Take a fresh look at your lifestyle.

من فكر الإمام الحسين (عليه السلام)

0 1٬571
             إن دراسة أقوال الإمام الحسين(عليه السلام) منذ مواجهته للحكم الأموي تعطي دلالات لها أثرها في بيان معالم التغيير الاجتماعي التي اختطها الإمام(عليه السلام). فمن المعلوم أن لغة الخطاب التغييري له أنماط من التعبئة وألوان تختلف عن غيرها، فلكل مرحلة مدلول ينظر إليه وفق الظروف الخاصة بها.
            فلو نظرنا إلى دور الإمام الحسين(عليه السلام) بعد رحيل أخيه الإمام الحسن(عليه السلام) إلى ربه عز وجل نلاحظ أنه قد دخل مرحلة جديدة وفقاً للملابسات التي استجدت في مسيرة الأمة وحيث أن كل إمام يتحدد دوره وفقاً لطبيعة الظروف الاجتماعية والفكرية والسياسية فإن الحسين(عليه السلام) قد انتهج طريقاً جديداً في تحديد مسار الحركة الإسلامية،
           وبعبارة أخرى بعد أن آلت إليه الإمامة الشرعية بمقتضى الإرادة الإلهية واجه الإمام الحسين(عليه السلام) المخطط الأموي المنحرف وعايش حوادثه من التصفية للمعارضة سيما أتباع الإمام علي(عليه السلام)، أو تمكين السياسة المنحرفة من خلال شراء الضمائر بالأموال، أو إثارة الروح القومية والقبلية، أو تتويج يزيد خلفاً لأبيه معاوية خلافاً لوثيقة الصلح، أو اغتيال الإمام الحسن(عليه السلام)…(1).
            إن منح يزيد السلطة ليقود الأمة الإسلامية ويخطط لمستقبلها ويحدد مسارها معناه الإنهاء العملي وعودة للجاهلية ولكن بثوب جديد، لقد وقفت الأمة على عتبة تاريخ جديد من حياتها وأصبحت أمام خيارين:
            إما تبنى سياسة الرفض القاطع للواقع الذي فرض عليها مهما كان الثمن.
            أو القبول بسياسة الأمر الواقع وعليها التنازل عن رسالتها وعنوان عزتها في الحياة(2).
            وعند دراسة هذه المسيرة التكاملية التصاعدية وطريقة المواجهة هذه من خلال بعدها الحضاري والاجتماعي نلاحظ ضرورة وجود مقومات وعوامل لتلك الثورة والنهضة برزت معالمها من خلال الأفعال والأقوال لتجسد فكراً مثالياً ربانياً وحركة استمدت جذورها من القرآن الكريم وحركة الأنبياء لتكون خطاً إنسانياً مكافحاً نزيهاً أراده الله تعالى أنموذجاً حياً عبر التاريخ تفوح ذكراه المعطرة بدم الطف عند تجدد ذكر ثورة الإمام الحسين(عليه السلام).
            فكر الإمام الحسين(عليه السلام) هو الفكر النير الذي اختزن الوعي والإرادة فهو(عليه السلام) وأصحابه الطليعة الرسالية التي وقفت بوجه الظلم والاستبداد واختطت منهجاً انطلق يعبر عن مبادئ السماء ليشكل صورة من الجهاد والكدح لملاقاة الله تعالى والسفر إليه.
            نحن مع الإمام الحسين(عليه السلام) في الخطبة الأولى في كربلاء التي نادى بها جيش عمر بن سعد ـ بصوت عال راكباً راحلته ـ ولم يسمع متكلم قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه(3).
         وقفنا على أكثر من موضع في الخطبة لبيان معالم شروط النهضة الإنسانية والعوامل التي تساعد على قيام الأمة، لأن النهضة والتغيير الاجتماعي هو الخروج من الظلمات إلى النور ولكي تنتقل الأمة من حياة اجتماعية إلى أخرى لابد من توفر أمور منها القادة والمبادئ والوعي والمنهج، وغير ذلك.
          فالمصلحين والقادة هم نقطة البداية، ومعهم مجموعة من الذين آمنوا بهم يشكلون النواة الأولى للتغيير والبناء ثم تبدأ عملية الانتشار، إن الاهتمام بأمور الأمة وشؤونها تحمله الطليعة المؤمنة بمستوى الحركة والتغيير وتعمل جاهدة للإصلاح والنهوض(4)، قال تعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(5)، وقال سبحانه: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(6).
            إن قيادة الإمام الحسين(عليه السلام) لعملية التغيير تكشف عن وجود واقع فاسد وهذه الحركة تمتعت ببصيرة وترسخت فيها المبادئ الإلهية وأعطت دروساً للثوار في كيفية ممارسة الحرية واتخاذ القرار لأجل بناء حكومة إنسانية عادلة، إن الوعي ونفاذ البصيرة في القيادة الربانية قد شخص لنا الداء وتثبت مشروعية هذه النهضة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما خاطب به الإمام الحسين(عليه السلام) الجيش الأموي قائلاً:
       (أيها الناس إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)(7).
