Take a fresh look at your lifestyle.

قبل الكون .. ماذا كان؟!

0 603

             قبل الكون، قبل الزمان والمكان، قبل كُل شيء ماذا كان؟ أين كانت الأشياء؟

           سؤال مُثير يُمكن أن يُثيره أيُّ عقل، ويُمكن أن يُعد معقولاً ومشروعاً، ويُمكن أن يعُدَّ ساذجاً ولا معنى لهُ ، ولكنهُ في كُل الحالات إفراز من إفرازات العقل الكثيرة، وَجَد مكانهُ المناسب في ثورة المعلومات الجائحة التي أتَت على كُل شيء.

           إذن هو في وقته المناسب ومن صميم ثورة المعلومات التي وَفَّرَت أو يُمكن أن توفر أجوبة هائلة لأسئلة هائلة أيضاً، إنهُ سؤال مفروض فرضاً، وخاصة في زمن الوعي والانفتاح على كُل شيء: فما دام هُناك كون ومجرّات ونجوم وطاقة وإشعاع وكائنات حيّة (وهي أمور لافتة للنظر) فلا بُد أن يتّجه النظر إلى ما قبل ذلك كُلّه، أن نسأل عما قبل الكون، وأن نسأل في الوقت نفسه عن النهاية وما بعد النهاية.

           وبالفعل لم ينس عُلماء الفلك والكون المعاصرون هذا السؤال كما لم ينسه الفلاسفة والمفكرون من قبل، في العصور السابقة، إنهُ إفراز فكري وعلمي دائم مُستمر، وإن اختلفت الصيغ.

            لقد تحدّث عُلماء الكون في العصر الحديث عن بداية علمية للكون ومكونات الكون، وهذا ما جرَّ إلى التفكير بما (قبل البداية)، وهو مُجرّد استنتاج، أستند أساساً إلى هذه (البداية النظرية) وما وفرته النظريات والحقائق العلمية من مُعطيات. ويقول العُلماء إنَّ البداية هي (انفجار كبير) أطلق عليه مُصطلح (الانفجار العظيم) (Big Bang) ومن خلاله بدأ الكون وتطوّر….

           ولم يقتنع عُلماء آخرون بفكرة بداية الكون ، فقالوا بالكون الأزلي الأبدي المستمر، كان ومازال وسيكون إلى ما لا نهاية، والقائلون بهذه الفكرة هُم قلّة قليلة من عُلماء الكون، نعرف منهُم: بوندي وغولد وهويل (وهم مُعاصرون ) ، وتُعرفُ نظريتهم بـ(نظرية حالة الاستقرار) (Steady state theory)، وخُلاصتها أن الكون أزلي أبدي، وأن نشوء المادة الجديدة مُستمر لإمكان الفضاء الناتج عن تمدد الكون (expansion of the universe).

            وهذه النظرية تُناقِض وتُعارِض العلم من جهة، وذلك لاستحالة تولّد المادّة من العدم، فقانون حفظ المادة يقول: إن المادة لا تنشأ من العدم ولا تفنى . ومن جهة أُخرى تُناقض وتُعارِض الدين، لأن كُل الأديان تفترض أن عملية الخلق (creation) تمت في فترة وجيزة ومرّة واحدة.

             يقول عُلماء الكون (ومعهُم عُلماء الدين أيضاً) إن للكون بداية، وفي الوقت نفسه لهُ نهاية، وإذا كانت لهُ بداية فلا بُد لهُ (ما قبل) وماذا يعني هذا (المـا قبل)؟ وهُنا حار العُلماء في وصف هذا (المـا قبل) المنتزع من البداية، ولم يجدوا لهُ جواباً شافياً، بل لَم يجدوا لهُ جواباً أصلاً. وقالوا إن الوقت مازال مُبكراً للجواب عن سؤال صعب كهذا.

              لكن إذا وُصف الكون بالوصف العلمي القائل: إن الكون هو كُل الزمان والمكان والمادة والطاقة، فيعني أن ما قبلهُ هو اللاّ زمان واللاّ مكان واللاّ مادة واللاّ طاقة ولا كُل شيء.

             وتبعاً لذلك فلا نجوم ولا مجرّات ولا حياة ولا أي شيء، سوى الله تعالى، خالق الكون الذي أبدعهُ بعد أن لم يكُن، خلقهُ بقُدرة فائقة لم نعرف تفاصيلها، عَبر عنها القرآن الكريم بعبارة (كُن فيكون) قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(البقرة:117).

            وإذا عَرَف الإنسان الزمان والمكان والمادة والطاقة (وهي معرفة محدودة) بما توافر لديه من وسائل مادية ونظريات علمية، فهل سيستطيع الاقتراب من (ما قبل الكون) وهو (افتراض) أفرزهُ (افتراض ) البداية العلمية للكون، المعروف بالانفجار العظيم (كما ذكرنا)؟

            أظُن أن القضية أكبر من عقل الإنسان، فحتى الزمن سيتمَلمَل من الإجابة عنها، وحينها لا مَفَّر من اللّجوء إلى الدين أو الغيب الديني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.