يعَد السيد محمد الجواد العاملي من أعلام مدرسة النجف الأصولية الحديثة،إذ كان واحدا ً من أساطينها الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذه المدرسة العتيدة التي يرجع إليها اليوم ملايين المؤمنين من مشارق الأرض ومغاربها.
عاش السيد العاملي(رحمه الله) في عصر بدأ فيه الاستعمار الغربي استعمال أساليب جديدة لهدم أركان الإسلام من داخله، بعد أن وجد أن توجيه الجيوش واحتلال الأراضي لا تجدِ نفعا ً فوجه إلى زرع نبتة خبيثة في الجزيرة العربية، تمثلت في الفكر الوهابي الهدّام، الذي سيطر على ربوع نجد والحجاز وأخذ يشن الغارات تلو الغارات على الإمارات العربية فيها وإخضاعها إلى نفوذه، والسير على نهجه الجديد، في خطها المنحرف عن طريق الإسلام الحنيف.
لم يكتف الوهابيون في ذلك بل توسَع نطاق هجوماتهم العسكرية إلى العراق الشيعي فشنوا الغارة تلو الغارة، فهاجموا النجف وكربلاء المقدستين.
وعندما حاصر الوهابيون النجف سنة 1223هـ بقيادة سعود أمير عرب نجد بعشرين ألف مقاتل، كان السيد العاملي أحد الجنود المدافعين عن المدينة المقدسة، بل أول المباشرين للدفاع، وهو مثير الرغبة والحاث على الإقامة على السور،فثبت لهم خلف السور وقتل منهم.
وقد صنف العاملي آنذاك رسالة في ذلك سماها (رسالة في وجوب الذب عن النجف) وضعها سنة 1223هـ. وفي سنة 1225هـ، جاء عسكر الوهابية مرة أخرى إلى النجف والحلة وقد عاثوا بالزوار والساكنين قتلاً، وحرقوا الزرع وقتلوا الضرع، وكان أهل النجف كالمحاصرين آنذاك، وقد ذكر ذلك كله في أواخر مجلدات (مفتاح الكرامة).
اسمه ونسبه وأسرته:
هو السيد محمد الجواد(1) بن محمد بن محمد الملقب بـ(الطاهر) بن حيدر بن قاسم بن إبراهيم بن أحمد بن قاسم الحسيني القشاقشي العاملي النجفي، المتولد بشقراء حدود نيف ومائة وخمسين وألف، وشقراء من قرى جبل عامل في لبنان، هاجر منها إلى العراق واستقر بادئ الأمر في كربلاء وتزوج السيد العاملي من بنت السيد باقر بن السيد علي الأمين العاملي، ثم طلقها، وتزوجها من بعده الفقيه الشيخ حسن بن الشيخ أسد الله (صاحب المقاييس) وهي أم جميع أولاده المشايخ الكرام(2).
ثم تزوج من بنت الشيخ زين العابدين بن الشيخ بهاء الدين الشهيدي (نسبة إلى الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني العاملي)(3)، وله منها عقبه السيد محمد ومنه ذريته، وبنت عمّرت طويلا(4).
توفي السيد العاملي في النجف الأشرف سنة 1226هـ، في السنة التي أنهى بها تأليف كتابه (مفتاح الكرامة)، وهو يومئذٍ في عشر السبعين من عمره، كما صرح به في أواخر مفتاح الكرامة، ودفن في بعض حُجَر الصحن العلوي الشريف في الصف القبلي لوجه أمير المؤمنين(عليه السلام)، عن يمين الخارج من باب القبلة(5).
نموذج من خط المترجم له
إجازاته في الرواية:
أجازه مجموعة من العلماء والسادات من أقطاب عصره وأستاذته، وأجاز هو بعضًا من طلبته ومريديه ومعاصريه من العلماء، فمن الإجازات التي اُجِيزَ بها ما يأتي(6):
1ـ إجازة الأغا محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني.
2ـ إجازة السيد علي الطباطبائي (صاحب الرياض).
3ـ إجازة الشيخ جعفر كاشف الغطاء (صاحب كشف الغطاء).
4ـ إجازة السيد محمد مهدي بحر العلوم (صاحب بحر العلوم).
5ـ إجازة المحقق الميرزا أبو القاسم القمي (صاحب القوانين).
وقد روى عنه جماعة من تلامذته ومعاصريه منهم(7):
1ـ الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر).
2ـ الأغا محمد باقر الهزار جريبي المازندراني.
3ـ الأمير عبد الوهاب، وتاريخ إجازته له في ربيع الأول من سنة 1225هـ.
4ـ الشيخ جواد بن تقي ملا كتاب الكردي.