            وإن عملية التغيير تنطلق من أعماق الإنسان وكلما عاشها في باطنه كانت أكثر تأثيراً في الخارج ووجدت صدى وسبيلاً في الوجودات الأخرى، إن القيم والمثل التي حملها الإمام(عليه السلام) وأصحابه كانت هي السبيل النير والمنهج الواضح للوقوف بوجه الظلم والانحراف، لقد طلب الإمام الحسين(عليه السلام) من أخيه العباس(عليه السلام) أن يفاوض جيش عمر بن سعد في أن يمهلوا الحسين(عليه السلام) ليلة واحدة ولم يكن طلبه هذا لغرض التفكير في الأمر وحساب الموقف، بل إنه قد فرغ من ذلك، وبدا كل شيء واضحاً له إنما أراد ان تكون ليلة العاشر آخر ليلة من الدنيا ليلة عبادة ودعاء لذلك خاطب أخاه(عليه السلام):
             (ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار)(8).
            المعهود من رسل الإصلاح وأئمة الهداية إقامة الحجج على العقول وتنوير الأفكار واتخاذ الموعظة سبيلاً إلى الدعوة لله تعالى لذلك كان اهتمام الحسين(عليه السلام) بالموعظة والنصيحة(9) في بداية خطبته واضحاً فهو يقول(عليه السلام):
            (أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما هو حق لكم عليّ…)(10). هذه الخطبة تعطينا دروساً أخلاقية وعقائدية وطريقاً ومنهجاً للانتصار على الباطل، هذه المعركة التي انتصر فيها الإمام الحسين(عليه السلام) منذ بدايتها وخسر الآخرون ذلك، لأن معركة الحق والباطل والشر والخير تبدأ في باطن الإنسان، لذلك نرى جلياً تركيز الإمام الحسين في خطبته على الحديث عن دار الدنيا تارة والشيطان تارة أخرى وذكره التقوى، وهي أمور مهمة لخطاب الإصلاح أو مسيرة التغيير الاجتماعي والتكامل بنظر الإسلام.
             يقول(عليه السلام): (عباد الله اتقوا الله وكونوا من الدنيا على حذر فإن الدنيا لو بقيت على أحد أو بقي عليها أحد لكانت الأنبياء أحق بالبقاء وأولى بالرضا وأرضى بالقضاء غير أن الله خلق الدنيا للفناء فجديدها بال ونعيمها مضمحل…)(11).
             نقول إن المنهج هو طريق تحصيل المعرفة أو فهم الحياة بكل ما فيها من مفردات الفكر والرسالة والتاريخ والطبيعة وغيرها. وليس للعقل البشري أن يعمل إلا إذا استخدم منهجاً صحيحاً، والأزمة العقلية من التخلف والركود التي تصيب الأمة في بعض جوانبها نتيجة عدم الوصول إلى منهج منطقي صحيح.
           والوعي هو فهم مجريات الحياة، فإن معظم مشاكل الإنسانية النفسية والشخصية والاجتماعية والسياسية وغيرها تأتي من الفهم الخاطئ والرؤية السطحية الساذجة. إن وعي الحياة يرتبط بفهم الرؤية الكونية، أي فهم مبدأ الوجود والغاية منه، وفهم الذات الإنسانية، فما لم يحيط الإنسان بالعالم المحيط به إدراكاً ووعياً لا يستطيع أن يعرف موقفه من هذا العالم، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)(12).
             بل إن وعي الإنسان لذاته ومعرفة نفسه يشكل الأساس لأخلاقياته وارتباطه بذلك المجتمع، ولكي تنهض الأمة وتخرج من محنتها من التحلل والانحراف لابد لها من إعادة النظر في وعيها للحياة. وأيضاً تحتاج الأمة للمبادئ لأن الأسس الفكرية والحضارية تسلك بالمصلحين وتوضح أهدافهم ويحدث التغيير على أساسها، فما لم يؤمنوا أنفسهم بها بإخلاص لا تنبعث الحركة والنهوض(13).
            وهذا ما نراه في خطبة الحسين(عليه السلام) مذكراً أعداءه من خلال الموعظة تلك القلوب القاسية التي ران عليها حب الدنيا قائلاً:
          (عباد الله اتقوا الله) إن الخط الرسالي هو سعي الإنسان للوصول إلى ربه عز وجل وطاعته في حركاته وأفعاله وسلوكه قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(14)، ولكن دار الدنيا عقبة وأي عقبة تجذب الإنسان نحو مصالحه الشخصية، إن العبودية الحقة تنور عقل الإنسان الباحث عن حقيقة وجوده، ومآل أمره وفنائه، وانقطاعه من هذا العالم، عاملاً آخذاً بسنة النبي(صلى الله عليه وآله)، واعياً لأعماله وخوفه من الله تعالى ورجاء طاعته وثوابه، (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(15).
