إن فن التجليد عند المسلمين ما كان إلا حصيلة الإبداع الفني لشعوب سبقت المسلمين في تغليف كتبها المقدسة مثل الأقباط في مصر والصينيين في آسيا وفي بيزنطة، وكانت تلك الأغلفة تصنع من الخشب عليها بعض النقوش اليسيرة ومطعمة أحياناً بالعاج والعظم والأحجار الكريمة. والحقيقة أنه مع اتساع الإسلام وانتشار رقعته واتصاله مع الحضارات العديدة التي كانت قائمة في البلاد التي فتحها حصل تبادل للمعارف والعلوم والفنون ومنها مفهوم التجليد الذي أخذ يتسع ويتطور ويتغير من عصر إلى عصر إلى أن أصبح فناً قائماً بذاته،
له من الأسس العلمية والفنية ما يجعله مهنة عالمية، ولقد تميز كل الزخرفة وطرق التذهيب وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا العلم. وفيما يأتي نستعرض خصائص هذا الفن من خلال العصور الإسلامية المتعاقبة بدءاً من ظهور الإسلام إلى نهاية القرن الحادي عشر. وقد قسمت هذه الفترة حسب تطور هذا الفن وهي كالآتي:
من ظهور الإسلام حتى نهاية القرن الثالث الهجري
عرف العرب فكرة التجليد مع بداية عصر الإسلام وأيام الخلافة، وكان المصحف هو أول كتاب يجلد كإجراء وقائي للصفحات المكتوبة خوفاً عليه من التناثر والضياع، ولم يكن هذا الإجراء إلا عبارة عن لوحتين من الخشب مثبتين من الخلف بخيط رفيع من ليف النخيل، تحفظ بينهما الصفحات المخطوطة للقرآن الكريم.
أما في العصر الأموي فقد طرأ على فن التجليد بعض التطورات على الرغم من أنه لم تصل إلينا أية نماذج في هذه الأغلفة. وأغلب الظن أن المصاحف والمخطوطات التي أنتجت خلال هذا العصر كانت مغلفة بلوحات من الخشب قد طعمت بقطع من العظم والعاج أو غلفت بالقماش والجلد.
وفي العصر العباسي الأول استمر فن التجليد في العالم الإسلامي على ما كان عليه في العصر الأموي بعد أن لحقت به تطورات في الصناعة وفي الزخرفة على حد سواء حين خطى المجلد المسلم خطوة إلى أمام حين غلفت ألواح الخشب بشرائح من الجلد حيث تعد هذه المرحلة بداية لفن التجليد عند المسلمين، ثم جاءت الخطوة الثانية عندما استبدلت صفائح البردي بألواح الخشب إذ استخدمت لتغليف الكتب الصغيرة بينما ظل الخشب للكتب الكبيرة وأخذ الكتاب الشكل الأفقي.
أما من ناحية التصميم الزخرفي فقد قسَّم الفنان المسلم سطح الجلدة إلى متن وإطار وازدانت أرضيتها بزخارف هندسية ونباتية فضلاً عن استخدام الخط العربي بوصفه عنصراً زخرفياً في زخرفة جلود الكتب التي أنتجت خلال القرنين الثاني والثالث للهجرة. وقد استخدم الفنان المسلم في تنفيذ هذه الزخارف طريقة الضغط للأختام والتذهيب في تجميل هذه الزخارف.
التجليد بين القرنين الرابع والخامس والهجريين
أدخل المجلد المسلم الورق في صناعة الأغلفة إلى جانب ألواح الخشب وصحائف البردي واستخدم كعادته سابقاً الجلد في تغليف هذه المواد، وفيما يتعلق بشكل الكتاب فقد تغير في هذه المدة إذ أصبح شكله عمودياً على جانب الشكل المربع، كما طرأ تطور في شكل الغلاف حيث أدخل المجلد المسلم اللسان عليه.
أما الزخرفة فقد طرأ عليها تطور في التصميم إذ يتوسط المتن سره، وفي أركان المتن الأربعة أجزاء من السُّرة، واستخدمت في الزخارف الأشكال الهندسية والنباتية إلى جانب الأشرطة المتشابكة، وظهرت أول مرة الحلزونات المنتهية بأوراق البالميت وطرائق تنفيذ هذه الزخارف فهي شبيهة بالطرق التي كانت تستخدم سابقاً مع إحداث بعض التطورات عليها مثل طريقة التثقيب التي تعني تجاور الثقوب على هيئة ما تؤدي إلى عنصر زخرفي جديد، كما لحق بطريقة الضغط تطور كبير، فأصبحت الزخارف الناتجة عنها بارزة بروزاً عظيماً، كما ظهر في هذه المدة استخدام الألوان في تجميل زخارف الأغلفة، وهذا يعني تطوراً آخر لهذا الفن في العالم الإسلامي.
