Take a fresh look at your lifestyle.

الاستثمار.. والتنمية البشرية Investment & Human Development

0 1٬002
                  إن الهدف الرئيسي من التنمية هو خلق بيئة ملائمة للناس حتى يستطيعوا ان يعيشوا حياة أفضل، وإن الإنسان هو هدف التنمية والتقدم، وتعد التنمية البشرية هي الركيزة التي تقوم عليها التنمية الإقتصادية لأنه من دونها ليس هناك تنمية قابلة للاستمرار، لأن العنصر البشري يشكل أهم العناصر وأكثرها تعقيداً في عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
وقد أطلقت على التنمية البشرية العديد من المصطلحات ومن بين تلك المصطلحات (تنمية رأس المال البشري، تنمية العنصر البشري، تنمية الموارد البشرية، التنمية البشرية) وقد اعتمد مصطلح (التنمية البشرية) في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP) حينما أصدر أول تقرير للتنمية البشرية عام 1990.

 

     وقد أشار الاقتصادي الهندي الأصل أي سن (A. Sen) إلى أن مفهوم التنمية البشرية يرتبط بالحقوق الأساسية للبشر (Entitlement) الذي يضمن حقهم بالخيارات المتاحة أمامهم وذلك لزيادة فرصهم في التعليم و الرعاية الصحية والدخل و التشغيل، أما بول ستريتن (Paul Streeten) فيرى بان مفهوم التنمية البشرية يتضمن تحسين الظروف البشرية و توسيع خيارات الناس، والنظر إلى البشر كغايات بحد ذاتها، ووسائل إنتاج أيضا، وذهب آخرون إلى إن التنمية البشرية هي زيادة فرص الاختيار وما الدخل ألا واحداً من هذه الفرص و ليس كل ما تنطوي عليه الحياة الإنسانية، فهو يعني تنمية الناس من اجل الناس و من الناس أنفسهم.فيما يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على ان مفهوم التنمية البشرية يعني تنمية الناس من اجل الناس، بواسطة الناس، فتنمية الناس تعني الاستثمار في قدرات البشر، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل على نحو منتج وخلاق، و التنمية من اجل الناس تعني الإمكانية في توزيع ثمار النمو الاقتصادي توزيعاً عادلاً وواسع النطاق، والتنمية بواسطة الناس تعني إعطاء كل فرد فرصة المشاركة فيها.
وفي ضوء ما تقدم يمكن توضيح أبعاد (أركان) التنمية البشرية كما حددتها تقارير التنمية البشرية من خلال الجدول (رقم 1).

                          دور الدولة في التنمية

 

            يعتبر دور الدولة في ميدان تنمية البشر أساسياً، فإذا كانت الدولة غير متحمسة أو غير قادرة على تمثيل دور محدد فإنه يمكن اعتبارها مشكلة حقيقية تثور بوجه التنمية و لربما سبباً في الفقر. و قد اتضح من المناقشات والحوارات التي دارت بين مختلف الاتجاهات و التخصصات عقم الأفكار الداعية الى تقليص دور الدولة في عمليات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالدولة هي الوحيدة القادرة على وضع الأسس الصحيحة للاستثمار والتنمية البشرية من خلال صرف توجهاتها المستقبلية نحو النمو والنهوض والتنمية البشرية من خلال إدراج موضوع التنمية على لائحة الخطة الإستراتيجية للبلد والخوض في تفاصيل تلك الخطط على نحو التفصيل والدقة في مضمون التنمية البشرية والمتعلقة بالمستوى المعاشي والدخل للفرد وكيفية تحسينه، رفع مستوى التعليم والثقافة العامة ومحاولة بناء ثروة من الكفاءات، تحسين الوضع الصحي للناس من خلال اعتماد سياسات وسن قوانين من اجل النهوض بواقعهم الصحي (كاعتماد أسلوب الصحة الوقائية في البلد)، حقيقة هذه المهام والأهداف لا يمكن لمنظمة إنسانية عابرة ان تتبناها وليس باستطاعة الأمم المتحدة ان تفرضها على البلد،تشرف عليها نعم ممكن لكن على الدولة تقع المسؤولية الكبرى.

