Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) في سنن الترمذي

0 776

              ليس من الغريب أن الأمة الإسلامية تنجب علماء أفذاذًا يدافعون عن الدين الإسلامي. ويبرزون الحقائق التي حاول أعداء الإسلام طمسها. وممن ينسبون إلى هؤلاء العلماء محمد بن عيسى الترمذي الحافظ، الإمام، البارع(1)والذي أثنى عليه ابن حيان في الثقات حينما قال: كان أبو عيسى ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر(2).

           وأشار الذهبي في سيره بما لا مجال له من الإشادة والثناء على كتابه الجامع، حيث قال في (الجامع): علم نافع، وفوائد غزيرة، ورؤوس المسائل، إذ هو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدره بأحاديث واهية، بعضها موضوع وكثير منها في الفضائل، وجامعه قاض له بإمامته وحفظه وفقهه(3).

           ومن كل هذا الإطراء على الترمذي يبرز علمه ليظهر فضائل الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) بل هي حقائق لم تخف على الأمة الإسلامية حتى تصدى لها ليذكرها في جامعه ليكون سِفره علامة بارزة في سماء العلم كي لا ينكرها المنكرون ولا يشك فيها الشاكون.

 

  امتيازات الترمذي:

             إن لكتابه الجامع ميزة امتاز بها عن سائر الصحاح والكتب العلمية وذلك حيث لم يقتصر على الأحاديث الصحيحة التي اعتبرها البخاري ومسلم في كتابيهما بحيث يكون غيرها من الأحاديث إما منكرة أو فيها شكوك فهي إلى الضعف أقرب منها إلى القبول.

             وإنما جمع في دفتي كتابه كثيرًا من الأحاديث ليضع أمام كل مسلم ذكاءه العلمي كي يستنبط الحكم الشرعي ومن دون حاجة إلى حذف الأحاديث التي قد تكون ضعيفة عند قوم وقوية عند قوم آخرين، وهذا دليل على أنه لم يحتكر الأحاديث لنفسه ويعتبرها صحيحة دون غيرها وإنما حاول أن يطرح الأحاديث على طاولة المناقشة له ولمن يأتي بعده كي يختار الصحيح منها التي لا تخالف الكتاب والعقل فيأخذ بها دون ما إذا خالفت الكتاب والعقل لينكرها ويعتبرها ضعيفة أو غير صحيحة من تعسف أو عناد.

 

  مع الإمام الحسين (عليه السلام) في فضائله:

            إن الترمذي ذكر للإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) نوعين من الأحاديث، منها ما اشترك فيها الإمام الحسين مع أخيه الحسن بن علي(عليهم السلام) ومنها ما اختصت به.

             أما ما اشترك مع الإمام الحسن(عليه السلام) فيها فلا حاجة إلى ذكرها لأن الكلام مختص في فضائله(عليه السلام).

             وأما ما اختص بها فهي عدة أحاديث وهي:

          بسند من رزين قال حدثتني سلمى قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ تعني في المنام ـ على رأسه ولحيته التراب.

  فقلت: ما لك يا رسول الله؟

  قال: شهدت قتل الحسين آنفاً.

           قال أبو عيسى: هذا حديث غريب(4).

 

  استفهام:

         لم نعرف وجه الغرابة التي ذكرها الترمذي في هذا الحديث. هل من الرؤيا التي رأتها أم سلمة لأنها زوجة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) دون سائر زوجاته أم أن الرؤيا لا محل لها في أفكار العلماء؟

 

  دفاعاً عن الحديث:

            إن أم سلمة لم تكن لتذكر ذلك الحديث إلا لأجل أن تذكّر المسلمين أن ولد النبي (صلى الله عليه وآله) سوف يقتل وهذا مدعاة للإساءة والظلم الذي ألم به (صلى الله عليه وآله). ولذا ينبغي على كل مسلم أن يتألم لمصاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حباً له (صلى الله عليه وآله) واحتراماً ومؤاساة لما قدمه ذلك السبط الشهيد(عليه السلام).

