Take a fresh look at your lifestyle.

السلفية المعاصرة وأدلـجة الفـكر الأمـوي

0 854
علي الفحام

 

                  إنَّ الناظر في أدبيات المدرسة السلفية الحديثة يلمس بوضوح بصمات الفكر الأموي تصبغ الملامح العامة لتنظيرات هذه المدرسة وممارساتها العملية على الساحة الإسلامية،
وهذا الانطباع الفكري من الناحية التاريخية لا يعد تأثراً فكرياً مجرداً أنتجته العفوية
والصدفة بل يعكس ارتباطاً عضوياً مثلت فيه السلفية المعاصرة الامتداد التاريخي والطبيعي للدولة الأموية.

ولا يعزب عن القارئ الكريم أن (الفكر السلفي المعاصر) إنما ترجع أصوله وتنظيراته إلى ما كتبه ونظر له وأسسه أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم المشهور بابن تيميّة (ت728ﻫ) الذي ينحدر من بيت حمل لواء المذهب الحنبلي بكل ترسباته الفكرية

والعقدية، وجمع في شخصيته مدرستي النواصب (البصرية والشامية)، واجتر في مصنفاته ما خلفه أسلافه النواصب كابن حزم الأندلسي (ت456) والقاضي أبي بكر بن العربي (ت 543) وأقرانهما .
ينحدر ابن تيميّة من مدينة حران، الواقعة إلى الشمال الشرقي من بلاد الشام،

وهي مدينة حوت بين عقول سكانها خلاصة الفكر الناصبي (فقد غلب عليهم الهوى الأموي، فكانوا أشد الناس تعصباً لبني أمية، وكانوا يرون أن صلاة الجمعة لا تتم إلا بلعن الإمام علي(عليه السلام)! وحين جاءهم الأمر من عمر بن عبد العزيز بإزالة لعن أمير المؤمنين عن المنابر امتنعوا وضجوا، وقالوا: (لا صلاة إلا بلعن أبي تراب!)(1).

وهكذا ورثت السلفية المعاصرة هذا الفكر وتلك الأدبيات وسعت إلى أن تضعه في قوالب أيديولوجية تعمل على تطويرها وترسيخها في الأجيال الناشئة، والتربص بالفرص المناسبة لإخراج هذه الإيديولوجيا إلى مسرح العمل الميداني بعد أن كانت حبيسة الكتب

والتنظيرات، ولعل الإطلاع على نظرة المدرسة السلفية المعاصرة إلى عاشوراء وخروج الإمام الحسين عليه السلام ضد الدولة الأموية يكشف جانباً مهماً من العمل السلفي المعاصر في أدلجة الفكر الأموي.

المدرسة السلفية: الشيعة هم من قتل الحسين!
تركز السلفية بشكل كبير في عقول أبنائها أن شيعة العراق يتحملون المسؤولية عن قتل الإمام الحسين(عليه السلام)
مستندة في ذلك إلى حقيقة أن أهل الكوفة هم الذين دعوا الإمام(عليه السلام) للخروج وأظهروا استعدادهم للبيعة والطاعة فلما قدم العراق نكثوا العهد والمواثيق وقتلوا الحسين وأهل بيته وأصحابه في واقعة كربلاء الأليمة.

يقول أحد الكتاب السلفيين في (الموقع الإسلامي) السلفي على الانترنت: (إن الحقيقة المفاجئة أننا نجد العديد من كتب الشيعة تقرر وتؤكد أن شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين. فقد قال السيد محسن الأمين (بايع الحسين عشرون ألفاً من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه)(2).

فهذه كتب الشيعة بأرقام صفحاتها تبين بجلاء أن الذين زعموا نصرة الحسين(عليه السلام) هم أنفسهم الذين قتلوه ثم ذرفوا عليه الدموع، وتظاهروا بالبكاء، ولا يزالون يمشون في جنازة من قتلوه إلى يومنا هذا…) .

وفي الاتجاه نفسه يذكر الكاتب السلفي ماجد بن عبد الرحمن الفريان في موقع (صيد الفوائد) ما نصه: (والذي لا يعلنه الرافضة هو أنهم خذلوا الحسين رضي الله عنه عندما قدم عليهم الكوفة، وخذلوا قبله ابن عمه مسلم بن
عقيل بن أبي طالب حتى قتله ابن زياد، فيعاقبون أنفسهم في هذا اليوم حزناً عليه، ولتقصيرهم معه).

