Take a fresh look at your lifestyle.

من مزارات كربلاء مقام تل الزينبية

0 859

                   للسيدة الجليلة القدر صاحبة الفضل الصديقة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب(عليهما السلام)، منزلة عظيمة ومكانة متميزة، وكانت عناية الإمام بها عناية فائقة تختلف عن سائر بناته، فهي عالمة بجميع ما يجري عليها من الشدائد والمحن، وأنها على بصيرة من أمرها. قابلت تلك الرزايا والمحن بجميل الصبر وقوة الإيمان وكامل الإخلاص. وشاء الله أن يخصها بالتعظيم والإجلال.


في حديث عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله): أنه بكى في ولادتها، فقالت له فاطمة: ما يبكيك يا أبت؟ لا أبكى الله لك عينا، فقال: يا فاطمة اعلمي أن هذه البنت بعدي وبعدكِ سوف تنصب عليها المصائب والرزايا(1).

كانت إذا زارت أخاها الحسين(عليه السلام) قام لها إجلالاً وإكباراً وأجلسها في مكانه، ولعمري إن هذه المنزلة عظيمة لزينب لدى أخيها الحسين(عليه السلام)، وحدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين(عليه السلام) في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله(صلى الله عليه وآله) تخرج ليلاً الحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين(عليه السلام)

فأخمد ضوء القناديل فسأله الحسن مرة عن ذلك فقال أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب، وورد عن بعض المطلعين أن الحسن(عليه السلام) لما وضع الطشت بين يديه وصار يقذف كبده سمع بأن أخته زينب تريد الدخول عليه أمر وهو في تلك الحالة برفع الطشت إشفاقاً عليها(2).

كانت السيدة زينب(عليها السلام) من العابدات الزاهدات، وقد أدركت أربعة من أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وكانت شريكة أخيها الإمام الحسين(عليه السلام) في نهضته ومحنته، ولا يمكن أن ننسى مواقفها المشهودة وخطاباتها الجريئة في واقعة كربلاء وفي الكوفة وفي الشام، وهل ننسى براعة بيانها المؤثر في الناس، ذلك الذي كساها منقبة ورفع قدرها، وضاعف قواها في تحريك النفوس، فقد أحدثت تغييراً في المجتمع الأموي، كما أحدثت تخلخلاً لدى السلطات الغاشمة التي أرست قواعدها على الجور والتعسف، فحققت بذلك إنجازات رائعة يشهد لها التاريخ على توالي القرون.

لم تعش السيدة زينب سلام الله عليها طويلاً بعد فاجعة الطف، لكنها ألهبت نفوس الشيعة ألماً وحزناً مستعراً لم يخمد لهيبه، فقد كان لوفاتها صدى حزن عميق. روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن فاطمة
الزهراء(عليها السلام) سألته وقالت: وما أجر من بكى على ابنتي زينب؟ فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
أجره كأجر من بكى على مصائب ولدي الحسن والحسين(عليه السلام)(3).

توفيت السيدة زينب(عليها السلام) سنة 65هـ كما روى المؤرخون وأصحاب السير، غير أن المتتبع لسيرة العقيلة زينب(عليها السلام) يجد أن هناك أقوالاً مختلفة بخصوص مدفنها والزمن الذي توفيت فيه، فهناك من يرى أن مدفنها في المدينة المنورة، وكان ذلك بعد رجوعها مع السبايا من الشام، صرح الفاضل الميرزا عباس قلي خان المستوفي في تاريخه (الطراز المذهب) بأن الذي يصح عنده أن زينب لما رجعت من الشام توفيت بالمدينة المنورة ودفنت هناك قال ولا أدري متى كان وفاتها(4).

