هل للمسلمين حقوق؟ تساؤل يطرح.. ومن الذي يجيب عليه؟ المسلمون أنفسهم.. أم الساسة الذين يحكمونهم.. فالمسلمون المعاصرون وإن كانت ثقافتهم وتراثهم تصنف كأعظم وأفضل دستور حقوقي عرفته البشرية إلا أن نصيبهم الواقعي لا يكاد يتجاوز الحلم بالحرية والمشاركة الفاعلة في الحراك الإسلامي الإستراتيجي وفي ظل الإدراك الواسع والدقيق بأن حقوق الإنسان في العالم العربي والإسلامي لا تزال تعيش الفقر والتخلف والرجعية والثقافة التبريرية والتمويه السياسي والإستحمار الثقافي والحقد الطائفي، فإنه لا يمكن التغاضي عن ربط هذا المأزق الحقوقي بكافة أبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ثم إن هذه الأزمة أساسا تصطدم بانحرافات تاريخية لا تزال مستحكمة في الوعي السياسي للمسلم المعاصر،
وعليه يكون من الضروري أن نجنب إنساننا خطر الوقوع في التجربة الإصلاحية القاسية الصعبة ،لا سيما وأنه يعيش في مرحلة النمو والتكامل في بيئة بعيدة في جوها ومفهومها عن الإسلام الأصيل وفي ضوء هذا البعد الإسلامي، لا نجد أي مجال للحديث عن الواقعية القدرية، بل ملامح الأزمة الحقوقية تظل متحركة في أكثر من موقع إسلامي للوضوح على أساس مفردات الخطاب الإسلامي المريض وغير المتكامل في أدواره الثقافية على أكثر من صعيد…لا أريد الحديث عن الحركة الإسلامية المطلقة كما عهدناها في مواعظ أرباب التحزب الإسلامي ، بل مرصد الوعي الحقوقي هو في الحديث عن المنهج الإسلامي المتحرك والمنفتح على الواقع الإنساني ، كما هو المضمون الحي والنقي الأصيل للعمل الحقوقي فيه وفي هذا الصدد قد يطرح البعض من المراقبين والمثقفين الأزمة الحقوقية بلون تفكيري مفروض على دائرة الطرح الشامل للإسلام كخط فكري وتشريعي يحمل في جوهره ملامح الشمول للسياسة والاقتصاد والاجتماع والحريات والحرب والسلم وما هنالك، إلى جانب العبادة والأخلاق،وكأن هذه الأزمة وليدة الثقافة الإسلامية، لكن المستبعد هنا منهجي لدى أغلب المثقفين الناقمين على المنهج الإسلامي والمناصرين للنهج الوضعي الغربي يتنصلون عن علمية معرفية تقول: شتان بين ثقافة الإسلام وثقافة المسلمين، وفي حال استيعاب الخطاب الإسلامي وحركته المجتمعية لهذا المنطق يتنامى الاجتهاد والتحليل الحركي …حتى نتوصل لتفعيل الدستور الحقوقي الإسلامي في المسيرة الإصلاحية الإسلامية على مستوى الذات الفردية والاجتماعية
إن مقصد هذا المقال هو محاولة استجلاء نهضة حقوقية على الساحة الإسلامية ودفع الحركة الإسلامية من خلال خطابها على كشف مضامين الإستراتيجية الإستكبارية في إطار المعارضة لثقافة الزعامة والهيمنة التي تغذي بقاء الأزمة الحقوقية ، ولإبراز أسباب الجهل الحقوقي لدى الإنسان المسلم، مع ترسيخ القناعة بان منطلق إصلاح والتجديد والتغيير محله في حسم المسألة الحقوقية وهيكلتها نظريا وتنظيميا واستراتيجيا وختاما نتناول الدور المحوري للثقافة الحقوقية الإسلامية في مستقبل الإنسانية من خلال نماذج تراثية إسلامية:.