ويعزف الكاتب عبد المنعم الشحات في موقع (صوت السلف) على الوتر نفسه فيقول: (والحقيقة التي لا مراء فيها أن أسلاف الشيعة قد غروا الحسين – رضي الله عنه -،ثم باعوه بثمن بخس، ثم أمضوا بقية حياتهم يبكون على المقتول ظلماً بكربلاء، ويطالبون بثأره!!).

بالتأكيد لا يحتاج الباحث إلى كثير عناء لرد هذا الادعاء السقيم الساقط وهذه الفرية المحترقة ولكننا نجمل القول في هذا الموضوع بالنقاط التالية:

أولاً: إن القول بأن أهل الكوفة كانوا (كلهم) من شيعة أهل البيت(عليهم السلام) لا يقوله من له أدنى معرفة بالتاريخ وأخبار الرجال وصحيح الآثار، فلقد مصرت الكوفة سنة 17ﻫ على يد سعد بن أبي وقاص (ت50هـ) وسكنها خليط من القبائل العربية وأغلبهم من قادة الجيوش ومن الجنود الذين شاركوا في فتح العراق، وكانت غالبية تلك الوجوه شخصيات عرفت بانحرافها عن أمير المؤمنين(عليه السلام) وتقاسمت في ما بينها خطط الكوفة وإقطاعياتها ومنهم: المغيرة بن شعبة (ت50هـ)، أبو موسى الأشعري (ت44هـ) ، عمرو بن حريث (ت85هـ)، الأشعث بن قيس (ت41هـ)، جرير بن عبد الله البجلي (ت51هـ) ، الزبير بن العوام (ت36هـ) ، سماك بن مخرمة

وآخرون(3). نعم، لا يخفى أيضاً أن الكوفة حوت بين جنباتها كثيراً من الشخصيات المعروفة بولائها لأمير المؤمنين(عليه السلام) توزعت على قبائل معروفة كقبيلة مذحج والأزد وبني أسد وبني تميم وغيرها.

ثانياً: لقد مرت الكوفة بين عامي (40 – 60) للهجرة بمرحلة قاسية عاشتها قبائل الشيعة ورموزها وشخصياتها أبان حكم معاوية بن أبي سفيان (ت60هـ) حيث وضعت الشام في سلم أولوياتها تحييد شيعة الكوفة عن المسرح السياسي في العالم الإسلامي فقامت الدولة الأموية بتدابير قاسية ضد شيعة العراق المعروفين بولائهم وإخلاصهم، فقد روى الهيثمي (ت807هـ)(4) قائلاً: (كان زياد ـ والي معاوية ـ يتبع شيعة علي فيقتلهم،

فبلغ ذلك الحسن بن علي فقال: اللهم تفرد بموته فان القتل كفارة. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)، ولعل هذه الوثيقة التي رواها ابن أبي الحديد المعتزلي (ت656هـ)(5) تغني عن وصف أحداث تلك الحقبة، قال: (وروى أبو الحسن علي بن محمد المدائني في كتاب (الأحداث) قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبى تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدُّ الناس بلاءً حينئذ (أهل الكوفة) لكثرة من بها من شيعة علي(عليه السلام) فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي(عليه السلام) (وإن لم يكن منهم)، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم ..).

وهكذا لما قدم مسلم بن عقيل الكوفة سنة (60 للهجرة) لم يكن في الكوفة من الشخصيات الشيعية المخلصة إلا النزر القليل فإن معظمهم إما قتل أو شرد أو ألقي في غياهب السجون (كالأصبغ بن نباتة المجاشعي (ت بعد سنة 100هـ) وميثم التمار (ت60هـ)).

ثالثاً: لو تتبعنا الشخصيات التي قاتلت الحسين في كربلاء، وقمعت انتفاضة مسلم بن عقيل في الكوفة، لا نجد فيها شخصاً واحداً معروفاً بولائه لأهل البيت(عليهم السلام)،
وأبرز هذه الشخصيات:
عمر بن سعد بن أبي وقاص (قائد الجيش ومن عائلة معروفة ببعدها عن أهل البيت)، شمر بن ذي الجوشن الذي قال في الحسين: (يعبد الله على حرف!)(6)، شبث بن ربعي الذي قال: (أنا أول من حرر الحرورية!)(7) يعني الخوارج، حجار بن أبجر (كان من جلاوزة معاوية)، كُثير بن شهاب (كان عثمانيًا يقع في علي بن أبي طالب ويثبط الناس عن الحسين)(8)، محمد بن الأشعث الكندي وأخوه قيس (ناصبيان معروفان)، عمرو بن حريث المخزومي (صحابي عثماني الهوى)، مسلم بن عمرو الباهلي (من جلاوزة يزيد بن معاوية)، القعقاع بن شور الذهلي (من جلاوزة معاوية)، عمرو بن الحجاج الزبيدي (وصف الحسين وأصحابه بالمارقين)(9)، عروة (عزرة) بن قيس الأحمسي (منحرف من أصحاب خالد بن الوليد)، الحصين بن نمير السكوني (من كبار جلاوزة ومجرمي يزيد).

