أولى العرب أنواع الخط العربي، عناية فائقة، تتمحور في الخوض والبحث عن أصول جذورها الموغلة في التاريخ القديم. منها ماهو منفرد ومنها ماهو مشترك مع فنون أخرى بدائية ، وأفرغوا الكثير من قابلياتهم الفنية والجمالية والإبداعية في التفنن للوصول إلى مرحلة التسامي الإبداعي ، فلم يعد أداة للكتابة ونقل المعلومة أو البحث، أو علماً من العلوم والمعارف المختلفة، بل أصبح وسيلة مهمة ورئيسية للجمال والتزيين.
فالخط العربي يعتبر أرقى خطوط العالم وأجملها، فإن له من حسن الشكل والجمال وهندسة الحروف وبديع النسق وجاذبية الصورة ما جعله محبباً حتى لدى الشعوب التي تكتب بغير اللغة العربية.
وخط الطغراء بضم الطاء والجمع طغروات وطغراءات هو من الخطوط المهمة، وعلامة كتابية ترسم أعلى الرسائل السلطانية، منها ما يكتب بالذهب وبعض الأحيان يكتب بالألوان البراقة الجميلة، وتكتب في أعلى الكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ ومضمونها نعوت الملك أو السلطان الذي صدر الكتاب عنه وبعض الأحيان أحد ألقابه، وقد عرفها سلاجقة الروم والمماليك في مصر
وكذلك استخدمها الفنانون المسلمون في النقوش الكتابية، لكن يبقى خط الطغراء رمزاً عثمانياً بحتاً لذلك برزت الطغراء بين الأولويات الاعتبارية والأساسية للدولة العثمانية منذ بداياتها الأولى تقريباً حتى نهاية تاريخها الطويل، وتخضع كتاباتها في الدواوين الحكومية إلى تقاليد كتابية خاصة فهي توضع بين الطرة المكتبية في أعلى المنشور وبين البسملة كما أشرنا سلفاً وتختلف تراكيبها باعتبار كثرة منتصباتها، كالألف واللام أو قلتها وذلك بحسب ذكر آباء السلطان واختصارهم كما تختلف الحال في طول المنتصبات وقصرها حسب قطع الورق.
وقد تغيرت صورة الطغراء ومدلولها لدى العثمانيين كما تطورت تلك الطغراء البدائية في ما بعد لتتشكل على صور الطيور والحيوانات أو الوجوه والمراكب والسفن وما شابهها، وتذكر كثير من البحوث في الخط العربي عامة والخطوط العثمانية خاصة أن خط الطغراء هو نوع من أنواع الخطوط العثمانية، لكن بعد الفحص والتمحيص لأشكال الطغراء المختلفة في المخطوطات ورسومها يتبين لنا أنها ليست خطاً مستقلاً بذاته وإنها تكتب بغالبية الخطوط المختلفة تقريباً حيث أخذت القالب الفني الموحد في هيكله العام بمختلف الخطوط وبنص واحد، فهي تركيب أو رسم فني ووظيفي لتواقيع السلاطين العثمانيين وإمضاءاتهم الرسمية على مختلف الوثائق والرسائل والمخطوطات والآثار العثمانية، بدءاً من التحف والأدوات، وانتهاءً بالأبنية والممتلكات.
واختلفت أنواع الخطوط المستخدمة في كتابة الطغراء تبعاً لرغبات الخطاطين وثقافاتهم ومهاراتهم فاستخدم خط التعليق في الطغراوات الفارسية، والنسخ والديواني في الطغراوات التركية، واستخدم الثلث المركب في الطغراوات المملوكية، أما الطغراوات السلجوقية فكتبت بخط الجلي الثلث، وتطورت أساليب كتابة الطغراء لدى الأتراك وأبدعوا فيها غاية الإبداع حتى عدها الكثير من الباحثين خطاً قائماً بذاته ثم أصبحت شعاراً للدولة العثمانية وبلغت غاية الجمال والإتقان على يد الخطاط مصطفى راقم (ت 1181هـ) الذي كتب نماذج لمعظم السلاطين فضلاً عن ذلك اشتهر بكتابة لوحات بخط الطغراء تضمنت آيات قرآنية قصيرة أو أحاديث نبوية منها (بسم الله الرحمن الرحيم) (وإنك اعلى خلق عظيم). وغيرها من آيات المصحف الشريف.
ومن أجمل الطغراوات التركية طغراء السلطان سليمان الثاني، كتب بالخط الديواني (القرن 11) حيث ترتفع نهاية هامات الحروف المنتصبة ليتشكل منها شكل قلب بمداد ذهبي، في وسطه قلب آخر رأسه إلى الأعلى داخله حلية من الزخارف النباتية الملونة المذهبة، ومن الطغراوات التركية المعقدة ماكتب في أعلى فرمان صادر باسم السلطان مراد الثالث الخط الديواني مؤرخ (983هـ) بقلم الخطاط التركي (طغر مراكش) باللونين الأسود والذهبي،
وطغراء أخرى ذات تشكيل متميز عن بقية الطغراوات التركية باسم السلطان عثمان الثالث (ق12هـ) حيث ترتفع هامات الألف وتمتد نهايات الحروف من وسطها ونهايتها لتصبح مشبكاً من الزخارف النباتية والتشكيلات الزخرفية الرائعة يتوسطها مستطيل باللون الذهبي تعلوه أرضية زرقاء حُلِّيَت بأنواع الزخارف النباتية وتعود نهايات التشكيل الزخرفي فتلتقي من الأعلى بهيئة مثلث وفي الفترة المتأخرة.
استخدمت الطغراء العثمانية على المسكوكات منها نقد عثماني باسم أحمد الثالث سنة (1703م) ونقد آخر باسم السلطان عبد العزيز (1860م) كذلك استخدمت الطغراء على المساجد والعمارة أما في الوقت الحاضر فقد استخدمت لتواقيع بعض الأسماء وفي الإعلانات وتصاميم الكتب لجمالية تشكيلات فن الطغراء الأخاذة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر 1. الجبوري. تركي عطية عبود. الخط العربي الإسلامي 2. المعجم الوسيط الكردي. محمد طاهر تاريخ الخط العربي 3. حنش. ادهام محمد. الخط العربي في الوثائق العثمانية 4. ابن كثير. البداية والنهاية 5. السامرائي ضمياء محمد عباس. جمالية الخط العربي وفن كتابة الطغراء