التجليد بين القرنين السادس والسابع الهجريين
شاع في هذه المدة استخدام الورق المغلف بالجلد في تجليد الكتب ولم يعد يستخدم البردي أو الخشب لهذا الغرض، والى جانب ذلك نجد ظاهرة جديدة لم نلمسها من قبل ألا وهي استخدام صفائح الذهب المرصع بعضها بالأحجار الكريمة في تغليف المصاحف ولاسيما تلك المصاحف العائدة إلى الملوك والأمراء. وفيما يتعلق بشكل الكتاب فقد ساد استخدام الكتاب العمودي المزود باللسان عوضاً عن الشكل الأفقي.
وفي الزخرفة نجد أن السرة التي تتوسط المتن وعناصر زخرفية قائمة في الأركان الأربعة للمتن
كانت من المواضيع الزخرفية السائدة في زخرفة جلود الكتب جنباً إلى جنب مع الزخارف الهندسية والنباتية التي تملأ أرضية المتن مع جعل شكل الإطار المحيط بالمتن بارزاً، كما أننا نجد أن الزخارف الهندسية من المواضيع السائدة في زخرفة جلود المخطوطات مع تراجع الزخارف النباتية، كما أدخلت في زخرفة الجلود عناصر جديدة مثل استخدام صفائح رقيقة من الذهب والفضة على هيئة عناصر زخرفية تلصق على الجلد بآلة ساخنة.
التجليد بين القرنين الثامن والتاسع الهجريين
بلغ فن التجليد في القرن الثامن الهجري في أقطار العالم الإسلامي بصور عامة درجة عظيمة من التقدم والازدهار، وقد فاقت القاهرة العالم الإسلامي بهذا الفن، كما يعد القرن التاسع الهجري العصر الذهبي لفن التجليد في مصر لكل ما بلغه من مهارة ودقة وإتقان، وربما يعود ذلك إلى ما كانت عليه مصر في هذا القرن من رخاء والى سخاء المماليك وحبهم وتشجيعهم للفن والعلوم. ولدراسة فن التجليد في هذه الفترة سوف نقسم الدراسة على وفق الأقاليم لأهميتها:
في بلاد الشام ومصر
بلغ هذا الفن في هذه المنطقة قمة نضجه خلال القرن التاسع الهجري، وقد امتازت أغلفة هذه المدة بالزخارف ذات الأشكال المختلفة، منها الزخارف الهندسية التي كان لها أثر واضح في عصر المماليك فضلاً عن الزخارف النباتية التي كانت تغطي سطح جلدة الكتاب كلها، وفي بعض الأحيان يتوسط متن الجلدة سرة أجزاؤها قائمة في أركان المتن، كما استخدمت مع السرة الدلالية التي تتدلى من الجانبين العلوي والسفلي للسرة، وفي القرن التاسع عشر طغت الزخارف النباتية، وقل استعمال الزخارف الهندسية، وكثر استخدام السرة مع أجزائها القائمة في الأركان، وتنوعت أشكال السرة والدلاية، إلا أن السرة اللوزية كانت مميزات الأغلفة المملوكية التي أنتجت في القرن التاسع الهجري.
وقد نفذت هذه الزخارف بطريقة الضغط إلى جانب استخدام أختام صغيرة الحجم تنتظم في صفوف متتالية بغية الحصول على تصميم متصل. ومما زاد جمال الزخارف المضغوطة استخدام التذهيب في ملئ المناطق المنخفضة، والى جانب الطرق الثلاث (الضغط، الختم، التذهيب) استخدمت طريقة قطع الجلد، وتتلخص هذه الطريقة في رسم الزخارف المطلوبة على الجلد، ثم يجري بعد ذلك قطع الرسوم عليها بآلة حادة حيث يبدو الشكل بعد الانتهاء مثل الدانتيل.
ويمكننا القول: إن فن التجليد في كل من مصر والشام كانا يسيران على نهج واحد سواء كان في الطراز الزخرفي أم في التكنيك، ولكن لم يستطع فن التجليد في الشام أن يرقى إلى مثيله في مصر، وربما يعود سبب ذلك إلى ما كانت تتلقاه الصناعة والفنون في مصر من اهتمام ورعاية من قبل السلطات الحاكمة يفوق كثيراً ما كانت تتلقاه في الأقاليم التابعة لها.
