Take a fresh look at your lifestyle.

الحرب الوهابية ضد فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) حديث الدار أنموذجاً

0 768
             ليس من الصعب على المتابع لأدبيات المدرسة الوهابية أن يرصد الانتقائية واعوجاج الموازيين في نقد الأحاديث والآثار وتمحيص الأسانيد والمتون، وتبرز أحاديث الفضائل – لا سيما فضائل أهل البيت عليهم السلام – في جملة المواقف التي تعكس اضمحلال البحث الموضوعي عند أقطاب الفكر السلفي الذين وجدوا في كثير من تلك الأحاديث تهديداً لنظريات عقائدية يقترن وجودها بوجود الفكر السلفي وتتقوم بها مقومات استمراره في منظومته التنظيرية وقواعده الشعبية.
           إن نظرة فاحصة لما كتبه العلماء والمحققون في المدرسة السلفية من تتبعات وتعقيبات على ما يعرف بحديث الدار أو حديث الإنذار يكشف جانباً واضحاً من التخبط السلفي الذي سقط في وحل التعصب وأعماه النصب لأهل بيت رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

   أصح الأسانيد لحديث الدار

           ورد هذا الحديث بألفاظ عدة متقاربة، وقد روته أمهات الكتب من المسانيد والجوامع الحديثية، واتفق لكثير من الرواة والمؤرخين أن صححوا أسانيده وأرسلوه في النقل إرسال المسلمات، وسنترك النصوص التي اختلف علماء السنة حول نقد أسانيدها جرحاً وتعديلاً ونذكر من طرق هذا الحديث الشريف ما أجمع المنصفون على صحته وروته ثقات النقل:
    اللفظ الأول: أخرجه أحمد في مسنده 1\111 قال: حدثنا أسود بن عامر ثنا شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية “وانذر عشيرتك الأقربين” قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا وشربوا، قال: فقال لهم من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنة ويكون خليفتي في أهلي؟ فعرض ذلك على أهل بيته، فقال علي رضي الله عنه: أنا
           وسنده صحيح رجاله ثقات وهم:أسود بن عامر، شريك (ثقة). الأعمش. المنهال. عباد. وإنما أوقع البعض الكلام في (عباد بن عبد الله الأسدي) لتضعيف البخاري وابن المديني له، وأغلب الظن إن هذا التضعيف ناشئ من النظرة المذهبية الضيقة التي وسمت عقلية هذين الرجلين باعتبار أن عباداً كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن رواة فضائله، وإلا فالحق إن عباد بن عبد الله الأسدي من الثقات الذين شهد لهم أرباب الجرح والتعديل وأخرج لهم أصحاب السنن والمسانيد،
            فقد أخرج له ابن ماجة وابن حنبل والنسائي واعتمد البيهقي على روايته، وصحح أحاديثه الحاكم في مستدركه على شرط الشيخين، وقال عنه العجلي (ت261) – وهو معاصر للبخاري – في معرفة الثقات 2\17: (كوفي تابعي ثقة)، و قد أورده ابن حبان في الثقات 5\141، و ذكره الرازي (ت327) في الجرح و التعديل 6\82 ولم يطعن فيه كعادته مع الضعفاء،
            وصحح حديثه الإمام محمد بن جرير الطبري (ت310) في كتابه (تهذيب الآثار) ص 544 “مكتبة المشكاة الالكترونية”، كما ذكره بن سعد (ت230) في الطبقات 6\179 ولم يطعن فيه (وابن سعد متقدم على البخاري)، كما أخرج له الضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة): “وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك” فتح الباري 7\211.
    اللفظ الثاني: أخرجه أحمد في مسنده1\159: عن عفان [بن مسلم] (ثقة ثبت كما التقريب 1\679 ) ثنا أبو عوانة (مجمع على ثقته، وكتابه متقن بالمرة ، ميزان الاعتدال 4\334) عن عثمان بن المغيرة (من رجال البخاري صدوق موثق، ميزان الاعتدال 3\56) عن أبي صادق ( مستقيم الحديث كما في الجرح و التعديل للرازي، ذكره ابن حبان في الثقات، قال بن حجر: صدوق، وثقه يعقوب بن سيبة كما في ميزان الذهبي) عن ربيعة بن ناجذ ( التابعي الكوفي الثقة، ذكره ابن حبان والعجلي في الثقات)