 

 

 

                            الاستثمار البشري

 

  من الناحية اللغوية يعرف الاستثمار بأنه (طلب الثمر والسعي للحصول عليه والانتفاع به)، أما من الناحية الاقتصادية فيعرف الاستثمار بأنه(تخصيص رأس المال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة أو لتطوير الوسائل الموجودة لغاية زيادة الطاقة الإنتاجية)، فالاستثمار يستمد أصوله كمفهوم من علم الاقتصاد وهو على صلة وثيقة بمجموعة من المفاهيم الاقتصادية من أهمها : الدخل (Income) ، والاستهلاك (Consumption)،والادخار (Saving)، والاقتراض (Borrowing)، فدخل الفرد أو المنشأة عن فترة زمنية محددة (شهر مثلا) هو جملة عوائد خدمات عوامل الإنتاج الممتلكة خلال تلك الفترة ممثلة في صورة نقدية، وتعتبر فوائض الدخول النقدية المدخرة من قبل الأفراد أو المنشات، المصدر الأساسي للاستثمار، لذا يشترط أن يكون الدخل النقدي للمستثمر اكبر من الاستهلاك، أما إذا كان الاستهلاك أكثر من الدخل النقدي فعندها يتحول الفرد أو المنشأة إلى مقترض.
  ومع تطور حجم الأعمال والأنشطة الاقتصادية ظهرت مفاهيم ومصطلحات لم تكن مألوفة في السابق كالاستثمار في رأس المال الفكري أو الاستثمار البشري الذي يندرج تحت مفهوم الاستثمار العام، وهذا حتم على الدول الاهتمام بجوانب التنمية البشرية كي يتفادوا ان يكون الفرد مصدر عجز وعبئ على الدولة بل مصدر تمويل وإيراد وعنصرا منتجا فضلا عن مساهمته في بناء الواجهة الاجتماعية للدولة، فاحتلت معايير ومؤشرات التنمية والاستثمار البشري مساحة واسعة من إستراتيجيات الدول التي لديها رغبة حقيقية في الاستثمار البشري ووضعت لها أسس ومبادئ وأحيانا تشرع قوانين لفرضها على الشارع، ومن بين أهم المؤشرات الرئيسة للتنمية بهدف الاستثمار البشري هي:
    1ـ مؤشر الصحة يمكن قياسه من خلال توقع الحياة عند الولادة أو من خلال معدل وفيات الأطفال الرضع أو وفيات الأطفال دون سن الخامسة كما يمكن استخدام معدل وفيات الأمهات، وتعد هذه المؤشرات مهمة لقياس مستوى الصحة لاسيما في الدول النامية، التي تعكس المؤشرات المتوفرة عنها وجود تفاوت واضح بينها وبين الدول المتقدمة.

 

  2ـ مؤشر التعليم والذي يقاس بمعدل معرفة القراءة و الكتابة للبالغين، قد تستخدم بعض المؤشرات الأخرى كعدد العلماء و الفنيين لكل (1000) نسمة من السكان، أو نسبة خريجي التعليم العالي كنسبة من الفئة العمرية المقابلة لها، أو نسبة الإنفاق العام على التعليم إلى الناتج القومي الإجمالي

 

.
  3ـ مستوى الدخل ويمكن قياسه من خلال استخدام متغير متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي معدلاً بالقوة الشرائية المعادلة (Adjusted Real GDP per capita PPP $ (Purchasing Parity Power) للدولار، ويمكن توفير إحصائيات ساندة أخرى من خلال إحصاء عدد الموظفين في البلاد أو مقياس البطالة أو مستوى وحجم العمالة ومن الضروري هنا توفر قاعدة بيانات لدى الحكومة من اجل الإحاطة بتلك الإحصائيات.

 

 

 

             محاور استراتيجية مقترحة للاستثمار والتنمية البشرية

 

 

     بداية لابد ان نؤمن ان الاستثمار والتنمية البشرية بحاجة الى نقطة انطلاق أو نقطة بداية تحددها الدولة وتدعمها مؤسسات المجتمع المدني متمثلة بوضع خطة إستراتيجية تشمل الفئات الأكثر ضررا في المجتمع وهذا لا يعني ان نستثني ذوي الدخل الجيد من الناس لأنهم قد يعانون من مشكلات في التعليم أو الثقافة الصحية، ولبناء تلك الإستراتيجية لابد من الاستعانة بعناصر التنمية الرئيسة (الصحة، التعليم، دخل الفرد)، وقد كانت لنا رؤى في هذا السياق حيث يمكن تحديد المحاور الرئيسة لتلك الإستراتيجية وفق عناصر التنمية البشرية وكما يلي:

 

    وضع أهداف واضحة وممكنة التحقيق للتنمية البشرية تتلاءم مع إمكانات الدولة وبعيدة عن الخيال.

