Take a fresh look at your lifestyle.

الحوراء زينب(عليها السلام) إعلامية النهضة الحسينية

0 665

                   يعد الإعلام وسيلة إيصال الخبر والرأي، والرأي المضاد حيث تقع بينهما الحقيقة التي يحاول البعض إخفاءها، فيقتنع المتلقي بالأدلة القوية، إذا وصلت إليه وأدركها، فترشده إلى الحقيقة، التي يتمنى الجميع الوصول إليها.

استخدم الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله)وآل بيته الطاهرين(عليهم السلام) الإعلام، وفق الإمكانات المتاحة في تلك العصور، خير استخدام فنجحوا نجاحًا باهرًا في إيصال الحقيقة إلى أكبر عدد من المتلقين، فأفلحوا في هداية الناس إلى الحق، والتمسك بتعاليم الإسلام، إلا من غَرَّتْهُ زخارف الدنيا، فاتبع هواه، فلا دليل لديه يقنع الآخرين سوى الأموال يشتري بها الذمم، والقوة يهدد بها المؤمنين.

لم تكن مرافقة عائلة الإمام
الحسين(عليه السلام) له، في السفر إلى الكوفة أو إلى كربلاء، رغبة خاصة أو شخصية أو نزهة أرادها أصحابها، وإنما كان الله عز وجل قد قضى أن تقوم العائلة بعد معركة الطف بدور إعلامي مؤثر وناجح آنيًّا وتاريخيًّا. فقد نجح آنيًّا حيث استطاع أن يكشف الخداع الذي مارسته السلطة الأموية، ويضع الحقائق أمام الرأي العام، مما أثر في الموقف (الرسمي) للسلطة من التفاخر بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، إلى إلقاء اللوم والمسؤولية على الأمير والسلطات المحلية في الكوفة، والتنصل من إصدار الأوامر إلى السلطات المحلية بالقتل.

لما وصل أسرى المعركة إلى الكوفة، اجتمع الناس، فسألت إحدى النساء واحدة من نساء الأسرى عنهن فقالت: نحن أسارى آل محمد(صلى الله عليه وآله)، فجمعت لهن ما يسترهن، فبكى أهل الكوفة، فكانت هذه أول خطوة إعلامية ناجحة كشفت الحقيقة للرأي العام.

ثم أومأت زينب بنت علي بن
أبي طالب(عليهم السلام) إلى الناس بالسكوت، فسكنت الأنفاس، فأثنت(عليها السلام) على الله تعالى، وصلَّت على جدها محمد(صلى الله عليه وآله)، ثم قالت: (يا أهل الختل والخذل، أتبكون فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي (نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ)(1)، وإن فيكم إلا الصلف النطف، وذل العبد الشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما تزرون…

إلى أن قالت(عليها السلام): أتدرون، أي كبد لرسول الله(صلى الله عليه وآله) فريتم، وأي دم سفكتم، وأي كريمة أبرزتم، وأي حرمة له هتكتم، وأي دم له سفكتم، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(2). لقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء، كطلاع الأرض أو ملء السماء، أفعجبتم أن تمطر السماء دما، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ(3).

…فلا يستخفنكم المهل، فإنه عز وجل لا يحفزه البدار، ولا يخشى عليه فوت الثار، كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد.
قال الراوي :لما انتهت زينب(عليها السلام) من كلامها، رأى الناس حيارى قد ردوا أيديهم في أفواههم، فالتفت إلي شيخ في جانبي يبكي، وقد أخضلت لحيته بالبكاء، ويده مرفوعة إلى السماء، وهو يقول: بأبي وأمي، كهولهم خير كهول، ونساؤهم خير نساء، وشبابهم خير شباب، ونسلهم نسل كريم، وفضلهم فضل عظيم..(4).

هكذا أظهرت زينب الحقيقة بكلامها أمام المتلقين من أهل الكوفة فاعترفوا بها، بعدما استعملت السلطة سياسة الترغيب والترهيب فيهم.

لما دخل أسرى معركة الطف على يزيد في مجلسه في دمشق وجيء برأس الإمام الحسين(عليه السلام) أمامه، فجعل يضرب ثناياه بمخصرته وهو يقول أبياتًا من الشعر أصبحت معروفة أولها:

لعبت هاشم بالملك فلا
خبر جاء ولا وحي نزل
فأهوت زينب(عليها السلام) إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب: يا حسيناه، يا حبيب رسول الله، يا بن مكة ومنى، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء، يا بن محمد المصطفى. فأبكت من كان في المسجد ويزيد ساكت.