المدرسة السلفية: خروج الحسين كان فيه فتنة ومفسدة!
اجتمعت كلمة السلفيين خصوصاً في الأعصار المتأخرة على تكريس جهد إعلامي (أموي) فاعل ضد ما قام به الإمام
الحسين(عليه السلام) من نسف لمشروعية الدولة الأموية وإسقاط لرموزها ونظرياتها، فزعموا في أدبياتهم أن خروج الإمام الحسين(عليه السلام)

كان فتنة ومفسدة، ولم يكن فيه مصلحة لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الإمام الحسين(عليه السلام) فرق جماعة المسلمين، وخرج على إمامه الشرعي وخليفة المسلمين!!

يقول ابن تيمية: (الأب الروحي للسلفيين)(10) ما نصه: (ولم يكن في خروجه مصلحة لا في دين ولا في دنيا، وكان في خروجه وقتله من (الفساد) ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده!).

وإلى النتيجة نفسها يتوصل الكاتب السلفي (جمال البليدي) والداعية السلفي (عثمان الخميس) في موقع (شبكة المنهج) السلفية ، والكاتب السلفي يوسف العش في كتابه (الدولة الأموية)، حيث ينقل البليدي عن أبي سعيد الخدري قوله للإمام الحسين عليه السلام: (اتق الله وألزم بيتك ولا تخرج على إمامك)!!، وينقل عن ابن عمر قوله
للحسين: (لا تفرق جماعة المسلمين)!!

ولعل أقسى العبارات ما ساقه الكاتب السلفي محمد الخضري في كتابه(11) حيث قال: (إن الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة والاختلاف وزعزع عماد ألفتها إلى يومنا هذا ..) (نقلها عنه صالح الورداني في كتابه(12).
وفي الحقيقة فإن هذا التهويل الإعلامي يعد من أخطر وأعجب تناقضات المدرسة السلفية وما أكثرها! فهم مع إيمانهم بحديث: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) إلا أنهم لا يتورعون أن ينسبوا سيد شباب الجنة إلى الفتنة والمفسدة وشق عصا المسلمين!

وفي المقابل يخرجون الشخصيات المنحرفة عن أهل البيت كابن عمر والخدري على أنها شخصيات متعقلة وملتزمة بالسنة الصحيحة لجده(صلى الله عليه وآله)!! فأي أمة تلك التي جعلت عاليها سافلها، ونقضت بيدها غزلها من بعد قوة أنكاثاً؟! أفٍ لهم ولما يعبدون من دون الله!

المدرسة السلفية وتلميع صورة يزيد:
لا تخفي كثير من الخطوط في المد السلفي المعاصر ميلها الأعمى لرموز وشخصيات الدولة الأموية حتى نحو يزيد بن معاوية الذي شهد العالم له بالفسق والظلم وإماتة السنة وانتهاك الحرمات، فبعض السلفيين يرى في يزيد حاكماً شرعياً محمود السيرة ممدوح الذكر وهو ـ عندهم ـ أمير المؤمنين بامتياز!!

و حتى تتضح الصورة أكثر ننقل لكم فقرات من موضوع (أمير المؤمنين يزيد بن معاوية) الذي نشره (الموقع الإسلامي) السلفي:
(يزيد بن معاوية – رحمه الله – لم يكن بذلك الشاب اللاهي، كما تصوره لنا الروايات التاريخية الركيكة؛ بل هو على خلاف ذلك، لكن العجب في المؤلفين من الكتاب الذين لا يبحثون عن الخبر الصحيح، أو حتى عمّن يأخذوه ، فيجمعون في هذه المؤلفات الغث والسمين من الروايات والكلام الفارغ الملفق، فتراهم يطعنون فيه فيظهرون صورته ويشوهونها، بأبشع تصوير.)!
ثم يبدأ الكاتب بالحديث عن سيرة يزيد قائلاً:

