Take a fresh look at your lifestyle.

مقدمة في تجويد القرآن

0 1٬473
             لم يحظ كتاب في الدنيا من العناية والاهتمام والدرس كما حظي بها القرآن الكريم على مر العصور والأزمان، فقد كان موضع اهتمام علماء اللغة والفقه والأصول وعلماء الكلام والفلسفة والمنطق وباقي العلوم الأخرى.
            لأن القرآن نور لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحر لا يدرك قعره، فالكل يغترف من معينه، ويستضيء بنوره، وينهج منهجه، فهو البنيان الذي لا تهدم أركانه، والمسند الذي يركن إليه أهل العلم والفهم، ففيه يجدون ضالتهم، فحامت حوله كل دراساتهم، خدمة له، فكشف علماء اللغة عن غريب ألفاظه، فألفوا كتب غريب القرآن وغيره، ودرس علماء النحو، وارجعوا كلَّ قواعده إليه مستشهدين به وطلاب الفلسفة اتخذوا منه أصلاً لبناء فلسفة إسلامية، وجعل منه علماء الكلام منهجاً لحواراتهم وأساساً لقواعدهم الكلامية، وكان علماء الفقه والأصول قد أصلوا لاستنباطاتهم وأحكامهم من وحيه، فدرسوا آيات الأحكام، وأسسوا أصولهم على هديه ومنهاجه،
           أما قراء القرآن فقد أرسوا دعائم قراءته وأصول التلفظ في كلماته، فأوضحوا ما وقع فيها من خلاف فأرجعوه إلى لهجات العرب ولغاتهم، فكان كل قارئ يقرأ بما قرأ به شيخه وأستاذه عن أساتذته، بيد أن خلافاً وقع في الأخذ بهذه القراءات، وذلك كان مرجعه إلى صحتها أو عدمها، وبقيت النظرة متأرجحة بين التقديس والمناقشة، فمن يقدسها يعدها قرآناً ومن يناقشها يعدها علماً بكيفية أداء كلمات القرآن، وفرق بين القرآن وأداء القرآن(1).
           فمن الذين جعلوا القراءات بمنزلة القرآن أبو بكر الباقلاني (ت403هـ) إذ يذهب إلى: (أن القراءات قرآن منزل من عند الله تعالى، وأنها تنقل خلفاً عن سلف، وأنهم أخذوها عن طريق الرواية، لا من جهة الاجتهاد، لأن المتواتر المشهور أن القراء السبعة إنما أخذوا القرآن رواية، لأنهم يمتنعون من القراءة بما لم يسمعوه)(2).
         وخالفه الزركشي (ت:794هـ) إذ جعلهما حقيقتين مختلفتين، فقال (القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد(صلى الله عليه وآله) للبيان والأعجاز، والقراءات: اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرهما)(3).
           وقد وافق الزركشي جملة من المتأخرين منهم، الأمام أبو القاسم الخوئي(رحمه الله) وازداد عليه، وقال: (إنها غير متواترة بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارئ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد)(4)، وتابعه الدكتور محمد حسين الصغير بقوله: (والحق أنه لا علاقة بين حقيقة القرآن وحقيقة القراءات، فالقرآن هو النص الآلهي المحفوظ والقراءات أداء نطق ذلك النص اتفاقاً أو اختلافاً، والقرآن ذاته لا اختلاف في حقيقته إطلاقاً)(5).
            لقد انعقد اجتماع المسلمين على حجية القراءات وتواترها، سواء كان تواترها عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله) أم على جواز القراءة بها في الصلاة وغيرها(6)، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)، قال: (اقرأوا كما علمتم)(7).
           إذا كان علم القراءات يهتم بوجوه النطق في القراءة، فان علم التجويد يهتم بكيفية النطق وتجويد الألفاظ والوقوف على حقائق الكلام من حيث إعطاء الحروف حقها وبيان أحكامها في مواضع إنشائها وصفاتها(8).
           فالتجويد في اللغة من الفعل جود. قال بن منظور (ت:711هـ): (وجاد الشيء جودة وجودة، أي صار جيداً، وأجدتُ الشيء فجاده، والتجويد مثله)(9).
