ليس من الغريب أن ينقلب الإنسان على معتقده الذي آمن به، وقد ورثه من آبائه عن أجداده وتمسك به وربما دافع عنه بالغالي والنفيس، حتى وإن كان هذا المعتقد في الحقيقة لا يساوي جناح بعوضة، وأعظم مثال في تاريخ الإنسانية على ذلك هم سحرة فرعون الذين انقلبوا على دينه، إذ كان إلههم الأوحد وممدهم بالمال والجاه والسطوة، وكانوا هم الأكرمين في البلاط الفرعوني.
ولكن في لحظة من الزمن أوقفت عقول سحرة فرعون كل مساراتها العقدية الفرعونية وعكستها باتجاه عبادة رب العالمين، رب موسى وهارون، وإن قطَّع فرعون أرجلهم وأيديهم من خلاف.
هذه الصورة الإنسانية تدفعنا بأن لا نستغرب عندما نعلم أن الملايين من سكان أفريقيا الوثنية أسلموا وجوههم إلى الله الواحد الأحد، وتركوا عبادة آبائهم، من الأوثان التي تنوعت بين تماثيل من الحجر لمسميات ابتدعوها، ولنجوم ألَّهوها، وأساطير أقنعوا أنفسهم بوجودها، فصاروا يعبدون الإله الواحد، ويدينون بدين رسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وآله)، وموالاة آل بيته الأطهار(عليهم السلام)، ويقيمون شعائرهم الدينية وخاصة في محرم الحرام في قلب أفريقيا حزناً على سيد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام).
من شعوب أفريقيا التي دبّت الحياة الإسلامية في قلوب الكثيرين من أفرادها هي جمهورية غانا.
وقبل أن نعرف شيئاً وأشياء عن المسلمين الشيعة في غانا لابد لنا أن نتعرف على هذه الجمهورية القابعة في غرب أفريقيا، في سطور قلائل.
جمهورية غانا إحدى دول القارة الإفريقية، عرفت قديماً باسم ساحل الذهب نالت استقلالها من المملكة المتحدة في السادس من مارس 1957م، بعد مرحلة من الكفاح والنضال.
تقع غانا وعاصمتها أكرا في غرب القارة الإفريقية، تشترك في حدودها مع عدد من الدول المجاورة فتحدها من الشمال بوركينا فاسو، ومن الغرب ساحل العاج، ومن الجنوب خليج غينيا، ومن الشرق توجو.
تبلغ مساحة غانا 239.460 كم2، وعدد سكانها 22.931.299 نسمة.
أما اللغة الرسمية للبلاد فهي الإنجليزية بالإضافة لعدد من اللهجات المحلية.
تمتلك غانا من مظاهر السطح المختلفة، حيث يوجد فيها السهول المنبسطة التي تمتد في الشمال والجنوب، وكذلك الهضاب المنتشرة في وسط البلاد التي يسري في ربوعها ثلاث أنهر هي أنكوبرا، وبرا، وتانو، بينما تنتشر الغابات في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد.
خضعت غانا للاستعمار البريطاني لعدد كبير من السنوات بلغت أكثر من 60 عام، وذلك في الفترة ما بين 1896 – 1957، وكانت غانا هي أول المستعمرات التي حصلت على استقلالها في جنوب إفريقيا، ومع إعلانها للاستقلال قامت بتغيير اسمها من ساحل الذهب(الاسم الذي أطلقه عليها الاستعمار البريطاني) إلى غانا،
وفي عام 1960م تم إقرار دستور جمهورية غانا، بعد حصولها على الاستقلال(1).
تضم جمهورية غانا خليطا ديموغرافياً متعدد الأجناس يضم قبائل زنجية مثل أشانتي والموسي والايوي والكوماسي والمامبروسي واليوريا، هذا إلى جانب جماعات من الهوسا والفولاني التي قَدِمَت من الشمال بعد اعتناقها الإسلام، كما يوجد في المجتمع الغاني جماعات كثيرة مهاجرة من البلاد المجاورة، وهي التي تشرفت بنقل الإسلام إلى جنوب غانا،
وكان أول وصول للإسلام إلى هذه المنطقة في نهاية القرن الخامس عشر عندما هاجرت إحدى قبائل الماندي من حوض النيجر نحو الجنوب الغاني حيث إقليم الغابات الغني بمنتجاته.
أما التنوع الديني في المجتمع الغاني فهو يضم الغالبية المسيحية، ثم يأتي بعدها ديانات محلية تمثل الموروث الديني الشعبي لكثير من قبائل غانا القديمة، والقسم المتبقي من السكان فيشغله المسلمون بالإضافة إلى نسبة ضئيلة من الذين لا يتّبعون ديانة معروفة.
المناطق الشمالية من غانا هي أول أرض غانية تشرفت بدخول الإسلام إليها، وذلك بعدة طرق منها النشاطات التجارية التي قام بها بعض التجار من شمال أفريقيا والسودان، وكذلك عن طريق المهاجرين المسلمين في نيجيريا، والذين فروا إلى المناطق الشمالية الشرقية من غانا هرباً من الحركات الجهادية الأصولية في نيجيريا وذلك في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي(2).
أما مذهب أهل البيت(عليهم السلام) المتمثل بالشيعة الإمامية في غانا، فقد انتشر بسرعة البرق في الربع الأخير من القرن الماضي، وذلك عن طريق التجار اللبنانيين الشيعة الذين أسسوا شركات لهم على أرض غانا، يسوقون من خلالها الكاكاو والبن والذهب وغيرها من المنتجات التي تشتهر بها هذه البلاد.
أما الطريق الآخر الذي انتشر به مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، هو البعثات الدبلوماسية وسفارات بعض الدول الإسلامية، مثل إيران وسوريا ولبنان.
