Take a fresh look at your lifestyle.

الشيخ علي اليزدي الحائري صاحب كتاب (إلزام الناصب)

0 1٬615

          أولد العالم الإسلامي والعربي مفكرين ورجالاً أكفاء كان لهم دور فاعل في حركتنا الفكرية والاجتماعية، ومنهم من قضى نحبه وغادر الحياة وبقيت أفكاره، ومنهم لا يزال يعيش بين ظهرانينا ولهم علينا حق الدرس والمراجعة، وإننا نرى في درسهم خدمة لواقع الفكر الإسلامي عامة والفكر الشيعي خاصة.

         ومن بين هذه الشخصيات العلمية التي اكتسبت شهرة ونالت مكانة عالية في المجتمع شخصية الشيخ علي بن زين العابدين اليزدي الحائري، فهو عالم جليل محدث صالح ورع أتيحت له الفرصة ليصيب من العلم أوفر نصيب سمح به زمانه، وأوتي من الذكاء وبُعد الفهم وقوة الذاكرة وبلاغة اللسان ما كان كفيلاً بأن يهيئ له حياة سعيدة أو مستقرة على أقل تقدير.

           لقد كان في مقدمة علماء القرن الرابع عشر وعياً وثقافة وتصنيفاً وسعة اطلاع، فكان نسيجَ وحدِه في الفضل والعلم، ومعرفة تامة بالفقه والأصول، كما عرف بعمق إيمانه وصدق عقيدته. أدى دوراً بارزاً في الدعوة إلى الله والتمسك بمبادئ أهل البيت(عليهم السلام) وإرشاد الناس وتوجيههم إلى الصراط المستقيم والعمل الصالح.

          وفاقت عناية المحدثين بالشيخ علي عناية الأقدمين، فتبينوا من فضائله كعالم وكاتب وصاحب فضل جمع فأوعى، وجعل صدره من العلم وبتاريخ الإسلام ما لم يصل إليه إلا القلائل.

 

   سيرته ومنهجه

            لم يشر أحد المؤرخين إلى سنة مولده، فالمعلومات التي وصلتنا عن هذه المرحلة قليلة نسبياً.

       ذكره شيخنا آغا بزرك الطهراني فقال: هو الشيخ علي بن زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري المعروف بالشهرنوري، عالم متضلع وفاضل متتبع، كان من الأجلاء المشهورين في كربلاء، وكانت له مكتبة كبيرة فتح لها باباً خارج بيته وعَرَضها لفائدة الناس وأهل الفضل فكانوا يرتادونها ويستفيدون منها، وقد كنت أطيل المكث فيها لدى تشرفي لزيارة الحسين(عليه السلام).

          توفي سنة 1333هـ ودفن قرب رجلي العباس(عليه السلام)، وله آثار منها (السعادة الأبدية في الأخبار العددية) وقد اختصره وسماه (روح السعادة) وطبع سنة 1330هـ و(بحر الغموم) و(تواريخ الأنبياء) إلى المهدي المنتظر عجل الله فرجه في ثلاثة مجلدات و(تبصرة المتهجدين) طبع و(حدائق الجنان) و(منظومة في الفقه) و(إلزام الناصب في أحوال الإمام الغائب) كان بخطه عند وصية المولى محمد حسين القمشهي الصغير، وقد أوصى بطبعه من ثلث ماله، وقد نشر في سنة 1352هـ وترجم له ولده الميرزا علي أكبر فيه وذكر أنه فرغ من تأليفه في سنة 1326هـ وقد أعيد طبعه أخيراً أيضاً(1).

           وذكره السيد محمد مهدي الموسوي الكاظمي في كتابة (أحسن الوديعة) فقال: إن الشيخ إبراهيم اللنكراني تتلمذ في بادئ أمره في كربلاء المشرفة على العالم الماهر الشيخ علي اليزدي المذكور في ص224 س12 من العمود الأول من المآثر والآثار.

           وكان(رحمه الله) من أئمة الجماعة في كربلاء المشرفة، ثم حضر على شيخنا العلامة الفاضل الأردكاني(رحمه الله) ثم انتقل إلى الغري السري وحضر بحثي الفاضل الأيرواني والعلامة الحاج ميرزا حبيب الله الرشتيI

         وحضر درس الفاضل الشربياني رحمه الله أيضاً وهو مجتهد بارع تشير إليه الطلبة بالأصابع ويعظمونه في جميع المجالس والمحافل(2).