           وقال الجزري(ت: 833هـ): (التجويد مصدر من جوّد تجويداً، والاسم منه الجودة ضد الرداءة، يقال جود فلان في كذا، إذا فعل ذلك جيداً، فهو عندهم عبارة عن الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ بريئة من الرداءة في النطق، ومعناه انتهاء الغاية في التصحيح وبلوغ النهاية في التحسين)(10)، إذ أن الصوت الحسن مجود للألفاظ وموضح لمخارجها ومبين لصفاتها،
           وقد سئل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) عن قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً)(11)، قال: بيَّنه تبياناً ولا تهذه هذَّ الشعر، ولا تنثره نثر الرمل)(12)، ونقل عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): (اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فانه سيجيء من بعدي قوم يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية)(13)، ففي ألحان العرب وأصواتها، إعطاء كل حرف حقه، وإخراجه من موضعه الصحيح كي يكون صوتاً حسناً وتجويداً جميلاً يتحلى به القرآن، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن)(14).
           ووصف ابن الجزري التجويد بقوله: (التجويد حلية التلاوة وزينة القراءة وهو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها على مراتبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيئته من غير إسرافٍ وتعسف ولا إفراط ولا تكلف، وإلى ذلك أشار النبي(صلى الله عليه وآله) بقوله: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما نزل، فليقرأ بقراءة ابن أمِّ عبد يعني عبد الله بن مسعود)(15)،
           فكان ابن مسعود(رضي الله عنه) حسن الصوت، يتأنق فيه ويتتبع محاسن القرآن في ذلك، قال في صفة القرآن: (إذا وقعت في آل حم(16) وقعت في روضاتٍ دمثاتٍ أتأنق فيهن)(17) أي يتتبع محاسنهن من أجل أوزان الكلمات ومن أجل الفواصل(18)، فيعطي كل حرف حقه في الصنعة والمخرج، وأي خروج عن ذلك يصيب اللفظة بالضعف والوهن وغموض الدلالة وذهاب الزينة والرونق،
           قال ابن مسعود: (جردوا القرآن، وزينوه بأحسن الأصوات، واعربوه، فانه عربي وأن الله عز وجل يحب أن يُعربَ به)(19)، فاعرابه إيضاح ألفاظه وبيان قدرتها في تزيين القرآن، وإبعاد القارئ عن اللحن والخطأ والزلل، فالواجب تعلم العربية لتكون وسيلة لفهم القرآن، وقد نقل عن أبي ذر الغفاري(رضي الله عنه) قوله: (تعلموا العربية في القرآن كما تعلمون حفظه)(20)، كي لا يقع المقرئ الخطأ واللحن المؤدي إلى الإثم وارتكاب المعصية، إذ تبطل الصلاة عندما لا تنطق الحروف في الآية من مخارجها وإعطائها حقها من الجهر والهمس وغيرها من الصفات(21).
           لقد حث الله تعالى على تعلم القرآن وتلاوته وحفظه، ونهانا عن ترك قراءته أو الإعراض عنها ونسيانها، ففي تعلمه خير الدنيا وخير الآخرة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)(22).
         ووصفت آيات الله حال المؤمنين عند تلاوة الذكر الحكيم، فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(23).
          وجاء فيه أيضاً وجوب تذكره وتلاوته وحسن تدبره فقال سبحانه: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(24).
            فكأنه يشير إلى أن عدم إعطاء المقرئ آيات الله حقها من التلاوة خروج عن الطريق الصحيح، ونتيجته الخسران.
           وحث أيضاً على الاستماع له والإنصات، قال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(25).
         ووصف النبي محمد(صلى الله عليه وآله) المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، قال (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل الثمرة التي لا ريح لها، وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيّب وطعمها مرّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مرّ)(26).
          وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام): (من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده، وإلا ما به غنى)(27)، فهذا فضل قراءة القرآن وتلاوته.

 

  طرق التلاوة:

            يقرأ القرآن الكريم ـ كما ذكرت ـ مجوداً بألحان العرب وأصواتها وبتحسين اللفظ وإعطاء الصوت حقه بقدر الاستطاعة، وهذا مما يحتاج اليه القارئ، وقد تسالم علماء القراءات والتجويد على الطرق الآتية:
    1 ـ التحقيق: هو مصدر من حققت الشيء تحقيقاً إذا بلغت يقينه، ومعناه ـ كما يذكر ابن الجزري ـ في الإتيان بالشيء على حقه من غير زيادة فيه ولا نقصان منه، وهو إعطاء كل حرف حقه من المخارج والصفات والأحكام وإشباع المدّ وتحقيق الهمز وإتمام الحركات واعتماد الإظهار والتشديدات وتوفيه الغنات وتفكيك الحروف وإخراج بعضها بالسكت والترسل واليسر والتؤدة وغيرها من الأحوال الأخرى التي تخص الحروف ومخارجها وصفاتها وسلوكها في التركيب اللفظي والجملي إذ أن التحقيق يفيد في رياضة الألسن وتقويم الألفاظ وإقامة القراءة بغاية الترتيل فلا إفراط فيه ولا تفريط(28).
