اسمه ونسبه:
هو سعيد بن عبد الله الحنفي من وجوه الشيعة بالكوفة ومن ذوي الشجاعة والعبادة فيهم(1)، والحنفي: نسبة إلى بني حنيفة، وحنيفة بن لجيم من بكر بن وائل وهم من العدنانية(2) ذكره الشيخ الطوسي (ت460هـ) في كتابه (الرجال) باسم سعيد بن عبد الله من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)(3)، وذكره القاضي النعمان المغربي في كتابه (شرح الأخبار) ممن استشهد يوم كربلاء من بني حنيفة(4)، وذكره ابن شهراشوب (ت588هـ) في كتابه (المناقب) باسم سعيد بن عبد الله(5)، والمشهدي في كتابه (المزار)(6)،
والمشهور أن اسمه سعيد إلا أنه ورد في بعض الكتب باسم سعد بن عبد الله الحنفي، فقد عنونه السيد الخوئي(رحمه الله) باسم سعد بن عبد الله وذكر أنه من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) ومن المستشهدين بين يديه مع ذكره لنسبه بالحنفي ثم ذكر الفرق الوارد في اسمه في الزيارتين فهو سعد في زيارة الناحية المقدسة وسعيد في الزيارة الرجبية ثم أعاد ذكره في الرقم (5159) بعنوان سعيد بن عبد الله الحنفي من المستشهدين بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) ثم عقب على ذلك أنه قد تقدم في ترجمة سعيد بن عبد الله(7) وكان الأولى الاكتفاء بترجمة واحدة وتحقيق اسمه بها فإن الأشهر قد ورد باسم سعيد كما ذكره الطبري في تاريخه وهو ينقل أحداث كربلاء وقد عقب محقق الكتاب أن سعداً هو محرف(8).
ويبدو واضحاً شهرته الواسعة في الأوساط وتحمسه من أجل الثورة الحسينية بما سنلمسه من حركته الفعالة بين مكة والكوفة وكربلاء إلا أن المعلومات نادرة جداً عنه.
سفر سعيد بن عبد الله الحنفي من الكوفة إلى مكة:
بدأ يبرز اسمه في مقدمات الثورة الحسينية يوم حمل الرسائل من الكوفة إلى مكة حيث مقر الإمام الحسين(عليه السلام)، وربما له المواقف التي لم يخبرنا التاريخ بها في عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) وابنه الإمام الحسن(عليه السلام).
كانت كتب أهل الكوفة تتوالى على الإمام الحسين(عليه السلام) وهو في مكة فقد سبق سعيد بن عبد الله الحنفي العديد من الكتب كانت قد أرسلت مع:
1ـ عبد الله بن سبع الهمداني وعبد الله بن وال.
2ـ قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي.
وكان معهم نحواً من ثلاثة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة(9).
ثم جاء دور سعيد بن عبد الله الحنفي مع هانئ بن هانئ السبيعي ويبدو أنها رسالة عامة فقد ذكرها الطبري (ت310هـ) في تاريخه وكان نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم. للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين أما بعد: فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل والسلام
عليك)(10).
ثم يذكر الطبري أن مجموعة من وجوه أهل الكوفة أيضاً كتبوا إلى الإمام الحسين(عليه السلام) وهو في مكة ويبدو أن الحنفي والسبيعي أيضاً قد حملوا هذه الرسائل معهم كما يدل عليه سياق الكلام، فبعد أن ختم الرسالة العامة من شيعة الإمام الحسين(عليه السلام) في النص الذي نقلناه جاءت عبارة: (وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج ومحمد بن عمير بعبارة واحدة: (أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند والسلام عليك)(11).
وفي نص الطبري أن الرسل قد تلاقت عند الإمام الحسين(عليه السلام) ومنه يفهم اجتماعهم عنده وسؤاله عن الأحوال العامة في الكوفة.
وبعد أن اطمأن عن هذه الأحوال المنقولة إليه من قبل الرسل فاختار آخر الرسل لحمل الجواب لأهل الكوفة فكان من نصيب الحنفي والسبيعي فكان لهما شرف حمل الرسالة الجوابية عن جميع الرسائل المرسلة إليه، وقد جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين أما بعد: فإن هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: أنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليّ به رسلكم، قرأت كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام)(12).
