Take a fresh look at your lifestyle.

الإمام علي(عليه السلام) والقرآن.. ريادته(عليه السلام) في العلوم السائدة للنص القرآني

0 1٬053

           تعددت فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) حتى عجز الناس عن إحصائها وعدّها لكثرتها وعظمتها. قال رجلٌ لعبد الله بن عباس(رضي الله عنه): (سبحان الله ما أكثر مناقب عليّ وفضائله، إني لأحسبها ثلاثة آلاف! فقال ابن عباس: أو لا تقول إنها إلى الثلاثين ألفاً أقرب)(1)،

         وروى مسلم في صحيحه مسنداً إلى ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (لو كانت البحار السبع مداداً والأشجار أقلاماً والثقلان كتّاباً وراموا أن يكتبوا مناقب عليّ بن أبي طالب وفضائله، لما كتبوا منها عُشر معشار)(2)، فأغاظ ذلك أعداءه فشنّعوا عليه وسبّوه من على المنابر حسداً وغيظاً، وجندوا له قوماً من الصحابة لسلبه فضائله،

           وقد نقل ابن أبي الحديد المعتزلي عن الشيخ أبي جعفر الإسكافي، أن معاوية وضع قوماً من الصحابة تروي الأحاديث الكاذبة للطعن فيه والبراءة منه: منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير.(3)

           ولكن الشمس لا تخفى في رابعة النهار فنهض قوم يردّون على هذه الافتراءات والتخرصات منهم ابن فارس النحوي، إذ وصف الطعون فيه بأنه كلام شنيع في من يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني).

            لقد نهض المنصفون بتقييد مناقبه وفضائله وتقويتها سنداً ومتناً، فظهرت لهم المصنفات التي أذكر منها:-

    كتاب الأربعين المنتقى من مناقب المرتضى لأبي الخير أحمد بن إسماعيل الطالقاني الشافعي.

   2ـ أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب للجزري.

   3ـ شواهد التنزيل (وهو ما نزل من القرآن في عليّ) للحاكم الحسكاني.

   4ـ القول الجلي في فضائل علي، للسيوطي.

   5ـ كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، لفخر الدين الكنجي الشافعي.

   6ـ مناقب أمير المؤمنين، لابن المغازي.

   7ـ مناقب أمير المؤمنين، لأخطب خوارزم. وغيرها كثير، فضلاً عما حوته كتب الصحاح من الفضائل له حتى فاقت فضائله غيره.

          ومن فضائله (عليه السلام) ريادته في تأسيس العلوم التي تتصل بلغة القرآن الكريم من أجل فهم النص ودراسته وتفسيره وتوضيح دلالته وبيانه، ولم يكن ذلك عليه بعزيز، وهو القائل: (علمني رسول الله(صلى الله عليه وآله)ألف باب من العلم، واستنبطت من كلّ بابٍ ألف باب)(4) وهو القائل أيضاً (والله ما نزلت آية إلّا وقد علمتُ فيمَ نزلت وأين نزلت، إن ربّي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً)(5).

             فمن العلوم التي خدمت القرآن الكريم لغة ونصاً ودلالةً وتجويداً، وله الريادة فيها:

 

   أولاً: علم النحو العربي:

           وهو العلم الذي يهتم ببناء الجملة العربية وتركيبها، ولم يكن هذا العلم معروفاً بقواعده وأسسه قبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، إذ كانت العربية سليقةً على ألسنة العرب، حتى دخلت الأعاجم في الإسلام فظهرت لوثة اللحن والانحراف عن قواعد الإعراب، وقد طال ذلك القرآن الكريم، فضلاً عن لغة الأعراب، فتنبه إلى ذلك العديدون، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) أسبقهم إلى ذلك.

         قال أبو البركات الأنباري (ت سنة 577هـ): (إن أول من وضع علم العربية، وأسس قواعده، وحدد حدوده، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأخذ عنه: أبو الأسود الدؤلي)(6).

        وذكر أنّ سبب وضعه علم النحو على ما روى أبو الأسود الدؤلي، أنّ الإمام عليًّا سمع أعرابيًا يقرأ (لا يأكله إلّا الخاطئين)، فقال: (دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذا يا أمير المؤمنين، فقال: إني تأمّلت كلام الناس فوجدته فُسِّر بمخالطة هذه الحمراء (يعني الأعاجم) وفيها مكتوب: الكلام، كلّه اسم وفعل وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أُنبئ به، والحرف ما جاء على المعنى. وقال لي: انحُ هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أبا الأسود أنّ الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل بين الناس؛ يا أبا الأسود، في ما ليس بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم.

            ثم قال: وضعت بابَيْ العطف والنعت، ثم بابَيْ التعجّب والاستفهام، إلى أن وصلت إلى باب (إنّ وأخواتها) ماخلا (لكن) فلما عرضتها على عليٍّ(عليه السلام) أمرني بضم (لكن)إليها، وكنت كلّما وضعت باباً من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية. قال: (ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت فلذلك سمي النحو)(7).

           وسُئل مرةً، فقيل له: (من أين لك هذا النحو؟ قال: لفقت حدوده من عليّ بن أبي طالب)(8).