5ـ سبط الشيخ رضا بن زين العابدين العاملي.
6ـ ولده السيد محمد.
أساتذته:
تتلمذ السيد محمد الجواد العاملي على ثلة من علماء عصره في جبل عامل وكربلاء والنجف، منهم(8):
1ـ السيد أبو الحسن موسى العاملي، وهو عمّ أبيه أو ابن عمه، قرأ عليه في جبل عاملة.
2ـ الأغا محمد باقر بن الأغا محمد أكمل البهبهاني، قرأ عليه في كربلاء المقدسة.
3ـ السيد علي الطباطبائي (صاحب الرياض)، قرأ عليه في كربلاء المقدسة.
4ـ السيد محمد مهدي بحر العلوم، قرأ عليه في النجف الأشرف.
5ـ الشيخ جعفر كاشف الغطاء، قرأ عليه في النجف الأشرف.
6ـ الشيخ حسين نجف، قرأ عليه في النجف الأشرف.
تلامذته:
تتلمذ عليه طائفة من أهل العلم والفضل، بعضهم أصبح من العلماء المعروفين، منهم(9):
1ـ الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر).
2ـ الشيخ مهدي بن ملا كتاب الكردي.
3ـ الشيخ محسن الأعسم.
4ـ السيد صدر الدين بن محمد بن صالح الموسوي الساكن في أصفهان.
5ـ السيد علي بن السيد محمد الأمين.
6ـ الأغا محمد علي بن الأغا محمد باقر الهزار جريبي المازندراني النجفي.
7ـ الشيخ جواد بن محمد تقي بن محمد المدعو بملا كتاب الكردي النجفي.
8ـ ولده السيد محمد.
مؤلفاته:
كتب السيد العاملي مجموعة من الكتب والرسائل والحواشي على بعض الكتب تناول في أغلبها مسائل فقهية وأصولية، فضلا عن المسائل التي تتعلق بالعقائد أو القرآن الكريم،وهو إنما يتجه بالاتجاه الفقهي لكونه فقيها وأصوليا، فسخر علمه في البحث الفقهي والأصولي، ومن مؤلفاته ما يأتي(10):
1ـ مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة، انتهى منه سنة وفاته 1226هـ.
2ـ شرح طهارة الوافي، وهو تقرير بحث أستاذه السيد محمد بحر العلوم.
3ـ حاشية على طهارة المدارك، كتبها أيام قراءته على السيد محمد مهدي بحر العلوم.
4ـ حاشية على كتاب الدَين والرهن من القواعد، كتبها حين قراءته على الشيخ جعفر كاشف الغطاء.
5ـ رسالة مبسوطة في العصيرين العنبي والتمري.
6ـ رسالة في المواسعة والمضايقة.
7ـ حواشٍ على الروضة على كتاب المضاربة.
8ـ منظومة في الرضاعة تقرب من (140) بيتا.
9ـ منظومة في الخمس تقرب من (80) بيتا.
10ـ منظومة في الزكاة تقرب من (110) بيتا.
11ـ رسالة حقق فيها مسألة جواز العدول عن العمرة عند ضيق الوقت إلى إفراد.
12ـ شرح الوافية في الأصول.
13ـ رسالة في تحقيق مسائل الشك في الشرطية والجزائية.
14ـ رسالة ذكر فيها مناظرة الشيخ جعفر والفاضل المتقن السيد محسن الكاظمي.
15ـ حاشية صغيرة على أول تهذيب الأصول.
16ـ حاشية على المعالم.
17ـ رسالة في علم التجويد وتسمى (قواعد التجويد).
18ـ، رسالة في الرد على الإخباريين.
19ـ رسالة في وجوب الذب عن النجف، وضعها أيام محاصرة الوهابية لمدينة النجف سنة 1223هـ، وهجومهم عليها.
20ـ رسالة في أصل البراءة.
21ـ تعليقة على القوانين.
ويعد كتاب مفتاح الكرامة من أبرز مؤلفات السيد العاملي فهو موسوعة فقهية كبيرة جمع فيها السيد العاملي أغلب أبواب الفقه، وكتبها بأمر أستاذه الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب (كشف الغطاء).
وقيل أن كتاب (مفتاح الكرامة) ليس مثله كتاباً مستوفياً لأقوال الفقهاء، فيما اختلفوا فيه واجتمعوا عليه وكان غرضه تسهيل الأمر على الفقيه من الرجوع إلى المصادر الأخرى، وقالوا فيه:
لله آية معجز ظهرت له فغدت لكل كرامة مفتاحا
وألفه شرحا لكتاب القواعد للعلامة الحلي وبدأ به السيد العاملي عام 1199هـ وانتهى منه سنة وفاته 1226هـ