Take a fresh look at your lifestyle.

رابطة المنبر.. عرض أم جوهر؟!

0 643

             تركض الأيام، وتهرول الشهور، وتمشي السنين، وتمضي الأعمار، وتتقادم الدهور، وذلك البستان أخضر يانع. وماؤه الرقراق العذب يتدفق ليروي كل الظمأى. فيا له من بستان يانع، ذي جمال فاقع. ويا له من دواءٍ ناجع، ومن مشفٍ نافع. ويا له من هادٍ ساطعٍ ناصعٍ. ويا له من حرزٍ مانع، ومن منقذٍ شافع. فقافلة الظمأى تسري وتسري، والطريق طويل، بلا أشجار ولا نخيل، ولا ظلٍ ولا ظليل.

             فبين مستشهدٍ على هذا السبيل، وبين ماضٍ وقاضٍ إذا أزف الرحيل. قافلةٌ تمشي حدواً وتَكْبُر، إلى ذلك البستان تحدق وتبصر، لا رجوع ولا تقهقر. إنه الحر حينما يتفكر. إنه الحزم حينما يتصبّر. إنه العزم حينما يتفجّر. فبين قاطفٍ لثمر، وبين مستظل بشجر. لكن كلهم حول الوردة الحمراء يدور، فقلوبهم تتفطر، والدموع منهم تتحدّر.

            كيف لا، وقد قيل فيهم: إني مخلف فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. فتمسّك النّحل بوردتهم، فقيل فيهم: أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة. فالعزم هو العزم. والهمُّ هو الهم. لكنّ عجلة الحياة تدور. والطاقات منهم تفور. ليبدع هذا، ويطور ذاك. والكل يدور، حول خدمة ذلك البستان، فهذا يسقيه بدمائه. وهذا يرويه بمداده. والكل خدم. على أعتاب بستان أشرف الخلق والأمم(صلى الله عليه وآله).

          فمع تقدم العلوم، وتزايد الخصوم، وتعدد الوسائل والأساليب، فإن الدعوة إلى كل خير تنفتح أمامها طرقٌ كثيرة، وصعوبات مريرة. ما يحتم على الدعاة التحلي بجمال الأسلوب، وصلابة القلوب، وتوسيع آفاق الفكر، والتحزم بالصبر. (لذا فإن السعي للكمال لدى كل المخلوقات التي يلاحقها النقص هو دوام تقييمها لنفسها وما تقوم به من أفعال.

             إلا أن نفس هذا التقييم يتطلب دوام المراقبة، والتي يعتبرها أصحاب السير والسلوك من ضروريات سيرهم وسفرهم نحو الكمال. وسيقود هذان المبدآن بضرورة المحاسبة. فإن كنا نتحدث عن الفرد الإنساني، فلابد من أن يقوم بمحاسبة نفسه بعد أن قام بهاتين المرحلتين، ألا وهما دوام المراقبة والتقييم.

             وكذا فإن هذه المراحل الثلاث ستقود لتحفيز وحث الإنسان للتخلص من العيوب وبالتالي تحقيق المزيد من الفتوحات الكمالية في وجود ذلك الإنسان. ويمكن تمثيل ذلك بالشكل رقم (1):

             وإذا كانت الحال هذه، فلا بد إذن من هذه المبادئ الأربعة للوصول للكمال. وهذا بالطبع ينطبق على المجتمع البشري وتقدمه. لذا فلابد لأي مؤسسة خدمية تستهدف خدمة مجتمعها من القيام بشكل دائم بهذه الخطوات الأساسية الأربع. وكذا فإنه يتوجب على المستفيد من خدمات تلك المؤسسة القيام بمثل هذه الخطوات الأساسية الأربع.

