعيد بن جُبير والحجاج بن يوسف حيث اجتمعا في مجلسه معاً لطلب العلم وعندما يسجل ابن جُبير هذا اللقاء يقول: (لقد رأيته يزاحمني عند ابن عباس)(20)،

إلا أن ابن عباس كان اهتمامه منصباً على سعيد لما رآه فيه من صفات تؤهله لذلك الاهتمام، ولم يعر للحجاج أي اهتمام وقد يكون هذا الأمر أول الحقد الذي امتلأ به قلب الحجاج، وقد أدى في آخر الأمر إلى تلك النهاية المأساوية التي لاقاها سعيد على يد الحجاج.

وبناء على صحة الاحتمال الأول فلم (يطل المقام بسعيد في مكة والحجاج يعدّ الأنفاس على أهل الحجاز، ففكر في العودة إلى مدينته ومسقط رأسه الكوفة، خاصة وقد بدأت حلقات الدراسة تملأ جنبات مسجد الكوفة، تعج زاخرة بالدارسين، وقد شعر بأن وجوده في الكوفة سيكون أفضل وأنفع من الناحية العلمية والسياسية)(21).

وبعد فشل ثورة ابن الأشعث التي اشترك فيها سعيد أخذ يتنقل في البلاد الإسلامية هارباً من ظلم الحجاج وتعسفه، فانتقل إلى أصبهان حيث يقول أبو نعيم: (دخل سعيد أصبهان وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها إلى العراق وسكن قرية سنبلان)(22).

وسنبلان ليست في العراق وإنما في أصبهان كما قال ذلك ياقوت في معجمه(23)، ثم التحق بأذربيجان بعدما لاحظ أن الجواسيس والعيون الأموية ترصده ونزل حاضرتها (أردبيل)(24)، التي سكنها لسنين طويلة ينتقل بين أمصارها مطمئناً إلى حماية أهل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي كان معه في الثورة، ولما طال مقام سعيد في تلك المدينة أخذ الحنين والشوق إلى مكة يدب في عقله وروحه حتى قرر شد الرحال إليها بعد أن طفح به كيل الصبر، وبالفعل نزل سعيد مكة ولم يفارقها إلا مرغماً على أيدي جلاوزة بني أمية، منقولاً إلى الحجاج بن يوسف الذي سكن مدينة واسط وبذا تكون واسط نهاية المطاف في حياة سعيد بن جُبير رضوان الله عليه حيث استشهاده وقبره ومحل زواره ومريديه.

سعيد ومجريات الأحداث
شهدت مسيرة حياة سعيد بن جُبير التي امتدت قرابة الخمسين عاماً، تعاقباً لحكام بني أمية ابتداءً من حكم معاوية بن أبي سفيان، مروراً بيزيد ثم ولده معاوية ثم مروان ابن الحكم وبعده عبد الملك بن مروان ثم ولده الوليد بن عبد الملك الذي هلك في النصف من جمادي الآخرة سنة 96هـ(25)، أي بعد مقتل سعيد بسنة أو سنتين.

لقد عاصر سعيد الأحداث التي ألمت بالأمة الإسلامية حيث واقعة الطف وواقعة الحرة مروراً بوقائع الحجاج مع عبد الله بن الزبير وضرب الكعبة بالمنجنيق وكلها أثرّت في نفس سعيد أيما تأثير إلا أنه سايس السلطات الحاكمة تقية وحفاظاً على دينه وحياته.

أما علاقة الحجاج بسعيد فقد ابتدأت كما ذكرنا منذ حضور كليهما عند حبر الأمة عبد الله بن عباس(رضي الله عنه) فسعيد هو الأعرف بوضع الحجاج الذي أصبح من عمال عبد الملك بن مروان بعدما كان خامل الذكر فاتخذ من الدهاء والظلم والتعسف وبغض آل علي(عليهم السلام) طريقاً لكسب رضا بني مروان وبالفعل فقد نال ما أراده إذ عينه عبد الملك والياً على مكة والمدينة بعد أن سحق حركة عبد الله بن الزبير في مكة ثم رأى عبد الملك في الحجاج مثلما رأى يزيد بابن زياد فولاه العراق بمصريه، البصرة والكوفة كي تستقيم له الأمور.