ويظهر من هذا النص قدر الحنفي والسبيعي بتكليفهم بهذه المهمة مع ذكر اسم كل واحد منهما في الرسالة مع ذكره لمبعوثه الذي سيكون الحكم بعد المشاهدة الحسية والمعرفة الميدانية بكل ما يدور في أزقة الكوفة وسككها ثم ختم الإمام رسالته بصفات الحاكم العامل العادل الذي له الحق في الحكم.
ومن المحقق أن الحنفي قد جاء بالرسالة إلى الكوفة رغم خطورة الموقف وأخبر بها أشراف ووجوه أهل الكوفة، وهو دور مهم قام به الحنفي كمقدمة من مقدمات الثورة الحسينية المباركة.
سفر سعيد بن عبد الله الحنفي من مكة إلى الكوفة:
وصل الرسالة إلى الكوفة يحملها الحنفي وقرأها مسلم بن عقيل في دار المختار بن أبي عبيد كلما اجتمعت إليه جماعة وهم يبكون ثم تحدث في هذه المجاميع عابس الشاكري وحبيب بن مظاهر وسيعد بن عبد الله الحنفي(13)، ومما نقل عنه بعد أن حلف (أنه موطّن نفسه على نصرة الحسين فادٍ له
بنفسه)(14).
سفر سعيد بن عبد الله الحنفي من الكوفة إلى الإمام الحسين(عليه السلام):
يبدو أنه بعدما استقام الأمر لمسلم بن عقيل(عليه السلام) أرسله برسالة إلى الإمام الحسين(عليه السلام)(15) يخبره بأن أهل الكوفة على أتم الاستعداد قبل حصول الانقلاب في الرأي نتيجة لتسلط عبيد الله بن زياد وتوليه المصرين البصرة والكوفة.
ويذكر السماوي ولم أجده عند غيره أنه أرسل بكتاب إلى الإمام الحسين(عليه السلام) وبقي معه حتى الشهادة.
بسالته وشهادته:
إن الإنسان ليقف حائراً متعجباً ومتأملاً لمثل هذه المواقف الفريدة من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، فرغم القلة القليلة والإحاطة بهم من كل جانب وأذن الإمام(عليه السلام) لهم بالانصراف للنجاة من الموت المحقق أصروا على الموت ونيل الشهادة، إن هذا الإصرار والإقدام والبسالة كانت سماتهم الغالبة وهي توحي لمستقبلنا أن نعيش ثقافة التراث الأصيل ونبعثه من جديد ليعيش في نفوسنا وفكرنا.
ومن هؤلاء الثلة التي كتبت تاريخها بالذهب سعيد بن عبد الله الحنفي صاحب الرحلة المبدئية والقوة التي لا تلين من اجتياز الخطر في حمل الرسائل وإطاعة أوامر الإمام الحسين(عليه السلام).
ولسعيد الحنفي عدة مواقف مر ذكر بعضها، وله موقفان آخران هما:
1ـ موقفه عندما أذن الإمام الحسين(عليه السلام)
لأصحابه بالانصراف.
2ـ موقفه الصلب في الدفاع عن الإمام الحسين(عليه السلام).
الموقــف الأول:
أذن الإمام الحسين(عليه السلام) إذناً عاماً للجميع بالانصراف بقوله: (فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لذهلوا عن طلب غيري…)(16)، وكان الإذن حتى لأهل بيته(عليهم السلام) فأراد أن يواجه الموت وحده، فقال: (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يقضي الله…)(17)، وهي إشارة واضحة أنه لا يريد أن يجبر أي أحد على القتال أو أنه يريد أن يمتحن أهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه وكلا الاحتمالين واردين في تحليل هذا العرض الذي عرضه الإمام الحسين(عليه السلام).
لقد ورد على هذا العرض كلاً من أهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه وتفاوتت الآراء والكلمات الحماسية ومن الردود المهمة مقالة سعيد بن عبد الله الحنفي التي تناولت عدة مفاهيم من أهمها:
1ـ والله لا نخليك.
2ـ حفظ غيبة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
3ـ صور عدم الترك بين القتل والإحياء والحرق والذر والعدد ومعها لا تحصل المفارقة، فكيف بالقتلة الواحدة التي هي أسهل من كل تلك الصور.
4ـ نيل الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.