 

     دراسة وتحليل البيئة الداخلية للبلد (وتحديد نقاط القوة والضعف) التي تخدم عملية التنمية.

 

 

     دراسة وتحليل البيئة الخارجية للبلد (وتحديد الفرص والتحديات).

 

                  صياغة الإستراتيجية

 

        وعلى صناع القرار ان يأخذوا بنظر الاعتبار الاقتراحات التالية أثناء إعدادهم لإستراتيجية التنمية البشرية:

 

                     1ـ مقترحات الصحة العامة للفرد:

 

      تتمتع الكثير من البلدان بفرض نظام الصحة الوقائية (مثل الأردن) والذي يقوم على أساس ان المواطنين يجب ان يخضعوا لفحص صحي دوري وإجباري، حيث يذهب المواطن كل ستة أشهر إلى طبيب الأسنان أو المفاصل أو غيرها لإجراء الفحوصات ومعالجة الأمراض ان وجدت في مواعيد محددة مسبقا في العيادة الطبية، ان هذا الموضوع لكي يطبق في العراق في تقديرنا لا يحتاج إلى عناء وجهد كبيرين بل يحتاج إلى عملية تنظيم (Organize) ناجحة ووضع سياسة جديدة من قبل الدولة تجبر المواطن من حيث لا يشعر لإجراء الفحوصات الطبية بصورة إجبارية، فمثلا تصدر الدولة سياسة معينة تقضي بفرض إنشاء بطاقة جديدة تدعى (البطاقة الصحية) على غرار (البطاقة التموينية) تتضمن تفاصيل المراجعات التي قام بها الفرد للمركز الصحي أو الطبيب الأخصائي خلال ستة أشهر تكون هذه البطاقة تعريفية بالصحة العامة لذلك الشخص وحتى تكون إجبارية وملزمة للفرد تطلب منه في كل المراجعات والدوائر الرسمية في كل المعاملات شانها شان البطاقة التموينية.

 

 

                  2ـ مقترحات رفع المستوى المعاشي للفرد:

 

 

     تسعى الدولة جاهدة في هذه المرحلة إلى رفع المستوى المعاشي للناس والاهم من ذلك زيادة القدرة الشرائية من خلال التعديل المستمر على سلم الرواتب ومحاولة زيادة القوة الشرائية للدينار من خلال متابعة نسبة التضخم وإطفاء الديون الخارجية وغيرها من الإجراءات، لكن هذا وحده لا يكفي لان هناك فئات كبيرة لم تطلها يد المساعدة وضلت شبه معطلة، فهناك الكثير من الأيدي العاملة تعاني من البطالة، القطاع الزراعي شبه معطل، القطاع الصناعي شبه معطل، الشركات والمستثمرون الأجانب لم يكن لهم دور إلى الآن، فما العمل إذا ؟
      بالحقيقة تعتمد الكثير من الدول في اقتصادياتها على الإيرادات الخارجية والرسوم والضرائب والكمارك ونلاحظ ان مواطنيها يعيشون حياة قد يحسدهم عليها حتى مواطن البلد الغني الذي تملأ بلده الخيرات، فقد تكون الخيرات مصدر عبئ ونقمة على البلد أحيانا بسبب الأطماع الخارجية والفساد الداخلي، فاتجهت الكثير من الدول إلى بناء اقتصاد متين يعتمد على التجارة وفرض الضرائب والرسوم والكمارك وتعظيم الإيرادات الخارجية لتمويل ميزانية الدولة وخير مثال على كلامنا هذا هو التجربة الإماراتية، فالإمارات تعتمد على التجارة بنسبة 35% سنويا وعلى النفط بنسبة 65%، كذلك لا تغيب عنا التجربة المصرية في الثمانينات عندما صدرت الأيدي العاملة للخارج وخصوصا العراق فبلغ عدد الوافدين للعراق بحدود مليون فرد وتخيل حجم العملة الداخلة للبلد إذا قام كل فرد بتحويل 100$ فقط إلى بلده شهريا !