ومنهم من قال إنها دفنت في الشام نقله في الطراز المذهب عن بحر الأنساب وذكر الشيخ جعفر النقدي قوله: (وقيل إنها توفيت في أحدى قرى الشام، نسبه في الطراز أيضاً إلى بعض المتأخرين، وتلج الألسن في سبب ذلك بحديث المجاعة التي أصابت أهل المدينة المنورة فهاجرت مع زوجها عبد الله إلى الشام وتوفيت هناك، وهو حديث لا أثر له في كتب التاريخ والسير والأنساب والتراجم ولم يذكره المنقبون في الآثار ممن كتب في أهل البيت كالكليني، والصدوق، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي، وابن شهرآشوب، والطبرسي، وابن الفتال، والعلامة الحلي، وابن طاووس، والوزير الإربلي، والمجلسي الذي جمع فأوعى، وقد احتوت مكتبته على ما لا يوجد في غيرها من آلاف الكتب، وتبرز هو في الإحاطة بالسير والآثار وأخبار أهل البيت(عليهم السلام)، إلى غيرهم… الخ(5).

غير أن النسابة العبيدلي أبو الحسين يحيى بن الحسن (المتوفى سنة 277 هجرية) ذكر في كتابه (أخبار الزينبيات) أن زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أمية إلى المدينة أخذت تؤلب الناس على يزيد بن معاوية، فخاف والي المدينة عمرو بن سعيد الأشدق انتفاض الأمر فكتب إلى يزيد فأتاه كتاب يزيد يأمره بأن يفرق بينها وبين الناس فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت فأبت الخروج من المدينة وقالت قد علم الله ما صار إلينا قتل خيرنا وسقنا كما تساق الأنعام وحملنا على الأقتاب فو الله لا أخرج وأن أهرقت دماؤنا فقالت لها زينب بنت عقيل يا ابنة عماه قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوأ منها حيث نشاء،

فطيبي نفساً وقري عيناً وسيجزي الله الظالمين أتريدين بعد هذا هوانا؟ ارحلي إلى بلدٍ آمن ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام فاختارت (مصر) وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة ابنة الحسين وسكينة فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه فأنزلها داره بالحمراء فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً وتوفيت عشية يوم الأحد خمسة عشر يوماً مضت من رجب سنة اثنتين وستين هجرية ودفنت بمخدعها في دار مسلمة المستجدة بالحمراء القصوى حيث بساتين عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، انتهى نص العبيدلي(6)

ويؤيد ذلك ما ذكره الشيخ جعفر النقدي في كتابه (زينب الكبرى) نقلاً عن الرحالة أبو عبد الله محمد الكوهيني الفاسي الأندلسي الذي دخل القاهرة في 14 محرم سنة 369هـ والخليفة يومئذ أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبو تميم معد الفاطمي فزار جملة من المشاهد من بينها مشهد زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب(7).

والذي يراجع هذه الروايات المتقدمة، يجد أن رواية العبيدلي تعد أقدمها، ومهما يكن من أمر فإن المشاهد المشرفة للعترة الطاهرة مهما تعددت أماكنها واختلف في نسبتها، فهي ستبقى مزاراً وملاذاً لمن يلتجي إليهم(عليهم السلام) في المهمات والكرب، وهي بلا شك تعد مكاناً للعبادة والطاعة.

مقام تل الزينبية:
يقع هذا المقام في الجهة الجنوبية الغربية من صحن الحسين(عليه السلام) بالقرب من باب الصحن الذي يعرف بـ باب الزينبية على مرتفع يسمى بـ(تل الزينبية)، ويحدد البعد عن الصحن الشريف بـ 150 قدم(8) ويساوي 32 متراً تقريباً. ويقال أن هذا التل كان يشرف على مصارع القتلى في واقعة الطف، حيث كانت عقيلة الهاشميين السيدة زينب(عليها السلام) تتفقد حال أخيها الإمام الحسين(عليه السلام)، وتشرف على مصارع القتلى، وتيمناً بهذا المكان سمي المزار باسمها.

