Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام الحسين(عليه السلام) في شعر الشيخ محمد آل حيدر

0 1٬207

              الشاعر الشيخ محمد بن جعفر بن باقر بن علي بن محمد بن محمد علي بن حيدر العامري القيسي. المعروف بـ(الشيخ محمد آل حيدر) أو (الشيخ محمد حيدر).

ولد في سوق الشيوخ سنة 1927م ونشأ على أبيه ثم ارتحل إلى النجف الأشرف ونهل من معين علمائها وأدبائها الأعلام مثل الشيخ محمد تقي الجواهري والسيد إسماعيل الصدر والشيخ علي زين الدين البصري والشيخ محمد طاهر الشيخ راضي والسيد محمد تقي بحر العلوم والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي (رضوان الله عليهم). وكان آية في الذكاء، وعّد من فضلاء الحوزة العلمية.

تنقّل الشيخ بين عدة مدن وكيلاً للمراجع العظام، واستقر به المقام في الحلة الفيحاء سنة 1968م ودأب لأكثر من عقدين متحملاً أعباء الوكالة الدينية بكل أمانة وإخلاص مدافعاً عن الحق وناصراً للمظلومين، متخذاً من مسجد محمد بن نما الحلي مقراً له حتى اختطافه من قبل أزلام النظام المباد في آذار سنة 1991م يوم كانت الحلة تعيش مأساة العصر، مأساة المقابر الجماعية والإعدام العشوائي، فهدم المسجد وغيب الشيخ عن الوجود، لكنه ظل في الضمائر حياً خالداً.

لقد أثنى على الشيخ آل حيدر كثير من العلماء والكتاب والمؤرخين ونعتوه بأوصاف تنم عن حالة وطبيعة ما تحلى به من خلق عالٍ وأدب جمٍّ. أما شاعريته فقد شهدت له المجالس والمنتديات والمهرجانات مذ كان طالباً في النجف وهو في ريعان الشباب يصول في حلباتها شاعراً مبارزاً صقل موهبته وثقَّف ملكته الشعرية بفضل ديمومة تواصله الإبداعي، وقد طرق أكثر أبواب الشعر إلا الهجاء. وهو في شعره فلسف الحياة وتأملها بعين مبصرة وقلب مؤمن لم يجنح فيها نحو القوالب الجامدة والشعور الآيس ولم يألف أغراضاً شعرية بعيدة عن الشرع الإسلامي، فكان شعره مشرق العبارة، رصين الديباجة، رقيق الحاشية، وشعره نابت في الأساس من التزامه الديني، وقد جمع بين السلامة في التفكير والسلاسة في التعبير.

ويتبدى هذا الالتزام في الولاء المطلق لأهل البيت(عليهم السلام) والعمل بتراثهم الغني والاهتداء بموروثهم في طبيعة ألفاظه ومفرداته وابتعادها عن البذاءة والفحش. وله قصائد كثيرة في مدحهم ورثائهم واستنهاض قائمهم(عليه السلام) تفصح عن درجة الارتباط الروحي بهم والسير على خطاهم(عليهم السلام). لكن الوقوف عند الإمام الحسين(عليه السلام) له بعد آخر بما يمثله من مستودع استلهام لا ينفد من العطاء الروحي ومحرك فاعل إلى نبذ الانحطاط القيمي والفكري داخل المجتمعات والأخذ بيدها نحو شاطئ الأمان والإيمان.

والشعر الحسيني شعر ولائي مطلق لقيم السماء التي دافع أبو الأحرار(عليه السلام) عنها. وقد تعامل الشاعر آل حيدر مع القضية الحسينية بعاطفة جياشة وعقل متنور، فالحسين في ضميره أبداً حبٌّ مورق يدفع به نحو مسارات الحرية والعدل فليقول:
بستان حبك في الضمائر مورق
وله من القرآن أعذب مورد
في كل ثغر من جهادك قبلة
يمتص حمرتها دم المتهجد
وعلى خطوط العبقرية والفدا
يرمي فنونه في هتاف المولد
وفي قصيدة (دم الحسين) وظف الشاعر مفردة (الدم) بتكرارها مرات عديدة وهبت النص دفقاً من المعاني السامية المؤثرات التي ترسم صوراً لصرخات متتالية تندد بالجريمة النكراء، فدم الحسين لسان حق يصدح به المصلحون على مدى الدهر، وصرخة تجلجل بالحق ونور للمهتدين وناطق للبطولة والفداء..
ضحية المجد فوق الأرض قد سكبا
دم الحسين ـ فكان ـ النور والذهبا
دم الحسين لسان الحق أنطقه
سيف وقد حركته أنصل وظبا
دم الحسين جرى ما استنطق التربا
بكيف يخلد حر للعلا وثبا
دم الحسين لسان المصلحين فكم
به من الدهر حق ضائع طلبا
دم الحسين أرانا غيب كل دم
حرّ به نفهم التاريخ والحقبا

واستخدم الشاعر أسلوب التأمل بعيداً عن السرد القصصي لواقعة كربلاء متخذاً من الحكمة باباً للوصول إلى خلق حالة من الثقافة الجديدة والوعي لدى هذا الجيل في عقده للمقارنة بين حالة وحالة من جهة وإبداء التساؤلات المنطقية التي يصل مع إجاباتها إلى حقيقة هو يسعى للوصول لها فهي هدفه الرئيسي في بث أفكاره المستمدة من تاريخ حافل بالبطولة والمواقف الصلبة لأهل البيت(عليهم السلام).