 

      فهل بالإمكان استغلال هذه التجربة في بلدنا ؟ بالتأكيد نستطيع وستنعكس على عملية التنمية بشكل مزدوج من خلال رفع المستوى المعاشي ورفع المستوى الثقافي أيضا فاختلاط الأفراد بثقافة جديدة ثقافة (البلد المضيف) وقوانين جديدة اعتقد انه سيكتسب الكثير منها، لكن كما أسلفنا لابد من تدخل الدولة لتنظيم العملية فممكن عن طريق اتفاقيات تتبناها وزارة الخارجية أو التجارة أو العمل والشؤون الاجتماعية مع دول بحاجة للأيدي العاملة ويكون تصدير تلك الأيدي بشكل تدريجي وبعد ان تؤهلهم بدورات تدريبية.

 

                3ـ مقترحات رفع المستوى التعليمي للفرد:

 

       يمكن الاستفادة من التجربة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية في عملية رفع المستوى التعليمي للأفراد حيث شرعت بعض قيادات الدولة إلى الالتفات لهذا الجانب وسعت إلى بناء نموذج من الخبرات والكفاءات من مواطني البلد عن طريق إرسالهم في بعثات دراسية لإكمال دراستهم والحصول على شهادات عليا وخصوصا الأفراد من حملة شهادات (الإعدادية و البكالوريوس و الماجستير) أو زجهم في دورات تدريبية متقدمة لصقل خبراتهم وتنمية مهاراته من اجل تحقق الاستغلال الأمثل لجهودهم، هذه التجربة تعتبر فرصة كبيرة للتنمية وخصوصا على المدى القصير (الخمسة سنوات المقبلة) ويمكن اعتبارها استثمارا فكريا وماديا للبلد من خلال الفوائد التي من الممكن ان نجنيها من هذه التجربة وهي كما يلي:

 

                    تطوير المستوى العلمي للأفراد.

 

   تطوير المستوى الثقافي والانفتاح على ثقافات بلدان أخرى في حال ان الفرد حصل على شهادته من خارج بلده.
بناء رصيد من الكفاءات والخبرات وزيادة نسبتهم قياسا بعموم الشعب.
 تحقيق مردود مادي للبلد من خلال منح قروض دراسية بفائدة لهؤلاء الأفراد يتم تسديدها بشكل أقساط مع الفوائد.
مساهمة هؤلاء العقول في بناء بلدهم ونقل التجربة التي اكتسبوها لبلدهم.

 

 في حال عدم عودتهم من إكمال الدراسة والحصول على فرص عمل خارج بلدهم سيصبحون مصدر إيراد للعملة الصعبة.
نحن نعتقد ان مصارفنا التجارية لو بادرت بمثل هكذا خطوة من خلال منح قروضا دراسية أو بحجز مقاعد دراسية في جامعات عالمية سنجد طوابير من الناس تصطف على أبوابها منتظرة الحصول على هكذا فرصة >

 

————————————————————————————————————————-

(1) شلاش، أمال، ندوة التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي، بيت الحكمة، الطبعة الأولى، بغداد، 2001، ص 9.
(2) القصيفي، جورج، التنمية البشرية: مراجعة نقدية للمفهوم والمضمون، ندوة التنمية البشرية في الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، بيروت، 1995، ص 81.
(3) نادر الفرجاني، التنمية الإنسانية و اكتساب المعرفة المتقدمة في البلدان العربية، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأمم المتحدة، نيويورك 1999، ص5.
(4) محبوب الحق، مفاهيم التنمية البشرية، برنامج الأمم المتحدة 1994، ص22.
(5) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (1993) تقرير التنمية البشرية لعام 1993، ص3.
(6) مالكولم جبلز و مايكل رومر، إقتصاديات التنمية، دار المريخ للنشر، الرياض (السعودية )، 1995، ص285.
(7) Paul Streeten (1994) Human development : means and ends the American Economic Review : 84 (2) P233.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.