               عن علي رضي الله عنه: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله: بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذع ويشرب الفرق قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس. أو: لم يشرب. ثم قال: يا بني عبد المطلب… إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذا الأمر ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي ؟ ! فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال: فقال: اجلس. قال: ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس. حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي.
             يقول الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد بعد أن يرويه عن أحمد بن حنبل يقول: رواه أحمد ورجاله ثقات (مجمع الزوائد 8 / 302 – باب معجزاته صلى الله عليه [وآله] وسلم في الطعام) ويقول بعد أن يرويه بسند آخر عن بعض كبار علمائهم من أحمد وغير أحمد يقول: رجال أحمد وأحد إسنادي البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة (مجمع الزوائد 8 / 302).
            وبهذا السند ورد في السنن الكبرى للنسائي 5\126 وكذلك في ” الخصائص ” ص 18 وفيه: (فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال اجلس ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي ثم قال: أنت أخي وصاحبي ووارثي ووزيري..).
            وقد حاول بعض السلفيين المعاصرين الطعن في التابعي الجليل (ربيعة بن ناجذ) ورميه بالجهالة، والحق أن هذا الطاعن هو الأولى بوصم الجهل والجهالة، وإلا فإن ربيعة بن ناجذ الأزدي الكوفي تابعي من كبار التابعين من أصحاب علي أمير المؤمنين عليه السلام وهذه حاله:
   * وثقه ابن حبان والعجلي في كتابيهما الثقات، والحافظ بن حجر في التقريب، والحاكم النيسابوري في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة، توثيقاً صريحاً بلفظ (ثقة) وهو أعلى مراتب التوثيق.
   * وثقه الهيثمي في (مجمع زوائده) 8 / 302 ، عندما قال: (رواه أحمد ورجاله ثقات).
   * وثقه أيضاً الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري الشامي (ت 656 ه‍ ) كما ذكر ذلك المناوي في شرح الجامع الصغير 2\59.
   * قال فيه الخطيب في تاريخ بغداد 8\419: (سمع علي بن أبي طالب، وورد الأنبار في صحبته..).
   * ذكره المزي في تهذيب الكمال (9\146) وأثنى عليه و لم يطعن فيه.
   * لم يرد فيه أي مطعن و لا مغمز من أي من علماء الجرح المتقدمين.
   * روى عنه الثقة (أبو صادق الأزدي الكوفي) وقيل هو أخوه.
   * شذ الذهبي فقال (لا يكاد يعرف) و ذلك بسبب روايته حديث (يا علي أنت أخي ووارثي) !
   * اضطرب و تناقض فيه إمام الحديث عند السلفيين (محمد ناصر الألباني) فقد وثقه في غير موضع وروى له في سلسلته الصحيحة (راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 582)، وأورد الألباني في إرواء الغليل 2\300 حديث (الأئمة من قريش…). و هذا سنده:
             (فيض بن الفضل البجلي ثنا مسعر بن كدام عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي بن أبي طالب عليه السلام… ) فعلق الألباني على سند الحديث قائلاً: (فيض بن الفضل البجلي مجهول الحال، وبقية رجال الإسناد ثقات، فهو حسن في الشواهد).
             وفي بقية الإسناد يوجد (ربيعة بن ناجذ) كما ترى وهو ثقة بتصريح الألباني…. و لكنه – مع الأسف – عندما جاء إلى حديث الدار الذي يثبت خلافة ووزارة ووراثة أمير المؤمنين عليه السلام رماه بالجهالة و ضعّف حديثه ! وربيعة هنا هو ربيعة هناك، إلا أن الموازين تختلف عند أهل الأهواء والتعصب !

ويمكن أن نستفيد من متن الحديث ما يأتي:

   أولاً: قوله صلى الله عليه و آله (خليفتي في أهلي): هذه الخلافة هي خلافة النبوة لأنه صلى الله عليه وآله قال لهم (إنه بُعث إلى أهل بيته خاصة)، وأي تكييف آخر لموقعية خلافة علي عليه السلام في أهل البيت يستلزم الإفراط في التكلف، وقد جاء في تاريخ الطبري 2\63: (أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم).
    ثانياً: قوله صلى الله عليه و آله (فأيكم يبايعني): كانت أول بيعة في الإسلام، وأن المبايع الوحيد هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
   ثالثاً: قوله صلى الله عليه و آله (أنت أخي): رد صريح على من زعم أن علياً عليه السلام ليس أخاً لرسول الله صلى الله عليه و آله، وهم أقطاب المدرسة السلفية من المتقدمين كابن تيمية ومن المعاصرين كعثمان الخميس..
   رابعاً: قوله صلى الله عليه و آله (ووارثي): الوراثة اصطلاح قرآني ارتبط بانتقال عهد الإمامة ومقتضياتها من الصفوة إلى الصفوة، فقد روى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)، قال عليه السلام: “هم آل محمد والسابق بالخيرات هو الإمام” (بصائر الدرجات ص66) وفي رواية أخرى عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام (نحن الذين اصطفانا الله عز وجل وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ” (الكافي 1\277)،
               وفي كتب القوم وطرقهم الثابتة الصحيحة يتكرر اسم علي بن أبي طالب عليه السلام وارثاً لرسول الله صلى الله عليه وآله، ففي مصنف ابن أبي شيبة الكوفي (ت235) 8\348 قال: حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد (من رجال الصحيح) حدثنا زهير [بن معاوية] (ثقة ثبت) حدثنا أبو إسحاق (ثقة) قال: قيل لقثم [بن العباس]: كيف ورث علي النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم دونكم ؟ قال: “إنه والله كان أولنا به لحوقاً وأشدنا به لزوقاً”
    خامساً: قوله صلى الله عليه و آله (ووزيري): الوزارة أيضاً اصطلاح قرآني أثبته الله تعالى لنبيه هارون بن عمران عليه السلام، فقد قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي) طه29، (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً) الفرقان35، وحديث الدار نص صريح في استيزار النبيُّ علياً من دون الصحابة وبحسب تتبعي فإنه لم ترد كلمة وزيري في جميع كتب المسلمين لأحد من الصحابة ما خلا علي بن أبي طالب عليه السلام.

 

   السلفيون ومحاولات التضعيف

            يتصف حديث الدار بميزات جعلته في مصاف الأحاديث التي أجهد السلفيون أنفسهم في محاولة تضعيف أسانيدها وتوهين متونها، ففي السبق الزماني يعد هذا الحديث من بواكير الأحاديث النبوية في الفضائل حيث الدعوة في مرحلتها السرية وحيث لم يُسلم إلا علي عليه السلام وبعض المخلصين من أهل بيت النبي في دائرته الضيقة كخديجة بنت خويلد سلام الله عليها، وفي أهميته النصية تبرز مجموعة من المقامات والنعوت النبوية التي أضفاها رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن عمه أمير المؤمنين ليبين لبني هاشم وللمسلمين من بعدهم أن هذا الفتى ليس كباقي فتيانهم لا من حيث موقعه من رسول الله ولا من حيث مكانته في نفسه.
            لقد تأرجحت مواقف السلفيين في طريقة نقد الحديث فكثير منهم تحاشى النقد السندي لأنه يعرف مسبقاً بفشل النزاع في هذه المسألة، فراحت الأقلام تتخبط يميناً وشمالاً تارة بالتشكيك بمتن الحديث وتارة أخرى بإصدار أحكام تشبه ما يصدر من المحاكم الصورية من أحكام خالية من الدليل أو الحجة أو حتى الذوق والوجدان.
            البداية مع ابن تيمية الذي نسف الحديث بسفسطائية المعروفة القائمة على أساس القفز على أفهام السذج من أتباعه ومريديه، يقول ابن تيمية في تعليقه على الحديث: (هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب) منهاج السنة 7 / 302، نلاحظ انه كرر كلمة (كذب) ثلاث مرات في كلامه لذا فهو لا يحسن إلا ترديد هذه الكلمة !! وهذه طريقة ابن تيمية التي لم يسبقه بها أحد قبله ولا أجادها أحد بعده في رفض كل حديث يمت لأهل البيت عليهم السلام بصلة.
           وقد أراح بعض كتاب السيرة أنفسهم بشطب هذا الحديث من كتبهم بدلاً من مناقشته ورده فهذا “محمد حسنين هيكل بعد أن ذكر في كتابه حياة محمد، في الطبعة الأولى ص 104 نص الطبري في التاريخ. عاد فحذف من الطبعة الثانية ص 139 ط سنة 1354 ه‍. قوله: ” وخليفتي فيكم ” واقتصر على قوله: ” ويكون أخي ووصيي ” وذلك لقاء خمسمائة جنيه، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه” (الصحيح من سيرة النبي 3\62)،
           والباحث السلفي (محمد سعيد رمضان البوطي) ألف كتاباً في فقه السيرة النبوية أعرض فيه تماماً عن ذكر هذه الواقعة !
          أما ابن كثير الدمشقي والذي ألف تاريخه على أساس ما في تاريخ الطبري فقد حرف الحديث بالشكل الآتي: (إن هذا أخي وكذا وكذا)، وتجدر الإشارة أن أسلوب التحريف والتدليس في النصوص واستبدالها بعبارة كذا وكذا هي من إبداعات وابتكارات البخاري الذي استعملها غير مرة في صحيحه !!