تقاس مستويات الشعوب الحضارية بمقياس الحراك الحقوقي فيها ، والحراك الحقوقي عمقا أو جوهريا يعني مدى حضور العدالة في المجتمع ، وبقدر إرتقاء قيمة العدالة في الحراك الاجتماعي العام لهذا المجتمع يزداد الوعي الحقوقي لدى إنسانها، وأيضا هناك وجه من الطردية مع الحركة الحقوقية في المجتمع وهو الانسجام الاجتماعي أو ما يعرف لدى الاجتماعيين بالصحة والتنمية الاجتماعية بالإضافة إلى الاستقرار السياسي ، وهذه الحقيقة هي بمثابة مقدمة مرتبطة أساسا بالفكر الإستراتيجي (الإيجابي/السلبي) للإدارة عموما في المجتمع إبتداءا بأبسط مصداق للإدارة و هي الذات الإنسانية ، والتي غالبا ما تقبع في براثين التمحور حول نفسها،حيث (قسم كبير من الناس يوغلون في التمحور حول ذواتهم، فيرون الحق من الزاوية التي يكونون فيها فقط، ويتحدثون دائما عن المفروض والواجبات على الغير، دون أن يلتفتوا إلى ما عليهم من حقوق وواجبات، وكأن الحق يدور معهم حيثما داروا).
ومرورا بخلية المجتمع التي ما إن حققت منطقها الإسلامي رفعت المجتمع ككل نحو غد مشرق بالتماسك والتقدم والرقي والفعالية الحضارية، إنها الأسرة تلك النواة المركزية في معادلة الرشاد الحضاري لأن»الإنسان في الأسرة يتعلم أساليب الحياة، وأنماط العلاقات والتعامل، فإذا كان العنف هو أسلوب التعامل داخل الأسرة، فسيتربى الأولاد على هذا ألأسلوب في تعاملهم مع الآخرين. والجدير بالذكر أن الدراسات الميدانية الاجتماعية على الأشخاص الذين مارسوا العنف تجاه زوجاتهم أو أولادهم، تؤكد أن النسبة الكبرى لهؤلاء قد تعرضوا للعنف في صغرهم، أو عايشوه في محيطهم العائلي وأوجد ذلك عندهم التوجه والاستعداد لممارسة العنف ضد الآخرين فيما بعد.»(بالإضافة للمواقع الاجتماعية الأخرى التي تتأثر على مستوى العلاقات بالجو الأسري لكل فرد منها وبخاصة النخبة فيها، وأخيرا الحاكم كقمة للهرم الإداري لأي مجتمع وهذه المرتبة الإدارية لدى المسلمين كانت ولا تزال عنوان الكارثة الحقوقية عبر الزمن الإسلامي إلا في بعض الأشواط السياسية التي شهدت نور الحقوق حيث سنذكر في الختام بعض النماذج النصوصية للوعي الحقوقي والعدالة كمصداق للحيوية الإدارية الإسلامية الرشيدة
وفي هذا السياق نلفت انتباه المسلم المهتم بأمور أهله، إلى غفلة مفاهيمية نعاني منها وهي نتاج خمول ثقافي وضيق أفق معرفي تتعلق بالحركة الإسلامية كعبارة التصقت بمفهوم السياسة الضيق أكثر من ترسخها في البعد السياسي الاجتماعي العام والخاص للمسلم، وهذا بحد ذاته يختزن مشكلة تأصيلية توحي بأن السياسة هي مفهوم متعلق بالحكم وأهله فقط، بينما الحقيقة أنها المفهوم الواسع الذي يغني مواقع الاجتماع والاقتصاد كلها، بالثقافة الحقوقية إذا كنا قد وعينا هذه الإشكالية المفاهيمية عن الدور السياسي الشامل للحراكات الاجتماعية العامة والخاصة، يمكننا الجزم بأنه قبل الحديث عن تصدي الحركة الإسلامية بمفهومها الشمولي والعميق في جغرافية الفكر والاجتماع، لابد من تخليصها من التعقيد الخطابي والتمويه الثقافي حتى تكون أهلا للتعبئة الاجتماعية الرشيدة لدفع عجلة النهضة الحقوقية وفق خلفية إسلامية وتخطيط إستراتيجي سليم وشامل
الحركة الإسلامية والثقافة الحقوقية
هذا المبحث يرتكز نظريا وعمليا حول عنوان المثقف الديني، لأن الأخير يعد من أهم القوى الثقافية والسياسية الاجتماعية وذلك لمحورية دوره في الحراك الإسلامي العام، وهذا بالتحديد يستلزم استثمارات أدبية وإدارية ضخمة من قبل النخبة العلمائية والعقلائية لعودة المثقف الديني لموقعه الطبيعي في الحقل الاجتماعي الإسلامي ولرشده الرسالي، لأنه هناك كثير من المباهاة والاعتزاز لدى الإسلاميين أمام الحضارة الغربية بأسبقية الإسلام وأفضلية اهتمامه بحقوق الإنسان، وهو أمر صحيح على مستوى النصوص والتعاليم والأحكام، أما على صعيد الممارسة والواقع فيجب الإعتراف بالقصور والتقصير، وأن الآخرين سبقونا وتقدموا علينا بمسافات بعيدة.