    2 ـ الترتيل: هو الترسل في القراءة والتبيين و التمهل والتأني، ويقال: كلام مرتل حسن، وإنما يتم ذلك بالمكث فيها والترسل وتبيين الحروف وتوفيتها حقها ومستحقها، قال مجاهد في الترتيل (بعضه إثر بعضٍ على تؤده)(29).
           والترتيل يكون للتدبر والتفكير والاستنباط، فيكون كل تحقيق ترتيل، وليس كل ترتيل تحقيقاً(30)، وقد سئل أمير المؤمنين علي(عليه السلام) عن قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)(31)، فقال: (الترتيل: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف)(32).
    3 ـ الحدر: هو مصدر من حَدَرَ بالفتح، يحدُرُ بالضم إذا أسرع فهو من الحدود الذي هو الهبوط، فالإسراع يكون من لازمِهِ بخلاف الصعود، فالحدر في القراءة عبارة عن إدراجها وسرعتها وتخفيفها بالقصر والتسكين والاختلاس والبدل والإدغام الكبير وتخفيف الهمز ونحو ذلك(33)، أو هي إدراج القراءة والسرعة فيها، وذلك بتخفيفها من بعض الأحكام المذكورة سابقاً مع وجوب المحافظة على الأداء السليم للحروف وصفاتها وأحكامها(34).
    4 ـ التدوير: وهو قراءة وسط بين الترتيل والحدر، أو هو التوسط بين المقامين، وقد ورد هذا المعنى عن أكثر أئمة القراءة، فمنهم من روى مدّ المنفصل، ولم يبلغ فيه حدّ الاشباع، وهو المختار عند أكثر أهل الأداء، قال ابن مسعود: (لا تنثروه ـ يعني القرآن ـ نثر الدقل، ولا تهذوه هذَّ الشعر)(35)، ومثالها أم يمدّ القارئ بهذه الطريقة العارض للسكون بمقدار أربع حركات، وهذه حالة متوسطة بين القصر بمقدار حركتين في حالة الحدر أو الأشباع بمقدار ست حركات في حالة الترتيل(36).
           إذا كانت هذه الطرق في التلاوة هي سالك اتخذها القراء في كيفية أداء القراءة في القرآن الكريم بين تحقيق اللفظ من غير زيادة أو نقص أو التمهل والتدبر والاسترسال، أو هو أداء يتسم بالسرعة والتمهل وتخفيف بعض لوازمها بالقصر والتسكين أو اختلاس الأصوات وغيرها.
    5ـ اللحن: اللحن هو الخطأ في كلمات القرآن وألفاظه والانحراف عن الصواب فيها عند تلاوتها أو قراءتها، وإن على القارئ المجود أن يتجنب الخطأ في التلاوة لأن ذلك من أعظم ما يقع فيه من تحريف لكلام الله تعالى، واختلاف الدلالة والانحراف عن الصواب، وإنما يكون ذلك في معرفة إعرابه والوقوف على تصرف كلماته وحركاته، قال مكي بن أبي طالب(ت437هـ):
            (ورأيت من أعظم ما يجب عليه الطالب لعلوم القرآن، الراغب في تجويد ألفاظه وفهم معانيه ومعرفة قراءاته ولغاته، وأفضل ما القارئ إليه محتاج، معرفة إعرابه، والوقوف على تصرف حركاته وسواكنه، ليكون بذلك سالماً من اللحن فيه، مستعيناً على أحكام اللفظ به، مطلعاً على المعاني التي تختلف باختلاف الحركات، متفهماً لما أراد الله به من عباده إذ بمعرفة حقائق الأعراب تعرف أكثر المعاني، وينجلي الإشكال، وتظهر الفوائد ويفهم الخطاب)(37).
          فعند وقوع الخطأ في الإعراب، لم تعرف المعاني ولم يفهم الخطاب الإلهي إلى العباد، ولذا فعلى القارئ المجود أن يكون ملما بعلم إعراب القرآن وقراءاته، وأصول تلاوته وتجويده ليكون بمأمن من الوقوع في الخطأ. وقسم علماء التلاوة والتجويد اللحن على قسمين:
  1 ـ اللحن الظاهر:
            وهو خطأ يطرأ على اللفظ بسبب مخالفته لقواعد القراءة ومقاييس التلاوة وقواعد اللغة وإعرابها، والوقف في غير محله المؤدي إلى انحراف الدلالة وغموض المعنى، والقارئ يأثم بفعله هذا إن تعمده، وسمي (جلياً) لظهوره وعدم خفائه(38)، ومن هذا اللحن ما وقع من خطيب خطب بين يديّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائلاً: (ومن يُطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما. ثم وقف على (يعصهما)، ثم قال: فقد غوى. هنا قال له النبي(صلى الله عليه وآله): بئس الخطيب أنت)(39).