(وكان(رحمه الله) وحيد أبيه، فأحب معاوية رضي الله عنه أن يشب يزيد على حياة الشدة والفصاحة فألحقه بأهل أمه ليتربى على فنون الفروسية، ويتحلى بشمائل النخوة
والشهامة والكرم والمروءة، إذ كان البدو أشد تعلقاً بهذه التقاليد.)!
ويرفع الكاتب الأموي السلفي سيده يزيد إلى مكان أعلى من الصحابة قائلاً:
(أن مجرد موافقة عدد من كبار الشخصيات الإسلامية، من أمثال عبد الله بن الزبير وعبد الله ابن عباس وابن عمر وأبي أيوب الأنصاري، على مصاحبة جيش يزيد في سيره نحو القسطنطينية فيها خير دليل على أن يزيد كان يتميز بالاستقامة، وتتوفر فيه كثير من الصفات الحميدة، ويتمتع بالكفاءة والمقدرة لتأدية ما يوكل إليه من مهمات؛ وإلا لما وافق أمثال هؤلاء الأفاضل من الصحابة أن يتولى قيادتهم شخص مثل يزيد)!!
ويواصل الكاتب عرض التراجيديا الأموية قائلاً:
(يزيد رحمه الله قد شوهت سيرته .. تشويهاً عجيباً، فنسبوا إليه شرب الخمر
والفجور وترك الصلاة وتحميله أخطاء غيره دونما دليل)!!
و يرسم لنا الكاتب صورة للعلاقة بين يزيد وأهل البيت لم نجدها حتى في الأحلام! فيقول:
(ولم يقع بين يزيد وبين أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعكر العلاقة
والقرابة بينهما سوى خروج الحسين وبعض أهله ومقتلهم على يد أهل العراق بكربلاء
ومع هذا فقد بقيت العلاقة الحسنة بين يزيد وآل البيت … أما ما لفقوه بيزيد من أن له يداً في قتل الحسين .. فهذا لم يقل به أحد وإنما هو من تلبيس الشيطان على الناس
وإتباعهم للهوى والتصديق بكل ما يرويه الرافضة من روايات باطلة تقدح في يزيد
ومعاوية)!!
ويقفز الكاتب إلى الفصل الأكثر ضحكاً من هذا العرض المسرحي فيضع يزيد ضمن خانة الزهاد وأهل التقشف من الصحابة والتابعين فيقول:
(وهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على تقشفه وعظم منزلته في الدين وورعه قد أدخل عن يزيد بن معاوية في كتابه الزهد …. وهذا يدل على عظم منزلته – أي يزيد بن معاوية – عنده حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم
ويرعوى من وعظهم) .
أقول: لو لم يكن في التراث السلفي المعاصر إلا هذا النص لكفاه خزياً وعاراً
وسقوطاً في وحل الافتراء، والتزييف، وطمس الحقائق، والاستخفاف بعقول الناس
ومشاعرهم، والتردي في أحضان المدرسة الأموية بكل ما تمثله من رمزية للسقوط
والانحدار الجاهلي، وإن من هوان الدنيا على الله تعالى أن نقف اليوم لنثبت للسلفيين فسق يزيد بن معاوية (أخزاه الله) وما ثبت عنه من كفر وانحراف وكيد بالإسلام وأهله ومحاباة لأهل الشرك والضلالة:

أولاً: شهادة بعض المؤرخين والعلماء من أهل السنة بحق يزيد:
– الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748هـ) قال: (وكان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس. ولم يبارك في عمره. وخرج عليه غير واحد بعد الحسين)(13).

– الحافظ العيني (ت855هـ) في معرض حديثه عن الصحابة الذين شاركوا في فتح القسطنطينية قال: (الأظهر أن هؤلاء السادات من الصحابة كانوا مع سفيان [بن عوف] ولم يكونوا مع يزيد بن معاوية، لأنه لم يكن أهلاً أن يكون هؤلاء السادات في
خدمته(14). وقال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبة لولده يزيد، لأنه أول من غزا مدينة قيصر. انتهى. قلت: أي منقبة كانت ليزيد وحاله مشهور؟..).

