Take a fresh look at your lifestyle.

أصنـاف النـاس في نهج البلاغة

0 1٬265
              إن المنظومة البشرية بألوانها وأطيافها واتجاهاتها المختلفة استطاع أن يصنفها الإمام علي (عليه السلام) رجل الإنسانية الأول ـ كما وصفه جورج جرداق ـ صنفها في أحدى روائع الحكم في نهج البلاغة إلى ثلاثة أصناف حيث قال (عليه السلام):
                (الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق).

 

                وقد ذكر محمد عبده في شرحهِ للنهج: العالم الرباني المتأله العارف بالله المنسوب إلى الرب.
              وفي خطبة أخرى من خطب النهج أيضاً ورد ذكر الرباني حيث قال الإمام علي (عليه السلام) في مورد يصف فيه الفتن في آخر الزمان (فاتبعوا ربانيكم…أي العارفين بالله المخلصين الذين لا يرجون من الدنيا ومن الحكام بشيء، المنقطعون إلى الله سبحانه.
              ويؤكد الإمام (عليه السلام) على العلماء العارفين لأنهم أشد الناس مراقبة لأنفسهم وأكثر الناس ابتعاداً عن الهوى وأتباعه، وأعدل الناس في الحكم ولأنهم أصحاب اشراقات نورانية، لا يحابون أحداً على حساب الحق ولا يمارون بجدل عقيم لا طائل منة.
             فهؤلاء العلماء هم أبهى تجل للرحمة الإلهية وأوضح الطاف الخالق بالمخلوقين، حيث يتم الالتجاء لهم في أوقات الفتن والهروب إليهم من المحن. وهؤلاء ورثة الأنبياء حقاً وحملة الرسالات الألهية يقيناً وصدقاً، هذا هو الصنف الأول من الناس وهم أولى الناس بالاتباع. وهم قلة وأندر من الكبريت الأحمر.
              اما الصنف الثاني فهو المتعلم على سبيل نجاة.
              والمتعلمون الذين يسيرون على طريق النجاة أنواع. فمنهم من يصل وينجو ومنهم من ينقطع ولا ينجو.
            فكثير من المتعلمين تعلموا العلم ليماروا به العلماء. لا لأجل التعلم وأخذ العبرة والفائدة.
           ومن المتعلمين من يخالجه الغرور وهو ليس على شيء فيرى نفسه أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، وبذلك ينقطع عن مواصلة السير في سبيل النجاة ومنهم من تستقطبه الدنيا بزخارفها ولما يكمل الوصول فيضيع في شهوات الدنيا من حب للشهرة والمال ولا يوافق لما كان يصبوا له من مقام رفيع ومنزل عظيم فيما لو أتم طريقه نحو النجاة فلا ينجو ومنهم من يكون علمه وبالاً عليه فتحول نعمة العلم والتعلم إلى نقمة الجهل والتكبر.
           فرأس مال العلم هو التقوى ولا فائدة حقيقية مرجوة من دون التقوى فهذا إبليس رغم ما كان يتمتع به من علم كما ينقل إلا أن علمه لم يغن عنه شيئاً.
             ولذا قيل:
     لو كان للعلم غير التقى شرفاً            لكان أفضــل خلـق الله إبليــس
          ومنهم من يسير سيراً حثيثاً نحو النجاة. فلا يشغله أمر مما ذكرناه ويقاوم كل الإغراءات ويحارب كل همزات الشياطين ونزعاتهم وكل نفحات النفس الأمارة بالسوء وما تريده النفس.
           وهؤلاء هم من يصلون إلى النجاة ويحملون مشعل العلم. ويخلفون الصنف الأول في حال جاء أجل من كان فيه.
           وهؤلاء ـ أي الصنف الثاني ـ قلة وإن كانوا أكثر من الصنف الأول لكنهم قلة والقلة منهم من يصلون سبيل النجاة ويكملون السبيل حتى نهايته.
           والصنف الثالث والأخير وهم مع شديد الأسف الأغلبية الساحقة منذ ألف وأربعمائة عام وحتى الآن هم (الهمج) كما جاء في شرح النهج الحمقى من الناس أي الذين يغلب غضبهم عقلهم وتغلب شدة بأسهم حصانة تعقلهم، فهم في حالة غضبهم يكونون أداة بيد الشيطان يحركها كيف يشاء.
            (والرعاع) الأحداث الطغام الذين لا منزلة لهم في الناس الذين لا يقيموا وزناً لخلق ولا لعلم ويتبعون كل ناعق فلا يميزون بين داعي الحق وناعق الباطل.
            وهذا لعمري حال الكثير من الناس في المجتمع. ليس لهم من رادع خلقي أو ديني أو حتى عرقي وما أن يسمعوا كلمة إلا يتبعونها من غير أن يميزوا إن كانت كلمة حق يراد بها حق أو كلمة حق يراد بها باطل.
             والمهم لديهم أن تكون هناك دعوة لأمر ما فيسرون معها بلا تدبر أو تحليل لتلك الدعوة.
           ثم يفصل الإمام (عليه السلام) صفاتهم أي الهمج الرعاع ـ يقول (يميلون مع كل ريح) أي أنهم لا يميزون ما إذا كانت هذه ريح عاتية تريد تمزيق المجتمعات أو ريح طيبة تريد بناء الإنسان والمجتمع على أكمل وجه نحو الكمال ويعلل ذلك الإمام (عليه السلام) بسببين:
   أولاً: لأنهم لم يستضيئوا بنور العلم فبقائهم في ظلام الجهل أولى بهم للسير خلف كل ناعق بلا معرفة.
   ثانياً: لأنهم لم يلجأوا إلى ركن وثيق والركن الوثيق مبين في التصنيف أي أنه يعني الصنف الأول العلماء والربانيون الذين ما أن تمسك بهم أحد حتى أبعدوه عن ظلام الجهل وعن اتباع كل ناعق.
           وهذا ما يوضح أهمية ومركزية الصنف الأول ـ أي العلماء الربانيون ـ في المجتمعات الإنسانية لأنهم البوصلة التي تشير دائماً إلى الحق وطريقه الذي يوصل إليه بأقل المخاطر وبدون تكلف المصاعب وبهذا نجد الإمام (عليه السلام) قد صنف الناس بكل دياناتهم ومذاهبهم وألوانهم وأطيافهم إلى هذه الأصناف الثلاثة.
           فحري بمن عرف هذه الأصناف أن يكون مع الصنف الثاني ويحث الخطى لكي يبقى سائراً على سبيل النجاة ويبتعد عن الصنف الثالث (الهمج الرعاع)، لأنهم مشرفون على الهلاك والعياذ بالله. ولو جاهد نفسه وكان من الصنف الثاني فالسعادة الدائمة.
             والأولى أن يصل هذا التصنيف لكل الناس ليعرفوا مكانتهم من أي صنف ولينقذوا أنفسهم ويتبعوا ربانيهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.