           إنما قال له ذلك لقبح لفظه في وقفه، إذ خلط بين الإيمان والكفر في إيجاب الرشد لهما، وكان الحق أن يقول: ومن يعصهما فقد غوى، أو أن يقف على (فقد رشد) ثم يستأنف بعد ذلك (ومن يعصهما)(40) فتتضح الدلالة ويستقيم الكلام. ومثاله أيضاً فتح تاء المضارعة الرباعي، وفتح تاء الفاعل المضمومة، وغيرها.
  2 ـ اللحن الخفي:
           وهذا اللحن لا يخص قواعد الإعراب ولا يخلَّ بها بل هو خطأ يطرأ على اللفظ بسبب مخالفته لكمال الضبط ونهاية الحسن، ولا يخلّ بالمعنى، وسمي (خفيا) لعدم إدراكه من قبل كل الناس، بل يدركه القرّاء والأئمة، من نحو ترك الغنّة أو نقص المدّ(41)، ومن صوره ترقيق لام لفظ الجلالة في قوله تعالى: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(42)، وكذلك تفخيم الراء في قوله تعالى: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ)(43)، والصحيح ترقيقها، ومن صوره أيضاً المبالغة في نبر الهمزة أو إشباع الحركات.

  التأليف في علم التجويد:

           إن دراسة الأصوات والحروف وما يتعلق بها من المخارج والصفات أو ما يطرأ عليها من الإدغام والإبدال وغيرها، قد أخذت حيزاً كبيراً في كتب اللغة والنحو والصرف، وكذلك ما أشار إليه علماء القراءات وما ضمت كتبهم من هذه الظواهر الصوتية، فكان كلُّ ذلك يمثل البدايات الحقيقية لما كتب في التجويد الذي سبق الكتابة عنه بشكل مستقل.
           إن أول من صنف في التجويد كتاباً مستقلاً هو موسى بن عبيد الله بن يحيى الخاقاني البغدادي (ت:325هـ) إذ نظم قصيدة فيه. وذكر ابن الجزري ذلك وقال: (هو أول من صنف في التجويد فيما أعلم، وقصيدته الرائية مشهورة وشرحها الحافظ أبو عمرو)(44)، وأول قصيدة الخاقاني:
      أقول مقالاً معجباً لأولي الحجر             ولا فخر إن الفخر يدعو إلى الكبر
وعدد أبياتها واحد وخمسون بيتاً.
             وقد شرح أبو عمرو الداني(ت:444هـ) قصيدة الخاقاني في كتابه (شرح القصيدة الخاقانية)(45). وألف بعد القرن الرابع الهجري في علم التجويد علماء كبار نحو مكي بن أبي طالب(ت:437هـ) فألف كتابه (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة).
             وألف أبو عمر الداني كتابه (التحديد في الإتقان والتجويد)، وألّف عبد الوهاب القرطبي (ت:461هـ) كتابه (الموضح في التجويد)، وألف أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح (ت:537هـ) كتابه (نهاية الإتقان في تجويد القرآن)، وألف أبو الخير محمد بن محمد الجزري كتاب (التمهيد في علم التجويد) وألف السيد محمد الجواد العاملي (ت:1226هـ) كتابه (قواعد التجويد)، وغيرهم.
           أما من المحدثين، فقد ألف الدكتور محمد أحمد إبراهيم أبو فراخ كتابه (الوجيز في أحكام التجويد)، وألف الدكتور إبراهيم محمد نجا كتابه (التجويد والأصوات)، وألف محي الدين عبد القادر الخطيب كتابه (كفاية المستفيد في فن التجويد) وألف الأستاذ عبد الودود الزراري كتابه (مدخل إلى علم التجويد) وألف السيد فرج توفيق الوليد كتابه (قواعد التلاوة وعلم التجويد)، وألف محمد سعيد محمد علي ملحس كتابه (أحكام القرآن على رواية حفص بن سليمان)، وغيرها فضلاً عن كتب القراءات وعلوم القرآن التي تضمنت، فصولاً في علم التجويد.
