Take a fresh look at your lifestyle.

كتاب “تراجيديا كربلاء” عرض وتقديم

0 701

أحمد سلمان آل طعمة
كلية الهندسة/ جامعة كربلاء

 

                تحتل القضية الحسينية حيزاً كبيراً في قضايا المجتمعات الإنسانية لما لها من أهمية كبرى في تغيير نفوس الأحرار في العالم عبر تاريخ المجتمعات الحامل بالمتغيرات الفكرية التي قد تطرأ عليه بين الحين والآخر.

ولقد انصبت جهود عدد ليس بالقليل من كتاب ومفكري العالم وبمختلف طوائفهم ونحلهم ولغاتهم أن يضعوا بين أيدي الناس كل ما جنوه من أفكار ورؤى يحاولون انتزاعها من قضية الإمام الحسين(عليه السلام)
ليضعوها في مصنفاتهم التي أصبحت اليوم لا يمكن أن تعد خاصته بعد الثورة المعلوماتية التي هيأت للشرفاء في هذا العالم مناخا خصباً لينهلوا منها ما يريدون بشأن هذه القضية والواقعة الأليمة.

ومن بين من سخر يراعه في عرض القضية الحسينية من منظار اجتماعي وشعبي السيد إبراهيم الحيدري في كتابه (تراجيديا كربلاء) الذي عرض فيه كل ما يتعلق بهذه القضية وتأثيراتها على المجتمع وتأثرها فيه بأسلوب اجتماعي تحليلي للقضايا والمؤثرات التي أصبحت عاملاً مساعداً على بلورة الفكرة الحسينية في المنظور الاجتماعي.

ونحن في هذه العجالة نستعرض فصول الكتاب وما طرحه كاتبه منه في محاولة لعرض النتاج الفكري والاجتماعي وغيرها بأسلوب يتميز للقارئ البحث فيهما مجدداً مبينين بعض النقاط الهامة في الكتاب وكاتبه وموضوعه.

فموضوع الكتاب هو (مأساة كربلاء) التي تصور لنا واقعة الطف الأليمة التي أدت إلى استشهاد سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) وأهل بيته الكرام على يد الجيش الأموي بقيادة عبيد الله بن زياد وبإمرة يزيد بن معاوية وبمشاركة ذوي النفوس الضعيفة وأصحاب المصالح والمأجورين من أتباع السلطة الأموية.

وقد وصف لنا مؤلف الكتاب هذه الواقعة وأثرها في نفوس الشعوب الإسلامية عموماً. والشعب العراقي على وجه الخصوص بأسلوب التحليل والنقد الاجتماعي لأي ظاهرة تمس الشعب من خلال الجولة الميدانية التي قام بها مؤلف الكتاب في المناطق المقدسة خاصة بكربلاء، إضافة إلى مدينتي النجف والكاظمية المقدستين.

إن من أهم الموروثات الشعبية في العراق هي مراسيم العزاء الحسيني التي تلعب دوراً مهماً وفعالاً في المعتقدات الروحية في الإسلام، حيث تخلق أجواءاً دينية وثقافية يمكن توظيفها اجتماعياً وسياسياً.

هذه الموروثات الشعبية والشعائر الحسينية وما يرتبط بها من مبادئ وأفكار وقيم وسلوك قد شكلت موضوع هذه الدراسة التي دونت فيما بعد بكتاب مستقل.

يقول مؤلف الكتاب (هذه الشعائر والطقوس وما يرتبط فيها من مبادئ وأفكار وقيم وسلوك تشكل موضوع هذه الدراسة وإطارها التي تخضعها إلى تحليل سوسيو ـ
انثروبلوجي لتوضيح أهميتها الاجتماعية السياسية وعلاقتها بعاشوراء، تلك المأساة التاريخية الدامية التي شكلت في الحقيقة أول تراجيديا في الإسلام، ومن أجل فهم واستيعاب العلاقة الجدلية بينها وبين تطبيقاتها العملية في الواقع الاجتماعي وما أفرزته وتفرزه من مبادئ وقيم وسلوك، وما يرتبط بها من إشكالات معرفية. هذه الشعائر والطقوس التي كونت منبعثاً فياضاً من الحزن الذي لا ينضب، وإرثاً فكرياً وثورياً لا يهدأ). ص7ـ8.