ولعل الحوار الأخير الذي دار بين سعيد بن جُبير والحجاج بن يوسف قبيل مقتل سعيد سيوفر لنا الكثير من الكلام ويسهل علينا محاولة فهم ما حدث مع سعيد، يقول ابن أعثم(26): (فدخل سعيد بن جُبير على الحجاج، فلما نظر إليه قال: لا مرحباً بك يا رأس النفاق.

قال سعيد: المنافق من كان من شيعة المنافقين.
قال الحجاج: صدقت يا شقي.
قال سعيد: بل أنا سعيد بن جُبير…
قال الحجاج: يا عدو نفسه ألم أقدم العراق وأنت بها فقربت منزلك، ورفعت مرتبتك؟ ثم بلغني عنك علم وفقه فزدتك في عطائك، وفي خبر (أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها إلا عربي فجعلتك إماماً، فقال: بلى، قال: أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي) فاستقضيت أبا بردة ابن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك.
قال: بلى.
قال: أما جعلتك من سماري وكلهم رؤوس العرب.
قال: بلى.
قال: أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها)(27).
قال ابن أعثم: (قال سعيد: قد كان ذلك يا حجاج، قال الحجاج: فما أخرجك عليّ؟
قال سعيد: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث فلم أر نقضها.
فغضب الحجاج ثم قال: يا عدو نفسه، فبيعة أمير المؤمنين كانت أحرى أن تفي بها من بيعة ابن الأشعث حائك كندة والله لأذيقنك حياض الموت ولأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى).

والنص أعلاه يكشف عدة أمور منها:
1ـ قول سعيد: المنافق كان من شيعة المنافقين، يدلل على وضوح الرؤية عند سعيد فلم يكن منافقاً يظهر عكس ما يبطن بل ما كان في سريرته يكن في علانيته.

2ـ قول الحجاج (ألم أقدم العراق وأنت بها، فقربت منزلك ورفعت مرتبتك) يدل على أن سعيداً كان في الكوفة عندما ولي الحجاج أمرها، ولم يقرب سعيداً إلا لما كان من معرفته التامة بحال سعيد من ورع وزهد وتقوى، إضافة لكونه (أي سعيد) ممدوحاً عند المسلمين ولا ينسى الحجاج مواقف ابن عباس الإيجابية من سعيد وتقريبه إياه، بل وتفضيله على غيره ممن كانوا يحضرون مجلسه.

3ـ أما بيعة سعيد لابن الأشعث، فقد تمت بمعية عدد من القراء وليس بمفرده حيث استخدم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث (من العائلة سيئة الصيت) المكر والدهاء لاجتذاب القراء حتى يعطي مشروعية لحركته ودفعاً معنوياً لأصحابه، أما القراء ومن جملتهم سعيد فلا أدري هل انطوت عليهم حيلة ابن الأشعث أم أنهم أرادوا فعلاً التخلص من ظلم الحجاج وتعسفه فالتحقوا مع ابن الأشعث، متخذين من سياسة (عدو عدوي صديقي) منهجاً لهم؟!

عموماً أرى في نظري القاصر أسباب عدة اجتمعت ومكنت الحجاج من قتل سعيد وهي:
1ـ إثبات سعيد لأبوة النبي(صلى الله عليه وآله) الصلبية للحسن والحسين(عليهما السلام) أمام الحجاج بالأدلة القرآنية مستدلاً بأبوة إبراهيم لعيسى عن طريق مريم.

2ـ التحاقه بثورة ابن الأشعث وخلعه بيعة عبد الملك، في حين يرى السيد محسن الأمين العاملي(رحمه الله) في النص المتقدم أن سعيداً لم يعتذر بقوله (بيعة لابن الأشعث كانت في عنقي) ويعتبره عذراً فاسداً حيث يقول (كيف يعتذر سعيد بهذا العذر الفاسد ولا يعتذر بمثل ما اعتذر به الشعبي في قوله (كانت فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أشقياء)، ثم يضيف الأمين: (ولكن الصواب أن قتله كان لولائه أهل البيت(عليهم السلام)

والعفو عن الشعبي كان لولائه بني أمية وإعراضه عن أهل البيت(عليهم السلام))(28).
بعد أن ضاق الحجاج ذرعاً بسعيد من خلال أجوبته المفحمة كان شأنه شأن الطواغيت عندما يقفون أمام أندادهم وهم ضعفاء يغلبهم منطق الحق فيسارعون إلى منطق الجلاد والسيف! وهذا ما ذهب إليه الحجاج إذ صاح اذهبوا به فاقتلوه فقال سعيد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، استحفظها يا حجاج حتى ألقاك يوم القيامة، ثم قال: اللهم لا تسلط الحجاج على أحد يقتله من بعدي، فضربت عنقه، فبدر رأسه وعليه كمة بيضاء لاطئة، فلما سقط رأسه هلل ثلاثاً أفصح بمرة ولم يفصح مرتين(29).