          إن العبودية هي البداية، والتقوى والعمل هي السلوك وسط الطريق وصولاً إلى غايته، ذلك الطريق الذي تثير فيه ملذات الدنيا وحبائل الشيطان مكامن النفس فيسقط الإنسان، فلذا نرى الحسين(عليه السلام) يعطف كلامه وينصحهم بالحذر من الدنيا وهي لم تدم لأحد حتى الأنبياء دار فناء وانقطاع فكيف العاقل يميل إليها، وهو خطاب يشيع نوراً عبر الأجيال وتستلهم الإنسانية منه دروساً في السلوك الأخلاقي. ثم ذكر(عليه السلام) التقوى قائلاً: (فتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقوا الله لعلكم تفلحون)(16)،
            فناسب ذكر التقوى مع العبادة لأن العبادة والتقوى شيئان لا يفترقان، ثم دعاهم بصيغة النداء فقال(عليه السلام): (أيها الناس إن الله تعالى خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها…)(17) للتذكير في أصل خلق الدنيا وعقد المقابلة بين هذا المقطع وسابقه يتضح لنا ما هو الجديد الذي يكون بالياً في دار الدنيا، والنعيم مصيره الاضمحلال، لأنها تزول والكل في صيرورة وحركة نتيجة تصرف الدنيا بأحوالنا، فأي شيء يبقى بعد ذلك إذا كان متغيراً فالجديد يصبح قديماً والنعيم ينتهي لمحدوديته ومن هنا ورد ذكر التقوى والتزود منها فهي الباقية في الدنيا والآخرة آثارها.
            هنا بعد التذكير والموعظة بالمبادئ والقيم الإسلامية فإن الواقع أو الموجود الفعلي هو خلاف ما مفروض أن يكون فالجيش الذي أمامه قد وقع في سوء الاختيار وأضل الطريق والمنهج الصحيح، فهم بعد إيمانهم برسالة الإسلام ابتعدوا عن الغاية، فالمبدأ هو طريقة وفكرة فالذي يعي فكرة ما عليه أن يبحث عن طريق للوصول إليها وإلا فإن البناء يتقوض، فهؤلاء القوم أقروا الطاعة، أي اعترفوا بها، وآمنوا بالرسول(صلى الله عليه وآله)،
           ولكن هذه القيم لم تكن رادعاً لهم ولم تجد لها تأثير في واقعهم العملي وسلوكهم الخاطئ من الإقدام على قتل ذرية الرسول(صلى الله عليه وآله)، إن الإقرار وحده لا يكفي، والفاصل بين القناعة والعمل هو أن لا يتلاعب الهوى والشيطان في إقامة الحق، لذا يقول(عليه السلام): (وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم الله فيه عليكم، وأعرض بوجهه الكريم عنكم، وأحل بكم نقمته، فنعم الرب ربنا، وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد(صلى الله عليه وآله) ثم إنكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم…)(18).
            تعاضد حب الدنيا وزين لهم الشيطان أعمالهم وهما خطران يحدقان بالمجتمع الإسلامي يخرجانه عن الاستقامة واستحواذ الشيطان أي غلبته عليهم، فصدوا عن الحق والطاعة، إن من حقهم الطاعة لأنهم عترة النبي(صلى الله عليه وآله) لذا يقول الحسين(عليه السلام): (زحفتم إلى ذريته وعترته) وقال في موضع آخر من المقتل (اللهم إنا أهل بيت نبيك وذريته وقرابته فاقصم من ظلمنا وغصبنا حقنا إنك سميع قريب)(19).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موجز سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام)، ص156.
(2) المصدر السابق: ص157ـ158.
(3) يوم عاشوراء مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ص23ـ24.
(4) مبادئ النهوض الاجتماعي، ص5 فما بعد.
(5) سورة يوسف/108.
(6) سورة آل عمران/104.
(7) موجز سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام)، ص174.
(8) المصدر السابق: ص175.
(9) انظر: نهضة الحسين(عليه السلام)، هبة الدين الشهرستاني، ص61، طبع على نفقة الحاج عبد الشهيد النجار.
(10) يوم عاشوراء مقتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ص23.
(11) المصدر السابق: ص24.
(12) سورة الروم/7.
(13) انظر: في شروط النهضة، مبادئ النهوض الاجتماعي، ص5 فما بعد.
(14) سورة الأعلى/14ـ17.
(15) سورة آل عمران/190ـ191.
(16) يوم عاشوراء، ص24.
(17) المصدر السابق: ص24ـ25.
(18) المصدر السابق: ص25.
(19) المصدر السابق: ص28.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.