            ولم ينقطع التأليف فيه، بل بقيت الأقلام تكتب مختصرات ورسائل، وربما كان هذا الاتجاه في الكتابه بسبب كفاية هؤلاء المؤلفين بما كتب من قبل. فأوجزوا ما كتبوا وأشاروا إلى الأصول من هذه الكتب، فمن الرسائل التي ضمتها خزائن المخطوطات رسالة في التجويد للسيد محمد الجواد العاملي الحسيني (ت:1226هـ) صاحب (مفتاح الكرامة)، ورسالة للشيخ أحمد الاحسائي (ت:1241هـ) ورسالة ثالثة للشيخ هادي كاشف الغطاء (ت:1361هـ)،
           وقد قمت بتحقيق هذه الرسائل، وقدمت لكل واحدة منهن دراسة وافية عن المؤلف ونسبه وعصره وتلامذته وأساتذته ومؤلفاته وغيرها من الأمور التي تخص كل مؤلف منهم. هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل الصالح، إنه نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
(1) ظ: دراسات قرآنية (تاريخ القرآن)، د. محمد حسين الصغير:122.
(2) نكت الانتصار لنقل القرآن، الباقلاني:415.
(3) البرهان، الزركشي: 1/223.
(4) البيان، الخوئي: 123.
(5) دراسات قرآنية (تاريخ القرآن)، د. محمد حسين الصغير:123.
(6) ظ: التبيان، الطوسي:1/7، مجمع البيان، الطبرسي: م1/12.
(7) الأصول من الكافي، الكليني:2/631.
(8) ظ: محاضرات في علوم القرآن، غانم قدوري الحمد: 187.
(9) لسان العرب، ابن منظور: 2/411 ـ جود.
(10) النشر، الجزري: 1/167.
(11) سورة المزمل/الآية:4.
(12) الأصول من الكافي، الكليني:2/614.
(13) م.ن: 2/614.
(14) الأصول من الكافي، الكليني:2/616.
(15) النشر، ابن الجزري:1/168.
(16) آل حم: هي السور المفتتحة بـ(حم) نسبت إليه، كما يقال: آل فلان، وذلك في جعل (حم) حرفاً واحداً، والعرب تقول: آل حم، والحواميم، وفي الأخيرة اختلاف، قال الكميت:
وجدنا لكم في آل حم آيةً
تأولها منّا تقي ومغرب
ظ: الوقف والابتداء، ابن سعدان الضرير: 83 ـ84، الهاشميات، الكميت:40.
(17) ظ: مجمع البيان، الطبرسي: م4 ـ512.
(18) ظ: دلائل الأعجاز، الجرجاني:388 ـ389.
(19) الوقف والابتداء، ابن سعدان الضرير:68.
(20) م.ن:75.
(21) ظ:
(22) سورة فاطر/ الآيتان 29 و30.
(23) سورة الأنفال/الآيتان 2 و3.
(24) سورة البقرة/الآية:121.
(25) سورة الأعراف/الآية204.
(26) ظ: فتح الباري، ابن حجر:9/66 (حديث 502).
(27) الأصول من الكافي، الكليني: 2/605.
(28) ظ: النشر ، ابن الجزري:1/163، الوجيز في أحكام التجويد، د. محمد أبو فراخ:27.
(29) ظ: التعريفات، الجرجاني:51، الوجيز في أحكام التجويد، د.محمد أبو فراخ:27.
(30) ظ:النشر، ابن الجزري:1/166.
(31) سورة المزمل/الآية4.
(32) ظ: النشر، ابن الجزري:1/
(33) ظ:النشر، ابن الجزري:1/164.
(34) ظ: الوجيز في أحكام التجويد، د.محمد أبو فراخ:28.
(35) ظ: النشر، ابن الجزري:1/164 ـ165.
(36) ظ: الوجيز في أحكام التجويد، د. محمد أبو فراخ:28.
(37) مشكل أعراب القرآن، مكي بن أبي طالب:11.
(38) ظ: الوجيز في أحكام التجويد، د. محمد أبو فراخ:47.
(39) المصباح الزاهر، الشهرزوري:1/72.
(40) ظ: المصباح الزاهر، الشهرزوري:1/73.
(41) ظ:الوجيز في أحكام التجويد، د. محمد أبو فراخ:49.
(42) سورة الإخلاص/الآية 1.
(43) سورة لقمان/الآية:18.
(44) ظ: غاية النهاية، ابن الجزري:321، كشف الظنون، حاجي خليفة:1/354.
(45) ظ: كشف الظنون، حاجي خليفة:2/1337.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.