ثم ألقت خطبتها المشهورة التي بدأتها بالثناء على الله تعالى، والصلاة على محمد وآله، موضحة غرور يزيد وجرائمه ضد أهل بيت النبوة وكاشفةً عن ظلمه، فقالت(عليها السلام): أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض وضيقت علينا آفاق السماء، فأصبحنا لك في إسار، نساق إليك سوقًا في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار، أن بنا من الله هوانًا، وعليك منه كرامة وامتنانًا، وأن ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحًا وتنقض مذرويك مرحًا، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور لديك متسقة، وحين صفا لك ملكنا وخلص لك سلطاننا؟

واستمرت(عليها السلام) في كلامها إلى أن قالت: ولئن جرت علي الدواعي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى والصدور حرى. ألا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا..

وفي آخر خطابها كشفت(عليها السلام) عن مفردة من علم الغيب الإلهي بعد القسم بالله تعالى قالت: لا تدرك أمدنا ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا ولا يرحض عنك عارنا … إلخ(5)، فكانت خطبة بليغة ضد وأمام السلطة الحاكمة بوجود عدد كبير من أعوانها، فكشفت عن غرور يزيد وطغيانه، ولم تتنازل عن حقها وكبريائها أمام قوة الطغيان.

وفي حادثة أخرى عندما طلب رجل من أهل الشام من يزيد أن يهب له فاطمة بنت الإمام الحسين(عليه السلام)، قالت زينب(عليها السلام) مخاطبة يزيد: كذبت والله ولؤمت، ما ذلك لك وله، فغضب يزيد، وبعد كلام له ردت عليه، ثم قالت(عليها السلام): بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت، أنت وأبوك وجدك!

فوجئ الرجل عندما علم أن الأسرى هم من عترة النبي(صلى الله عليه وآله)، فلعن يزيد على قتل (عترة نبيك وتسبي ذريته)، على حد قوله، بعدما أوهمهم يزيد بأنهم من سبي الروم، فأمر يزيد بضرب عنقه فضرب(6).

وفي حادثة أخرى جاءت زوجة يزيد (هند بنت عبد الله بن عامر)، لترى الأسرى، وعندما عرفت من زينب حقيقة ما قام به يزيد فبكت، ثم عاتبت زوجها واستنكرت ما قام به من قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فادعى يزيد بأن ابن زياد قد عجل بقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ولكنها أجابته بقولها: أخذتك الحمية عليّ، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء؟! هتكت شعورهن وأبديت وجوهن وأنزلتهن في دار خربة، ثم أقسمت بأن يدخلن معها في بيتها فوافق يزيد، فبكت نساء آل أبي سفيان وأقمن المأتم والعزاء لثلاثة أيام على الإمام الحسين(عليه السلام)(7). فكان أول مأتم أقيم بعد معركة الطف، وفي بيت الحاكم الأعلى للسلطة، لتأبين الإمام الحسين(عليه السلام).

فلو لم تكن زينب(عليها السلام) وعائلة
الحسين(عليه السلام) موجودة ضمن سبايا معركة الطف، لما عرفت زوجة يزيد، ولما عرف أتباع السلطة والرأي العام حقيقة معركة الطف.

أما نجاح الإعلام تاريخيًّا، فيتمثل باستمرار زيارته وإحياء ذكرى معركة الطف سنويًا وازديادها، رغم المحاولات الفاشلة لمنعها من قبل أعداء التشيع، من الطغاة والمستكبرين والنواصب، حتى فاقت أعداد الزائرين في بعض المناسبات الملايين الكثيرة، فسميت بالزيارات المليونية، وغطت أخبارها عددًا كبيرًا من وسائل الإعلام، خصوصًا محطات التلفزة الفضائية، فانتشرت ثورة
الحسين(عليه السلام) في كل أرجاء العالم أو معظمه، متخذين منها نبراسًا يضيء للمظلومين الطريق أمامهم للثورة ضد الطغاة.

نشرت في العدد 54


الهوامش
(1) النحل: 92
(2) مريم: 89- 90
(3) فصلت: 16
(4) الاحتجاج: ج2/ ص29
(5) وردت الخطبة في الاحتجاج/ ج2/ ص307 وما بعدها، وفي الملهوف ص 215
(6) الإرشاد ص246، تاريخ الأمم والملوك/ ج5 / ص461
(7) معالي السبطين: 164/ ج2، تاريخ الأمم والملوك: 465/ ج5 الإيقاد: 180.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.