أصبح سعيد معروفاً بلقب جديد هو (مستجاب الدعوة) حيث لم يمهل الله الحجاج إلا خمسة عشر ليلة فقد دب المرض في جسده والتبس عقله وجعل ينادي (ما لي ولسعيد) حتى هلك وفي هلاكه عبرة للظالمين.

زيارتنا لمرقد سعيد بن جُبير
الطريق غير آمن!
لا، بل الطريق آمن!
أي الطرق نسلك؟
طريق النجف ـ الديوانية ـ عفك ـ الفجر ـ الحي.
طريق النجف ـ الديوانية ـ الشوملي ـ النعمانية ـ الكوت ـ الحي.
خياران لا ثالث لهما، ويجب تحديد واحد منهما.
الخيار الأول كان الأرجح فانطلقنا بعد التوكل على الله صبيحة يوم الثلاثاء الثاني من شهر صفر.
يبعد قضاء الحي عن النجف الأشرف حوالي (215كم) حسب الطريق الأول.. أخذت السيارة تجد بنا في السير حثيثاً حتى وصلنا إلى قضاء الحي ومن الشارع العام انعطفنا نحو طريق فرعي غير معبد، الذي يعتبر المنفذ الوحيد الموصل إلى مرقد سعيد بن جُبير(رضي الله عنه) ويبلغ طول هذا الطريق حوالي كيلومتر.

واسط والحي
سميت واسط واسطاً، لتوسطها بين الكوفة والبصرة والأهواز، فهي على خمسين فرسخاً من كل واحدة منها، كانت احدى مدن العراق الكبرى الثلاث قبل بناء بغداد، فقد شرع الحجاج في بنائها سنة (84هـ) وفرغ منها سنة (86هـ) وقد كان قبلها أثر لمدينة تدعى (واسط القصب)(30).

وواسط طرفان، الطرف الشرقي يقال (واسط)، والغربي يقال له: (كسكر)، وقد عرف من محلات واسط محلة الأنباريين وفيها جامع البلد ومحلة الزيدية وهي مسكن العلويين وشيعتهم وفيها الحقول والبساتين، ومحلة الرازي وهي المحلة السفلى بواسط والمحلة الشرقية لوقوعها شرقي واسط ومحلة (الحزاميين) أيضا شرقي واسط(31)، (أما (برجونية) فتقع شرقي واسط قبالتها، وهي قرية نزهة ذات أشجار ونخل كثير ثم يضيف ياقوت في معجمه قوله: (وبها قبر يزعمون أنه قبر سعيد بن جُبير…)(32).

واليوم أصبحت برجونية جزء من قضاء الحي، تعرف باسم منطقة سعيد أما بلدة (الحي) فقد أخذت التسمية من نهر الحي و(الحي) محلة القوم وربعهم، والظاهر أن اسمها كان حي واسط ثم ذهب اسم واسط فبقي اسم الحي وقد عرف النهر بعد ذلك باسم (الغراف)(33)،

فعليه نشأت ويسمى صدره اليوم بـ(الأعمى) لأن الجري تحول عنه وصار يجري بين يدي مدينة الحي، حيث يقول على الشرقي: (انتقل أهل واسط إلى الحي فمدينة الحي هي واسط اليوم، … ثم يذكر جملة من الأنهار الصغيرة المتشعبة من نهر دجلة ومنها ما كان يقيم العشارون عليه لاستلام الأعشار من السفن المنحدرة والمصعدة، وكان هناك حي يسمى حي العشارين، فارتأى بعض الباحثين أن بقيته اليوم هي مدينة الحي، وإني أعتقد أن هذه المدينة بقية للمدينة الفارسية التي كانت على فرع لدجلة يسمى (زندرود) وترجمة هذه التسمية (النهر الحي) وهو اسم المدينة الفارسية التي كانت عليه فالحي مأخوذ من مادة الحياة وليس هو بمعنى مجموعة منازل وهذا يجتمع مع قول القائلين إن اسم النهر الحي لا نهر الغراف(34).