            هذا إن كنا نريد وصولاً للكمال وتحقيقا لرقي المجتمع. إذن فإن عملية التكامل تفرض علينا القيام بالمراقبة، والتقييم، وكذلك المحاسبة. وهذه الأمور يمكن لأي شخص أن يقوم بها بنفسه. وفي طيات الليالي. إلا أنه حينما يتعلق الأمر بطرف آخر، فإنه قد تظهر فيه تفصيلات عديدة، يكون من الصعب أن يقوم الفرد بتقييم نفسه والاكتفاء بذلك. فقد يتوجب عليه أخذ آراء الآخرين في ذلك. فكيف إذا ما تعددت أطراف ذلك العطاء.

            إن عناصر عطاء المنبر الحسيني متعددة. فإن عناصره مؤلفة من : الخطيب، الجمهور، القائمين على المآتم (أصحاب المآتم) والمجتمع العام. إن هذه المنظومة الرباعية العناصر، يشكل الخطيب قطب الرحى فيها. صحيح أن العلاقات بين بقية العناصر بمعزل عن الخطيب لا يمكن إنكارها، إلا أن ما يمثله الخطيب من دور محوري أمر لا يمكن إنكاره. إلا أن العامل التالي في الأهمية للخطيب قد يتمثل في المتلقي.

           ثم بعد ذلك يأتي دور أصحاب المآتم، ثم عامة المجتمع البعيد (البيئة المحيطة). لذلك فإن أي بغية للتطوير يستهدفها أحد قد تمثل عملية صعبة متشابكة الأطراف، متباعدة النهايات. وبالطبع فإن ذلك قد يشكل عملية معقدة.

           هذا وبصرف النظر عما أحدثته الثورة العلمية والمعلوماتية والتكنولوجية من تغيير على كافة الأصعدة. إذ إنّ بعض ما بزغ بشكل فاقع، هو المنبر الحسيني الإفتراضي. ما دفع الكثير من أصحاب المآتم الكبرى من السعي إلى بثّ مراسم مآتمهم بالبث الحي، إما عبر القنوات التلفزيونية، أو من خلال المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنيت.

            فلو ركزنا وتد حديثنا على أرض الواقع، ونصبنا عمود اهتمامنا على تلك المباني المباركة، والمآتم الاعتيادية المنتشرة كالزهور حول بستان ولاية أهل البيت(عليهم السلام)، فإننا سوف نعطي المتلقي (جمهور المستمعين) أهمية كبرى. فما يريده عامة الناس (المجتمع العام)، قد لا يشكل تطابقاً مع الشريحة من الناس المتربعة في صدر الحسينية والمآتم. وقد يظهر بذلك بعض التناقض. فبالرغم من أهمية المجتمع القريب (المتلقي، المستمع)، إلا أنه قد تتشكل بعض الحواجز بشكل أو بآخر، ولسبب أو لآخر، بين الخطيب والمتلقي، ما يجعل الخطيب في عزلة.

         وقد يقود ذلك بالتالي إلى تبادلٍ في مراتب التأثير. فتصعد رتبة أصحاب المآتم، على حساب الشريحتين الأخريين، المجتمع القريب (المتلقي والمستمع)، و المجتمع البعيد (البيئة المحيطة). انظر الشكل رقم (2).

          صحيح أن ما ذكرناه هو محض قول نظري افتراضي. إلا أن احتمالية تحققه في الواقع أمر غير مستبعدٍ بتاتاً. وبصرف النظر عن اختلاف أثر كل حالة عن الأخرى، إلا أن كلا الحالين يشكل صعوبة على قيام الخطيب بتطوير أداء منبره، أو حتى ملامسة رغبات الناس فضلاً عن تكهُّن احتياجاتهم.

           ومن خلال ما تمثله عملية الخطابة المنبرية من تعدد في العناصر، وتفاوت في المؤثرات. بل وحقوق للخطيب (الناحية المالية مثلاً)، هي واجبات على الطرف الآخر. وواجبات على الخطيب، هي حقوق للطرف الآخر. فإن الخطابة تمثل مهنة كباقي المهن. لابد من مؤسسة تعنى بشؤون المنتسبين لها. وإذا سلمنا بأن الخطابة مهنة، فإنها رأس المهن المتوج بتاج فخر خدمة الدين ومبادئه. لذا فوصولاً لأفضل السبل للارتقاء بأداء المنبر والخطاب الحسيني، فلابد من جهة أو مؤسسة عريضة الفروع تقوم بهذه الأعباء.