             نشأ في كربلاء، وصار يختلف إلى أنديتها ويغشى مجالس علمائها، وتيسرت له الفرصة أن يعمل ويجد بصمت، فكان عالماً جهبذاً خدم الإنسانية بأفعاله وأقواله وأدهش أرباب التقاليد بحسن مثاله، فكان الناس يأنسون بخطواته وإقباله، درس على أفاضل كربلاء وأعلامها في الحوزة العلمية، فحذق العلوم وأحسن التأليف والتصنيف وتفوق على الآخرين بحسن الإدراك، فبلغ مكاناً علياً في سيره وسلوكه،

             وكانت دراسته على الفاضل الأردكاني والشيخ زين العابدين المازندراني والسيد محمد حسن المرعشي الشهرستاني والسيد زين العابدين الطباطبائي والشيخ محمد حسين الأردكاني وغيرهم، ولم يكتف هذا الشيخ المقدس بدراسته للفقه والأصول، بل وسع الدراسة لتشمل فنوناً متعددة وعلوماً أخرى لها شأنها في تربية ملكة العلم والذوق الرفيع، فدرس الرجال والتاريخ والأدب حتى صار أستاذاً متميزاً من أساتذة مدرسة بادكوب الدينية التي تقع في زقاق الداماد، هذه المدرسة التي حملت لواء الدفاع عن بيضة الإسلام والدين الحنيف.

           وكان الشيخ المترجم يشكل ركناً هاماً حيث يرفدها بفكره الروحي والفكري والتزامه وممارسته للتدريس والفتيا بصدقٍ وتفانٍ على مستوى القول والعمل، هذه الخصال منحته قوة الشخصية وصلابتها، وراح الكثير من المؤرخين يكتب عن منجره الإبداعي وسماته، وعن هذا العطاء الذي يمتد جذره إلى المنبت الطيب الذي ينتمي إليه. ثم هاجر إلى النجف فحضر درس الفاضل الأيرواني والميرزا حبيب الله الرشتي والفاضل الشربياني وغيرهم، بعد ذلك عاد إلى كربلاء ليمارس عمله الفكري.

 

   مكتـبـته

            أخبرني أحد الفضلاء الثقات المطلعين على حقيقة أمره ممن كانت له صلة به، أنَّ للشيخ علي مكتبة عامة(3) كبيرة مجاورة لمسجده الذي يقيم فيه صلاة الجماعة بمحلة العباسية الشرقية بكربلاء، وهي خزانة كتب حاوية لنوادر المطبوعات، وفيها أغلاق نفيسة من الكتب الخطية، كما يقوم بطبع الكتب ا لإسلامية القيمة النادرة، وقد بادت هذه المكتبة وتفرقت مخطوطاتها.

 

   مسجد الشيخ علي المقدس

            يقع هذا المسجد على شارع الإمام الحسن(عليه السلام) في محلة العباسية الشرقية، أسسه العلم الشيخ علي في حياته. توجد على باب المسجد كتيبة بالكاشي الكربلائي نقشت عليها الآية الكريمة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) أعاد تشييده ديوان الوقف الشيعي عام (1430هـ/2009م)،

          والداخل إلى المسجد يجد على يمينه مرافق وحنفيات ماء، ثم يجتاز إلى ساحة صغيرة ومنها يدخل الحرم. أما على يسار الساحة فيوجد سلَّم يفضي إلى الطابق العلوي، وفيه غرفتان إحداهما للمؤذن والأخرى اتخذت كمخزن، والحرم طوله (7م) وعرضه (4م) يتقدمه محراب، لا توجد كتابات عليه وتعلو المسجد مئذنة مصنوعة من المعدن،

           كان يقيم فيه الصلاة الشيخ علي مؤسس المسجد والشيخ محمد تقي المعرفة والشيخ علي المعرفة والشيخ محمد علي الخرساني والشيخ أحمد محمد رضا الحائري والشيخ محمد الركابي(4).

 

   تلامذته

           ممن روى عنه السيد شمس الدين محمود الحسيني المرعشي النجفي والد العلامة المرجع السيد شهاب الدين المرعشي الحسيني النجفي المتوفى سنة 1338هـ، وتلميذه العلامة الحجة نظر علي بن إسماعيل الكرماني الواعظ صاحب كتاب (أنيس الأنام) المتوفى سنة 1348هـ(5) والشيخ إبراهيم اللنكراني وغيرهم.

 

   آثـــاره

            ترك الشيخ علي رضوان الله عليه تراثاً علمياً زاخراً يضم كتباً ورسائل ومؤلفات ممتعة ومفيدة تشهد له بطول الباع، وهذه الآثار هي:

    تاريخ الأنبياء.

   2ـ روح السعادة.

   3ـ تبصرة المتهجدين.

   4ـ حدائق الجنان.

    منظومة في الفقه.

   6ـ بحر الغموم.