   مع الداعية السلفي عثمان الخميس

           ومن البحوث المعاصرة التي صوبت سهامها نحو هذا الحديث الشريف ما كتبه الداعية السلفي الكويتي (عثمان الخميس)، الذي نشر بحثاً على موقعه في تكذيب هذا الحديث، ويظهر من خلال قراءة أدبيات هذا الرجل مدى تأثره بابن تيمية على جهة إيمانه بما كتبه الأخير وما نظر باعتباره من المسلمات التي لا نقاش فيها، وفي ما يأتي وقفة مع أبرز ما جاء في مناقشة الخميس:
   أولاً: حاول الخميس الطعن في الراوي (عباد بن عبد الله الأسدي) باعتبار أن البخاري قال عنه (فيه نظر) وقد عرفنا حال عباد من الوثاقة في ما سبق فلا نعيد ولا نكرر، وقد تحاشا الخميس الخوض في الطريق الثاني الذي أوردناه للحديث علماً منه أن لا منفذ له في تضعيف رواته.
   ثانياً: يقول الخميس:
               (أما طرق الشيعة فالحديث روي من طرق كثيرة عند الشيعة، ولكن بعد تتبع هذه الطرق عندهم فإنه لا يصح هذا الحديث من كتبهم ومن رجالهم أيضاً، لا يصح عند أهل السنة وكذلك لا يصح عند الشيعة).
         أقول: هذا لعمري عين الشطط !! فأما من طرق السنة فقد رأينا الطرق الواردة عن مسند أحمد و النسائي ورأينا رجاله الثقات الذي لا يمكن للخميس و لا لغيره الطعن فيهم.
          و أما من طرق الشيعة فحسبك أن الرواية واردة في تفسير علي بن إبراهيم القمي (ت329) بسند: علي بن إبراهيم (ثقة ثبت) عن أبيه (ثقة) عن حنان بن سدير (ثقة) عن الإمام الصادق (ع):… (تفسير القمي 2\124)، على أن أننا نؤمن أن البحث السندي في صحة الأحاديث يصبح أمراً ترفياُ إذا روي الحديث بطرق متكاثرة من كلا الفريقين كما اعترف الخميس، ولا سيما إذا أضفنا لذلك إجماع الطائفة الشيعية على صحة هذا الحديث وروايته، يقول الشيخ المفيد (ت413) في الإرشاد 1\49: (حديث الدار، الذي أجمع على صحته نفاذ الآثار..).
   ثالثاً: يقول الخميس:
            (لو نظرنا إلى قول علي رضي الله عنه عندما يقول: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني عبد المطلب أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً. هل بنو عبد المطلب يصلون إلى أربعين؟ لا يصلون إلى أربعين، فهل أخطأ علي في الحسبة أو كذبوا؟ الأقرب أنهم كذبوا عليه، تعالوا بنا نحسب ونعد أبناء عبد المطلب)
   أقول: العدد (أربعون) ورد في بعض الروايات و أما الروايات الصحيحة التي اعتمدنا عليها فلا تذكر هذا الرقم، أللهم إلا رواية مسند أحمد 1 ص 111 ذكرت: (جمع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون… ).
             وفي الحقيقة أتعب الخميس نفسه بالجمع والضرب في مسألة ليست أساسية في قبول ورفض الحديث لأن العدد لم يكن عدداً خيالياً يمتنع العقل من تصديقه بل كان عدداً مقبولاً قابلاً لاحتمالات يقبلها العقل والوجدان، على أن الخميس لم يكن دقيقاً في تحقيقه التاريخي كالآتي:
   1. ذكر الخميس أن ولد (الحارث بن عبد المطلب) كانوا خمسة، والتحقيق التاريخي يشير إلى عشرة ففي المعارف لابن قتيبة 124: (وأما الحارث بن عبد المطلب فهو أكبر ولد عبد المطلب وشهد معه حفر زمزم وبه كان يكنى وولده أبو سفيان بن الحارث والمغيرة بن الحارث ونوفل بن الحارث وأروى (إمرأة) وربيعة وعبد شمس…)، فهؤلاء خمسة، وإذا أضفنا أليهم كلاً من “سعيد بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي” (الإصابة 3\83)، “أسلمُ بن الحارث بن عبد المطلب بن هشام الهاشمي بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم”…الإصابة 1\215.، “عبيدة بن الحارث”…الإصابة 1\678.. وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب من أولاد الحارث (الطفيل والحصين)، أصبح المجموع عشرة.
   2. زعم الخميس أن الزبير بن عبد المطلب لم يعقب ذكوراً وهذا مخالف لما ورد في الاستيعاب لابن عبد البر3\904، تاريخ دمشق 28\137، أسد الغابة 3\161، سير النبلاء للذهبي 1\315، الإصابة 4\77 وغيرها: (عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.. وكانت سنه يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاثين سنة)…. كما أن الثابت أن للزبير بنات و يحتمل أن أولادهن قد حضروا وليمة يوم الدار و إن كانوا صغاراً.
