Take a fresh look at your lifestyle.

عبد الله بن يقطر سفير الإمام الحسين(عليه السلام)

0 1٬003

                 لم تهتم المصادر التاريخية أو الرجالية كثيرا بالشخصيات التي قاتلت مع الحسين(عليه السلام)، واقصد بذلك سواء كتب أهل العامة أو الشيعة على حد سواء، إذ نجد كثير منهم عند محاولة دراسة تفاصيل حياتهم لا نعثر إلا بعض النصوص المتناثرة هنا وهناك، وهي لاشك لا تغني الباحث من أجل تقديم دراسة متكاملة، ولا القارئ بمعلومات قد تخرجه بنهاية المطاف بصوره متكاملة الأطر.

ولعل هذا الأمر راجع إلى جملة أسباب وظروف قد لا تكون خافيه كثيرا عن المختصين في هذا الجانب، فهي لاشك كانت وراءها أيدي كان لها الدور الكبير من أجل إخفاء الحقائق وعدم عرضها على الجمهور لئلا يحدث ارتباكا قد يؤدي إلى نتائج لا يحمد عقباها، إضافة إلى ذلك أسباب أخرى لسنا في مقام التحدث عنها.

ولست هنا أحاول ان أكرس دراستي عن هذه المحاور والمفاصل المهمة بقدر ما يتعلق فيها، لان الحديث عنها يحتاج إلى صفحات كثيرة قد نسترسل بها في المستقبل لأجل اطلاع القارئ على كافة تفاصيل الموضوع، والتي تعتبر أسسا مهمة للانطلاق منها نحو دراسة ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) بكافة مجرياتها وأحداثها.

أقدم نص تاريخي وصلنا عن هذه الشخصية يعود إلى منتصف القرن الثاني الهجري لأبي مخنف لوط بن يحيى (ت157هـ) الذي تابع كثير من مجريات حادثة الطف، وسجل كثير من المشاهد التاريخية على الرغم من الفارق الزمني بينه وبين حادثة الطف، لكنه اعتمد على جملة من الرواة لهذه الحادثة، وقد عولت عليها كثير من دراسات المتقدمين وأخص بالذكر منها شيخ المؤرخين أبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)(1)، الذي دون معظم روايات أبي مخنف في كتابه تاريخ الأمم والملوك، ولولاه لضاعت هذه النصوص من بين أيدينا.

وسجل أبو مخنف نصين تاريخيين مهمين دونهما عن هذه الشخصية، يتعلق الأول بوصول خبر استشهاده إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، والآخر ذكر فيه حادثة استشهاده ومن قتله، ومن المهم القول ان هذين النصين كانا معولا عليهم في كتب التاريخ والمقاتل(2).

ومن الدراسات المهمة كذلك في هذا المضمار ما سجله لنا الشيخ المفيد (ت413هـ) في كتابه الإرشاد إذ ذكر فيه خبر إرساله إلى الكوفة لتقصي الحقائق، ثم في مورد آخر ذكر خبر وصول استشهاده إلى الإمام الحسين(عليه السلام)(3).
ومن المصادر المهمة كذلك التي دونت بعض المعلومات عنه هو ابن شهراشوب (ت588هـ) في كتابه مناقب آل أبي طالب، وذكره في قائمة أصحاب الحسين الذين استشهدوا معه(4).

لم تحدثنا المصادر كثير عن هذه الشخصية، أو تعرضت لنسبه أو نشأتها، وقد انفرد قطب الدين الراوندي ذكر نسبه في رواية ينقلها عنه بقوله : (ما روي عن عبد الله بن يقطر بن أبي عقب الليثي من بني ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة)(5)، لكن انفرد السيد البراقي(6)، والشيخ السماوي(7) بنسبته إلى حمير. ونقل السيد البراقي(8) كذلك ان أباه كان خادما عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومن خلال تتبعي للمصادر المتقدمة لم أقف على هكذا معلومة إلا عند السيد البراقي ولا اعرف من أين استقاها.

أما المصادر الرجالية(9) فهي لم تأتي بشيء جديد عنه يمكن من خلالها رسم صورة مقاربة عن كافة ملامح شخصيته، بينما ذكره ابن حجر(10) في الصحابة بعنوان عبد الله بن بقطر، مستندا في معلوماته على الطبري.

لكن أغلب المصادر نعتته بلقب رضيع الحسين(11)، وورد ذكر اسمه هذا كذلك في الزيارة المخصوصة للإمام الحسين(عليه السلام)
في ليلة النصف من شعبان: (السلام على عبد الله بن يقطر رضيع الحسين…)(12) واتفقت معظم المصادر على ذلك.
لكن السيد البراقي له رأي أخر لا يتفق مع ما ذكره المتقدمون، إذ يرى ان: (يقطر أباه كان خادما عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكانت زوجته ميمونة في بيت أمير المؤمنين(عليه السلام) فولدت عبد الله قبل ولادة فاطمة

الحسين(عليه السلام) بثلاثة أيام، وكانت ميمونة حاضنة له، فلذا عرف عبد الله برضيع الحسين(عليه السلام)، وإلا فالحسين لم يرضع من غير ثدي أمه فاطمة(عليها السلام))(13). ولا أعرف على أي شيء استند البراقي في هذه المعلومات التي أوردها، لكن الشيخ السماوي كان له رأي آخر، قد يكون أكثر دقة على الرغم انه يلتقي مع ما ذكره السيد البراقي في ان الحسين لم يرضعه إلا ثدي فاطمة إذ يقول: (كانت أمه حاضنة للحسين كأم قيس بن ذريح للحسن، ولم يكن رضع عندها ولكنه يسمى رضيعا له لحضانة أمه له. وأم الفضل بن العباس لبابة كانت مربية للحسين(عليه السلام) ولم ترضعه أيضاً كما صح في الأخبار)(14).