وبالتالي فإن على المثقف الديني في الساحة الإسلامية أن يستوعب مدى حاجته إلى مراجعة هندسة حركته الإسلامية من خلال دمج الواقعية والموضوعية في تخطيطه كركيزتين من شأنهما توعيته بخصوص المنهج الحركي الحقوقي في مسيرته الرساليةوإن الساحة الإسلامية في حاجة لتضافر الجهود الرسالية لمنع أي خلل بين المسيرة الإصلاحية والوعي الحقوقي ، وإلا نكون ندور في حلقة مفرغة مآلها الخنوع الاجتماعي الثقافي والسياسي لماذا الدعوة لنهضة حقوقية؟
قد يبدوهذا السؤال اجتراري إلى أبعد الحدود ، لكنه من وجهة نظري ابستمولوجي جدا بالنظر للجبن الثقافي السائد بعالمنا الشرقي، خاصة وأن المنظومة الثقافية الإسلامية تعاني من داخلها انفلاتا مفاهيميا حادا… وإذا ما تجاهلت العقول المفكرة المسلمة هذا السؤال، كان المستقبل الاجتماعي الإسلامي أشد خطورة وأكثر انشطارا ومن الدواعي الجوهرية للتركيز على الجانب الحقوقي في الواقع الاجتماعي الإسلامي العام والخاص:
1- ضمور مشروع الوحدة الإسلامية نتيجة التشكيك من قبل بعض الجهات الإسلامية في أهداف الوحدة، واللازم في ظروف مضطربة كهذه إثارة المطلب الحقوقي كسقف أمني بالنسبة لجميع الفرقاء داخل الساحة الإسلامية.
2- التحديات الكبرى التي يطلقها الاستكبار العالمي ضد الإسلام والمسلمين مستغلا الفراغ والضمور الحقوقي في واقعنا كمسلمين.
3- سيطرة الذهنية الطائفية والعصبية المذهبية على الثقافة الاجتماعية مما جعل النظرية الإسلامية مبنية للمجهول.
4- الحيادية السياسية والمذهبية والطائفية والقومية والعشائرية في غياب نسيم الثقافة الحقوقية تعبث بالأمن الإسلامي كله.
إن قضية الحقوق إذا لم تكن الشغل الشاغل والأولوية في البرنامج الإصلاحي الإسلامي فالباقي من الأصالة الإسلامية سوف ننكره أمام رياح الإمبريالية الأمريكية …ولست هنا بصدد التشاؤم ولكن بصدد التوقع الغالب بالتوازي مع الجمود الثقافي والسياسي الإسلامي بالنسبة للأزمة الحقوقية …
وعلى الرغم من النكسات المتعددة التي شهدناها في العالم الإسلامي ككل من أفغانستان إلى العراق وفلسطين ولبنان…إلا أن الوعي الحقوقي في واقعنا الإسلامي لا يزال يتخبط على طاولة الإنعاش الثقافي والسياسي الماسك بزمامها القائد والزعيم و….و…والمقهور بالصمت يفهم !
منشأ الجهل الحقوقي في الواقع الإسلامي
أبى الله أن تجري الأمور إلا بأسباب، ومن الأسباب الرئيسية لهذا الجهل لدى المسلم المعاصر، هو الحجر الثقافي المطبق عليه والذي تكرس من خلال شيوع ثقافة عيوب الإرادات في المسلمين عبر الزمن الإسلامي في خضم الفساد الإداري والطغيان السياسي ، فطبيعي جدا أن يشب الفرد المسلم في ظل غابة من الطغيان والظلم والقهر والعنف .
