Take a fresh look at your lifestyle.

دعوة التعلم في القرآن الكريم

0 1٬774
             إن دعوة القرآن الكريم إلى العلم واضحة وصريحة منذ أول آية نزلت منه قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)(1) وأطلق طاقات العقل، ودعاه للنظر في الكون: (قُل انظُروا مَاذا في السّماواتِ والأرضِ)(2).
            ومن خلال هذه الآيات نلحظ: (إن أساس الإسلام أقيم منذ البداية على أساس العلم والقلم… ولذلك استطاع قوم متخلفون أن يتقدموا في العلم والمعرفة حتى يتأهلوا ـ باعتراف الأعداء والأصدقاء ـ لتصدير علومهم إلى العالم!
          إن علم المسلمين ومعارفهم هو الذي مزّق ظلام القرون الوسطى في أوروبا وادخلها عصر الحضارة، وهذا ما يعترف به علماء أوروبا أنفسهم فيما كتبوه في حقل تاريخ الحضارة الإسلامية وفي تراث الإسلام)(3).
           وتوالت الآيات القرآنية نزولاً في الحث على العلم والرفع من شأن العلماء. ففي القرآن ما يقرب من سبعمائة وخمسين آية أو يزيد هي من صميم العلوم الطبيعية. بل إن الشيخ محمّد عبده يصرح بان أكثر من ثلث الآيات بل نصفها تقريباً تحث على النظر في الكون والبحث عن الأسباب والمسببات(4).
           ذلك أن إشادة القرآن بالعلم فتح أمام العباد سبل التعليم ومهّد لهم الوسائل لكي يكتسحوا كابوس الجهل بكل أشكاله وصوره من دون توقف، بل حضّ على الاستزادة من العلم مع الملازمة لما يحدث من تغيير في المنهج مادامت البشرية سائرة إلى الأمام ، قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً)(5).
            يقول الزمخشري (ت538هـ): (ما أمر الله رسوله(صلى الله عليه وآله) بطلب الزيادة في شيء إلّا في العلم)(6).
           وهنا نلحظ: (إذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) مأمور أن يطلب زيادة من ربّه إلى آخر عمره مع غزارة علمه، وروحة المليئة وعياً وعلماً، فانّ واجب الآخرين واضح جداً، وفي الحقيقة ، فان العلم من وجهة نظر الإسلام لا يعرف حدّاً، وزيادة الطلب في كثير من الأمور مذمومة إلا في طلب العلم فإنها ممدوحة، والإفراط قبيح في كل شيء إلا في طلب العلم)(7).
           وقال تعالى: (الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)(8). من المعروف أن سورة الرحمن من السور التي تتحدث عن النعم ويمكن تسميّتها بـ(سورة الرحمة) أو (سورة النعمة) ولهذا فإنها بدأت بالاسم المبارك (الرحمن) الذي يشير إلى صنوف الرحمة الإلهية الواسعة(9).
           ولهذا نلحظ: (أن أول وأهم نعمة تفضّل بها الله سبحانه، هي نعمة (تعليم القرآن)، وما أروعه من تعبير! حيث أننا إذا تأملنا جيّداً فإننا ندرك أن هذا الكتاب العظيم هو مصدر كل الخير والنعم والعطايا الإلهية العظيمة، كما انّه وسيلة للوصول إلى السعادة والخيرات المادية والمعنوية)(10).
         فالعلم الذي يأمر به القرآن لم يكن مقصوراً على جزئية معينة في هذا الكون بل هو جملة المعارف التي يدركها الإنسان بالنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق من شئ ،ويشمل الخلق هنا كل موجود في هذا الكون ذي حياة وغير ذي حياة(11).
         والظريف في الآية المتقدمة أن بيان نعمة (تعليم القرآن) ذُكرت قبل (خلق الإنسان) و(علّمه البيان) في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الإشارة أولاً إلى مسألة خلق الإنسان، ومن ثمّ نعمة تعليم البيان، ثمّ نعمة تعليم القرآن، وذلك استناداً للترتيب الطبيعي، إلا أن عظمة القرآن الكريم أوجبت أن نعمل خلافاً للترتيب المفترض.
           وبالتالي كانت قراءة الكتاب الكوني شاملة مقترنة بالنظر والفكر والعبادة، قائمة على ما وضعه الله تعالى في كتابه من أسس المنهج العلمي للإنسان كي يتعلم ويسير عليه في نظرته للكون، وكان علينا أيضاً أن نبحث عن أسس هذا المنهج وكيفية الاستفادة منه في أبحاثنا العلمية.
             قال تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(12).