   7ـ إلزام الناصب (جزءان).

              وغير ذلك من المصنفات المفيدة، وحبذا لو يتصدى عشاق الكلمة لطبع هذه المؤلفات من جديد خدمة للتاريخ والعلم، ولتكون في متناول أيدي المسلمين قاطبة، خاصة أنها قد نفدت من الأسواق فترة طويلة.

 

   كتاب إلزام الناصب

            إن أهمية هذا الكتاب تبدو واضحة من خلال أصحابنا الإمامية المشهور فيها والمتداول بين أيدينا، فهو يعطي الإسناد في حكم الأمة إلى دستور هو القرآن الكريم كتاب الله العزيز، حيث يعطي للحاكم نفسه ودولته مشروعية رسمية في إدارة المسلمين دينياً ودنيوياً.

            جاء ذكر الكتاب في (الذريعة) وهذا نصه: إلزام الناصب في أحوال الإمام الغائب للشيخ علي زين العابدين البارجيني اليزدي الحائري المعاصر المتوفى سنة 1333هـ وطبع في إيران أخيراً(6).

            وأصبح هذا الكتاب مرجعاً لا غنى عنه لدراسة حياة الإمام الحجة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، لأنه عالج فيه مباحث مهمة ولم يهمل ناحية معينة، طبع في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ط2 بيروت سنة 1414هـ/1984م عن نسخته التي بخط المؤلف بتاريخ المؤلف بتاريخ 19 ذي القعدة سنة 1326هـ.

           أول الكتاب (اللهم يا من خصنا بحججه البالغة ونعمه السابغة …) وفي آخره ما نصه (ولما كان شروعي في العاشر من شهر شوال التالي من شهر الصيام فصار أربعين يوماً من الشروع إلى الختام والحمد لله أولاً وآخراً وكان فراغي من تبييض الثاني بعد التسويد الخامس والعشرين من شهر شوال المكرم سنة السابع بعد الثلاثمائة وألف هجرية(7)

            وقصارى القول إن المؤلف أجاد في كلامه على معتقدات الشيعة حول الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ففي تضاعيف هذين الجزأين حقائق هامة صرف المؤلف في تدوينها شطراً من العمر، وقد أحاط بهذه الشخصية إحاطة تامة. استخدم في كتابته أسلوباً طريفاً ممتعاً، لما يمتاز به من حكمة بالغة ومعرفة تستحق الاستفادة، كما أنه كان لاستخراج الكتاب في وقته أثر كبير وواضح.

            لا شك أن المرء يعرف بما أوتي من مواهب، وما ملك من قدرة، وما أدرك من صنعة، وهذه خير مقياس لها أثره، وما خلفه من علاقة مكينة بتفكيره، وما أبداه من رأي.

          ينبغي الاعتراف هنا أن هذه الشخصية العلمية بحاجة ماسة لإماطة اللثام عن جوانب خفيه أخرى من سيرتها كما ينبغي على العاملين على دفع عجلة العلم إلى أمام بذل طاقاتهم في سبيل دعم آثاره وأن يحاط بالتقدير والتكريم، لأنه ساهم بقدرٍ كبير في طلب العلم والفضيلة ونقل الحديث والرواية عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وهو الغيور على الإسلام وأهله حتى أصبح آية في المرجعية والتقليد وإلقاء البحوث العالية لدرس بحث الخارج والفقه والأصول في الحوزة العلمية.

 

   وفـــاتـه

          وافته المنية في مدينة كربلاء سنة 1333هـ الموافق لسنة 1915م فشق نعيه على عارفي فضله، وكان يوم تشييعه مشهوداً، حيث شيع تشييعاً قلَّ نظيره إلى مثواه الأخير في حرم سيدنا العباس بن أمير المؤمنين(عليهما السلام) وبالتحديد قريباً من جهة الرجلين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقباء البشر في القرن الرابع عشر/ الشيخ آغا بزرك الطهراني 1/1442.
(2) أحسن الوديعة في تراجم مشاهير الشيعة/ السيد محمد مهدي الموسوي الكاظمي ج1 ص179.
(3) مخطوطات كربلاء ـ السيد سلمان هادي آل طعمة ج1 ص33.
(4) تاريخ المساجد والحسينيات في كربلاء ـ السيد سلمان هادي آل طعمة (مخطوط).
(5) ترجمة المصنف ـ مقدمة كتاب (إلزام الناصب) ص6.
(6) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ـ الشيخ آغا بزرك ـ تحقيق: محمد جواد الجلالي ج2 ص296.
(7) فهرس التراث ـ محمد حسين الحسيني الجلالي ـ تحقيق: محمد جواد الجلالي ج2 ص269.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.