لكن هناك أسباب أخرى تندرج ضمن هذا السبب الرئيسي ويمكن تحديدها ضمن المحاور التالية:
أ-التأخر في البلورة والصياغة التقنينية لقضايا حقوق الإنسان…
ب-ضعف الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في الخطاب الإسلامي :
فبينما نجد اهتماما بالقضايا العقدية والعبادية، وحتى الشأن السياسي أخذ حيزا من الاهتمام في الخطاب الإسلامي المعاصر ، لكن قضية حقوق الإنسان لم تنل مستوى الطرح والاهتمام إلا بشكل محدود ، وغالبا ما تكون من منطلق الدفاع عن الإسلام أمام من يتهمه بتجاهل حقوق الإنسان…أو تكون في سياق عرض الظلامات التي يتعرض لها المسلمون والإسلاميون بالاحتكام إلى مواثيق حقوق الإنسان.
ج- محدودية التصدي للدفاع عن حقوق الإنسان من قبل الإسلاميين:
فقد تأسست جمعيات ولجان كثيرة على المستويين العالمي والمحلي، لكن أغلب المتصدين لإنشائها والمتطوعين للعمل فيها هم من غير الإسلاميين، ولم تبادر الجهات الإسلامية إلى تبني الدفاع عن حقوق الإنسان إلا في السنوات الأخيرة لمواجهة ما أصاب المنتمين إليها من ضغوط ومضايقات تعسفية.
د-واقع الإنتهاك لحقوق الإنسان …
وكما سبق وإن لمحت في مقدمة المقال فإن الواقع الحقوقي الإسلامي الشائك محل استكشافه ينتهي لمعوقات عديدة منها:
1-معوقات الإدراك والوعي.
2-معوقات من جانب التصرف والممارسة:
أولا: المعوقات المتعلقة بالإدراك والوعي : تشمل العوامل الذاتية والاجتماعية، التي تكون من صفات الفرد والمجموعة، في ظرف معين من حياته أوفي فترة من تاريخها، وتجعل المواطن قاصرا عن إدراك حقوقه، محجوبا عن الإحاطة بها، أوزاهدا في المطالبة بها، مقللا من شأنها، يائسا من الفوز فيها، فهذا إنسان معتل الإدراك، ضبابي المعرفة، ضيق الهم وفاتر العزيمة.
وترتبط معوقات الإدراك والوعي لدى الإنسان بحقوقه بمجموعة من العوامل أهمها مايلي:
أ-الأمية:
تعد الأمية من أكبر عوامل التخلف في كافة مجالات الحياة، فالأميون لا يملكون من المعرفة السياسية ما يبصرهم بحقوقهم، وخاصة حق المشاركة في إصدار القوانين وتسيير الشؤون العامة. وحتى في البلاد التي تقوم فيها مجالس نيابية منتخبة، فإن الأمية تفقد الممارسة السياسية جانبا كبيرا من جدواها، وتحول دون قيام المجالس بدورها التشريعي عن جدارة واقتدار.
ب-الأحزاب والتحزب:
الأحزاب في الأدبيات السياسية عبارة عن جهاز مستحدث لتأطير الجماهير وتوجيههم، تعمل على تلقينهم مبادئ التربية السياسية وعلى ترشيد السلوك العام،وعلى حشدها لإجراء تغييرات معينة في المجتمع والدولة ، وللأحزاب في الجانب النظري، مزايا كبرى تتمثل في بث الثقافة السياسية بين عموم الأعضاء، فهي من جانب توطد الناس على قبول الاختلاف بين الآراء، باعتبارها الوسيلة الفذة التي بها يصعد الرأي الشخصي إلى مرتبة الرأي المشترك.
ج-التعتيم الإعلامي:
أصبحت الأدبيات تنعت عصرنا هذا بعصر التنمية الإعلامية وذلك لما للإعلام من دور في التربية الثقافية، وهذا الدور البارز يكاد يفوق سواه من وسائل تثقيف الإنسان المعاصر.
وقد أصبح سلاحا بعيد الفاعلية في الميدان السياسي لتوجيه الرأي العام ولتلقينه من المعلومات والقيم، والتأثير فيه وفي ذوقه وعاداته الاستهلاكية وحتى في اختياراته الفكرية.
