Take a fresh look at your lifestyle.

النهضة الحسينية وبعض من آثارها

0 512

م. فارس عطية الحداد
المعهد التقني ـ النجف الأشرف

                  لقد بدأ المصلح الإلهي العظيم الإمام الحسين بن علي(عليه السلام)، الذي هو الامتداد الطبيعي والشرعي لرسول الله(صلى الله عليه وآله) ومنقذ شريعة جده من الزوال، نهضته المقدسة بعدد من الخطابات التي وضحت استراتيجيات النهضة وأهدافها، ومن هذه الأهداف إحياء الأمم والشعوب.

ففي أول خطاب له وجهه إلى جيش الأعداء وهو لا يزال في طريقه نحو العراق، ألقاه على الحر الرياحي وجيشه، قال(عليه السلام):

(أيها الناس، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلًا لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لِسُنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغَيّر عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يُدخِله مُدخَلَهْ)، صحيح أن الإمام تكلم مع جيش الحر، إلا أننا نرى الخطاب موجه إلى الناس كافة، بقوله (أيها الناس)، وهو بذلك أراد أن يبين حكم ونهجٌ سنَّهُ

رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورسول الله بعث إلى الناس كافة لا لأمة دون أمة، وهذا الخطاب موجه إلى الأمم التي قد تتعرض لحكم الظالمين، فينبغي عليهم التحرك لتغيير واقعهم بفعل أو قول.

ومن خلال نتائج النهضة الحسينية يتبين لنا أن هذه النهضة ألقت بظلالها على كثير من الأمم والشعوب عبر التاريخ، وكانت لها آثار واضحة في تجارب الأمم غير الإسلامية فضلًا عن الشعوب الإسلامية في التأثر بها والاستفادة منها، فعلى سبيل المثال لا الحصر يصرح المهاتما غاندي محرر الهند الذي هو هندوسي العقيدة،بقوله:

(تعلمت من الحسين كيف أكون مظلومًا فأنتصر)، وهذا الباحث الإنكليزي – جون أشر،يقول:
(إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي).
وكذلك المفكر المسيحي أنطوان بارا يقول في كتابه (الحسين في الفكر المسيحي):
(آثر الحسين(عليه السلام) صلاح أمة جده الإنسانية الهادية بالحق العادلة به على حياته، فكان في عاشوراء رمزاً لضمير الأديان على مر العصور).

فكان لنهضة الحسين(عليه السلام) أثر في بناء شخصية تلك الشعوب عن طريق تربية قادة تلك الشعوب واستفادتهم منها كما صرحوا هم بذلك، ولو أردنا إيراد الشواهد لطال بنا المقام.

فالقارئ لتاريخ الأمة الإسلامية منذ وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) وحتى يوم عاشوراء،يرى بكل وضوح أن الأمة قد أصيبت بأمراض اجتماعية خطيرة جداً جعلتها فاقدة لوعيها السياسي والاجتماعي، وأدت حالة التخـدير التي عاشتها خلال نصف قرن إلى دخولها مرحلة فقدان الإرادة أو ما يسمى بـ (الموت السريري).

فعاشت الأمة وبخاصة إبّان فترة حكم مؤسس الدولة الأموية أشد أنواع الظلم والتنكيل والاستبداد، فلا وجود لمعارضة علنية للحكم ولا وجود رأي للجماهير، وسقطت نظرية الشورى ـ التي يدَّعون ـ تماماً، فصادرت السلطة جميع الحقوق، وانتشرت وبسرعة الأوبئة الاجتماعية الخطيرة التي هددت كافة مقومات الأمة إلى حد كبير وانسلخت القيم الأخلاقية لدى طبقات واسعة من الجماهير، فكان لابد من صدمة عنيفة لوعي الأمة تعيد لها شخصيتها التي فقدتها، فكانت واقعة كربلاء.

وهنا بدأ الصبح الحسيني للإسلام بعد الفجر المحمدي، فعلى المستوى الإسلامي أعـطت النهضة مشروعية الخروج على الحاكم الجائر وفق قيود وشروط، وجاءت بثـقافة سعادة الموت في سبيل الحق والحـرية والكرامة (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) ونبذ حياة الذل والهوان، فأنتجت ردود فعل عـظيمة وكبيرة داخل المجتمع الإسلامي، ونرى بوضوح أن النظرية التي تقول أن (الحاكم هو ظل الله في الأرض) سقطت بسرعة على الأقل في نفوس الناس نتيجة الضـربة الموجعة التي وجهتها لها كربلاء.

فكان أول خارج على الجلاد بعد يوم عاشوراء هو عبد الله بن عـفيف الأزدي وهذه أول الثمار لعودة الوعي بعد الصدمة، ثم موقف الرجل الشامي في دمشق، وواقعة الحَرَّة، وحركات التوّابين، وثورة المختار الثقفي، وغيرها كثيرة في كُتبْ التأريخ ليس هنا مقام إحصائها، فكانت تلك الثمار سريعة، فقد خرج على الظالم من كان ينسب إلى التشيع ومن لم ينسب له، وكان هناك سخـط جماهيري واضح على السلطة وأعـلن الكثير من وجوه القـوم غـضبهم عليها، وهذا السخط وإعلان الشجب للسلطة لم يكن علنياً قبل يوم الطف، وإنما كان محبوساً في الصدور، فأثرت النهضة الحسينية في ضمير الأمة الإسلامية بشكل واضح.

ثم ما لبثت أن أصبحت مثالاً ونبراساً لكل الأمم على وجه المعمورة، وإنجازاً تفتخر به الإنسانية حيث افتخر بذلك من لا يـمتون إلى الإسلام بصلة،لأنهم تعلـموا من المدرسة الحسينية القيم الإنسانية واستـلهموا نداء الإمام(عليه السلام) للفـئة الضالة التي قاتلته:
(إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أَحْراراً في دُنْياكُمْ)، فكل حـركات التحـرر بعد عاشـوراء تعتـرف بأن قادتها تخـرجوا من قسـم الحـريـة في المدرسة الحسينية.

نشرت في العدد 54

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.