             ثم إن الحديث الشريف ليس بأول رؤيا تشهدها أم سلمة بل هو تصديق لما قاله(صلى الله عليه وآله) لما قالت: (كان جبرئيل عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) والحسين معي، فبكى فتركته، فدنى من رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقمت فأخذت فبكى فتركته، فدخل إلى النبي(صلى الله عليه وآله)

             فقال جبريل(عليه السلام): أتحبه يا محمد؟

             قال: نعم.

             قال : إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها)(5).

 

  حديـثــان:

           ذكر الترمذي أن هناك حديثين قد تشابها في المشهد المؤلم. وذلك فقد ذكر أنس بن مالك قال: كنت عند ابن زياد فجيء برأس الحسين فجعل يضرب بقضيب له في أنفه ويقول: ما رأيت مثل هذا حسناً. قال: قلت: أما إنه كان من أشبههم برسول الله(صلى الله عليه وآله)(6).

          وقال عمارة بن عمير: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت، قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً(7).

 

   إيضــــاح:

           إن هذين الحديثين يدلان على أن جزاء السيئة سيئة مثلها. ولذا فإن عبيد الله بن زياد حينما قضى على الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) بأبشع صورة حيث لم يكتفِ بالقتل وإنما قطع رؤوس المقاتلين مع الحسين (عليه السلام) وجعل يستهزئ بهم. فنال عبيد الله حظه من الدنيا الدنية حتى إذا دنا أجله كانت عاقبة أمره خسراً فسلط تعالى عليه من يقضي عليه فقطع رأسه.

           ثم إن عبيد الله بن زياد قد أقر على نفسه أن الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) هو شبيه المصطفى(صلى الله عليه وآله) فهو يمثل الامتداد الطبيعي له فهو ابن بنته(عليها السلام). فهو قد دل على نفسه بعظم الجريمة التي قضى على الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) من خلال ولده. لكن شتان بين ابن الرسول(صلى الله عليه وآله) وبين ابن زياد.

 

  هدف الترمذي:

           قد يستفهم المرء عن مدى الأهداف التي ذكر منها الحديثان؟ لعل من الأهداف المهمة وهي إظهار مدى إنكار المسلمين لما فعله عبيد الله بن زياد في حق الإمام الحسين (عليه السلام) لأنه من الأمور المنكرة أن يقتل المسلم أخاه المسلم.

        فكيف وقد قتل ريحانة المصطفى(صلى الله عليه وآله)؟! كما أن من الأهداف المهمة التي ذكرها الترمذي هو مدى الانحطاط الذي وصل إليه المتسلطون على الإسلام بحيث يقطعون الرؤوس بعدما كانت على الأجساد.

          أما الهدف الرئيسي من بيان قطع رؤوس ابن زياد وأصحابه عند الترمذي فهو أن هنالك جباراً لا يغفعل عن شيء ولذا فإن القرآن الكريم ينبه إلى هذه الحقيقة حينما ذكر:

          (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)، وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً).

          ولعل ما ناله من دخول الحية في منخريه دليل الخزي والعار الذي ناله في دار الدنيا والآخرة أشد عذابًاً وأبقى.

 

   الترمذي والحب الحسيني:

            ذكر الترمذي في سننه أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قال: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط)(8). حيث أظهر الحديث عظمة هذه الشخصية السامية لما تمثله من رمز من الرموز الشامخة في الإسلام التي كان لها الأثر في اعتدال الدين بعد ما آل إلى الانحراف من جراء سياسات المتسلطين على رقاب المسلمين وهم يدعون الدفاع عن الدين وحرمة المسلمين.

            إن الحديث الشريف أزاح الستار عن حقيقة ينبغي الاعتراف بها، ألا وهي أن كل من يؤمن بالنبي(صلى الله عليه وآله) وما يمثله من إنقاذ ـ بعدما كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم بتعاليمه ـ ينبغي أن يؤمن بالإمام الحسين(عليه السلام) وما يفعله في سبيل أمته من نضال وجهاد.

