عَظَّمَ اللهُ أجورَكم بشهادة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)
يرفض لغويون صحة هذه العبارة لاستعمال صيغة (فَعَّلَ) بمعنى (أفعَلَ) ويردُّ آخرون بأنه استخدام صحيح، لأنه من الثابت في لغة العرب مجيء (فّعَّلَ) بمعنى (أفعَلَ) نحو خَبَّرَ وأخبرَ، سمّى وأسمى، فرَّحَ وأفرحَ، وكقول (اللسان): (أضعفه وضعَّفَه: صيَّرَه ضعيفًا)، وكقول (التاج): (طمَّعتُ الرجلَ كأطمعتُه)، وقوله: (وصَّلَهُ إليه وأوصله ؛ أنهاه إليه وأبلغه إياه)، وفي مناقب آل ابن أبي طالب لابن شهراشوب (ج1/ص204)،
وروضة الواعظين للنيسابوري (ص 75) قال أمير المؤمنين(عليه السلام) للمسلمين بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله): (عَظَّمَ اللهُ أجورَكُم في نبيِّكُم)، وفي الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي (ج1 / ص 95): ولما توفي سلمان المحمدي(رضي الله عنه) قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أعظمَ اللهُ أجورَكم في أخيكم سلمان).
وعليه يصح الوجهان في قولنا:
عَظَّمَ اللهُ أجورَكم وأجورنا بشهادة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).
أَعْظَمَ اللهُ أجورَكم وأجورنا بشهادة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).
* * *
يساقُ النواصبُ بأجمَعِهِم إلى جهنم
يرفض بعض اللغويين هذا الاستخدام لمجيء لفظ التوكيد (أجمع) مسبوقًا بحرف الجر الباء.
وقد صحح الجوهري وابن منظور وغيرهما هذا اللفظ إذ يمكن القول:(أجمَعُهُم) على التوكيد، وكذلك: (بأجمَعِهِم) على زيادة حرف الجر مع إفادة التوكيد، كما يكمن القول: (بأجمُعِهم) على أنه جمع على وزن (أفعُل)، ومفرده(جَمْع) مثل فَرْخ وأفرُخ.
لذلك تصح الوجوه في تعبيراتنا الثلاثة:
يساق النواصب أجمَعُهُم إلى جهنم.
يساق النواصب بأجمَعِهِم إلى جهنم.
يساق النواصب بأجمُعِهِم إلى جهنم.
مع الإشارة إلى فصاحة الأولى وصحة الثانية، أما الثالثة فهي من الفصيح المهمل.
* * *
بئسَ ما فعل الغادرون بمسلم بن عقيل(رضي الله عنه)
يخطِّئ بعضهم كتابة(بئس) منفصلة عن(ما)، لمخالفتها قاعدة إملائية تقضي بكتابة (بئس) متصلة بـ(ما) إذا لم تتصل بها الفاء أو اللام، فإذا اتصلت بإحداهما جاز فصلها عن (ما): (فبئس ما)،(لبئس ما).
ولكنَّ آخرين لهم رأي آخر، إذ يجيزون وصل (ما) بـ(بئس) أو فصلها عنها حسب النظرة إلى (ما). فإذا اعتبرت مركَّبة مع (بئس) كتبت متصلة بها، لأنها أشبهت (ما) الكافة الداخلة على (إن) في (إنما)، ولذا قال الفراء: (بئسما) شيء واحد ركب كـ (حبذا) وقد كتبت متصلة.
وفي المصحف الشريف ثلاث آيات منها {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} البقرة/90.
أما إذا اعتبرت (ما) موصولة أو نكرة بمعنى شيء فتكتب منفصلة عنها، وقد كتبت كذلك في ست آيات من القرآن منها: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} البقرة/102.
لذا يصح الوجهان في كتابتنا:
بئسما فعل الغادرون بمسلم بن
عقيل(رضي الله عنه).
بئس ما فعل الغادرون بمسلم بن
عقيل(رضي الله عنه).
* * *
نحت راهب نصراني أنموذجًا للرأس الشريف
الأنموذج: يستعمل (النموذج) لمثال الشيء يُعمل عليه، وقد يضيف بعضهم إليه الهمزة فيقولون (الأنموذج) فيجمعونه على نماذج وأنموذجات، ويعترض آخرون على (الأنموذج) محتجين بأن العرب لا تضيف الهمزة في التعريب لأن المعرب لايزاد فيه، فيرى الفيروز أبادي،وابن منظور: بأن الفصيح هو (نموذج)، أما (أنموذج) فهو لحن ولا يعتد به.
وفي اللسان: (النَمُوْذج مثال الشيءِ معرَّب (نَمُوْذَه بالفارسيَّة) ويقال الأُنْمُوْذَج أيضًا.. وقيل هو لحنٌ ولا يعتدُّ بهِ..)، ويردُّ آخرون بأنهم عرَّبوا (هليله)، ثمر ينبت في الهند فجعلوه (هليلج) و(إهليلج)، و(رنده) فجعلوه (الأرندج)، وهو الجلد الأسود. وقد أسمى الزمخشري وهو من أئمة اللغة كتابًا له في النحو(الأنموذج)، كما أسمى به الحسن بن رشيق القيرواني المغربي كتابه في صناعة الأدب. وقال الثعالبي في
(فقه اللغة): (ومحاسن أقواله وأفعاله أنموذجات من الجنة التي وعد المتقون) وقد صححته المعاجم.