في بلاد فارس
إن فن التجليد الإيراني لم يبلغ أوج عظمته، ولم يصبح إيرانياً حقاً إلا في القرن التاسع الهجري على أيدي المجلدين من مدرسة هراة، ففي هذا القرن أنتجت إيران أفخر المخطوطات ذات الزخارف المذهبة والخط الجميل والجلود الثمينة، وكل ذلك كان بفض مدارس الفنون التي أنشأها خلفاء تيمور وشاه رخ وبايسنقر، فقد أسس بايسنقر في عاصمته هراة مدرسة لفنون الكتاب جلب إليها الخطاطين والمصورين والمزوقين والمجلدين في أقطار شتى، وكان هؤلاء الفنانون يلقون العناية والرعاية من قبل هذه الملك الشغوف بفن الكتاب.
وقد اعتمد التجليد فيه هذه المدرسة في البداية على فن التجليد المصري والشامي نتيجة لاستخدام المجلدين من الشام ومصر في عصر تيمور في أوائل القرن الثامن الهجري إلا أن هذا لم يدم طويلاً، إذ لم يلبث التجليد الفارسي أن استقل آخذاً بأساليب وطرز زخرفية لم تكن معروفة لدى المماليك.
وتعد الأغلفة التي أنجزت في القرن التاسع الهجري من أروع ما أنجزته بلاد فارس في فن التجليد على الإطلاق إذ امتازت بجمال زخارفها ودقة صناعتها، وليس لهذه الأغلفة ما يشابهها في أي قطر من الأقطار الإسلامية وفي أي وقت من الأوقات سواء من جهة التكنيك أم جهة الزخرفة.
ونستطيع القول: إن فن التجليد في بلاد فارس في القرن الثامن الهجري سار على النهج الذي كان عليه في مصر والشام من جهة التكنيك والرسوم على حد سواء. أما في القرن التاسع الهجري فقد نهض هذا الفن نهضة هائلة كانت حصيلتها انتاجات رائعة. فقد احتلت الزخارف النباتية والحيوانية مكان الصدارة في حين انزوت الزخارف الهندسية. وقل استخدامها وابتكر الفنان التيموري نماذج زخرفية لم يسبق مشاهدتها من قبل وهي رسم طبيعية ذات حيوانات وطيور مختلفة بعضها حقيقي، وبعضها خرافي تصور في أوضاع مختلفة وعلى أرضية نباتية، كما برز في هذه المدة استخدام السرة وأجزائها في الأركان، وكان هذا الطراز مألوفاً في مصر والشام والعراق والمغرب إلا أنه طرأ تطور عليه هنا حيث انفصلت الدلايتان المرتبطتان بالسرة مناظر طبيعية تمثل حيوانات وطيوراً مختلفة على أرضية نباتية، كما استخدمت في أغلفة هذه الفترة باقات الأزهار المتنوعة.
والتطور الفريد الذي أحدثه الفنان الإيراني لطريقة الختم والضغط استعمال القالب الذي هو عبارة عن صفيحة من المعدن تزخرف بالزخارف المطلوبة، وتسخن بالحرارة ثم تكب على الجلدة، فتحدث زخارف بارزة، وكانت القوالب تصنع من المعدن والجلد والحجر. كما استخدم الفنان الإيراني طريقة الجلد المقطوع المفرع كالدانتيل في إحداث الزخارف كما في مصر وتركستان، وقد توج الفنان الإيراني عمله باستعمال طريقة جديدة في التجليد وهي استعمال (الُّك) وقد ظهر هذا الاستعمال في أواخر القرن التاسع الهجري ولقي رواجاً كبيراً في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة في تبريز وأصفهان في أيام الصفويين.
أما التذهيب فقد استخدم الفنان الإيراني طريقتين: الأولى استخدام ماء الذهب ووضعه على الجلدة بواسطة الفرشاة، وأما الثانية، استعمال صحائف رقيقة من الذهب على هيئة عناصر زخرفية تلصق على الجلدة بواسطة آلة ساخنة.
