Take a fresh look at your lifestyle.

السيرة النبوية الشريفة … دروس وعبر

0 641
          اتفقت كلمة المسلمين بكل مشاربهم على اعتبار سنة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) مصدر رئيسي من مصادر التشريع بعد القران الكريم.
          وموقفه(صلى الله عليه وآله) من كل ما حدث في حياته من أحداث ، يعد جزءًا من السنة الشريفة، كقوله أو فعله أو تقريره ـ سلبًا أو إيجابًا ـ.
         أما إذا كانت تلك الأحداث ـ وأغلبها هكذا ـ مدعمة بالوحي، فلا يمكن أن يدخل إليها الشك أو التأويل (كونها سنة معتمدة)، إلّا لمن كان جاهلًا، أو في قلبه مرض.
         ومن المفاهيم التي تبناها الإسلام، هو مفهوم (القيادة في الإسلام)، وذلك من خلال الأحداث التي جرت على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وقد بينها القران الكريم في آياته المباركة.
          فمن حوادث معركة أحد، وهي الصيحة التي ارتفعت فجأة في ذروة القتال بين المسلمين والوثنيين (أنَّ مُحمدًا قد قُتِل).
         ولقد قارنت هذه الصيحة نفس اللحظة التي رمى فيها (عمرو بن قمئة الحارثي) النبي(صلى الله عليه وآله) بحجر فكسر به رباعيته وشجه في وجهه، فسال الدم، وغطى وجهه الشريف، فقد كان العدو يريد في هذه اللحظة أن يقضي على رسول الله(صلى الله عليه وآله)،
          ولكن (مصعب بن عمير) وهو من حملة الرايات في الجيش الإسلامي ذب عنه حتى قتل دون النبي(صلى الله عليه وآله)، فتوهم العدو أن النبي قد قتل، ولهذا صاح:
           ألا أن محمداً قد قتل، ليخبر الناس بذلك الأمر.

 

          وقد كان لانتشار هذا الخبر أثره الإيجابي في معنويات الوثنيين بقدر ما ترك من الأثر السيئ في نفوس المسلمين حيث تزعزعت روحيتهم وزلزلوا زلزالا شديدًا، فاضطرب جمع كبير منهم كانوا يشكلون أغلبية الجيش الإسلامي، وأسرعوا في الخروج من ميدان القتال، بل وفكر بعضهم أن يرتد عن الإسلام بمقتل النبي (ص) ويطلب الأمان من أقطاب المشركين،
         بينما كان هناك أقلية من المسلمين مثل الإمام علي(عليه السلام) وأبو دجانة الأنصاري وطلحة وآخرون، يصرون على الثبات والمقاومة ويدعون الناس إليه.
            فقد جاء أنس بن النضر إلى ذلك الفريق الذي كان يفكر في الفرار وقال لهم :
            (يا قوم إن كان قد قتل محمد فرب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وموتوا على ما مات عليه) ثم شد بسيفه وحمل على الكفار وقاتل حتى قتل، ثم لم يمض وقت طويل حتى تبين أن النبي(صلى الله عليه وآله) على قيد الحياة، وتبين على أثره خطأ ذلك الخبر أو كذبه)(1)،
            فنزلت الآية الكريمة التي توبخ الذين لاذوا بالفرار بشدة: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). [آل عمران:144]
             فهذه الحادثة الهامة في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وهذا الدرس البليغ من دروس السيرة، يبين لنا أمرين في غاية الأهمية والخطورة:
    1- إن الإسلامَ ليسَ دينَ عبادةِ الشخصيةِ، فمتى ما قُتل النبيُّ(صلى الله عليه وآله) ونال الشهادةَ ينتهي كلُّ شيءٍ ويسقطُ التكليف الشرعي عن المسلمين، بل عليهم ألا يتوقفوا عن أداء تلك التكاليف،وأنها مستمرة، لأن الدين الإسلامي لا ينتهي بموت النبي(صلى الله عليه وآله) أو استشهاده، فهو الدينُ الحقُ ، وهو خاتم الرسالات السماوية، الذي أنزلَه الله ليبقى خالدا إلى الأبد.
           إن تقديس الأفراد أو عبادةَ الشخصيةِ من أخطرِ ما يصيبُ الشعوب حيال قيادتها، والأمة التي تؤله الأشخاص (القادة) مهددة بالسقوط والانهيار، فارتباط أي فكر أو دينِ بشخصٍ معين، مهما بلغ ذلك الشخص من الأهمية، معناه توقف الحياة وفعالياتها بغيابه أو موته، حتى لو كان ذلك الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وهذا يدل على عدم نضج تلك الأمة.
            وقد استغل القادة المزيفون أو الطواغيت جهل أممهم وجعلوا من أنفسهم آلهة، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:54] (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات:24].
             أما القادة الحقيقيون الصادقون،فقد حاربوا فكرة تقديس الفرد وعبادة الشخصية، وهذا وحده دليل كاف على صدقهم وصدق دعوتهم التي تجاوزت تحقيق المصالح الشخصية أو الفئوية، وإلا للزم الحال أن يعمقوا هذا الأمر في أفكار ومعتقدات شعوبهم.
            فالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) كان قائداً للأمة، ومبلغاً عن الله، ومشرعًا للأحكام ، ومفسراً وشارحاً لكتاب الله، وكان كتاب الله حجة على العباد كما كان الرسول حجة أيضًا، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر:7]، ولكنه كان يرشد الأمة في حياته بين الحين والحين، لمن سيخلفه في القيادة من بعده، في حديث الدار، وحديث المنزلة، وحديث الثقلين، وكان آخرها حديث الغدير، ليكملوا المسيرة التي بدأها، لان الرسالة التي جاء بها لا تنتهي بموته أو غيابه.