لذا يصح الوجهان في قولنا:
نحتَ راهب نصراني نموذجًا للرأس الشريف.
نحتَ راهب نصراني أنموذجًا للرأس الشريف.
مع التنويه بفصاحة الأول.
* * *
لم يستطع يزيد أن يمحي ذكر أهل البيت(عليهم السلام).
يعترض بعضُهم على مجيء الفعل (يَمْحي) بالياء، لأنه واويّ.
تقول: محوت الشيء محوًا إذا أذهبتَ أثره، فالشيء (ممحو) كما تقول: غزا العدو البلد، فالبلد مغزوٌّ، هذا هو المشهور، وقد اقتصر عليه أبو هلال العسكري صاحب (التلخيص) فقال: (محوتُ الكتابَ أمحوه مَحوًا، وأنا ماحٍ، وهو ممحوٌّ).
لكن جاء عن العرب أيضًا، تقول: (محوت الشيء، فهو ممحو، ومحيته، فهو ممحي) بتشديد الياء. ففي (الأفعال) لابن القوطية: (محا الله الذنوب يمحوها محوًا ومحيًا: غفرها، ومحوت الشيء والكتاب ومحيتهما أذهبت أثرهما). ونحو ذلك ما جاء في الصحاح.
وهناك العديد من الأفعال تتعاقبُ في عينِها أو لامها الواو والياء، وإن كان بعضها أفصح بالواو، وهذا لا يمنع استعماله بالياء، وقد وردت هذه الأفعال وغيرها في المزهر للسيوطي، وأدب الكاتب لابن قتيبة، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والتاج والمصباح وغيرها من المعاجم الحديثة كالوسيط والأساسي. وقد ورد الفعل في المعاجم: محاه يَمْحُوه ويَمْحاه من بابي (نَصَرَ) و(نَفَع)، كما ورد محاه يمحيه من باب (ضَرَبَ)، فالفعل واويّ يائيّ.
وتقول منه أيضًا: (انمحى) بوزن (انفعل)، ففي (الأساس): ومحوته فانمحى. وتقول: امَّحى الشيء بتشديد الميم. يقال (امتحى) بوزن (افتعل) أيضًا كما جاء في معجم العين، وفي المختار نقلًا عن السخاوي في (سفر السعادة) لكنها لغة ضعيفة عند العرب، وفي المخصص: يقال: امَّحى الكتاب، ولا يقال امتحى. فيقال: (امَّحى الكتاب) و(انمحى) و(محوته) و(محيته).
لذا يصح الوجهان في قولنا:
لم يستطع يزيد أن يمحي ذِكْرَ أهل البيت(عليهم السلام).
لم يستطع يزيد أن يمحو ذِكْرَ أهل البيت(عليهم السلام).
* * *
نشرت في العدد 54
المصادر:
أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين/ أحمد مختار عمر/عالم الكتب – القاهرة 2006.
النحو والأساليب اللغوية المعاصرة / تأليف د. مزيد نعيم – د. شوقي المعري- د. محسن العبيد / منشورات جامعة دمشق 2005.
معجم الصواب اللغوي – دليل المثقف العربي / د. أحمد مختار عمر- منشورات عالم الكتب – القاهرة 2008.
معجم الأخطاء الشائعة / محمد العدناني – مكتبة لبنان ناشرون – بيروت 2003.
معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة / محمد العدناني – مكتبة لبنان – بيروت 2009.
معجم تصحيح لغة الإعلام / د. وليد النجار- مكتبة لبنان ناشرون – بيروت 2007.
معجم تعدي الأفعال في اللغة العربية / أنطون قيقانو- دار الراتب الجامعية – بيروت 2005.
معجم أخطاء الكتّاب / صلاح الدين زعبلاوي- دار الثقافة والتراث – دمشق 2006.
معجم الشوارد النحوية والفوائد اللغوية / محمد محمد حسن شراب- دار المأمون للتراث دمشق 1990.
معجم تصحيح لغة الإعلام العربي/ أ.د. عبد الهادي بو طالب – النسخة الإلكترونية.
معجم اللغة العربية المعاصرة/ أحمد مختار وفريق عمل/ عالم الكتب/ القاهرة/ 2008.
اللغة العربية بين الخطأ والصواب / أحمد طهطاوي – محمد البنا – مركز الإسكندرية للكتاب – إسكندرية 2008.
قل ولا تقل / د. مصطفى جواد – دار المدى للثقافة والنشر – دمشق 2001.
2000 خطأ شائع بين العامة والخاصة / د. فهد خليل زايد- دار النفائس – عمّان – 2006.
نحو إتقان الكتابة باللغة العربية / أ.د. مكي الحسني – النسخة الإلكترونية.
* * *