ولأن الفكر الشيعي، فكر واضح ويعتمد على الدليل البيّن والحجة القاطعة، لقي قبولاً كبيراً وخاصة بين الشباب المتعلم في هذه البلاد مما ساعد في انتشاره كالنار في الهشيم حتى بلغ تعداد الشيعة على وجه التقريب ما يزيد على المليون ونصف المليون شيعي(3).
من أجل الاطلاع عن كثب لأحوال الشيعة في هذه البلاد، اتصلنا بأحد الشخصيات الشيعية في غانا وهو الشيخ سليمان يعقوب بنداغو، رئيس مؤسسة الثقلين، لينقل لنا صورة مختصرة عن تاريخ الشيعة وصور من حياتهم، فاستجاب الرجل جزاه الله خير الجزاء، وبعث لنا بعض المعلومات والصور مفادها:
إن الشيعة في غانا يعيشون بحرية ويعاملون من قبل الحكومة بكل احترام وتبجيل لا يلقاه الشيعي في غير هذه البلاد المسيحية الكثيرة، كالبلاد الإسلامية والعربية، حيث يمارس الشيعة حقهم في التعبير عن معتقداتهم وإقامة شعائرهم الخاصة بهم من مواكب عزائية ومواليد وغيرها في المناسبات الشيعية المختلفة.
وأضاف الشيخ سليمان إن للشيعة مراكز ثقافية وجمعيات ومدارس تعليمية في غانا ولا ينقصهم شيء سوى التمثيل الرسمي في البلاد الذي حرموا منه لأسباب عديدة منها ضعف إمكاناتهم المادية، وهيمنة بعض الطوائف منها القادرية والصوفية وحتى الأحمدية، وهم طائفة يحسبون أنفسهم على المسلمين، ولكن رغم ذلك يحظى الشيعة عند الحكومة المركزية والمحلية بمكانة خاصة تميزهم عن غيرهم، ولهم علاقة متوازنة مع الجميع، وخاصة في المناسبات التي تفعّلها الجمعيات والمؤسسات الشيعية،
حيث تقام المؤتمرات والندوات وكذلك الاحتفالات بمناسبات وفيات ومواليد المعصومين(عليهم السلام)، فيُدعى لها من كل الطوائف المسلمة والمسيحية والشخصيات الشعبية في غانا والمسؤولين في الحكومة الذين طالما لبوا الدعوات لزيارة المدارس والمراكز الثقافية الشيعية مما خلق علاقة مميزة بين الطرفين يسودها الثقة لدى الحكومة، بأن الشيعة مواطنون مخلصون لهذا البلد رغم اختلافهم الديني عما يدين به الأغلبية من سكان غانا.
وللشيعة في غانا مؤسسات ومراكز ثقافية وجمعيات، على قلة إمكاناتها المادية إلا أنها تعتبر من الأسباب الحقيقة لديمومة التواصل بين الشيعة في جميع أنحاء البلاد، وكذلك لها دور أساسي في تجمعات الشيعة في المناسبات العديدة التي تقيمها في وفيات ومواليد المعصومين(عليهم السلام)، ومن هذه المؤسسات والمراكز:
1- مؤسسة الإمام الحسين(عليه السلام).
2- مؤسسة الثقلين (المستقلة).
3- مجمع أهل البيت(عليهم السلام).
4- حركة شباب أهل البيت(عليهم السلام).
5- جمعية غانا الشيعية .
6- مركز الإمام الجواد(عليه السلام).
7- مؤسسة الإمام جعفر الصادق(عليه السلام).
أما المدارس والمعاهد الدينية التي يلجأ إليها طلاب العلم والدين فهي متعددة بتعدد الجهات الداعمة وتعدد المناطق والمدن الغانية ومنها على سبيل المثال:
1- معهد أهل البيت(عليهم السلام) للدراسات الإسلامية، مؤسسها المرحوم الشيخ عبد السـلام بنسى في أكرا.
2- مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في أكرا.
3- مدرسة الزهراء(عليها السلام) في أكرا.
4- مجمع الإمام المهدي(عليه السلام) في أشاما.
5- مدرسة الإمام المهدي(عليه السلام) في غموا أبوواسى.
6- مدرسة سيد الوصيين(عليه السلام) في كتوبابى.
7- مدرسة سفينة الهدى في أشاما .
8- مدرسة الإمامين الحسنين(عليهم السلام) في كاسوا.
9- المدرسة الجعفرية الإسلامية في سلغا.
10- مدرسة الإمام علي(عليه السلام) في تمالى.
11- المدرسة الحسينية في تشيما.
من أعظم ما يعبر عن وجود الشيعة في جمهورية غانا هي الشعائر الحسينية في محرم الحرام، وخاصة في العشرة الأولى منه، حيث تقام المآتم العزائية والاحتفالات التي تتشح بالسواد وكلمات الأسى والحزن على مصاب سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام).
فقبل أيام من قدوم شهر الحزن والإباء محرم الحرام يتهيأ الشيعة وخاصة في العاصمة أكرا لتأدية برنامج العشرة الأولى من هذا الشهر، فينشر السواد وترفع الرايات وتقام المجالس الحسينية في كل يوم وصولاً إلى يوم عاشوراء، حيث يتوافد الشيعة من جميع بقاع جمهورية غانا إلى العاصمة ليشاركوا في عزاء الحسين(عليه السلام)، فيجوبون شوارع العاصمة أكرا متشحين بالسواد ويوزعون مقالات مكتوبة عن مأساة كربلاء وما حدث فيها على العترة الطاهرة من آل الرسول(صلى الله عليه وآله)،