كُنْه هذا الوجود ما زال سراً
غامضاً ما اهتدت إليه العقول
كم رعيل مضى من الناس للموت
وكم بعده سيمضي رعيل
كم معافىً أمامنا صرع الموت
مراراً وكم يعيش العليل
قد يموت الصحيح بين الأطباء
ويحيى مريضنا المهمول
ظاهرات الحياة أكثر مما
قد رأينا ومالها تعليل
كل رزء يهون عند ذويه
عندما يذكر المصاب المهول
فمصاب الحسين في كل قلب
ألمٌ كامن ودمع يسيل
فهو الثائر الذي علّم الناس
دروساً آثارها لا تزول
ما رأينا مثل الحسين شهيداً
يرشد التائهين وهو قتيل
ثورة حطمت عروش الطوا
غيت تباعاً فكل طاغ ذليل
وستحيي الأجيال ذكراه حتى
إن توانى جيل سينهض جيل
كلما زادت الثقــافة فــينا
يتسامى لشخصه التبجيل
لقد اتخذ الشاعر من قضية الإمام الحسين(عليه السلام) منطلقاً لرفض الظلم والطغيان الذي تعرض له المؤمنون في العراق وغيره من الدول الإسلامية، ولم يقتصر على غاية الرثاء الخالص إلا في حدود ضيقة، فقضية الإمام الحسين(عليه السلام) قضية إنسانية تعامل معها الشاعر تعاملاً عقلياً ممزوجاً بروح الإيمان الخالص، فهو في رسالته إلى الإمام الحسين(عليه السلام) يشرح حال العراقيين إبان عقد الثمانينيات وما تعرضوا له من ذل وهوان على يد الطاغية وأزلامه:
يا بن الرسول إليك خير رسالة
مشفوعة بمدامع المتوسل
بحرارة الطفل الذبيح على يد
يك تزدهي برسالة وبمرسل
قسماً لقد ضاقت بنا آفاقنا
والصبر أردانا بقاع محمل
يشكو الأشل إلى الأشل وربما
فات الأوان على الرعيل العزّل
ولقد صبرتم في البلاء على الهدى
ووردتم الأحداث أعذب منهل
لا تستطيع ولم تجب دعواتنا
حتامَ أكبدنا بنار تصطلي
قسماً بطفلك ترتوي من نحره
لو أنها عظمت بموقف مبتلي
عظم البلاء وليس ثمة كاشف
للضرّ ندعوه بكل مؤمل
لذنا بكم وقد استجرنا عندكم
ولديكم عهد تحدر من علي
إنا ظلمنا والظلامة لم تزل
لكم شعاراً في الزمان الأول
فهذا التوسل وشرح الحال الصادر عن الشاعر موجه إلى من كانت مظلوميتهم شعاراً أزلياً فلابد من اللوذ بهم لكشف الضر بعدما اصطلى الشاعر وقومه من أليم العذاب وضاقوا ذرعاً ببلاء الحكام.
وتتمثل رؤية الشاعر آل حيدر بفلسفته للموت والحياة بالوعي والهدوء في معالجة القضايا العقائدية ولاشك أن قضية الإمام الحسين واحدة من تلك القضايا الجوهرية التي مثلت المسار الصحيح للمؤمنين ورسمت المنهج الصائب للأحرار عبر الأجيال فبين وجدانية الشاعر وعقلانيته يخلق الإبداع صوراً متجددة وأسلوباً رائقاً من الشعر وخير دليل قصيدته العينية التي تذكرنا بقصيدة الشاعر محمد مهدي الجواهري (فداء لمثواك من مضجع) وقد يكون الشيخ قد جارى هذه القصيدة فأبدع في مجاراته لها وضخ فيها من القيم السامية بصور حافظت على نسقها المعرفي وصولاً إلى الغاية والحقيقة باعتبار أن الإمام الحسين(عليه السلام) هو المنار المشع المهتدى به..
تبسمت للقــدر المفزع
كما ابتسم الطفل للمرضع
وآمنت أن حياة الإبـــا
بغير الشهادة لم تطبع
ومن عالم الذرّ أربت علاك
على عالم النور في مطلع
وشع بأرض الطفوف هدى
لأكرم مستلهم ألمعي
وغناك حتفك في آية
تشع بقرآنك المبدع
ظمئت إلى الكأس كأس الجدود
فكان رواؤك بالمصرع
وأطلقتها نغمة من جراح
الكرامة في عالم أوسع
جهادك ملئ فم التضحيات
ختمت به آية المطلع
وليس غريباً إذا ما بكتك
ملائكة الأفق في أدمع
فأنت بقية ذاك الرسول
بمرأى الإمام وفي المسمع
وحقاً فإنك للغابرين
وللمقبلين على مشرع
وقبرك أضحى بكل العصور
مناراً يشع على مسفع
به نحتمي وعليه نطوف
فمن ساجدين ومن ركع
ونزرع آمالنا في ثراه
وبورك سفحك من مزرع
وإنا بكم ولكم عزنا
إذا جمع الناس في مجمع
ظممنا ولاكم بأكبادنا
كصدر على سره المودع
أبا الشهداء الكرام الأباة
سلام محبّ على موضع
هذه وقفة سريعة على بعض تراث الشاعر بحق الإمام الحسين(عليه السلام) الذي حفل ديوانه بكم وفير من المديح والرثاء آملين في عقد دراسة مفصلة في القريب أن شاء الله والحمد لله رب العالمين .

نشرت في العدد 34

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.