د-الإحباط وفتور الحوافز:
انتشرت في طبقات واسعة من المجتمع العربي المعاصر، ظاهرة الزهد في الحقوق وفتور العزائم في طلبها، وقعود الهمة عن السعي لممارستها، أو الدفاع عنها ، ومثال ذلك أن المواطن الواعي لا ينشط لممارسة حق الاقتراع في حملة انتخابية يعلم أن نتائجها مقررة مسبقا، أو لأن التصويت لا يخرج عن مرشح وحيد لا منافس له في الساحة وبيده مقاليد الأمور ويستأثر وحده دون سواه بوسائل الإعلام والدعاية….
ثانيا: معوقات الممارسة:
وتشمل ما قد يعرض في الحياة العامة من عوامل موضوعية مسلطة على المواطن بسبب خضوعه لنظام من الأنظمة، كالنظام العسكري أو نظام الأحكام العرفية وحالة الطوارئ. أو بسبب انتمائه إلى نظام اجتماعي يتصف باختلال البنية الاجتماعية أو بالتفاوت بين الطبقات الاقتصادية، أو بسبب خلل أوضاع الأمن والتسلط المفرط للإدارة، وانحياز هيكل القضاء وتبعيته للسلطة التنفيذية.
وتتمثل معوقات الممارسة فيما يلي:
أ-أنظمة الاستثناء في الحكم:
ومن أمثلتها الحكم العسكري، والأحكام العرفية وحالة الطوارئ، وهي حالات تلجأ إليها أنظمة الحكم ، في ظروف معينة، وتتصف مبدئيا بطابع الاستثناء وإلزامية الموقوتة ، ولا يتم الالتجاء إليها إلا بقرار من المجالس النيابية ، لضرورة طارئة ولمدة محدودة.
ب-نظام الحكم
لا حرية ولا حقوق إلا في ظل نظام رشيد، يتمتع فيه الحكام بالشرعية الدستورية ، ويمارسون الحكم داخل ضوابط المصلحة، فلا تنحصر سلطة الحكم بيد حاكم فرد، يستأثر بها على مدى العمر،ولا بتداولها مع غيره، ولا يمارسها في ظل مؤسسات منتخبة ، وبإزاء سلطة قضائية مستقلة، ورأي عام متبصر، وصحافة حرة ناقدة.
وممارسة الحقوق والحريات الديمقراطية منوطة بنظام الحكم ، متوقفة عليه في صلاحيته وفيما يقابله بأيدي المجتمع من مكونات السلطة المضادة.
ج-البنية الاجتماعية:
تتألف العديد من المجتمعات العربية من طبقات اقتصادية متباعدة، باعتبار نصيب كل واحدة من الدخل الوطني ، وما يتوفر لها من أسباب العيش ووسائل الإنتاج فتقوم البنية على اختلال التوازن بين أقلية غنية مترفة ، وأكثرية فقيرة محرومة، وطبقة وسطى قليلة العدد ضعيفة الإمكانيات ، ويترتب على ذلك فجوة بين فئات المجتمع ويؤدي ذلك في العديد من المجتمعات إلى ضعف مشاعر التضامن والتواصل والائتلاف واقتصار الحوار على المصالح وابتعاده عن القيم المشتركة وعوامل التأليف.
كما أن هنالك ما تنطوي عليه البنية الاجتماعية ، في بلدان عربية عديدة من وجود أقليات عرقية ولغوية ودينية، تعمل السلطة الأغلبية على إدماجها ، ولا تتساوى هذه الطبقات في منزلتها السياسية ولا في علاقتها بسلطة الحكم، وتتفاوت بينها في ممارستها للحقوق والحريات وفهمها للشرعية الدستورية وفي التزامها بالقانون، وبذلك فإن الحقوق والحريات الواجبة للإنسان لا يقوم استحقاقها على التساوي بين فئات المجتمع الواحد، ولا تجري ممارستها على العدل بين المواطنين.
د-الحضور الإداري:
للإدارة العامة حضور مهيمن في حياة المواطنين يهدف إلى تسيير المصالح والعون على قضاء الشؤون في مجتمع محتاج إلى الإرشاد والتوجيه بسبب الأمية والجهل.
