رمزية نهر الفرات في القضية الحسينية
حازت أرض العراق طبيعة ضخمة ثروات ضخمة جعلتها محطاً لأنظار الشعوب ومنذ عهد ممعن بالقدم فقد وهبها الله جل وعلا من الخيرات ما لم تحتويها غيره من الأقطار، وبفضل تلك الخيرات فقد تكاملت عوامل صنع الحضارة على هذه الأرض المقدسة ومن هذه العوامل وفرة المياه التي تعد العمود الفقري لأي نشاط بشري.
وقد ارتبط بالعراق اسما نهريه الخالدين دجلة والفرات حيث أصبح اسم بلاد النهرين ووادي الرافدين مصطلحاً معروفاً يطلق على العراق، بل شاع ذكر الرافدين قديماً وحديثاً ليصبح اسمه Mesopotamia في اللغة الإنكليزية مرادفاً لاسم العراق.
ومن هذين النهرين، نهر الفرات الذي اكتسب صفة القداسة عند الأديان عامة والشيعة بشكل خاص
فقد ارتبط هذا النهر ارتباطاً وثيقاً بمدوناتهم خصوصاً تلك المتعلقة بقضية الحسين(عليه السلام) فحرمانه(عليه السلام) من شرب الفرات ولّد فيما بعد حسرة في قلوب المؤمنين.
تبوّء هذا النهر مكاناً مميزاً في عالم الأدب، فأصبح الأديب يشير إلى فضله تارة و يعاتبه طوراً لعدم شرب أهل البيت من مائه فقد كان يروي من يحل على شاطئه من الواردين والضيوف إلا ضيف حل عنده وسرعان ما رحل دون أن يذوقه في يوم قائظ.
الفرات في اللغة
هو كل ماء عذب ، ويقال ماء فرات، ومياه فرات، والتسمية وردت في القرآن الكريم: (وأسقيناكم ماء فراتاً)(1) ويرجع البعض التسمية إلى كلمة أرامية قديمة (فرت) وتعني الخصب والنمو.
عرف الفرات بالعربية باسم الفرات وفي اللغة الأكدية (Pu-rat-tu)، وفي اللغة الآرامية (ܦܪܬ Prāṯ , Froṯ)، وفي اللغة العبرية (פְּרָת Pĕrāṯ)، وفي اللغة الأرمينية (Եփրատ Yeṗrat)، وفي اللغة الكردية (فره آت)، وفي اللغة اليونانية (Ευφράτης Euphrátēs)، وفي اللغة السامرية (Buranun )(2) وكما نرى فالفرات قد عُرف عند أغلب الشعوب مما يدل على شهرته الواسعة.
الفرات في الأديان:
كما عُرف الفرات على مستوى الشعوب فقد عُرف على مستوى الأديان مما يدل على قداسته ومنزلته المعروفة، فقد جاء في كتاب كنزا ربا المقدس عند الصابئة المندائيين (… صغيراً أنا بين الملائكة الأثريين، طفلاً أنا بين النورانيين، ولكني أصبحت عظيماً لأني شربت من ثغر الفرات)(3).
أما في النصوص العبرية القديمة فنجد تقديساً لنهر الفرات، ومن أجل ذلك فقد استقرت على ضفافه تجمعات يهودية منذ العصور القديمة، وفي الديانة المسيحية نجد (الإنجيل) أو ما يسمى بالكتاب المقدس يقرن اسم نهر الفرات باسم (النهر الكبير)، وجعله نهراً من أنهار جنة عدن(4).
أما الإسلام فقد ميّز الفرات واصطفاه فجعله نهراً من أنهار الجنة، فقد ورد عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) قال: (إن الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند، وجيحون وهو نهر بلخ ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق، والنيل وهو نهر مصر، أنزلها الله تعالى من عين واحدة وأجراها على الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معائشهم وذلك قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ونحن على ذهاب به لقادرون))(5).