            ولذا فإن كل ما يفعله أو ينقله هو تعبير عن السماء كي تنقذ البشرية من الفساد وإشاعة روح المحبة والتسامح والعدل في أرجاء المعمورة.

          وقد يكون هنالك غاية أخرى للنبي (صلى الله عليه وآله)حينما قال: (وأنا من حسين…) وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) حينما يرحل إلى الرفيق الأعلى ينبغي أن تستمر هذه المسيرة الخالدة، فكان الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي يدافع عن مبادئ دين جده وكأنما قد أحيا جده من جديد وهو ينقل لهم تعاليمه وأخلاقه الكريمة كي تنهج البشرية أثره ولا تغفل عن ذلك.

 

  حب الحسين (عليه السلام) حب لله تعالى:

            لماذا ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) أن كل من أحب الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) فقد أحبه الله تعالى؟ هل إشفاقاً عليه لأنه ابن بنته فاطمة الزهراء(عليها السلام) أم لشيء آخر؟

           إن المحبة تارة تكون لأجل الإشفاق على المحب وهذه لا خير فيها إن كانت هنالك علاقة حميمة. وأخرى لبيان أهمية تلك الشخصية كي لا تتغافل عنها الشعوب أو لا تعبأ بها.

            وحديث الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) ليس من الأول ولا من الثاني، وإنما الأهمية تكمن في أن الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) مؤهل لأن يكون صاحب الشرف والسمو في الإسلام، والنبي(صلى الله عليه وآله) قد ذكر ذلك كي يوضح أن كل من يحبه فقد أحب الله تعالى والقرآن الكريم يقول (… وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ…) وهذا لا شائبة فيه من ناحية أن محبة الإمام الحسين(عليه السلام) والسير على خطاه إنما يمثل حياة لدين الإسلام.

 

   الإمام والسبط :

            إن الترمذي ذكر أن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قال: (حسين سبط من الأسباط) ما المقصود منها؟ ألا يعرف المسلمون أن الإمام الحسين(عليه السلام) من أولاد ابنته سيدة نساء العالمين(عليها السلام) أم إن هناك معنى آخر؟

         إن هذا الحديث لا يحتاج إلى أن يذكِّر النبي(صلى الله عليه وآله) أمته أن الإمام الحسين(عليه السلام) من أولاد ابنته(عليها السلام) وهذا واضح لكل المسلمين خصوصاً وأنه(صلى الله عليه وآله) كان يحبه ويحنو عليه وعلى أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) ويقول عنهما: (هما ريحانتاي من الدنيا)، إن كل هذا العطف كان يستشعر به المسلمون ليلاً ونهاراً.

            إلا أن هذا الحديث قد يراد منه أن الإمام الحسين(عليه السلام) من أولاد نبي الله إسماعيل(عليه السلام) ذاك ذبيح الله تعالى فهو امتداد لتلك السلالة الطاهرة التي طهرها تعالى من الرجس تطهيرًا. فتستحق التبجيل والاحترام وامتثال أوامره كي تنجو الأمة الإسلامية من العذاب الأليم الذي سيحلُّ بها إذا خالفت تعاليمه.

            ولعل غفلة المسلمين عن هذه الخلّة واعتبار الإمام الحسين(عليه السلام) من أولاد علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي وتر الكافرين في سوح الوغى حتى لم يبق له صديق سوى الحق والعدل، ولذا من الواجب على الأمة الإسلامية أن تحترم هذه الشخصية لأنها دافعت عن الإسلام وسعت دوماً إلى إنقاذه من الهلاك وقدمت نفسها قرباناً لله تعالى.

           كما تحترم كل ما قدمته ولا تثير الشكوك حول قضيته العادلة لئلا يوجب ذلك إنكاراً للعدل والحق. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.