المنظومة الحقوقية في المفهوم الإسلامي
لاريب في أن النظرية الإسلامية حول قيمة الحقوق ذات خصوصية وشمولية وعمق وتكامل ورحابة ناهيك عن إنسانيتها وعالميتها، كما أن أهميتها تنبع من موقعيتها في معادلة العدل الذي يمثل عنوانا إسلاميا رئيسيا أصيلا، من هنا نجد النصوص الإسلامية ركزت على القيمة الحقوقية في النهج الإسلامي العام والخاص ،
وإرتباطا بما سبق ونظرا للحاجة الوعظية الضخمة والملحة نورد في ختام هذا المقال قصة وردت في كتاب العدل أساس الملك للإمام المجدد رضوان الله عليه:
ذات يوم كان هارون العباسي، يسعى بين الصفا والمروة، والناس يسعون في أمواج كبيرة، وإذا بهارون يسمع من خلفه من يناديه: (يا هارون) بهذه اللفظة!
فاستشاط غضباً والتفت وراءه، ليرى من هذا المتجرّي على مقام الخلافة، وإذا به يرى أن المنادي بهلول.
قال هارون: وماذا تريد؟
قال بهلول: ارم ببصرك إلى هذا الخلق، كم ترى من أناس؟.
قال هارون: الكثير.
قال بهلول: كل واحد من هؤلاء عمّن يُسأل يوم القيامة؟
قال هارون: يسأل عن نفسه.
قال بهلول: وأنت يا هارون عمن تسأل يوم القيامة؟
فسكت هارون.
فأردف بهلول: لكنك تسأل عن كل هؤلاء، وعن غيرهم ممن شملهم ملكك، فيقول الله تعالى لك: ماذا عملت فيهم؟ هل بالعدل أم بالجور؟ هل بموازين الإسلام أم بغير موازين الإسلام؟.
فتأثر هارون بذلك تأثراً بالغاً …
والصغريات في هذا الموضوع تستمد من كبرياتها العبرة فهل لكل إنسان حاكم سواءا ذاته أو أهله أو معمله أو ما هنالك من مجالات الحكم ، له أن يعتبر..
.
وورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرى لأخيه ما يراه لنفسه»
وللإمام علي(عليه السلام) كلمة لرعيته يقول فيها: «ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه ،ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه، ولكنه سبحانه جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب وتفضلا منه، وتوسعا بما هو من المزيد أهله.ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض» وللمزيد من المعرفة هناك مصدر إسلامي من مصادر الوعي الحقوقي عظيم وهو (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.
«هذه الرسالة التي أوردها الشيخ الصدوق في (الخصال) بسند معتبر ينتهي إلى ثابت بن أبي صفية المعروف بأبي حمزة الثمالي وأوردها أيضا الحسن بن علي بن شعبة الحراني في «تحف العقول».
من خلال هذه النظرة الشمولية المقتضبة للمسألة الحقوقية في الواقع الإسلامي، ومن خلال تكثيف الدراسات والاستعراض لأبعاد الإستراتيجية الإستكبارية سواء الداخلية أو الخارجية وموقفها من الحراك الحقوقي الرشيد في الساحة الإسلامية وبكوادر إسلامية تتضح الضرورات التي تدفع إنساننا إلى بلورة ثقافة حقوقية عملية خاصة وعامة تتلاقح مع أخواتها في المجتمع، مع إصرار النخبة الثقافية الدينية على إنهاء الأزمة الحقوقية كمدخل أساسي في مسار الحزام الأمني الإسلامي الممتد من الشخصية الإسلامية المتوازنة إلى الحاكم المسلم العادل ووصولا إلى وحدة إسلامية كريمة عادلة …
وبالكاد أحبتي هناك أسباب منهجية لم أتعرض لها بما فيه الكفاية، تركتها لمقالات أخرى ، إنشاء الله نحاول إلقاء الضوء عليها وربطها بالمطلب الحقوقي العام في المنظومة الثقافية الإسلامية…وتبقى الأزمة الحقوقية التي يمر بها واقعنا الإسلامي تستهدف الكرامة الإنسانية للمسلم…
فإلى متى سيظل السؤال الحقوقي جامدا في اللاشعور الإسلامي العام؟ سؤال دنيوي يومئ لسؤال أخروي يجب أن نجيب عنه شئنا أم أبينا…لابد أن نراجع إسلامنا بصدق وإخلاص لنعرف خلاصنا الذي نعبر به من محنة السؤال إلى آفاق إسلامية أرحب ومستقبل أكرم >