في بلاد العثمانين (الأتراك)
ظهر فن التجليد التركي العثماني ما بين القرنين الثامن والتاسع الهجريين عندما قامت دولة العثمانيين في الأناضول، واتسعت رقعتها بالشرق والغرب حيث دانت لها البلاد الإسلامية كلها من آسيا الصغرى إلى مصر والشام وبلاد الحجاز وشمال أفريقية. ومنذ الأيام الأولى لتأسيس هذه الإمبراطورية عمل السلاطين على الاهتمام بالعلوم والفنون والصناعات ولاسيما فن الكتاب بما فيه من خط وتصوير وتذهيب وتجليد. وقد ساهم في قيام هذا الفن الكثير من الصناع والفنانين الذي جئ بهم من مصر والشام وإيران. وكان أبرزهم الإيرانيين الذي تجلى تأثيرهم واضحاً فيما وصل إلينا أغلفة إذ هؤلاء الصناع عملوا في مدن تركية رئيسة، وقد تتلمذ على أيديهم الأتراك العثمانيون في هذا الفن، ونتيجة لذلك كان فن التجليد في بلاد الأناضول قريب الشبه بما أنجزه الفنان الفارسي في إيران حيث يمكن عده استمراً لفن التجليد الفارسي، فطرق صناعته لا تختلف عن الطرق التي كانت تستخدم في إيران، وهي طريقة الختم والضغط والقالب والمقطع.
وقد أنتجت في هذه المدة أغلفة عثمانية غاية في الروعة والدقة إذ أدخل الصانع على الغلاف عناصر الجمال كلها من زخارف متنوعة وألوان زاهية وتذهيبات أنيقة، وقد احتلت الزخارف النباتية مكان الصادرة في الأغلفة العثمانية آخذةً شكل السرة مع الدلايتين وفي الأركان الأربعة أجزاء من السرة.
التجليد ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين
استمر الإبداع الفني في إنتاج أغلفة الكتب في إيران خلال هذه الفترة حيث نرى أن السرة وأجزاءها القائمة في الأركان كانت من المواضيع الشائعة والمحببة لدى الفنان الصفوي إذ كانت تطبع على الجلدة بواسطة قالب معدني واختلفت أشكال هذه السرات فمنها الدائرية والمفصصة واللوزية تحصر بداخلها زخارف نباتية. واستمرت في هذا العصر التاثيرات الصينية كما استمر استعمال الكتابات في زخرفة الأغلفة، وكانت هذه الكتابات تتضمن أسماء أصحاب المخطوط. كما امتازت أغلفة الكتب المدهونة بالك بجمال الألوان التي يغلب عليها اللون الأسود والذهبي بشكل واسع إذ بلغ استعمال الك درجة عظيمة من الإتقان في هذا العصر، كما استخدمت الرسوم الآدمية والحيوانية بشكل واسع.
وفي مصر استمر المجلدون يستخدمون الأساليب التي كانت معروفة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين نفسها مع إحداث بعض التغيرات في طراز الزخرفة حيث تم استخدام الخط النسخي المملوكي في زخرفة الأغلفة إلى جانب الزخارف النباتية والأشكال الهندسية، وقد أجادوا في هذه الأشكال إجادة تامة ولا تختلف الطريقة التي تم بها إحداث هذه الزخارف عن تلك التي استخدمت خلال القرنين الثامن والتاسع الهجريين، ولكن باستيلاء العثمانيين على مصر وإرسال صناعها وفنانينها إلى استانبول ثم القضاء على النشاط الفني والصناعي إلى حد كبير حيث أدى إلى حدوث تغير كبير على زخارف أغلفة الكتب وطريقة إحداثها، فقد ترك الفنان الزخارف العربية الدقيقة مستعيضاً عنها بزخارف فارسية كما استبدل القالب المعدني بالأختام الصغيرة، وينطبق هذا الحال تماماً على بلاد الشام في أثناء هذه المدة.
أما الأغلفة التركية العثمانية فكانت تتشابه مع الأغلفة الفارسية وإن كانت أكثر تطوراً، فقد استخدم المجلد التركي جلوداً مختلفة الألوان، منها الأسود والأحمر القاني والحمصي، ولم يقتصر على الجلود البنية الغامقة كما فعل باقي المجلدين المسلمين. وكذلك استخدم إلى جانب الجلد صفائح رقيقة من الذهب والفضة مرصعة بالأحجار الكريمة وذات زخارف مخرمة، فظهرت من تحتها أرضية من الحرير الأخضر والأزرق، ونجد إلى جانب ذلك ظاهرة غريبة لم يسبق مشاهدتها من قبل ألا وهي استخدام القامش المطرز بخيوط من الحرير والذهب فضلاً عن ابتعاد الفنان العثماني عن أي رسوم حيوانية وآدمية مكتفياً بالزخارف النباتية المختلفة الأشكال.
