Take a fresh look at your lifestyle.

ثورة الحسين(عليه السلام).. مواقف وعبر

0 673

                  في حياة الشعوب والأمم محطات مضيئة، تقف عندها، لتستلهم منها الدروس والعبر، وتفيد منها ما ينفعها لحاضرها ومستقبلها، كما أنها تحيي ذكريات عظائمها وقادتها، وفاءً لهم، واستشعاراً بعظمة ما قدّموا، وما ضحّوا وما نفعوا به الأجيال.

ونحن ـ المسلمين ـ نستقبل شهر محرم الحرام، وفيه ذكرى عاشوراء، وهي محطةٌ كبرى في تأريخنا، بل في تأريخ الإنسانية جمعاء.وأي نهضة أحقّ بالوقوف عندها من هذه النهضة المباركة، لاستلهام دروسٍ وعِبَر وإيحاءات كثيرة جداً، ومواقف جليلة شاخصة أمام الأجيال المتعاقبة ـ مُثُلاً وقِيَماً ـ،

ونشير هنا إلى بعض منها:

1ـ تجسيد المفاهيم القرآنية والسنة النبوية الأصيلة.
إنَّ تلك الملحمة الإلهية بما مثلته من قيم ومبادئ هي مدرسة للإنسانية على مرِّ العصور، ومهما اختلفت أسماء الظلمة، وتصارع الحقّ والباطل. فهي التُرجمان الحقيقي الواقعي للقرآن الكريم والتجسيد الحيّ للسنَّة المحمدية الأصيلة التي لا لبس فيها ولا تحويل. لقد مثلت هذه النهضة ـ بكل مراحلها ـ المفاهيم الإسلامية كافة التي تنطلق من روح القرآن الكريم ووحي الرسالة، لذا فمن الطبيعي أن تكون ثمرة تلك الحركة الفوز والنجاح والنصر (انتصار الدم على السيف، وانتصار الحق على الطغيان والظلم، وانتصار الإنسانية على الهمجية والوثنية الفكرية).

2ـ عدم الركون للظالم وعدم السكوت على الظلم.
فقائد هذه الملحمة هو الإمام
الحسين(عليه السلام) وهو الامتداد الروحي لشخص النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) والمثال الحيّ لقيم النبوَّة والإمامة.
لقد وقف الإمام(عليه السلام) في يوم كربلاء، ليجسد قيم القرآن الكريم في مواقف مشرِّفة، ألقت بإشراقاتها وإيحاءاتها على كل الأزمنة والأمكنة وما زالت.

من ذلك موقفه(عليه السلام) عندما عرضت عليه البيعة ليزيد اللعين، فأعلن الحسين(عليه السلام)
صوت السماء الناطق في العديد من الآيات القرآنية المعبرة عن رفض الظلم والركون إلى الظالم، كما في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)
(النساء :144) وفي سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) (المائدة : 57 )، وفي سورة هود: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود : 113 ).

ومنها موقف الحسين(عليه السلام) عندما عرضت عليه المغريات، ليصرف النظر عن تكليفه الشرعي، فرفضها، كما رفضها جدَّهُ الأكرم(صلى الله عليه وآله) من قبلُ، فقال: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمرَ ما تركته أو أهلكَ فيه، حتى يظهره الله)(1).

أليست هذه الروح هي التي جسدها الإمام الحسين(عليه السلام) بقوله: (إنّا أهلُ بيتِ النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجلٌ فاسق شاربُ الخمر وقاتلُ النفس المحترمة، معلنٌ بالفِسق. ومِثْلي لا يُبايعُ مِثْلِه)(2).
ونستوحي من ذلك أنَّ السكوت عن الحقّ والرضوخ للظلم مرفوض إسلامياً وإنسانياً، وهذا الرفض له قابلية التحقّق في كل زمانٍ ومكانٍ.

3ـ شهداء الطف ثمرةُ مدرسة آل
البيت(عليهم السلام).
أنتجت هذه الثورة المباركة رموزاً للتضحية والبطولة، والطاعة المطلقة لله ولرسوله وللأئمة المفترض طاعتهم، مصداقاً لقوله تعالى في سورة النساء: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ( النساء : 59).

وقد جسد هؤلاء النخبة الأوفياء من السادة الأطهار، والأصحاب الأشراف قيم الرسالة المحمدية وأهداف الإمامة العلوية، فاستحقوا ما نالوا من التكريم، ليقف كل مؤمنٍ ومحبٍ أمامهم مردداً: (السلام عليكم يا أولياءَ اللهِ وأحبّاءَه، السلام عليكم يا أصفياءَ اللهِ وأوِدّاءَه، السلام عليكم يا أنصارَ دينِ اللهِ …)(3).

إنَّ تلك الصفوة المختارة مع الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ تجاوزت الحدود الجغرافية لكربلاء لتحوّل كل بقعة من بقاع الأرض إلى كربلاء.

وتجاوزت حدود العاشر من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة لتحوّل كلّ يوم إلى عاشوراء.
إنها نخبة، وأي نخبة ـ برغم قلتها ـ ضمت نماذج متنوعة، شملت شرائح المجتمع الإنساني الأفضل بكل أجناسه وقومياته وأديانه التي جمعها جامع الإسلام، فمنهم المسلم ومنهم النصراني، ومنهم الشيخ ومنهم الشاب ومنهم الطفل الرضيع، ومنهم الأسود ومنهم الأبيض، ومنهم العبد ومنهم السيد.

اجتمعوا لنصرة الحقيقة والتشيّع لدين الإنسانية وقِيَمُها ومُثُلُها العليا، قدّموا للبشرية أبلغ دروس التضحية والفداء والعزّة واحترام حرية الإنسان وكرامته.
إنَّ المواقف كثيرة والدروس والعِبَر جليلة، تحتاج إلى وقفات أطول للشرح والتفصيل لا يسعها هذا المقام.
أُنادي هنا العَلْيا هنا يَذْهَبُ الضما
سلامٌ على نبعيكَ يا أرضَ كربلا .

نشرت في العدد 34


(1) أعيان الشيعة، الأمين 8/ 115.
(2) حياة الإمام الحسين، القرشي 2/ 209.
(3) مصباح المتهجد، الطوسي ص722.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.