          فتوحيد رؤى وأهداف وجهود ومواقف المنبر، تطوير أداء الخطباء، تفعيل دور المنبر الحسيني، توثيق العلاقة بين الخطيب والمتلقي، وكذلك توثيق العلاقة بين المنبر والمواكب الحسينية، هي أهم الأهداف التي تقع على عاتق المؤسسة المعنية بشؤون المنبر الحسيني. وحيث إن من المتوقع أن تتفرع غصون المؤسسة المرجوة لتطوير المنبر الحسيني، فسوف نحاول تناول ثمار حديثنا عبر الغصون التالية: الخطيب، المجتمع القريب (المتلقي)، المجتمع البعيد (البيئة المحيطة)، أصحاب المآتم، والمواكب الحسينية. إلا أننا لن نتحدث في هذه الورقة عن المواكب الحسينية، وذلك ابتعاداً عن الإطالة والتشعُّب.

 

   الخطيب:

        كما ذكرنا، فإن الخطيب يمثل حجر الأساس في بناء صرح المنبر الحسيني. لذا فإنه كلّما تقدم أداء خطباء المنبر الحسيني تبدأ حلقات سلسة العناصر المؤثرة على المنبر الحسيني تزيد قوةً وصلابةً، ما يؤدي إلى تجاوز أهم مرحلة في تطوير أداء المنبر بشكل عام. إلا أن أي تطوير لابد له من خطوات أولية تبتدئ بها المسيرة التكاملية.

        فإن دوام المراقبة يؤدي في الغالب إلى الالتفات لمواطن الضعف والخلل. وهذا بالتالي سيؤدي إلى التوصل إلى تقييم الذات من خلال القوة (الإمكانيات الكامنة لدى الخطيب)، ومن خلال الفعل (الأداء الذي يؤديه الخطيب). ومن خلال مقارنة الفرق بين الإمكانيات والأداء فإنه يظهر لديه مقدار التقصير.

          وهذا ما نطلق عليه مبدأ المحاسبة. وكلما كان الفرق بين الإمكانيات والفعل كبيراً (سواءً كان الفرق سلبياً أم إيجابياً) فإن الطاقة المحفزة (حالة التحفيز الداخلية) ستكون كبيرة. انظر الشكل رقم (3).

         شكل (3) عملية التحفيز

 

            إلا أن الهدف الأسمى من كل هذه العملية هو التكامل والتطور. وللحصول على الكمال فإن القوة الكامنة في الخطيب لا بد أن تتأثر بمقدار التحفيز. أي إننا لو أردنا الحصول على مقدار التكامل والتطور لدى الخطيب، فإن علينا أن نضرب مقدار هذين العاملين في بعضهما. ولابد من القول بأن الشكل السابق يحوي علامات موجبة (+)، ونحن نقصد بالجمع هنا أكان لقيمة سلبية أم إيجابية.

          صحيح أن هذا الحديث هو حديث نظري صِرف، وأن المعايير التي نتحدث عنها هي نسبية، وصعبة القياس، بل قد نقول متعذرة القياس، فإننا نذكرها هنا من أجل التأكيد على عوامل التكامل، والعلاقات البينية بين عوامل التكامل التي ذكرناها أعلى سطور هذه المقالة. بالطبع فإننا لابد أن نؤكد على أهمية أن يكون التقييم غير مقتصر على التقييم الذاتي، أي تقييم الخطيب لنفسه، بل من خلال تقييم الشريحة المستهدفة أيضاً.