أما الطرق التي اتبعها المجلد العثماني في تنفيذ زخارفه فهي لا تختلف عن تلك التي كانت مستخدمة في سائر أقطار العالم الإسلامي (الضغط، الختم الذهبي) واستخدام القوالب المعدنية والجلدية بشكلها التقليدي: السرة الوسط وأجزاء من السرة في أركان المتن الأربعة.
أما بالنسبة لفن التجليد في المغرب العربي وبلاد الأندلس فلم نتمكن من الحصول على أي مراجع أو أبحاث تفيد في هذا المجال، ولذلك لم نتطرق إلى هذا الفن في تلك البلدان.
الشكل العام لغلاف المخطوط
1ـ الوجه الأمامي.
2ـ الوجه الخلفي: يؤخذ قياس هذين الوجهين بنفس قياس طول وعرض المخطوط مع نقصان العرض (5ملم) من ناحية الكعب.
3ـ الكعب: وهي قطعة الجلد الواصلة بين الوجهين الأمامي والخلفي.
4ـ اللسان: ويوصل مع الطرف الأيسر الوجه الخلفي ومهمته حماية المخطوطات من الناحية الأمامية واستعمال القارئ له ليستدل به على المكان الذي وصل إليه بالقراءة.
عملية التجليد
تبدأ عملية تجليد المخطوط بتحديد العصر الذي نسخ به اعتماداً على تاريخ نسخه المسجل بداخله أو تقديراً من قبل المختص. ونختار بعدها الزخرفة التابعة لذلك العصر ومعرفة طريقة ترتيبها على وجهي الغلاف واللسان.
ونبدأ في المرحلة التالية بتفصل الكارتون المتناسب مع قياسات المخطوط من حيث الطول والعرض والارتفاع وحجم اللسان، ثم توزع الزخارف وفاقاً لما كانت مرتبة فيه على الوجهين وعلى اللسان، ونقوم برسم شكل هذه الزخرفة على الكارتون بقلم الرصاص. ونحدد بعدها بوساطة (السنبك) مكان هذه الزخرفة ونقوم بتفريغ مقدار (1ملم) من سماكة الكارتون بغية إبراز الزخرفة المحددة ثم نقوم بقص الجلد المناسب الذي سيغلف الكارتون بزيادة (2سم) على محيط الغلاف، ويفضل أن يكون من جلد الماعز الجيد لكن يكون مقاوماً لعوامل التلف، ونلصق هذا الجلد على الكارتون بصمغ خاص، ونلف حوافه الزائدة للداخل بواسطة عظمة التجليد، ثم نقوم بمسحه وترطيبه بقطعة قماش مبللة بالدهن الطبيعي مع زيادة المسح والضغط فوق الجلد في مكان التفريغ، ونوزع بعدها الزخارف على أماكنها فوق المكان المحفور، ونكب بواسطة مكب يدوي مدة (10دقائق)
وبانتهاء الكب يكون الغلاف قد أصبح جاهزاً للعمليات الفنية اللاحقة، إذ يمكن أن نقوم بتذهيب هذه الزخارف أو تلوينها بألوان جميلة تلفت انتباه الناظر إليها، أو بإنشاء أطر محيطة بالمتن أو إنشاء أشكال هندسية على كامل الغلاف وذلك برسمها، ثم حزها بواسطة العظمة حتى ينتج في النهاية غلاف يمكن عده لوحة فنية متكاملة. أما الجهة الداخلية للغلاف فيمكن تبطينها، إما بورقة من الورق المخطوط نفسه أو بقطعة من الرق المرسوم أو القماش أو الورق الرخامي.
ونستدل من هذا العرض على أهمية فن التجليد عند المسلمين ومكانته العالية مما يحفزنا إلى متابعة هذا النهج للحفاظ على هذه الحرفة من الاندثار والتلاشي.
ومن هذا الحرص أيضاً بدأ الاهتمام بدراسة فن التجليد في التراث الإسلامي، وكان لابد من دراسة هذا الفن في العصور كافة حتى نتمكن من الدخول إلى خفايا هذه الحرفة وإعطائها حقها من الاهتمام والتقدير. وقد واجهتنا صعوبات كثيرة في البحث والدراسة، وذلك لقلة المراجع التاريخية والفنية وصعوبة الحصول على بعض المصادر الحية، فما كان إلا أن سعينا وراء كل غلاف قديم في خزانة مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) العامة وباقي مكتباتنا في النجف الأشرف وبعض الدول العربية والإسلامية. إذ قمنا بدراستها دراسة فنية عميقة حتى تكونت لدينا الأسس السليمة والصحيحة لهذه الحرفة جمعنا فيها كل ما استطعنا.