أما أهل قضاء الحي فيرون أن تسمية الحي أطلقت على المنطقة بعد مقتل سعيد بن جُبير ودفنه فيها، حيث كان الأرض مجدبة، غير مأهولة بالسكان، فلما دفن سعيد هناك ظهرت البركة حيث وفرة الخيرات الزراعية الأمر الذي جعل الناس تستوطن المنطقة المحيطة بالقبر فسميت بالحي وكأنما أحييت الأرض بعد أن كانت ميتة ببركات مرقد سعيد بن جُبير.

أما مدينة الحي القائمة اليوم فتبعد عن مدينة الكوت (50كم) وقد تأسست عام 1800م من قبل أحد شيوخ عليخان الذي قدم إلى هذه المنطقة من الفرات الأوسط، وقد امتاز أهل الحي بالكرم حتى قيل فيهم: (وأهل الحي أحياء). كما اتصفوا أيضاً بالروح الثورية، ففي عام 1956م ثارت مدينة الحي متضامنة مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي، وأعدم اثنان من أبنائها الأبطال هما (علي الشيخ حمود، وعطا مهدي الدباس).

أما في سنة 1990م فقد كانت مدينة الحي من أوائل المدن التي اندلعت فيها الانتفاضة الشعبانية فقدمت العديد من الشهداء.

مرقد سعيد بن جُبير
يذكر الأستاذ علي الشرقي في بحثه الموسوم بـ(واسط) قوله: (واليوم يوجد مشهد لسعيد بن جُبير وهو رواق عليه قبة)(35)، أما ابن خلكان (المتوفى سنة 681هـ) فيقول: (فضرب عنقه (أي سعيد) وذلك في شعبان سنة 95هـ وقيل 94هـ، بواسط ودفن في ظاهرها وقبره يزار بها)(36) في حين يقول ابن العماد الحنبلي(37) (المتوفى سنة 1089هـ): (وقبره بواسط يتبرك به).

أما الشيخ محمد حرز الدين فيقول: أشرفت قبة مرقده القديمة على الانهدام لمرور سنين عليها، وكان يرجع تاريخ بنائها العتيق إلى القرن الحادي عشر الهجري لوجود الشاهد على ذلك وهي الصخرة التي على قبره وكان مكتوباً عليها ما نصه (جدده كنعان آغا في صفر الخير من القرن الحادي عشر الهجري) ثم يضيف الشيخ حرز الدين: وقد أشاد مرقده اليوم جماعة من المحسنين من أهل مدينة الحي… فقد تم بناؤه أي المرقد بأضخم بناء وأحدثه كما يشاهد وحوله صحن كبير له أربعة أبواب وقد تم بناؤه سنة 1378هـ/1958م باهتمام العلامة الشيخ عبد الأمير آل قسام النجفي(38).

في حين يذكر السيد علي الخطيب الهاشمي ما نصه: (وفي مرقده توجد صخرة رقم عليها اسم المجدد لبنائه السابق، وهو كنعان آغا سنة 1053هـ في صفر الخير، وكما أنه عند الهدم وجدت بعض من قطع الأحجار، وقد كتب عليها بالخط المسماري، ويظهر أن هذه الأحجار نقلت من الآثار القديمة وجعلت في أسس المرقد عند تجديده، ومن الآثار القديمة البئر المدرجة التي يظهر عليها القدم، وكانت الأعاصير التي تحمل الرمال قد ردمتها، وأخيراً عثر عليها وكشف عنها، وتستعمل اليوم)(39).

 

المرقد اليوم
ومرقد سعيد اليوم هو عبارة عن صحن واسع تبلغ مساحته عشرة آلاف وثمانمائة متر مربع وهذه المساحة تتوسط قطعة أرض واسعة تبلغ (24دونم)، وقد سجلت في دائرة الأوقاف إنها تابعة لمرقد سعيد بن جُبير إلا أننا لاحظنا بعض التجاوزات حيث زرع البعض أجزاء من تلك الأرض واتخذها مسكناً له، لاحظنا أيضاً وجود مقبرة تحد الجهة الجنوبية من المرقد وقد أعدت لدفن الأطفال ذوي الحاجة، كما أثار انتباهنا وجود حجرة صغيرة على جانب الطريق المؤدي إلى مرقد سعيد(رضي الله عنه)،
كتب عليها مقام الخضر(عليه السلام).