ومن ينظر في هيكلة الكتاب يرى أن كاتبه قد قسمه على مقدمة وسبعة فصول وخاتمة بأسلوب متوازن وفقاً لمناهج البحث الأكاديمي.

تناول في مقدمته الغرض الذي جرَّه إلى كتابة هذا الموضوع وهو ظاهرة الشعائر الحسينية من وجهة النظر الاجتماعي وعلاقتها بالمجتمع وتأثيرها فيه وتأثرها به، وأوضح أنه استقى مادته العلمية من خلال جمعه لمعلومات ميدانية ومطالعة الكتب المخصصة لذلك، وقد أوضح هدفه لهذه الدراسة قائلاً:

(ثم إن هدفنا الأساس، في الواقع، ليس دراسة هذه الظواهر لذاتها بقدر ما نريد دراسة دوافعها ومعانيها ونتائجها على الفرد والمجتمع عن طريق إخضاعها للتحليل العلمي ـ الموضوعي، قدر الإمكان …) ص12.

ويرى الباحث مع أهمية ما كتب ويكتب في هذا الموضوع فقد أساء البعض إلى معنى وأهداف ثورة الحسين(عليه السلام) بما نقل وكتب وتحدث بشعور عالٍ من الحماس والانفعال للدفاع عن الذات قبل معرفتها ونقدها ومن دون عناء كبير في البحث والتدقيق والفرز بين الناضح والفج…). ص13 المقدمة.

ثم إنه يعتبر (إن ما نطرحه في هذا الكتاب من أفكار وما نقدمه من نقد وتقييم وتقويم لبعض الممارسات الطقوسية التي تصاحب العزاء الحسيني قد لا يلقى الرضا والقبول بسبب ارتباطه بالشعائر والطقوس الدينية …). ص13 المقدمة.

أما الفصل الأول، فقد استعرض فيه مؤلف الكتاب بإيجاز تاريخنا الاجتماعي في الزمان والمكان محاولاً رسم صورة لبنيته وخصوصياته ومخلفاته المثقلة بالأحزان وعرض الآليات التي رافقته والتي بدأت مع أول صراع في الإسلام حول الإمامة والسياسة.

ثم تناول في الفصل الثاني مراسيم العزاء الحسيني، بدءاً بوقائع معركة الطف بكربلاء هذه المعركة التي تعتبر أول مأساة في الإسلام والتي بقيت حية في ذاكرة المسلمين، وانعكست في شعائر وطقوس عديدة كزيارة الإمام الحسين في كربلاء يوم عاشوراء ويوم الأربعين ومجالس العزاء الحسينية ومسرح عاشوراء (الشبيه) وما إلى ذلك من شعائر العراق وكذلك في الدول العربية والإسلامية.

أما في الفصل الثالث فقد تتبع المؤلف أثر العوامل الدينية والاجتماعية والسياسية في تطور وازدهار العزاء الحسيني في العراق، وقد اعتبر أن جزءاً من تلك العوامل هو الأوضاع الاجتماعية المزرية لدى العوائل الريفية وهجرتهم من الريف إلى المدن، وكذلك تحول عدد من القبائل العربية السنية إلى التشيع. كل هذه العوامل وغيرها جعلت أفراد العشائر أنفسهم منجذبين بأفكار الشيعة والطقوس من قيم ومواقف ضد القهر والظلم والاستغلال.

وفي الفصل الرابع فإنه يستعرض الأهمية الدينية الاجتماعية السياسية للمدن الدينية في العراق وبخاصة العتبات المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، وكذلك دور السادة والشيوخ والأولياء والطرق الصوفية في العراق وأهميتهم الاجتماعية وتأثير ذلك على المجتمع باعتبارها من العوامل الفاعلة في تكوين العقلية الدينية لدى الأفراد.