 

          نلحظ: في هذه الآية المباركة أن التفكير في أسرار الخليقة، وفي نظام السماء والأرض يعطي للإنسان وعياً خاصاً ويترك في عقله آثاراً عظيمة، وأول تلك الآثار وهو الانتباه إلى هدفيّة الخلق وعدم العبثية فيه، فالإنسان الذي يلمس الهدفية في أصغر أشياء هذا الكون كيف يمكنه أن يصدق بأنّ الكون العظيم بأسره مخلوق من دون هدف، ومصنوع من دون غاية؟)(13).
           إذ لا معنى للأوراد والطقوس من غير التفكير(14). والتفكير لو أراد مُريد أن يحصر فنون الفكر ومجاريه لم يقدر عليها، لأن مجاري الفكر غير محصورة، وثمراته غير متناهية.
          وبذلك يكون العلم الذي يكشف عن سرّ الله في خلقه ومعرفة حقائق الوجود المكنونة والتي تخرج إلى حيّز الوجود في ثوب علمي ببحوث العلماء وجهودهم، الذين كرمهم الله سبحانه ورفع من شأنهم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(15).
           ونلحظ في هذه الآية المباركة أهمية العلم واقترانه بالأيمان (وفي الحقيقة إن الموفقية في طريق التكامل وجلب رضا الله والقرب منه مرهون بعاملين أساسيين هما: (الإيمان والعلم، أو الوعي والتقوى وكل منهما ملازم للآخر، ولا تتحقق الهداية بأحدهما دون الآخر)(16). لهذا وصف الله (أولي العلم بأنهم من اللذين يشهدون له بالوحدانية.
           فقال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(17).
ونلحظ هنا أن (العلماء في هذه الآية وضعوا إلى جانب الملائكة. وهذا بذاته تمييز للعلماء على غيرهم، كما يستفاد من الآية أن العلماء إنما امتازوا على غيرهم لأنهم توصّلوا إلى معرفة الحقائق، وعلى رأسها معرفة وحدانية الله.
         ومن الواضح أن الآية تشمل جميع العلماء ، أما قول بعض المفسرين بأن (أولوا العلم) هم الأئمة الأطهار(عليهم السلام) فلأن الأئمة من أظهر مصاديق ذلك)(18).
         إذن سبيل العلم في القرآن الكريم من سبل الحق تبارك وتعالى ووسيلة من وسائل تحقيق الإنسان لرسالته في الحياة عبداً لله ومستخلفاً في الأرض، أُمر بالقيام على عمارة الحياة قدر الاستطاعة في غير ضرر ولا ضرار(19).
          وهو ما يؤكده الشيخ محمّد الغزالي بقوله: (وليس ثمة تفاوت بين العلم والدين، فإنّ الله الحق هو مصدر الاثنين، وإذا لوحظ أن هناك اختلافاً فليس بين علمٍ ودينٍ ، بل بين دينٍ وجهلٍ أخذ سمة العلم، أو بين علمٍ ولغو لبس سمت الدين)(20).
          وبذلك يكون للعلم في القرآن طريق محدد يسير فيه، وهدف معين يرمي إليه، وهو المحافظة على الإنسان وإبقاء مكانته كآدمي، لكي يحقق الغاية من وجوده ويسخر ما في الكون لمصلحته ومنفعته بما وهبه الله (من فطرة وقدرة واستعداد للتعلم، بطريقة علمية أخلاقية ذات صلة ربانية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ظ: الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، ص86.
(2) يونس/101.
(3) الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 20/253.
(4) ظ: الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية، دار المنار، 1373هـ، ص 47.
(5) طه/114.
(6) الكشاف، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 2001، 3/91.
(7) ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل، 10/63.
(8) الرحمن/1ـ4.
(9) الشيرازي، الأمثل، 17/267.
(10) نفس المصدر، 17/269.
(11) ظ: عباس العقاد، التفكير فريضة إسلامية، نهضة مصر للطبع والنشر، (د ت)، ص57.
(12) آل عمران/191.
(13) الشيرازي، الأمثل، 3/34.
(14) ظ: علاء الحسون، تنمية الوعي، دار الغدير، قم، 2003م، ص144.
(15) المجادلة/11.
(16) الشيرازي، الأمثل، 18/99.
(17) آل عمران/18.
(18) الشيرازي : الأمثل، 2/293.
(19) ظ: د. زغلول راغب النجار، قضية التخلف العلمي والتقني في العالم الإسلامي،مركز البحوث والمعلومات،قطر، 1988، ص73.
(20) نظرات في القرآن، إصدارات بيت القرآن، الكتاب الخامس، البحرين، 1993، ص120.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.