تحيط به الأواوين المستمرة من جهاته الأربعة وتكتظ هذه الأواوين بالزائرين خصوصاً أيام الجمع والأعياد وفي يوم استشهاده حيث ذكر لنا أحد الأخوة القائمين على خدمة المرقد أن يوم 25 ذي الحجة هو يوم استشهاد سعيد بن جُبير.

يمكن الدخول للصحن من خلال أربع منافذ تتوزع على الجهات الأربع حيث تتوسط الباب تلك الجهات وتمتد على جانبيها أواوين بواقع عشرة أواوين على جانب يبلغ عرض الإيوان أربعة أمتار تقريباً، ولازالت حركة الأعمار قائمة على قدم وساق في ترميم وتأهيل الصحن والحرم معاً. ولازالت سقوف الأواوين المبنية بالشيلمان (العقادة) مغطاة بطبقة اسمنتية تنتظر الطلاء بالصبغ أو البورك.

تستقر المجموعة الصحية في الزاوية الجنوبية الغربية وفي الواقع فإن هذه المجموعة تحتاج إلى تغيير كامل لأنها لا تفي بمتطلبات الصحة العامة، أما الواجهة الخارجية للصحن والتي تطل على الشارع وبعض البيوت المتناثرة هنا وهناك، فالعمل في تغليفها مستمر حيث ستغلف بأرقى أنواع المرمر ومن الجدير ذكره فإن نية تطوير المرقد كانت شرارتها الأولى قد انطلقت عام 1961م، وكان راعي الفكرة ومنميها المرحوم الشيخ عبد الأمير القسام، إلا أن النظام البائد كان يعيق أي محاولة لتجديد وتعمير المرقد شأنه شأن المزارات الأخرى في العراق التي عانت الإهمال المتعمد وكانت أي بادرة يقوم بها المؤمنون ممن أنعم الله عليهم لتعمير مرقد أو مزار تجابه بالرفض وربما يعرض المؤمن نفسه إلى أخطار جمة منها رصد تحركاته من قبل رجال السلطة وتكرار الإلحاح والمساءلة معه إضافة لابتزازه المادي المتكرر.

في عام (1996م) وأثناء أيام عبد الأضحى حيث كان الزائرون يفدون على المرقد وعلى حين غرة سقطت جزء من مقدمة السقف المطل على الطارمة الأمامية للمرقد، وحينها قدم وفد من أهالي الحي إلى مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم (مد ظله)، وقد عرض الوفد على السيد تفاصيل الحادثة وحاجة المرقد الفعلية إلى إعادة التأهيل والترميم والأعمار، فأشار سماحة السيد إلى الحاج ميثم مذبوب بأن يتكلف الموضوع برمته.

يتحدث لنا الحاج مثيم عن ذلك التكليف بقوله: (وبناء على ما أمر به سماحة السيد الحكيم فقد ذهبت إلى مرقد سعيد بن جُبير وتباحثت الأمر مع من يهمه الأمر خصوصاً سماحة الشيخ حسين القسام الذي لم يبخل بجهد معنوي كان أو مادي في سبيل تطوير المرقد والرقي به إلى ما تصبو إليه نفوس الخيرين من أبناء مدينة الحي والزائرين وصار الأمر أن نذهب إلى ملاحظية أوقاف واسط، فذهبنا وقدمنا طلب ترميم ما تصدع من جراء حادثة يوم عيد الأضحى، ثم أحيل الطلب إلى مديرية الأوقاف العامة في بغداد، التي بدورها أحالت الموضوع إلى دائرة الشؤون الهندسية، انتدبت الدائرة المهندس لؤي كمال الذي اصطحبته إلى المرقد المبارك بمعية الأستاذ ناصر شعبان والأخ محمد جواد عطية جبّوري.