            ومن هنا كان الفقه الامامي الذي اوجب على عامة الناس تقليد المجتهد الجامع للشرائط، لم يجز تقليد المجتهد الميت ابتداءاً، حتى وان كان أعلم من الأحياء، بل جعل الحياة شرطًا من شروط المقَلَّد(2).
    2- من الأمور التي كشفتها هذه الواقعة، وأشار إليها القرآن الكريم مستشرفًا مستقبل الرسالة بعد موت النبي(صلى الله عليه وآله) (القائد)، هو ظهور فئة كبيرة من المسلمين، وهم (المنقلبون)، (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)، والذي يؤسف له أن الفارين، المنهزمين، المتخاذلين، (المنقلبين) على مبادئ رسول الله(صلى الله عليه وآله) هم الأكثرية الساحقة من المسلمين، بينما الصامدون المقاومون، الذين سمتهم الآية الكريمة (الشَّاكِرِينَ) كانوا هم الأقلية (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ) [سبأ:13].
             وهؤلاءِ الأقليةُ الصالحة المؤمنة صمدت وقاومت يوم أُحد، وبقيت تقاومُ اشد المصائب والبلايا على مدى أربعة عشر قرنا، وعلى جبهتين :
    جبهةُ أعداء الإسلام الذين يتربصون بهِمُ الدوائرَ ويكيدون لهم ليلَ نهار ويجندون كلَّ الطاقاتِ لمحاربة الإسلام وطمس معالمه وهويته، ويبذلون قصارى جهودهم للنيل من الإسلام ومن المؤمنين الصامدين المرابطين الذين لم ينهزموا ولم يتراجعوا.
    وجبهةُ الانقلابيون ـ إن صح التعبير ـ الذين عادوا إلى الجاهلية الوثنية المقنعة بقناع الإسلام، بل وتحالفوا مع أعداء الإسلام على ضرب المؤمنين الصادقين، فاستباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم. وبقي هذا الحالُ منذ وفاةِ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا.
             منذ قُتِلَ المؤمنونَ واستُبيحَتْ أعراضُهم وأموالهُم باسم حروب الردة، يومَ البطاحِ أو يومَ مالك بنَ نويرةَ وقومِهِ المؤمنين، ولم يقتصروا يومئذ على قتلهم صبرًا بل تجاوزوا ذلك إلى المثلة بهم وسبي المسلمات واستباحة ما حرم الله تعالى من الأموال والفروج وتعطيل الحدود الشرعية في أحداث ما أظنُ أن لها نظيرا في الجاهلية…
            إلى حربِ الجملْ وصفينْ والنهروانْ تحتَ عناوينَ مختلفةً،
           إلى قتل سيد شباب أهل الجنة والثلة من أهل بيته وأصحابه وسبي عيالهم تحت عنوان حرب الخوارج، ثم قتل وتصفية أئمة الهدى من أهلِ البيتِ(عليهم السلام) وأتباعِهِم باسم المحافظةِ على سلطةِ الدولة،
           وخيرُ شاهدٍ على ما نقولُ هو مشاهدُ الذبحِ والتفجير والتهجير التي يقوم بها هؤلاء الانقلابيون لقتل المؤمنين باسم الإسلام ونبي الإسلام تحت عنوان الجهاد.
           وما نراهُ اليومَ من حملة شرسة من أعداء الإسلام ضد الإسلامِ ونبيه خيرُ دليلٍ على ذلك.لأن الانقلابيين ضربوا الإسلامَ باسم الإسلام وشوهوا صورتَهُ الجميلةَ، ليفتحوا الطريق أمام الأعداء لينالوا من الإسلام ونبي الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله).
           وبقيتْ الثلةُ المؤمنةُ (الشاكرون) الذين لم ينقلبوا، متمسكين بالإسلام ونهجه القويم وصراطه المستقيم، ومستمسكين بالعروة الوثقى التي لانفصام لها، القادة الحقيقيون، محمدٌ(صلى الله عليه وآله) ومن بعده الأئمة من أهل بيته عليهم السلام، متحلين بأخلاقهم ومبادئهم، رافعين مشعل الهداية للأجيال، متحملين في سبيل ذلك كل أنواع القهر والتنكيل، يقدمون قوافل الشهداء قرابين على مذبح العقيدة على طول امتداد التاريخ وسيبقون كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

            (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحجرات:15].
                     صدق الله العلي العظيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الامثل في تفسير كتاب الله المنزل /ج2/ص718.
(2) راجع الرسائل العملية باب التقليد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.