ولو رجعنا إلى النص يتضح ذلك بصورة أوضح فما قاله الحنفي للإمام الحسين(عليه السلام) ليلة عاشوراء، والرواية مروية عن أحد شهود العيان ومن الناجين من المعركة ألا وهو الضحاك ابن عبد الله المشرقي، لقد عبر الحنفي عن الروح الإيمانية التي يمتلكها في حب الشهادة المحققة يوم كربلاء، وكان النص التاريخي هو قول الحنفي في اجتماع الإمام وأهل بيته وأصحابه: (وقال سعيد بن الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذر، يفعل بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك! وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً)(18)،
كان الطريق واضحاً أمام كل المشاركين مع الإمام الحسين(عليه السلام) وقد أحيط به من كل جانب أنه طريق الشهادة ومع هذا قد تسابقوا على نيلها بكل ثقة واطمئنان بلا خوف ولا وجل.
الموقف الثاني:
نقل هذا الموقف النص التاريخي الذي ذكره الطبري بأن الإمام صلى صلاة الظهر (صلاة الخوف) وكان الحنفي يتقدم ليقي الإمام بنفسه وقدّمه الإمام أمامه ولكنه استهدف من قبل جيش عمر بن سعد وكانوا يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً قائماً بين يديه، فما زال يُرمى حتى سقط(19) شهيداً، ما أروع هذا الصمود وبكل شجاعة وجرأة وهو يصور هذا الموقف تصويراً رائعاً، يطلب الشهادة طلب المحب المفارق فسقط شهيداً في مكانه يقي الإمام(عليه السلام) لا يتزحزح.
وروى ابن طاووس في كتابه (اللهوف) أنه لما حضرت صلاة الظهر، أمر الإمام(عليه السلام)
زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أن يتقدما أمامه بنصف من تخلف معه ثم صلى بهم صلاة الخوف، فوصل إلى الإمام(عليه السلام) سهم فتقدم سعيد الحنفي ووقف يقيه بنفسه مازال ولا تخطى حتى سقط إلى الأرض وهو يقول: (اللهم العنهم لعن عاد وثمود، الله أبلغ نبيك عني السلام، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح)(20).
وفي رواية التفت إلى الإمام الحسين(عليه السلام)
فقال: (أوفيت يا بن رسول الله؟ قال: نعم أنت أمامي في الجنة ثم فاضت نفسه النفيسة)(21).
وذكر ابن شهرآشوب في كتابه (المناقب) أن سعيداً قد برز مرتجزاً(22):
أقدم حسين اليوم تلق أحمدا
وشيخك الخير علياً ذا الندى
وحسناً كالبدر وافى الأسعدا
وفي هذا الموقف اختلفت الروايات التاريخية في شهادته إلى عدة أقوال:
1ـ شهادته أثناء الصلاة.
2ـ شهادته بعد الصلاة.
3ـ شهادته وقد برز للقتال.
ومع هذا الاختلاف فإن النتيجة واحدة فقد نال درجة الشهادة الرفيعة وسجل اسمه في سفر الخالدين وبأعلى عليين مع النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام(عليهم السلام)
وأصحابه ليرسم لنا أروع صورة في الجهاد عن المبدأ والعقيدة لن تزول عن ذاكرة الأجيال مهما تقادم الزمان .
نشرت في العدد 34
(1) السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين، تحقيق: محمد جواد الطبسي، ص187.
(2) شمس الدين، محمد مهدي، أنصار الحسين عليه السلام، ص90.
(3) الطوسي، رجال الطوسي، ص101.
(4) القاضي النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ج3 ص247.
(5) ابن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3 ص252.
(6) المشهدي، محمد، المزار، ص492.
(7) الخوئي، معجم رجال الحديث، ج9 ص76.
(8) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج5 ص419.
(9) المصدر نفسه، ج5 ص352.
(10) المصدر نفسه، ج5 ص353، المفيد، الإرشاد، ص203.
(11) المصدر نفسه، ج5 ص353.
(12) المصدر نفسه، ج5 ص353.
(13) المصدر نفسه، ج5 ص355.
(14) السماوي، إبصار العين، ص188.
(15) المصدر نفسه، ص188.
(16) الطبري، التاريخ، ج5 ص419.
(17) المصدر نفسه، ج5 ص419.
(18) المصدر نفسه، ج5 ص419.
(19) المصدر نفسه، ج5 ص441.
(20) ابن طاووس، الملهوف، ص165.
(21) السماوي، إبصار العين، ص189.
(22) ابن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3 ص252.