أجرى المهندس الكشف وتبين أن المرقد بحاجة ماسة إلى الأعمار وبعد مرور شهرين صدرت إجازة البناء التي بموجبها تم التحرك بالمباشرة في هدم وإزالة الأجزاء المتضررة والآيلة للسقوط ورفع الأنقاض، وكان الدور الأساسي في هذا العمل لأهل الحي أنفسهم فقد قدموا ما استطاعوا تقديمه وفقهم الله، والحق يقال أن الحاج حميد غافل هيأ للعمل (سيارة قلاب مع شفل) لمدة عام كامل دون مقابل تبرعاً منه للمرقد (كما تبرع بـ(22 طن حديد) في شدة الأزمة)، كذلك لا أنسى دور الأخ جاسم البديري، البناء الذي عمل مجاناً تبرعاً منه وفقه الله الذي بنا المئذنتين والقبة.

امتدت فكرة الترميم البسيطة لتشمل المرقد المبارك برمته، وكانت رغبة أهالي مدينة الحي شديدة في التغيير الشامل لمعالم المرقد، وكنت حينها بحمد الله ممن وفق بالمساهمة الكبرى في المرحلة الأولى من الأعمار، وقد هيأت للعمل كافة مواد البناء فاستمر العمل على وتيرة منتظمة، يحقق إنجازاً تلو إنجاز، أراد أبناء الحي إضافة مأذنة للمرقد إذ كانت القبة وحدها تعلو المزار وبالفعل فقد تم إنجاز مئذنتين على جانبي المرقد المكرم، ثم ألحقنا الباحات الأربع المحيطة بداخل الحرم إليه، بعدها توجهنا للصحن فأزلناه إزالة كاملة ثم بدأنا بتوسعته، ولا أبالغ إذا قلت أن حجم الطين المستخدم في دفن الصحن بلغ مقدار ما تحمله أربعمائة سيارة حمل (لوري) ولا أنسى دور المهندس الواسطي (أبو رند) الذي تابع مسار العمل مجاناً وكان محيطاً بمجريات الإنجاز والإنشاء ومفاصلها.

ومما لاشك فيه فقد كانت معاناتنا جراء الحصار الاقتصادي لا توصف حيث بلغ سعر طن حديد التسليح مليون ومائتي ألف دينار، إضافة للمواد الأخرى المتعذرة الحصول عليها.. والحمد لله فقد تمثلت نتيجة تلك الصعوبات اليوم بهذا المرقد الشاخص بحلته الجديدة الزاهية.

والكلام بعد للحاج ميثم: (في النية أيضاً تطبيق الصحن بالكاشي أو المرمر تبعاً لما سيرتئيه المهندسين وأصحاب الخبرة، بسبب طول فصل الصيف في المنطقة والتطرف الملحوظ في درجات الحارة خصوصاً في شهري تموز وآب).
أما بالنسبة للأروقة والضريح الداخل فتبلغ المساحة الإجمالية لهما تقريباً ألف ومائة متر مربع، وأنت تدخل من الباب الرئيسية، التي يوجد مثلها ثلاث أبواب على الجهات الأخرى تقرأ شعراً للسيد محمد علي النجار:
هذا سعـــــيد بن جبير الذي
لم يرتض الحكم لباغ لئيم
جاهد في اللّه ولــــــــــم ينثن
حتى أتــى اللّه بقلب سلــيم
شـــاد بنو الحي لــــــه مرقداً
ينير للناس الطريق القويم
قد نطق الحي بتــــــــــأريخه:
(دام لأهل الحي أجر عظيم)
1384
تحيط بالضريح الداخلي أروقة جديدة غلفت جدرانها بالمرمر، حيث يقع على يمين الداخل بهو كبير يتصل بمسجد مخصص للرجال، ولازالت أعمال السقوف الثانوية قائمة حيث نلاحظ عشرات القطع الجبسية المزخرفة مركونة في إحدى الزوايا، يتصدر المسجد محراب من المرمر، أما اللمسات الفنية فتبدو واضحة للعيان في دقة إنجاز أقواس الأروقة، أما مسجد النساء فالعمل لازال جارياً في حدل الأرضيات، من المدخل الرئيسي ننفذ مباشرة إلى الحرم الداخلي حيث يتصدر مدخل مقوس، تحتل جانبيه زيارة سعيد بن جُبير، كما يمكن الدخول للحرم الداخلي عن طريق ثلاثة مداخل أخرى من الجهات الثلاث الأخرى.