          وكان أبو الأسود الدؤلي من أصحاب الإمام عليّ(عليه السلام)، وكان من المشهورين بصحبته ومحبته ومحبة أهل بيته، ولد في الجاهلية وتوفي في الطاعون الجارف سنة 69هـ.

         وممن ذكر نسبة النحو إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) الزجاجي في أماليه، والقفطي في (إنباه النحاة على أنباه الرواة)، وياقوت الحموي في ترجمته للإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وغيرهم.

         أما سبب تسمية النحو بهذا الاسم، لما سلف أن أبا الأسود لما عرض على الإمام ما وضعه، فأقرّه بقوله: (ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت) فآثر العلماء تسمية هذا العلم باسم النحو استبقاءً لكلمة الإمام(عليه السلام) التي كان يراد بها أحد معاني النحو اللغوية والمناسبة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي جليّة)(9).

 

   ثانياً: القراءات القرآنية:

          نشأت القراءات القرآنية على هامش المبارك المحفوظ منذ عهد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا، وكانت نشأتها بسبب من تداخل لغات العرب، ونطق بعض ألفاظه وكلماته أو آياته بما يُناسب هذه اللغة أو تلك، مما لم يجئ في القرآن الكريم، فمن العلماء من أخذ بها، ومنهم من لم يأخذ.

         إنّ النص القرآني الكريم بصورته التي هي عليه الآن، قد مرَّ بعدّة مراحل في التوثيق في عهد النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وهي(10):

   1ـ نزوله منجّماً أو مجزّءاً، وهذه الطريقة تسهّل حفظه.

    كتابته حين نزوله، إذ كان للرسول(صلى الله عليه وآله) كتّاب وحي يكتبونه بالتلقي عنه(صلى الله عليه وآله) مباشرة.

   3ـ التنافس الكبير على حفظ القرآن وكثرة تلاوته من قبل الصحابة.

   4ـ الصحابة كانوا يعرضون ما يحفظونه على رسول الله(صلى الله عليه وآله) منهم عبد الله بن مسعود.

   5ـ إن جبرائيل(عليه السلام) كان يُعارض النبي(صلى الله عليه وآله) بالقرآن كل سنة في شهر رمضان، وفي سنة وفاته عارضه مرتين.

         هذه العملية تعمل على حفظه وصيانته من وقوع الخطأ أو اللحن فيه. فضلاً عن حفظه وجمعه في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وبعده.

            فأول من بادر إلى جمعه بعد حادثة الوفاة، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)،

          فعن ابن سيرين قال: (قال: عليٌّ لما مات رسول الله(صلى الله عليه وآله): آليت ألّا آخذ عَلَيَّ ردائي إلّا لصلاة جُمُعة حتى أجمع القرآن فجمعه)(11).

         إذن كانت فكرة جمع القرآن حاضرة في ذهنه قبل أن يجمعه غيره، وهذا المصحف الذي جمعه الإمام علي(عليه السلام) له قيمة تاريخية فضلاً عن كونه من القرّاء وقراءته صحيحة يمثلها مصحفه، إذ أخذ القراءة عنه أربعة من القرّاء السبعة تنتهي إلى قراءته(عليه السلام).

    وهؤلاء هم(12):

   1ـ أبو عمرو بن العلاء، قرأ على عاصم بن أبي النجود ويحيى بن يعمر، وكلاهما قرأ على أبي الأسود الدؤلي. وأبو الأسود قرأ على عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

   2ـ عاصم بن أبي النجود، قرأ على أبي عبد الرحمن بن حبيب السلمي، الذي قرأ على علي بن أبي طالب(عليه السلام).

   3ـ حمزة الزيات قرأ على الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق(عليهما السلام)، الذي قرأ على أبيه محمد الباقر(عليه السلام) وقرأ الباقر(عليه السلام) على أبيه زين العابدين(عليه السلام)، وقرأ زين العابدين(عليه السلام) على أبيه سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(عليه السلام)، وقرأ الحسين على أبيه علي بن أبي طالب(عليه السلام).

              وإن ما ورد من قراءات منسوبة إليه(عليه السلام) ومخالفة لما بين أيدينا من القرآن مردودة لا يعتدُّ بها في مجالات القراءات الصحيحة، وربما يكون ذلك تفسيراً من كلامه(عليه السلام) لا من كلام الله تعالى(13).

——————————————————-

الهوامش:
(1) كفاية الطالب، ص124.
(2) صحيح مسلم.
(3) شرح نهج البلاغة، المعتزلي، 1/358ـ359.
(4) ينابيع المودة، القندوزي، ص583.
(5) حلية الأولياء، الكنجي، 1/67ـ68.
(6) نزهة الألبّاء، الانباري، ص17.
(7) نزهة الألبّاء، الانباري، ص18ـ19.
(8) م. ن: ص22.
(9) نشأة النحو، محمد طنطاوي، ص33.
(10) القراءات القرآنية وأثرها في الدراسات النحوية، د. سالم مكرم،
ص9ـ11.
(11) الاتقان، السيوطي، 1/57.
(12) ظ: النشر، الجزري، 1/133ـ172، القراءات القرآنية، وأثرها في الدراسات النحوية، د. سالم مكرم، ص65.
(13) م. ن: ص67

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.