كان المقام عبارة عن مشبك صغير مصنوع من البرونز الأصفر، ملصق بجدار الدار العائدة ملكيتها للمرحوم السيد عبد الرضا السادن آل طعمة منذ سنة 1300هـ/1882م، وتعلو هذا المشبك أبيات شعر كتبت على القاشاني بالفارسية، وتوجد في أعلاه أحجار من القاشاني البديع الصنع يتخللها زخارف التوريق ثم صور لمعركة الطف، وقد شيد هذا الرمز في الثلاثينيات من القرن الماضي.
وقد ذكر الشيخ محمد السماوي هذا المزار في أرجوزته قائلاً:
وموقـع مرتـفع في تلِ
مستشرف على مكان القتلِ
يقــال إن زينب العقـيله
جاءته ترنو السبط أو مقيله(9)
وتوجد في أعلى المشبك أحجار من القاشاني البديع الصنع يتخللها زخارف التوريق ثم صور معركة الطف. يقصد المقام آلاف الزوار للصلاة والزيارة تبركاً وتيمناً. يقال أن الخطيب المرحوم الشيخ محمد الواعظ اليزدي المتوفى سنة 1337هـ تصدى لبناء المقام أيضاً(10).

جدد الشباك المذكور سنة 1339هـ من قبل المرحوم عبد الحسين جعفر. أما الكاشي فهو من عمل الحاج رضا أبو الكاشي ثم جاء من بعده ولده عبد المجيد أبو الكاشي، ثم جدد المقام المذكور سنة 1399هـ/1978م، وجدد أخيراً سنة 1420هـ/2000م. ولابدَّ من الأشارة إلى أن المقام أجري له توسيع آخر، حيث أحيط بسياج من الكاشي الكربلائي مزخرف بنقوش وكتابات بديعة. وكان المقام يتألف من بناء بسيط يتخلله شباك صغير وتطور إلى بناية شاخصة للعيان بمساحة 8×8م وذلك سعي المحسن المرحوم الحاج عباس الحاج علي الوكيل الذي أشترى الدار المذكورة من السيد عبد الرضا صاحب الدار الأسبق في سنة 1979م.

أما التجديد الأخير فقد تم في الشهر السابع من عام 1420هـ/1999م، وقام بتجديده السيد ناصر السيد راضي شبر، وبأشراف المهندس عبد المنعم عبد الأمير الكربلائي.

المزار يحتوي على باب خشبي بديع الصنع، طليت جوانبه بالآجر، وتعلوه كتيبة كتبت عليها الآيات القرآنية بخط الثلث.
وتعلو المقام قبة زرقاء متقنة الهندسة، متينة البنيان، مكسوة بالحجر، طليت جدرانها بالكاشي الكربلائي. وفي أعلى الجانب الأيمن توجد كتيبة نقشت عليها بالكاشي آيات قرآنية. يضم المدخل والرواق والكشوانية مساحة 70م2، أما المساحة الكلية للمقام فتقدر بـ150م2. وللمقام سرداب شيد مع التجديد الأول للبناء، ووسع مع التجديد الثاني، وله باب خلفي ينزل إليه في غرفة لحفظ المفروشات والثريات والهدايا والنذور التي تقدم من قبل الزائرين.