          إذ إن كل المؤسسات، سواءٌ المؤسسات الخدمية أم المؤسسات الاستثمارية والربحية تعتمد على تقييم أدائها من خلال معرفة مدى رضا الشريحة المستهدفة (المستفيد، أو العميل والزبون). لذا فمن المهم أن نؤكد على أهمية المتلقي، فهو المستفيد الأول. بل لابد من إعطاء تقييمه الأهمية الكبرى.

 

   المجتمع القريب (المتلقي):

           إن إقدام أي إنسان على شيء لابد له من أن يضمر في نفسه بغيةً وهدفاً أو أهدافاً معينةً يتوقع من خلال قيامه أو إقدامه على ذلك الشيء الحصول عليه. وهذا بالتالي ما يجعل المتلقي يختار خطيباً ما على آخر. صحيح بأن المتلقي يستهدف كسب الثواب والأجر من كل ذلك، إلا أنه في الوقت ذاته يتمنى الحصول على شيء آخر، ولو كان بشكل عرضي غير أساسي.

          إلا أن ما يجدر بنا الحديث عنه هو ما سيخرج به المتلقي. وهل هو قد أحرز ما كان يبغي؟، وهل أنه قد خرج راضياً قانعاً مقتنعاً بما قد كسبه؟.

         إن هذه الأسئلة تمثل أهمية كبرى للمتلقي، الأمر الذي قد لا يمثل أهمية لدى بعض الخطباء. خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الخطيب قد لا يوافق المتلقي الرأي فيما يستهدفه الأخير (المتلقي). أو أن الخطيب قد قام بمعالجة قضية ما، بطريقة ما، وكان ذلك على خلاف ما يراه المتلقي. فضلاً عن أهمية القضية التي تناولها الخطيب بالنسبة للمتلقي. وفي المقابل لو افترضنا حصول تعارض بين ما يبغيه المتلقي أو ما يتوقعه من الخطيب، وبين قناعة ذلك الخطيب بما طرحه هو، وكذلك رأيه فيما يبغيه المتلقي ويتمناه.

         إلا أن السؤال المهم، الذي يجب طرحه هنا هو؛ هل أن ما يستهدفه المتلقي هو راجح عند المتلقي الآخر؟، وهل ما يستهدفه المتلقي يمثل أهمية لدى بعض النخب التي قد تؤثر على رأي الخطيب. وذلك من خلال ثقة الخطيب بتشخيص أولئك الثلّة. وكذلك يجدر بنا التساؤل حول رأي ذلك المتلقي ونسبة ما يمثل ذلك الرأي من حاجة حقيقية لدى بقية شريحة المجتمع القريب (بقية المتلقين).

           هذا لو سلمنا بأن ما يراه المتلقي أو ما يطلبه يشكل أهمية حقيقة. وبعبارة أخرى؛ هل أن ما يبتغيه المتلقي يمثل حاجة، أم رغبة؟. وإذا كانت تمثل رغبة بالنسبة للمتلقي، أفهل تمثل تلك الرغبة حاجة إليه وإلى مجتمعه؟. وإذا اختلفت أو تباينت حاجة المتلقي ورغبته، فماذا سيفعله الخطيب؟، ما الذي سيقدمه الخطيب؟، هل سيقدم رغبة المتلقي أم حاجته؟. وما الذي يتوجب على الخطيب فعله؟. ولو قام الخطيب بتقديم حاجة المتلقي على رغبته، فماذا سيكون انطباع المتلقي؟، وكيف سيكون مستوى رضاه؟، وكيف سيكون ردة الفعل عنده؟.

          إن حالة الرشد عند الأفراد تمثل حالةً نموذجية ومثالية. وهي بالطبع مستهدفة من قبل جميع الناس. وكذلك فإن استهداف تحقيق هذه الحالة تمثل الغاية القصوى لدى الخطباء، حسبما يفترضه عليهم دورهم الرسالي، والديني. وإن الخطيب النموذجي لا يسعى لتحقيق رغبة المتلقين، بقدر ما يستهدفه من تحقيق حاجتهم. إذ إن المتلقي الراشد هو ما تطابقت رغباته بحاجاته.