– الحافظ المناوي (ت1031هـ) قال في سياق الحديث أيضاً عن حديث القسطنطينية:
(لا يلزم منه كون يزيد بن معاوية مغفوراً له لكونه منهم، إذ الغفران مشروط بكون الإنسان من أهل المغفرة ويزيد ليس كذلك لخروجه بدليل خاص، ويلزم من الجمود على العموم أن من ارتد ممن غزاها مغفور له، وقد أطلق جمع محققون حل لعن يزيد به حتى قال التفتازاني : الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل البيت مما تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحاداً فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه)(15).

– العلامة الشوكاني (ت1250هـ): (لقد أفرط بعض أهل العلم فحكموا بأن الحسين رضي الله عنه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة، يزيد بن معاوية لعنهم الله! فيا للعجب من مقالات تقشعر منها الجلود، ويتصدع من سماعها كل جلمود!)(16).

– الآلوسي (ت1270هـ) وهو من متعصبي أهل السنة ومن معتدلي السلفية!!، قال: (وقد جزم بكفره وصرح بلعنه جماعة من العلماء منهم: الحافظ ناصر السنة ابن الجوزي وسبقه القاضي أبو يعلى ، وممن صرح بلعنه الجلال السيوطي عليه الرحمة ، وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات أن السبي لما ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسين رضي الله تعالى عنهما والرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنية جيرون فلما رآهم نعب غراب فأنشأ يقول:
لما بدت تلك الحمول وأشرفت
تلك الرؤوس على شفا جيرون
نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل
فقد اقتضيت من الرسول ديوني
يعني أنه قتل بمن قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر كجده عتبة وخاله وليد بن عتبة وغيرهما وهذا كفر صريح فإذا صح عنه فقد كفر به…)(17).
ثانياً: بعض الروايات المسندة في مخازي يزيد بن معاوية :
– روى الطبري بسند حسن عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أن يزيد بن معاوية أمر عبيد الله بن زياد (أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده)(18).
– روى الهيثمي عن الضحاك بن عثمان قال: خرج الحسين بن علي إلى الكوفة ساخطاً لولاية يزيد بن معاوية فكتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو واليه على العراق انه قد بلغني أن حسيناً قد سار إلى الكوفة وقد ابتلى به زمانك من بين الأزمان وبلدك من بين البلاد وابتليت به من بين العمال وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تستعبد العبيد(19).
قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقات إلا أن الضحاك لم يدرك القصة) .
– روى ابن سعد بأسانيده عن مجموعة من الرواة قالوا : (لما وثب أهل المدينة ليالي الحرة ، فأخرجوا بني أمية عن المدينة ، وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ، أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا أمرهم إليه فبايعهم على الموت ، وقال : .. والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة … )(20).
– وعن الصحابي معقل بن سنان أنه قال بحق يزيد بن معاوية : (رجل يشرب الخمر وينكح الحُرم …)(21).

المدرسة السلفية تنكر كرامات الحسين(عليه السلام)!
يقول الكاتب السلفي د. علي محمد الصلابي في كتابه (الدولة الأموية) في فصل يتحدث فيه عن عاشوراء: (إن الشيعة بالغوا في نقل أخبار تلك الحادثة، وامتلأت كتب التاريخ بحوادث عجيبة قيل إنها وقعت إثر مقتل الحسين ، من احمرار الأفق، وتدفق الدماء من تحت الحجارة، وبكاء الجنّ ، إلى غير ذلك من الخيال الذي نسجته عقول الشيعة يومئذ، وما زالوا يردّدونه إلى اليوم تضخيماً لهذا الحادث على حساب غيره من الأحداث الأخرى، وإن الذي يدرس أسانيد تلك الأخبار والرّوايات لا يرى إلا ضعفاً هالكاً، أو مجهولاً لا يعرف أصله أو مدلِّساً يريد تعمية الأبصار عن الحقائق …. وقال ابن كثير: ولقد بالغ الشِّيعة في يوم عاشوراء،

فوضعوا أحاديث كثيرة وكذباً فاحشاً، من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم، وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وإن أرجاء السماء احمرّت، … وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء).

ويورد (الموقع الإسلامي) السلفي مقالاً بعنوان (قصة مقتل الحسين) جاء فيه: (وأما ما روي من أن السماء صارت تمطر دماً، أو أن الجدر كان يكون عليها الدم، أو ما يرفع حجر إلا ويوجد تحته دم، أو ما يذبحون جزوراً إلا صار كله دماً فهذه كلها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ليس لها أسانيد صحيحة).

