إن من دواعي الفخر والاعتزاز أن يرصع تاريخنا رجالٌ شقوا سبيل الأمجاد فتناولوها بكل يد مبسوطة، ولكن من المؤسف أن يقبر أولئك مرة ثانية في لحود النسيان، مع أن الواجب علينا هو إظهار آثارهم عرفاناً منا بما قدموا، ومن هؤلاء الأعلام الأستاذ المبتكر والفقيه المتبحر والصالح الورع آية الله الشيخ عبد الرضا الطفيلي النجفي الذي سنترجم له في ما يلي مع اعتراف منا سلفاً بالقصور عن تأدية كامل حقه لكثرة العوائق والأشغال.
اسمه ونسبه
هو الشيخ عبد الرضا بن شويرد الطفيلي النجفي (رحمه الله)، نسبة إلى (طفيل) وتلفظ بلسان العامة (إطفيل) من قبائل العراق الفراتية الكبيرة، (وهي قبيلة شهيرة في الهندية)(1)،
قال القزويني: (وربما ينسبون إلى (طفيل) من بني عبد الله بن غطفان كان يتطفل على العرائس والولائم)(2) ولم أجد لقوله هذا مستنداً سوى ما ورد في لب اللباب من أن (الطفيلي: هو الذي يدخل الولائم والمآدب ولم يدع إليها نسبة للطفيل بن زلال الكوفي كان يدعى طفيل الأعراس أو العرائس ويأتي الولائم بلا دعوة)(3)،
وهم من العشائر الأصيلة في الفرات الأوسط، قال في أنساب الأشراف: (ومن بني عبد الله بن غطفان: طفيل العرائس الذي ينتسب إليه الطفيليون وهو كوفي)(4)،
قال الشيخ الطهراني: (وآل الطفيلي من الأسر المعروفة في النجف الأشرف، وهم من فخذ يقال لهم (آل شعيب) منازله في الجانب الشرقي من الفرات، لم يعرف تاريخ هجرتهم إلى النجف، ويغلب على الظن أن المترجم له أول من هاجر إلى النجف، فاسم أبيه اسم قروي مما يدل على حياته في الخارج، فلو عاش في مدينة متحضرة لكان له غير هذا الاسم)(5)،
وهذا التعليل من قبل الشيخ لعله غير مطرد فكم من مدني سمي بأسماء قروية، وكم من قروي سمي بأسماء أهل المدن، ثم إن الثقافة والمعرفة لا تحدّان بمكان دون مكان.
ولادته ونشأته
لا يعرف تاريخ ولادته ولا محلها، ولكن بالاستناد إلى قول الشيخ الطهراني يرجح كونه (رحمه الله) ولد في معاقل طفيل في الهندية وما جاورها.
تحصـيـله
إن من غير المعروف تاريخ شروعه بالدرس، وقد ذكر في موسوعة طبقات الفقهاء ما لفظه: (اجتاز بعض المراحل الدراسية)(6)، وهل ترك البعض الآخر؟ هذا ما لم أقف عليه في ما تيسر من المصادر التي ترجمت له ، ولا أدري ما الوجه في ما ذكر في هذه الموسوعة الشريفة!
أسـاتذتـه
تتلمذ الشيخ المترجم (رحمه الله) على علمين من أعلام الفقهاء الشيعة في العصور المتأخرة وهما:
1ـ آية الله الشيخ محسن خنفر العفكي (قدس سره) (ت1270هـ)(7).
2ـ آية الله الشيخ محمد حسين ألكاظمي (قدس سره) (ت 1308هـ)(8).
وقد شهد باجتهاده وأجازه (وكان من عمد أصحابه وزعماء حوزته الكريمة)(9).