          كل ما مضى من حديثٍ قد تحدثناه منطلق من افتراض وجود علاقة بين الخطيب والمتلقي. ولكن، هل يمكننا إنكار ما تمثله علاقة الخطيب بالمتلقي من قوة وقرب؟. وهل يجدر افتراض عكس ذلك؟. إن الحضور الحاشد المشهود والواضح في شهر المحرَّم الحرام -خصوصاً- أمر لا ينكره أحد. وهذا يدلنا على أن العلاقة بين الخطيب والمتلقي علاقة وثيقة وقوية. ولكن أي نوع من العلاقة تلك التي وسمناها بالقوية.

          إذ إن كون انجذاب جهةٍ ما لأخرى، قد لا يدل ولا يستلزم من أن الطرف الآخر على حالٍ من الانجذاب نحو تلك الجهة. أي إنه يمكن أن تكون العلاقة بين الخطيب والمتلقي قوية في اتجاه، وضعيفة في الاتجاه المقابل. إذ يمكن أن تكون علاقة المتلقي نحو الخطيب هي علاقة قوية. إلا أن علاقة الخطيب نحو المتلقي هي علاقة ضعيفة. وهذا ما يفسر لنا حال كون الخطيب يعيش انعزالاً وبعداً عن فهم ما يرغب إليه المتلقي، فضلاً عن فهمه لما يحتاجه ذلك المتلقي. انظر الشكل رقم (4).


شكل (4) العلاقة التبادلية بين الخطيب والمتلقي          

 

          إن الحالة المثالية في هذا هو أن يبحث المتلقي عمّا يحتاجه. وأن تكون رغبته متماثلة مع حاجته. ولو تزاحمتا (اختلفتا)، فإن الفرد الراشد سيقدم حاجته على رغبته. وكذلك فإن من الكمال أن يتطلع الخطيب لما يحتاجه المتلقي، لا إلى ما يرغبه. ولا بد لكليهما أن تكون علاقته بالآخر علاقة قوية. إذ إن العلاقة هي علاقة تبادلية، كل منهما يعطي الآخر.

 

   أصحاب المآتم:

          إن شرف الخدمة في المآتم الحسينية عظيم. وهذا يتمناه كل موالٍ محب لأهل البيت(عليهم السلام). إلا أن الدور الذي يمثله أصحاب المأتم أو المسؤولين عن إدارته يمثل عماداً ومحوراً هاماً قد لا يقل عن أهمية المتلقي في بعض الأحيان.

           بل قد يصل الحال إلى أن يطلب أصحاب المأتم أمراً قد يتنافى مع ما يراه الخطيب، أو ما يراه المتلقي، أو أن ما يطلبه أصحاب المآتم يتنافى مع طرفي المعادلة الرئيسيين. وهما الخطيب والمتلقي. أو أن أصحاب المأتم يعيشون ضيق أفقٍ، ما قد يمكن أن ينعكس بشكل سلبيٍ على أداء الخطيب.

         إلا أننا لو جردنا الحديث أكثر لنقول بأن أصحاب المأتم يستهدفون كسب الثواب والأجر، دونما وعيٍ بأهمية المنبر ودوره الرسالي. وحيث ما يتقاضاه الخطيب من أجر فهو مستحصل من أصحاب المأتم. فإن الخطابة وإن سمت فإنها تبقى مهنة يؤجر عليها الخطيب. وفي الحالات التي تكون فيها العلاقة المتبادلة بين الخطيب والمتلقي هي غير متبادلة (أي ليست ذات اتجاهين)، فإن المتلقي سيكون هو الخاسر. أي أن رُؤاه وحاجاته لم يتحصّلْها من ذلك المأتم.

         لذلك فإن الحالة المثلى هنا أن يكون أصحاب المأتم مستهدفين رضا الله، عبر إحياء الذكرى ونشر فكر أهل البيت (عليهم السلام). وإن الطرف الأهم الذي لو تحققت فائدته، فإنه سيبلغ ذلك المأتم إلى رتبة مثلى. فقد ورد على لسان أهل البيت(عليهم السلام) (رحم الله من أحيا أمرنا).