يتوسط الصندوق (الضريح الطاهر) الحرم الداخلي والصندوق لا يتناسب أبداً مع كبر القبة التي تعلوه وقد أخبرنا سماحة الشيخ حسين القسام أن في نية استبدال الصندوق بآخر يليق بشخصية صاحب المرقد فالصندوق اليوم عبارة عن مشبك حديدي بأبعاد (2،5م×2م) وبداخله صندوق خشبي مغطى بشال أخضر كتب عليه اسم سعيد بن جُبير، تعلوه قطعة قماش خضراء ولا توجد ثرية واحدة داخل المرقد، أما القبة فقد سرت الرطوبة إليها مما أدى إلى سقوط بعض القطع الزجاجية (المرايا) التي تزخرف القبة من الداخل، أما من الخارج فالقبة بحالة جيدة جداً حيث تم تغليفها بعد قلع الكاشي الكربلائي المتصدع والقديم الذي كان يغلفها.

يبلغ قطر القبة حوالي (9م)، أما ارتفاعها فيبلغ (18م)، تحيط بالقبة من الداخل ثمان فتحات موزعة بالتساوي على محيطها وقد خطت على طوقين فيها بعض الآيات القرآنية (بعض من سورة الرحمن، وآية: رجال لا تلهيهم…) أما المنارتان فيبلغ ارتفاعهما (21م) تقريباً.

تعاقب على خدمة المرقد مجموعة من المؤمنين من آل سيد شبيب وبني عقبة وآل بدر (من عشائر المياح) التي تتواجد بكثرة في قضاء الحي.

أما سادن المرقد اليوم فهو الشيخ حميد لازم العقابي الذي أوضح لنا بعض المشاكل بقوله: (ولم نتلق أي دعم من الدولة، وإن تطوير الخدمات في هذا المكان سوف يسهم في خدمة قطاع السياحة الدينية والتاريخية، وإن سوء حالة التيار الكهربائي يتطلب وجود مولدة كهربائية، وإن التكييف ضروري لهذا المكان الذي يؤمه الناس في المناسبات الدينية).

وهكذا شأن أصحاب المواقف خلود ما بعده خلود لأنهم تركوا الدنيا بزخارفها والتحقوا بالآخرة حيث رضوان الله وجناته.

نشرت في العدد 17


(1) ابن خلكان، وفيات الأعيان، 2/371.
(2) البياتي، سعيد بن جُبير، شهيد الصدق والإيمان، ص3.
(3) ابن الجوزي، صفوة الصفوة، 3/77.
(4) ابن سعد، الطبقات، 6/257.
(5) مشاهير علماء الأمصار، ص82.
(6) سعيد بن جُبير ومروياته في الأخبار والحديث والتفسير، ص4.
(7) ابن سعد، الطبقات، 6/259.
(8) المصدر السابق.
(9) أبو نعيم، حلية الأولياء، 4/275.
(10) ابن كثير، البداية والنهاية، 9/306.
(11) ابن حبان، طبقات المحدثين باصبهان، 1/315.
(12) نصار، جهود الشيخ المفيد الفقهية ومصادر استنباطه، ص29.
(13) التستري، قاموس الرجال، 5/86.
(14) مناقب آل أبي طالب، 4/176.
(15) حلية الأولياء، 4/272.
(16) وتوت، سعيد بن جُبير ومروياته.
(17) البياتي، سعيد بن جُبير شهيد الصدق والإيمان، ص25.
(18) أبو نعيم، حلية الأولياء، ص275.
(19) ابن سعد، الطبقات، 6/256.
(20) البياتي، سعيد بن جُبير شهيد الصدق والإيمان، ص29.
(21) المصدر السابق، ص31.
(22) تاريخ اصبهان، 1/381.
(23) 3/296.
(24) البياتي، سعيد بن جُبير شهيد الصدق والإيمان، ص34.
(25) الحائري، شجرة طوبى، ص98.
(26) الفتوح، 7/161.
(27) ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 1/109.
(28) أعيان الشيعة، 11/202.
(29) تاريخ الطبري، 7/391.
(30) ياقوت، معجم البلدان، 5/400.
(31) الأمين، دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، 23/263.
(32) ياقوت، معجم البلدان، 5/445.
(33) كي لسترانج، بلدان الخلافة الشرقية، ص15.
(34) الأمين، دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، 23/264.
(35) المصدر السابق.
(36) وفيات الأعيان، 2/373.
(37) شذرات الذهب، 1/110.
(38) مراقد المعارف، 1/352.
(39) الهاشمي، سعيد بن جُبير أو شهيد واسط، ص91.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.