محمد دعيبل
عن الإمام الرضا(عليه السلام) عن آبائه عن علي(عليه السلام) انه قال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خطب ذات يوم فقال(صلى الله عليه وآله): (أيها الناس انه قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه). علنا عزيزي القارئ نرى رسول الله(صلى الله عليه وآله) يبشر بقدوم شهر رمضان المبارك ويصفه بشهر البركة والرحمة والمغفرة ثم يلوح بعد ذلك فيقول انه من أفضل الشهور وأيامه من أفضل الأيام… إلى أن يقول فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه، ولا شك ولا ريب أن للصيام أثارا كبيرة على الصائم ذلك لان الصوم بحد اته ليس ظاهرة عبادية فحسب بل ان لهذه الظاهرة اثارا فلسفية اراد من خلالها الشارع المقدس ان يقدم للانسان مأدبة من الغذاء الروحي لان الانسان بطبيعة الحال مركب من مادة وروح وكلاهما يحتاج الى الغذاء لينمو ويتكامل وقد ارتأينا أن نتناول موضوع الصيام من ثلاث جوانب وهي:
1- الجانب التشريعي.
2 ـ الجانب العلمي.
3 ـ الجانب التربوي.
1 ـ الصيام من الجانب التشريعي:
تعد فريضة الصوم من إحدى الدعائم التي بني عليها الإسلام لأنه عبادة لتهـذيب النفوس والرجوع إلى الله تبارك وتعالى.
ومن هنا نرى ـ علماء الفقه ـ قد اهتموا اشد الاهتمام وبذلوا قصارى جهودهم لوضع الأحكام التشريعية التي تجعل المكلف مبرءا ً لذمته أمام الله تبارك وتعالى، ونرى لا بد من الوقوف على بعض الأحكام التشريعية المتعلقة في باب الصوم، وهي:
ا ـ يقسم الصوم إلى أربعة أقسام:
أولا: الصوم الواجب: وهو كصيام شهر رمضان وصيام النذر مثلا.
ثانيا: الصوم المستحب: وفيه موارد كثيرة منها (أول الشهر، ومنتصفة وأخره ومنها شهر شعبان ورجب).
ثالثا: الصوم المحرم: كصيام يوم عيد الفطر، ويوم النحر.
رابعا: الصوم المكروه: كصيام يوم العاشر من المحرم، لأن بني أمية كانوا يروجون لهذا اليوم شماتة بآل محمد(صلى الله عليه وآله) وقد أمرنا ان نخالفهم قولا وفعلا
ب ـ الأفعال التي تبطل الصوم وهي أمور:
الأول والثاني: الأكل والشرب، ويشترط فيه صدق الأكل والشرب عمداً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثالث: الجماع ويشترط فيه إدخال مقدار الحشفة ولو من دون إنزال، ولا فرق في مفطرية الجماع بين الفاعل والمفعول به.
الرابع : الكذب على الله تعالى أو على نبينا محمد(صلى الله عليه وآله) وعلى الأئمة(عليهم السلام) سواء كان في أمر ديني أو دنيوي.
الخامس: تعمد البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر في صوم شهر رمضان وقضاءه، بل في كل صوم واجب.
السادس : خروج المني بقصد الاستمتاع بفعل ما يثير الشهوة (الاستمناء).
السابع : الاحتقان بالمائع، فانه يبطل الصوم بخلاف التحميل بالجامد فانه ليس مفطرا.الثامن : تعمد القيء، وان كان مضطرا إليه لمرض ونحوه.
التاسع: الاختلال بالنية اذ يجب استمرار نية الصوم مادام الاخير قائما وان شئت التفاصيل ايها القارئ الكريم ماعليك الا مراجعة الرسالة العملية للفقيه الذي تقلده.