فضــــله
كان (رحمه الله) فقيهاً بارعاً وعالماً جليلاً متبحراً، له آثار تدل على تضلعه وتحقيقه وخبرته الواسعة(10)، قال الشيخ حرز الدين: (وكان فاضلاً عالماً تقياً معروفاً بالصلاح، مشهوراً في الحلقات العلمية والأدبية في النجف، عاصرناه وسمعنا حديثه، شيخاً محترماً تجله الأكابر وتحترمه أساتذتنا وترى له المكانة الرفيعة من الفضل والاجتهاد، وكان قليل الاتصال بالناس آخر أيامه، يجتمع بفريق خاص من أهل الفضل،
حدثنا الأستاذ الميرزا حسين الخليلي الرازي أن الشيخ محمد طه نجف أستاذنا حضر على الشيخ الطفيلي وأثنى عليه بما لا مزيد عليه، ومن ثنائه أنه كان ماهراً في علم العربية بل كان متخصصاً به، وله مسلك في تدريس الفقه غريب جداً، انتهى، وكان منعزلاً عن الجماهير فلم يشتهر وكان حقه الاشتهار)(11)،
(وكان له مجلس بحث في النجف الأقدس في حياة أستاذه العلامة وكان وجيها مقبولا)(12).
تلامــيـذه
ممن تتلمذ عليه الفقيه الورع الشيخ محمد طه نجف (قدس سره) (ت 1323هـ) وغيره.
مؤلفـــاته
كتب (رحمه الله) دروس أساتذته فقهاً وأصولاً، وله: شرح الاستبصار للشيخ الطوسي (قدس سره) قال عنه الشيخ الطهراني:(في عدة مجلدات الأول والثاني في الطهارة المائية، وأول المجلد الأول خطبة مختصرة إلى قوله: هذا من مصنفات عبد الرضا الطفيلي،
قال الشيخ الطوسي (قدس سره) كتاب الطهارة أبواب المياه وأحكامها، باب مقدار الماء الذي لا ينجسه شيء، أخبرني الشيخ..إلخ، ثم شرع في ترجمة الشيخ المفيد ثم من روى عنه، وهكذا تكلم في أحوال كل واحد من سلسلة رجال هذه الرواية، وبعد الفراغ من البحث في سند الرواية يتكلم في دلالتها، وينتهي هذا المجلد إلى مبحث جواز المسح على الخف تقية، وآخره: هذا خلاصة الكلام في تصحيح إسناد الاستبصار .. إلخ، وهو بخط المصنف فرغ منه في يوم الخميس 25 ذي القعدة (1278 هـ)،
وابتدأ في المجلد الثاني بباب المسح على الجبائر إلى آخر ما يتعلق بالوضوء، وآخره: ويتلوه الكلام في التيمم، وهو بخطه أيضاً فرغ منه في يوم الخميس رابع جمادى الثانية (سنة 1279 هـ)، والمجلد الثالث في الطهارة الترابية فرغ منه في الثلاثين من جمادي الثانية (سنة 1280 هـ) وهو في (مكتبة الشيخ محمد رضا فرج الله) في النجف،
وكتب في الصلاة أربعة مجلدات (1) في مبحث الوقت إلى آخر أفعال الصلاة (2) في السهو والخلل (3) في الصلوات المسنونة إلى أواخر كتاب الصوم، وقد فرغ منه في 15 شهر رمضان سنة (1282 هـ) وهو في (مكتبة الشيخ محمد رضا فرج الله) أيضا)(13)،
وقال الشيخ قال صاحب (معجم رجال الفكر): (خمس مجلدات بخطه فرغ من المجلد الخامس بتاريخ 15رمضان 1282وكانت كتابته جداً جليلة متينة تعطي لمن أمعن النظر إليها زيادة فضل مؤلفها وغوره في الجمع بين الأخبار وحسن الاستنباط)(14)، وله شرح على كتاب شرايع الإسلام أحد عشر مجلداً، ألف شرح المعاملات منه في 15 سنة من (90 2 1 – 1305)(15)،
قال الأميني نقلاً عن حرز الدين: (وكانت آثاره العلمية عند الشيخ ابن نجف (حفظه الله) حيث كان وصياً عنه(16)، وله دار في النجف ومكتبة صارت أيام الشيخ محمد إليه وبعده بيد حفيده وكان الكل وقفاً بيد زوجته الكبرى ثم الصغرى ثم للأفقه من علماء النجف يتولاها(17)، وكان من مبرزي أئمة الفقه والأصول وأساتذة الفقه والحديث والتفسير وقد عرف في عصره بالإلمام العريض والفهم الثاقب(18).