وعجباً للنزعة الأموية المفرطة التي منعت هؤلاء الكتاب والباحثين عن التأمل في الآثار، وما رواه الحفاظ الأثبات، وأصحاب السير والتاريخ، من صحيح المرويات،
ومستفيض النقل عن كثير من تلكم الكرامات التي من المؤكد أن التاريخ وصفحات الزمن ألقت بالكثير منها في طيات النسيان وما وصل إلينا منها عبر النقل إلا أقل القليل، ولكي نزيل بعضاً من الضباب عن تلك العيون الأموية ننقل لهم هذه الآثار التاريخية الصحيحة في ما ورد من كرامات للحسين(عليه السلام):

أولاً : روى الهيثمي: (عن أبي رجاء العطاردي قال: لا تسبوا علياً ولا أحداً من أهل البيت فان جاراً لنا من بلهجيم (محلة بالبصرة) قال: ألم تروا إلى هذا الفاسق الحسين بن علي قتله الله، فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس الله بصره. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)(22).

ثانياً: (عن دويد الجعفي، عن أبيه قال: لما قتل الحسين انتهبت جزور من عسكره فلما طبخت إذا هي دم. رواه الطبراني ورجاله ثقات)(23).

ثالثاً: وفي الزوائد أيضاً: (عن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط . فقال لي عبد الملك: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان . رواه الطبراني ورجاله ثقات)(24).

رابعاً: وفيه أيضاً: (وعن الزهري قال : ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم). (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)(25).

خامساً: وفي نفس المصدر: (عن أم حكيم قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياما مثل العلقة . (رواه الطبراني ورجاله إلى أم حكيم رجال الصحيح)(26).

سادساً: (وعن أم سلمة قالت : سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي . رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح . وعن ميمونة قالت : سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي . (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)(27).

سابعاً: روى الذهبي قال: (قال [أبو الحسن] المدائني (صدوق)، عن علي بن مدرك (ثقة من رجال الصحيح) ، عن جده الأسود بن قيس (من رجال الصحيح) قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر، يرى فيها كالدم … وقال هشام بن حسان (من رجال الصحيح) ، عن ابن سيرين (من رجال الصحيح) قال : تعلم هذه الحمرة في الأفق مم؟ هو من يوم قتل الحسين)(28).
وهكذا فإن المدرسة السلفية الحديثة بنظرتها، وطريقة عرضها لأحداث كربلاء،
وأسلوب التعاطي مع الإمام الحسين(عليه السلام) وشيعته، تؤكد لكل باحث ومحقق أنها تمثل (وزارة الإعلام الأموية) التي تغذي فكر التطرف، والعصبية المذهبية، ولغة الإقصاء
والتكفير في كثير من البلدان الإسلامية، كما كانت الدولة الأموية في ما مضى من التاريخ مركز الثقل للنواصب، وأهل الزيغ والضلال الذين طالما ضربوا بمعاول الهدم أركان الإسلام ليهدموها …
وما أفلحوا .

نشرت في العدد 34


(1) ابن تيميّة: حياته – عقائد، صائب عبد الحميد، ص25.
(2) أعيان الشيعة 34:1.
(3) تاريخ الكوفة للبراقي ص160.
(4) في مجمع الزوائد 6/266.
(5) في شرح نهج البلاغة 11/44.
(6) سير أعلام النبلاء للذهبي 3/302.
(7) تاريخ ابن خياط 144.
(8) فتوح البلدان 1/322.
(9) الطبري 4/331.
(10) في كتابه منهاج السنة : 2/241.
(11) تاريخ الأمم الإسلامية ج2.
(12) مدافع الفقهاء ص14.
(13) في سير أعلام النبلاء 4/37.
(14) عمدة القاري 14/198.
(15) في فيض القدير 3/109.
(16) في نيل الأوطار 7/147.
(17) في تفسيره روح المعاني 26/78 بحق يزيد.
(18) تاريخ الطبري 4/258
(19) في مجمع الزوائد 9/193.
(20) في الطبقات 5/66.
(21) في الطبقات الكبرى لابن سعد 4/283.
(22) في مجمع الزوائد 9/196.
(23) في الزوائد 9/196.
(24) في الزوائد 9/196.
(25) في الزوائد 9/196.
(26) في الزوائد 9/196.
(27) في الزوائد أيضاً 9/199.
(28) في تاريخ الإسلام 5/14.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.