2 ـ الصيام من الجانب العلمي:
اهتم العلماء بدراسة الخصائص الفسيولوجية والتأثيرات العلاجية للصوم واجري العديد من التجارب والدراسات الطبية في هذا الشأن وقد أتضح أن التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تحدث داخل الجسم البشري أثناء الصوم تبدأ أول الأمر في الشعور بالجوع، ويحدث أحيانا لبعـض الناس نوعاً من التهيجات أو التوترات العصبية، فضلا عن ذلك يحدث أحيانا عدة تغيرات خفيفة أخرى، من أهمها إن سكر الكبد يتحرك ومعه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد. أي يبدأ الصوم باستهلاك المخزون من المواد الغذائية بالجسم. وعندما ينتهي ذلك المخزون تبدأ خلايا البروتينات المكونة لأعضاء الجسم وأولها الكبد والعضلات بالتحرك والتخلخل لتضحي جميع أجزاء الجسم نصيبها الخاص حسب نوعها للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب.
وفي هذا الصدد سوف نمر على بعض شهادات الأطباء والعلماء:
أ ـ نشرت المجلة السوفيتية للأغذية الصادرة في موسكو في العدد يناير عام 1976 مقالا جاء فيه وأخيرا يحق التذكرة بكتاب الجوع من اجل الصحة للبروفسور نيكولايف بيلوي والذي يؤكد فيه انه لكي يتمتع كل مواطن في المدن الكبرى بالصحة يجب عليه أن يمارس الجوع التام ـ الصوم ـ بالامتناع الكامل عن الطعام لمدة (3 ـ 4 أسابيع) بصفة دورية سنويا بصف تخليص الجسم من النفايات والسموم السامة.
ب – يقول الدكتور بندكت رائد الطب الطبيعي في أمريكا يخطئ من يعتقد أن الإنسان لا يتغذى إذا امتنع عن الطعام… لان الجسم يظل يأكل رغم الصوم وأول ماياكله هو هذه المواد الدهنية الموجودة بكثرة في جميع الأجسام وتهبط كمية الدهن الموجودة حول القلب والأجزاء الأخرى. ويضيف إلى ذلك أستاذا بالأمور الطبية يقول: (أن الصوم يعطي للجسم وجميع أنسجته وخلاياه فرصة للتخلص مما تجمع حولها من النفايات والمواد الضارة والتوكسينات التي تتولد في الجسم بعمليات الهضم والتمثيل والعمليات الأخرى التي تجري بداخله، كما إن الصوم يعطي الأنسجة والأعضاء المصابة بشيء من التقيح أو الاحتقان أو الالتهاب مجالا للشفاء. وتشير الدراسات الحديثة إلى إن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة في الأمراض، وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة وهنا يعتبر الصوم أول من يزيل الخلايا التالفة والأورام والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية والأورام الليفية… فقد تأكد الأطباء من خلال نتائج الأشعة التشخيصية أن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم.
ج ـ يقول الدكتور حامد البدري: إذا ما استمر الإنسان طوال السنة لايريح معدته ولايعطيها إجازة اعتيادية تستريح فيها، اضطرت المعدة أن تطلب إجازة عن طريق المرض. لأن المعدة أشبه بالماكنة التي تعمل على الوقود، فكلما اعطي لهذه الماكنة وقودا كلما استهلكت قطعتها، فكذلك المعدة وقودها الطعام فلابد من ان تستريح لفترة معينة.
د ـ يقول الدكتور فاك فادون: وهو من الأطباء العالمين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره: إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وان لم يكن مريضا، لان سموم الأغذية والأدوية، تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بها من قبل.ومن هنا يعد الصيام القاعدة الطبية الأولى التي لا يمكن أن يشك أحدا بضرورتها، فقد استعان بها الأطباء منذ القدم والى يومنا هذا، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الكبير ابقراط بقوله: استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وترك امتلاء المعدة بالطعام. وفي ختام هذا المحور (الصيام علميا) لابد من إشارة طفيفة وهي: ان كل ما جاء من كلام على لسان الأطباء وعلماء الأغذية إنما هو امتداد للنظرية الكبرى التي جاءت على لسان الطبيب الدوار بطبه – على حد تعبير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) وكذلك النبي الأكرم محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله) عندما قال (صوموا تصحوا) وفي هذا الحديث اجمع النبي الاكرم ثمرة الصوم بكلمتين فما ابلغه وما أهمهما.