أما في الفصل الخامس فنرى أن الباحث قد خاض في الأبعاد الأساسية لظاهرة العزاء الحسيني، موضحاً أهميتها من الناحية الدينية وفلسفتها الاجتماعية، منطلقاً من العلاقة الجدلية القائمة بين مأساة الألم في كربلاء وبين فكرة الأمل الذي تضمنه استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) والذي تم بإرادته واختياره ومن أجل تثبيت العقيدة الإسلامية وترسيخ مبادئها عن طريق الثورة ضد الظلم والاستبداد.

وفي هذا الفصل يرى المؤلف إن التمايز الطائفي ذي البعد السياسي المصلحي الذي دفع إليه الحكام والسلاطين أدى إلى حرمان الشيعة في العراق من كثير من حقوقهم، الأمر الذي أدى إلى أن تكون السلطة بيد الأقلية حاول المؤلف أن يحللها ويعرض لبعض الأسباب والنتائج المتعلقة بها.

أما في الفصل السادس فقد تناول المؤلف البعد الفولكلوري الشعبي لمراسيم العزاء الحسيني وبخاصة مواكب العزاء ومسرح عاشوراء (الشبيه) وتحليل الشعر الشعبي كتعبير الحرب ضد الذات المهانة والمضطهدة.

أما في الفصل السابع والأخير فيحاول المؤلف أن يعرض لمحاولات الاستغلال والتشويه التي دخلت إلى مراسيم العزاء الحسيني من قبل أصحاب المصالح والأغراض ـ حسب تعبيره، في الوقت الذي يرى المؤلف بأن هذه المراسيم والشعائر لها صمامات أمان ذاتيه تجعلها بعيدة عن محاولات الاستغلال باعتبارها رمزاً من رموز الرفض والتضحية والفداء.

ثم إن المؤلف يعرج على استغلال بعض الحكومات والجماعات والأفراد والأحزاب إضافة إلى استسلام بعض علماء الدين المحسوبين على الخط الحاكم للعامة من الناس في كثير من الشعائر والممارسات العاشورائية.

ومهما يكن من أمر فإننا في الوقت الذي لسنا بصدد نقد الكتاب، بقدر ما هو مطروح من عرض لمواضيع الكتاب وفصوله فهو يعتبر تحليلاً اجتماعياً من وجهة نظر عالم الاجتماع له أبعاده وخصوصياته، إضافة إلى كونه نقداً للكثير من المواضيع ذات الصلة بالشعائر الحسينية وممارساتها وتطبيقاتها.

غير أننا في الوقت نفسه نرى أن الكتاب يعد نصاً مهجناً من الناحية الفنية، إذ أقحم فيه مؤلفه الكثير من الكلمات غير العربية كتبها بحروف عربية، كان عليه ـ باعتقادنا ـ أما أن يكتبها بحروف أجنبية أو يعربها لكي يتضح معناها، ولغتنا العربية جديرة بإعطاء ما يقابل تلك الكلمات ببداهة تعدد ألفاظها ومعانيها التي لا حصر لها.

وهذا يبدو جلياً لمن يطالع الكتاب ابتداءاً من عنوانه الموسوم بـ (تراجيديا كربلاء) والتي تعني (مأساة كربلاء).
وقد يعزى ذلك التداخل النصي في الكتاب إلى ثقافة مؤلفه، حيث أكمل دراسته في برلين الغربية بعلم الفلسفة ودرّس هناك سنوات عديدة لمادة علم الاجتماع، مما أثر عليه في كتابة النصوص بلغتنا الجميلة.

إضافة إلى اعتماده على العديد من المراجع بلغات أجنبية كان الأجدر أن تكون مراجع ثانوية فضلاً عن تلك المصادر الرئيسية التي لم تُعتمد في هذا الكتاب، نأمل لمن يطالعه الاستفادة منه كمنهج لبحث هذه المواضيع الهامة .

نشرت في العدد 34

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.