وللخطيب الشاعر الشيخ هادي الشيخ صالح الخفاجي أبيات قالها في العاشر من المحرم من سنة 1400هـ.
حَقَّ تبـكي كــل عين
بنـــــواح وحنـــين
لحسـين سـبط طـه
حيـث أبكى الثـقـلين
أيها الزائر سبط المصـ
ـطفى الهــادي الأمين
أنــت في تربــة أرضٍ
ذبحوا فيها الحســين
قف بها وإبكِ حســـيناً
بعــويــــلٍ ورنــــين
رزؤه هــدَّ الرواســــي
وأذاب الثـــــقـــلين
هــاهنا خرَّ صـريــعاً
لم يذق مـــاء المعين
حولـــه الآل ضحــايا
من جريح وطـــعـين
هاهنا طاح خضيب الـ
ـشيب مقطوع الوتـين
وهنــا (زينب) نـــادت
يا بن أمـي يا حسـين
هَجَمَ القــومُ علينـــا
من شــقيٍ ولــعــين
إن تكـن حيــا أجرنـا
من طغــاة مشـركين
أحرقوا الخدر وأبـكوا
من بنيكم كـــل عين(11)
وأرخ المقام المذكور الشاعر الكربلائي الحاج محمد علي حسين الحلاق وذلك بمناسبة تجديده الثالث فقال:
لهفي على أم المصائب أرخوا
(روض المقام بلطف زينب جدداً)(12)

في كتاب (كربلا رفته ها) الفارسي ذكر لهذا المقام، نقله المؤلف عن كتاب (راهيان كربلا) لهاشم رضوي (ايران 1998) يقول ما تعريبه: مقام زينب أو التل الزينبي، أثبتت السيدة زينب في تلك الملحمة شهامتها في يوم عاشوراء حيث وقفت بحماسة في هذا المرتفع وكانت ناصرة مخلدة في يوم عاشوراء، هذا المكان المقدس المرتفع يقع في الجنوب الغربي من صحن الإمام الحسين(عليه السلام)(13)؟

وفي موضع آخر يقول: بعد أن زرنا المخيم واجهنا التل الزينبي، وكما قلنا أن التل رابية وهو مكان لوقوف زينب الكبرى، وكانت ناظرة يوم عاشوراء، وفي الحال الحاضر قد بنيت على هذا التل بقعة وقبة مجللة والزوار يقيمون الصلاة والزيارة والدعاء ويؤدون التحية. وله سلم ذو تسع درجات طويل كل واحد منها 10م وارتفاع الواحد 25 سم. هذا المكان المقدس يبعد 40 م عن حرم سيد الشهداء و 100 م عن المخيم الحسيني. كان بناء المقام صغيراً زين بالكاشي(14).

أما المسؤولون الذين تولوا ادارة هذا المقام فهو السيد ابو القاسم اليزدي الحائري، ثم قام برعاية المقام من بعده الشيخ صالح الكشوان الأسدي ثم جاء الحاج عبد الأمير (عبيد) خلفاً لوالده، بن الشيخ صالح الكشوان الأسدي، ثم جاء من بعده ولده الحاج سعد بن الشيخ عبد الأمير وهو الذي يديره ويشرف على رعاية يساعده موظفون من قبل الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة على مشرفها أزكى التحية والسلام.

نشرت في العدد 34


(1) السيدة زينب رائدة الجهاد ـ الشيخ باقر شريف القرشي ص200.
(2) زينب الكبرى ـ الشيخ جعفر نقدي ص22.
(3) الخصائص الزينبية ـ للسيد نور الدين الجزائري ص155.
(4) تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ـ السيد جعفر آل بحر العلوم الطباطبائي ج1ص235.
(5) زينب الكبرى ص120.
(6) أخبار الزينبات ـ أبو الحسين يحيى بن الحسن العبيدلي ص118 ـ 121.
(7) زينب الكبرى ـ ص120 ـ 122.
(8) تاريخ وجغرافيائي كربلاي معلى ـ حسين عماد زاده (فارسي) ص178.
(9) مجالي اللطف بأرض الطف ـ للشيخ محمد السماوي ص59.
(10) تاريخه كربلا ـ الشيخ محمد كلباسي الحائري (فارسي) ص149.
(11) ديوان الشيخ هادي الشيخ صالح الخفاجي (مخطوط).
(12) ديوان الشيخ محمد علي الحلاق (مخطوط).
(13) كربلا رفته ها ـ هارون وهو من (فارسي) ص364.
(14) المصدر السابق ـ ص386.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.