          وهل أمر أهل البيت(عليهم السلام) إلا أن ينشر الوعي الديني بشتى فروعه للناس؟. ولعل هذه الرواية تذكرنا بالآية الشريفة التي تقول؛ (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

          وهل أن تعظيم الشعائر، وإحياء الأمر، إلا أن يعي الناس دين الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام). إذ إن كل ذكر لله تعالى ولرسوله وأهل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة والسلام إنما هو فخر للمؤمن، ورياً لظمئه، وإيقاداً لنور بصيرته، وإحياءً لقلبه.

   المجتمع البعيد (البيئة المحيطة):

           يمثل المجتمع العام التربة التي تنمو عليها نبتة الصلاح. فبرغم ما يشكله الفرد الإنسان من مؤثر في الكل المجتمعي، فهو يمثل خلية، من خلايا ذلك المجتمع. وإن تكاثرت تلك الخلية وأنجبت أمثالاً فسيتشكل المجتمع الخليوي المتولد من نواة تلك الخلية، فبرغم ما يشكله الرد من أهمية من خلال هذا السياق، فإن المجتمع يغذي الفرد أيضاً بطريقة ارتجاعية.

            فالعادات، والتقاليد، والأعراف كلها من نتاج ذلك المجتمع. فضلاً عمّا يؤثره الدين من حاكمية في المجتمع الديني، فإن المجتمع يشكل رافداً وحاجزاً في الوقت نفسه لأي حدث إيجابيًا كان أم سلبًا.

          كذلك فإن الخطيب يتأثر بالمجتمع البعيد. فهو يفترض عليه الأعراف والتقاليد والعادات. وقد تكون هذه العادات والتقاليد منسجمة مع تعاليم الدين الحنيف والثورة الحسينية، وقد لا تكون. فإن كان الأثر الديني واضحاً على المجتمع البعيد، وكان المجتمع يعيش حالة الرشد والوعي، فإنه يدفع تأثر الخطيب بشكل إيجابي. ومن الجدير بالإشارة ذكراً هو أن الأوضاع السياسية وسلطة الدولة تشكل جزءاً من ذلك المجتمع البعيد الذي نتحدث عنه.

          إذن فيمكننا القول بأن أثر المجتمع البعيد في الخطيب يتجسد بشكل مباشر وغير مباشر. فالأثر المباشر هو أن يتأثر الخطيب بذلك المجتمع البعيد. وأما الأثر غير المباشر فله شكلان.الشكل الأول هو أن يؤثر المجتمع البعيد في أصحاب المأتم، ومن ثم يؤثر أصحاب المأتم في الخطيب. أما الشكل الآخر من الأثر غير المباشر هو أن يؤثر المجتمع البعيد في المجتمع القريب(المتلقي)، ومن ثم يؤثر المجتمع القريب في الخطيب. انظر الشكل رقم(5).

شكل (5) أثر المجتمع البعيد على الخطيب

 

  الخاتمة والتوصيات:

ـ توحيد رؤى المنبر وأهدافه وجهوده ومواقفه.

ـ إنشاء لجنة متخصصة لتحديد توجه وشعار للموسم وأهم المواضيع لكل عام بناءً على أسس علمية.

ـ عقد لقاءات تضمُّ جمهور المنبر الحسيني وخطباءه.

ـ عقد لقاءات ورش عمل بين الخطباء للتشاور حول أهم المواضيع والقضايا.

ـ عمل ورش ودورات تدريبية لأصحاب المآتم وقيِّميها.

ـ إنشاء لجنة عامة تعنى بشؤون المآتم.

ـ إنشاء لجنة متخصصة تعنى باستقبال ملاحظات المستمعين والمتلقين وشكاواهم وانتقاداتهم.

ـ تحويل العمل المنبري الحسيني إلى عمل مؤسساتي بهدف التطوير.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.