   3. إن الخميس ذكر أولاد عبد المطلب وأحفادهم ولم يذكر (أولاد أحفادهم) الذين يحتملهم تواجدهم وإن كانوا صبياناً كالحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ذكره ابن حبان في الصحابة وقال: ولاه النبي صلى الله عليه وسلم بعض أعمال مكة، وكذا قال الزبير بن بكار، (وقال بن أبي خيثمة حدثنا مصعب قال الحارث بن نوفل له صحبة ورواية وولد له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ويقال كان له عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنتان)… الإصابة 1\695،
              كذلك العباس بن عتبة بن أبي لهب “مات أبوه كافراً بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وخلف هذا وكان عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً”.. الإصابة \512… و هذا أيضاً يحتمل أن يكون صغيراً في يوم الدار..
   4. أولاد عمات الرسول يحتمل أيضاً تواجدهم في الوليمة… وهؤلاء ينتسبون إلى عبد المطلب من جهة بناته.
   5. الخميس تجاهل رسول الله (سيد بني عبد المطلب) من الحساب.. !
   6. يحتمل تواجد رجال أو شباب أو فتيان من بني هاشم أعرض عنهم التاريخ صفحاً لعدم شهرتهم أو لوفاتهم بعد هذه الحادثة..
               وكيفما كان فالرقم المذكور في الرواية (ثلاثون) أو (أربعون) ليس رقماً خيالياً لا يمكن للعقل تصديقه ولا يشكل علة تستدعي رفض الحديث أو التوقف فيه.
   رابعاً: قول الخميس
              (علي هو الذي قام وقال: أنا أتابعك، عجيب! علي أصغرهم، بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولعلي ثمان سنوات، فكيف علي هو الذي يقول: أنا أتابعك؟! ألم يتابع النبي صلى الله عليه وسلم غير علي من بني عبد المطلب؟ ألم يؤمن قبل علي جعفر الذي هو أكبر من علي بعشر سنوات؟ أليس هو أمير القوم الذين هاجروا إلى الحبشة؟ جعفر بن أبي طالب ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخو علي الكبير، ولماذا لا يكون جعفر هو الخليفة؟ فأثر جعفر في مكة أكبر من أثر علي رضي الله عنه، فعلي كان صغيراً، فكيف يقوم علي؟ وجعفر ألم يقم في ذلك الوقت؟ جعفر من الأوائل الذين أسلموا و تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم).
         أقول: من الطبيعي أن يتعجب الخميس من صغر سن أمير المؤمنين عليه السلام، لأن البيئة السلفية الأموية التي ينطلق منها تأبى عليه أن يفهم ما يميز أهل البيت عليهم السلام عن غيرهم من الناس، وهو ينتمي إلى مدرسة حملت لواء الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وآله عندما نصب أسامة أميراً على سرية الغزو، بل تأبى هذه المدرسة وتلكم المدرسة على الخميس أن يفهم روحية النص القرآني الذي تحدث عن أمثلة من أنبياء الله تعالى الذين تجاوزوا حدود العمر في تلقي التكليفات والتشريفات الإلهية كقوله تعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) مريم12،
             وعليه فمن حقنا أن نسأل: ألم يكن علي عليه السلام رجل المهمات الصعبة في مرحلة ما قبل الهجرة وما بعدها ؟!
            ألم يكن علي بن أبي طالب ركناً أساسياً في معركة بدر و لم يكن سنه ليتجاوز (21 سنة) ؟؟!!
            ثم لا أدري من أين جاء الخميس بمعلومة أن جعفر آمن قبل علي ؟!
            وهل فرق السن هو الدليل ؟!!
             كما إن علياً لم يكن ضمن جماعة المهاجرين إلى الحبشة الذين كان أميرهم جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)؟!
          ثم إن الرواية نفسها تؤكد أن علياً كان معتمداً عليه حيث أمره الرسول بإعداد الوليمة ودعوة الناس، و في الهجرة كان علي هو الذي قام بمهمة المبيت في فراش النبي وأوكل إليه الرسول صلى الله عليه وآله إرجاع الودائع والأمانات إلى أهلها والهجرة بالفواطم الهاشميات إلى المدينة.
