يبدو الترابط بين التسامح والعلمانية أمراً بديهياً لا يحتاج إلى نقاش. في المقابل، فإن العلاقة بين الدين والتسامح أصبحت إشكالية ومحط نظر الباحثين والمفكرين.
إن إشكالية العلاقة بين الدين والتسامح يمكن تلخيصها بالسؤال التالي: هل الدين يقود إلى التسامح أم إلى التعصب؟
لقد أعيد طرح الجدل حول ماهية العلاقة بين الدين والتعصب، خصوصاً بعد الهجمات الإرهابية التي أصابت قلب الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أيلول 2001، ومن ثم التفجيرات التي طالت بعض الدول الغربية. وتصاحب مع ذلك مد إعلامي وفكري واسع الاهتمام بالإسلام، متعدد الدوافع والأغراض، لكنه يؤشر بكل الأحوال إلى حقيقة الوجود الإسلامي في الغرب عموماً ومدى قابلية الإسلام على مواجهة تحدي سؤال الهوية فضلاً عن محتوى الدين/ الرسالة في مجتمع لا إسلامي، متعدد الديانات.
بحسب الاستبيانات التي أجرتها صحيفة الغارديان البريطانية، حول أثر الدين في المجتمع البريطاني، فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التأويل والجدل. فقد توصل الاستبيان إلى أن 82% من الذين تم استطلاع رأيهم قد وافقوا على أن الدين يسبب الانقسام في البلد ويؤدي إلى التوتر بين الناس، بينما جادلت أقلية صغيرة في أن الدين ربما يكون قوة للخير.
هذه النظرة السلبية للدين هي التي قادت هذه الأغلبية (بما نسبته 63% منهم) إلى نفي صفة التدين عن أنفسهم والنأي بها عن أي ممارسات دينية منتظمة(1).
إن هذه المقدمة، تأتي على النقيض، تماماً من هدف هذا البحث الذي يرمي إلى كشف ارتباط التسامح بالتدين من خلال تناول تجربة تاريخية معينة لواحد من أكبر علماء المسلمين وأئمتهم، ذلك هو الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) من خلال مقارنة تجربته الفكرية والعملية بالأفكار والمبادئ العملية للتسامح الغربي الحديث، باعتبارها آخر ما وصل إليه الفكر الإنساني في تجربته الطويلة.
إن أول سؤال يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا هذه المقارنة؟
إن من المعلوم أن فكرة التسامح قد التصقت (نظرياً على الأقل) بما عرف بعصر الأنوار في أوروبا. لكن هذا المبدأ الإنساني، للاستدراك والتوضيح، لم يكن من صنع أوروبا، أو حكراً عليها، كما يتصور بعض الباحثين.
صحيح أن فكر التسامح بشكله المعاصر هو أوروبي النشأة، خصوصاً لارتباطه بالثورة على الدين ونزعته العلمانية، لكن ذلك وحده لا ينفي قيام التسامح لدى الثقافات الأخرى، كما أنه دليل على اختلاف التجربة التاريخية التي نشأ في أحضانها التسامح، بما يقود للقول إن حاصل كل تجربة تاريخية، ربما يقود إلى شكل مختلف من العلاقة بين الدين والتسامح.