هناك تضارب واضح في النصوص الواردة حول الدور الذي قام به عبد الله بن يقطر، إذ تشير بعض الروايات إنه مبعوث الحسين(عليه السلام) إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكة في جواب كتاب مسلم إلى الحسين(عليه السلام) يسأله القدوم ويخبره باجتماع الناس(15).

إذ تشير المصادر أنه لما بلغ الحسين(عليه السلام)
الحاجر من بطن الرمة، أرسله إلى الكوفة، ولم يكن يعلم بخبر استشهاد مسلم ابن عقيل وكتب معه إليهم: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا، فإني قادم عليكم في أيامي هذه، والسلام عليكم ورحمة الله)(16).

فقبض عليه الحصين بن نمير بالقادسية وأرسله إلى عبيد الله بن زياد فسأله عن حاله فلم يخبره، فقال له: اصعد القصر والعن الكذاب بن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي، فصعد القصر فلما أشرف على الناس قال: أيها الناس، أنا رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)

إليكم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة وابن سمية الدعي ابن الدعي، فأمر به عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض فتكسرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه بمدية، فلما عيب عليه، قال: إني أردت أن أريحه(17).

ولا يوجد اتفاق واضح بين المصادر حول مبعوث الحسين(عليه السلام) إلى مسلم بن عقيل هل هو عبد الله بن يقطر، أو قيس بن مسهر الصيداوي(18)، إلا أن ابن شهرآشوب له رواية أخرى ذكر أن عبد الله كان رسول مسلم إلى الحسين(عليه السلام)، وأن مالك بن يربوع التميمي أخذ الكتاب منه وجاء به إلى عبيد الله بن زياد فقرأ الكتاب فإذا فيه: (للحسين بن علي، أما بعد: فاني أخبرك انه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فان الناس معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى). وأمر بقتل عبد الله بن يقطر(19).

ولما ورد خبر استشهاده ومسلم وهاني إلى الحسين(عليه السلام) بزبالة فقد أصابه حزن عميق إذ نعاه إلى أصحابه وقال: (أما بعد، فقد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج، فليس عليه ذمام)(20).

وقال القندوزي: إن الإمام الحسين قال في زبالة: (أيها الناس فمن كان منكم يصبر على حد السيف وطعن الأسنة فليقم معنا وإلا فلينصرف عنا) فجعل القوم يتفرقون، فلم يبق إلا أهل بيته ومواليه، وهم نيف وسبعون رجلا، وهم الذين خرجوا معه من مكة(21).

وتواترت أنباء مقتل مسلم وهانئ وعبد الله، ووصلته رسالة محمد بن الأشعث بهذا الخصوص، فقال الإمام: (كل ما حمّ نازل، وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا)(22).

ومهما يكن من أمر فقد سطرت هذه الشخصية أسمى آيات البطولة في الدفاع عن الإسلام وكلمة الحق، فهو لم يخش الموت وهو يعلم أن حتفه قد جاء، وكان بإمكانه أن يتنصل عن الإمام الحسين في سبيل خلاصه، وقد أعطاه عبيد الله بن زياد الأمان بذلك، لكن آثر البقاء على الموت، لأنه كان يعلم ان بقاءه ووجوده أبد الدهر في قول كلمة الحق، وهو يصعد أعلى القصر ويعلن بصوت عالي أن الحسين هو الإمام الشرعي ويفضح الإنحراف الأموي بكل صوره.

هذه هي معركة الطف بكل معانيها ودروسها وما تركته من الأثر العميق في النفوس، مع مالها من الدروس والعبر التي حوتها هذه الحادثة بكل مفصل من مفاصلها، من حيث الشمولية في جميع نواحيها البطولية والإنسانية .

نشرت في العدد 34


(1) تاريخ الطبري، 4/300، 359.
(2) ينظر مثلا: تاريخ الطبري، 4/300، 359، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، الخوارزمي، مقتل الحسين، 2/75، 4/43، 93، ابن كثير، البداية والنهاية، 8/182، 206، الأمين، لواعج الأشجان، ص86، المجالس الفاخرة، ص216.
(3) المفيد، الإرشاد، 2/70، 75.
(4) ابن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب، 3/233.
(5) الخرائج والجرائح، 2/550.
(6) تاريخ الكوفة، ص322.
(7) إبصار العين في أنصار الحسين، ص93.
(8) تاريخ الكوفة، ص322.
(9) ينظر: الطوسي، الرجال، ص103، العلامة الحلي، خلاصة الأقوال، ص192، ابن داود، الرجال، ص125، التفرشي، نقد الرجال 3/154.
(10) الإصابة، 5/8.
(11) ينظر مثلا: ابن الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص177، القطب الراوندي، الخرائج والجرائح، 2/551، ابن شهراشوب، المناقب، 3/233، المجلسي، بحار الأنوار، 44/199.
(12) ابن طاووس، إقبال الأعمال، 3/346، الشهيد الأول، المزار، ص153-154.
(13) تاريخ الكوفة، ص322.
(14) إبصار العين، ص93.
(15) ابن الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص177-178.
(16) المفيد، الإرشاد، 2/70.
(17) أبو مخنف، مقتل الحسين، ص78، ابن الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص177-178، المفيد، الإرشاد، 2/70، الطبرسي، أعلام الورى، 1/446-447.
(18) ينظر المصادر المتقدمة.
(19) المناقب، 3/243.
(20) الطبرسي، إعلام لورى، 1/447.
(21) ينابيع المودة 3/62.
(22) أبو مخنف، مقتل الحسين، ص51.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.