   خامساً: يقول الخميس
              (وآخرها أليس الشيعة الاثني عشرية يزعمون أن علياً كان خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم وكان وصياً له قبل خلق الخلق؟
              فكيف يعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً مفروغاً منه؟
           الأمر عندهم مفروغ منه، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل خليفته علياً رضي الله عنه قبل بعثه، وقبل خلق السموات والأرض، كانوا أشباحاً كما يقولون في كتبهم تحت العرش، افرض أن حمزة قال: أنا، أو أن العباس قال: أنا، أو أن أبا طالب قال: أنا، فهل حق علي سيضيع؟!
             أليس المفروض أن يقول لهم: الأمر منتهٍ، علي هو الخليفة، فلا يفكر أحد، ولا يناقش، أما أن يأتي ويعرض عليهم شيئاً مفروغاً منه عند الله سبحانه وتعالى، هذا لا يمكن أن يكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم).
      أقول: بالتأكيد إن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقل هذا الكلام من عند نفسه وكان مكلفاً به من قبل الله تعالى و بهذا يكون في علم الله تعالى أن لا يقوم أحد سوى علي بن أبي طالب ليؤكد للناس على إمامة علي بن أبي طالب وعلى اعتبارها مكملة لرسالة محمد صلى الله عليه و آله، وكذلك في هذا إثبات للحجة على كل الصحابة أن الرسول لم يأل جهداً من بداية الدعوة (حديث الدار) إلى نهايتها (حديث الغدير) بالتذكير بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام،
                وفي القرآن مثال يشبه ما نحن فيه وهو قصة سليمان عندما سأله حوارييه أيهم يأتيه بعرش بلقيس ؟!
             وقد أوضح الإمام الجواد عليه السلام هذه القصة في رسالته ليحيى بن أكثم: (سألت: عن قول الله جل وعز: ” قال الذي عنده علم من الكتاب ” فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عليه السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحبَّ أن يعرِّفَ أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمان عليه السلام أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته) – تحف العقول ص478.
   سادساً: يقول الخميس:
              (ولنفرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها لعلي، كما قد حصل في الحديث حيث قال: (أنت خليفتي ووصيي) هل صار خليفته؟ هل صار وصيه؟ الوعد لم ينجز؛ لأن الخليفة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، إذاً: لم ينفذ وعده، أترضون هذا لنبي الله أنه لم ينجز وعده؟ وعده شيئاً ثم لم ينجزه له؟! هذه مشكلة! هو يقول: يكون خليفتي.. يكون وصيي.. يكون وزيري، وما صار شيء من هذا أبداً، إذاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينجز وعده أو نقول: مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ نقول: مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهون بدل أن نتهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم ينجز وعده).

       أقول: هذا ليس وعداً بل تنصيب حقيقي ولا يضره جحد من جحده ونكران من أنكره بعد رسول الله صلى الله عليه وآله… فعلي هو الإمام بعد رسول الله فمن آمن به نجا ومن كفر به هلك… ومن قال إن الخلافة والإمامة التي هي امتداد للنبوة تعني مجرد استلام الحكم الدنيوي ؟!

             كما إن عدم تسلم بعض الأنبياء للحكم لم يضر بصحة نبواتهم ولم يضر بوجوب أتباعهم من قبل الناس سواء كان لهم الحكم الدنيوي أم لم يكن…. نعم لو قال الرسول لعلي: أنت خليفتي و ستتسلم حكم الناس بعدي كان هذا وعداً غير متحقق ولكن الأمر ليس كذلك..

         وخلاصة القول: إن ثبوت وقوع حادثة يوم الدار بالروايات الصحيحة والأخبار الموثقة من كلا الفريقين بقطع بصحة حدوثها.. وإن تخبط المدرسة السلفية في نقد هذا الحديث يكشف جانباً من الحرب المعلنة ضد فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.