كان من حاجة الناس والمجتمع الإسلامي إلى فهم القرآن في كل عصر ومصر، كان احتياجهم إلى تفسيره لبيان معانيه وإيضاحها لأجل معرفة أحكامه والعمل بها وفق الشريعة.
والتفسير في اللغة: مصدر فسر بتشديد السين من التفسير بمعنى البيان(1)، أي انه بمعنى البيان مطلقاً، فهو ليس خاصاً بالقرآن وحده ويؤيد ذلك قوله تعالى: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) الفرقان /33.
أما التفسير في الاصطلاح: فقد اختلف المفسرون في تعريفه، فهذا أبو طالب الثعلبي يعرفه بقوله: (هو بيان وضع اللفظ القرآني حقيقةً أو مجازاً)(2)، أما أهل اللغة فقد أدخلوا في تعريفهم أدوات اللغة والنحو والتراكيب، فقال أبو حيان التوحيدي في البحر المحيط: (بأنه علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن الكريم ومدلولاتها وأحكامها الافرادية والتركيبية ومعانيها التي تحمل حالة التركيب، وتتمات ذلك)(3).
وقال بعضهم هو علم بأصول تعرف به معاني كلام الله تعالى من الأوامر والنواهي وغيرها(4).
إذن التفسير حاجة ملحة، لكن بعض الملاحدة قالوا للمسلمين، لماذا تقولون إن الخالق حكيم وله خطاب وهو القرآن، ولما كان الخطاب من حكيم عليم فلا يحتاج إلى تفسير لأنه واضح. ولكن الرأي الإسلامي يقول إن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، وهو في الحقيقة كلام القدرة الإلهية المطلقة، والكلام صفة المتكلم، وان القدرة الإلهية غير محدودة بمكان ولا زمان ولا درجة وهي معينة، لذا سيكون كلام الله تعالى له نفس هذه المواصفات من عدم التحديد للزمان والمكان والوعي، فأذن سنحتاج إلى تفسيره في كل زمان ومكان. لهذا فقد عرف بعض أساتذتنا بـ(إن التفسير هو إيضاح لكلام الله تعالى بقدر الطاقة البشرية، أو هو إيضاح مشكل الكلام بقدر الطاقة البشرية). ونقول بقدر الطاقة البشرية لأن البشر محدود القابليات والقدرات ولا يمكنهم أن يدركوا المعاني الكلية لكلام الله تعالى.
إن أول من فسر القرآن الكريم النبي محمد (صلى الله عليه وآله). وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة آراء هي:
1ـ إن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفسر شيئاً من القرآن.
2ـ انه (صلى الله عليه وآله) قد فسر كل القرآن وذلك قول ابن تيمية.
3ـ وقال آخرون: إنه (صلى الله عليه وآله) فسر ما أشكل على قومه، بدليل قوله تعالى:(وما أنزلنا عليك الكتاب إلا ليتبين لهم الذي اختلفوا فيه) النحل/ 64.
وقد أخذ الصحابة يروون ما يقوله النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في تفسير كلام الله تعالى، وعلى اثر ذلك تشكلت عدة مدارس في التفسير وهي:
1ـ مدرسة مكة: أسس قواعدها عبد الله ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن وقد دعا له الرسول بقوله: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.
2ـ مدرسة المدينة: ومؤسسها أبي بن كعب وهو من الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمقدم بين القراء.
3ـ مدرسة الكوفة: ومؤسسها عبد الله بن مسعود ذو المقام العالي بين المفسرين وثاني ابن عباس في كثرة الرواية. وقال عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (من سره أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأ بقراءة ابن أم عيد.
4ـ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). ومؤسسها الأول النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ورائدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).
ومع أجلاء الصحابة مثل حذيفة بن اليمان وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان المحمدي والمقداد.ويعد من روائها الأصبغ بن نباته وكميل بن زياد النخعي وميثم التمار(رضوان الله عليهم أجمعين). ثم استمرت بشخص الحسنين (عليهما السلام) ونشرت هذه المدرسة آرائها من خلال الدعاء المروي عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) وكان من تلامذته زياد بن المنذر وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب. وتبلورت في زمن الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق(عليهم السلام). وقد تتلمذ على الإمام جعفر الصادق اغلب علماء الامة وفي طليعتهم أبو حنيفة النعمان ومالك. وقال الوشاء: دخلت مسجد الكوفة فأدركت تسعمائة شيخ كل يقول: حدثني جعفر بن محمد). وقال معاوية العجلي: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) التوبة/120
قال: إيانا عنى. وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) النحل /45 قال: الذكر محمد (صلى الله عليه وسلم) ونحن أهله المسؤولون. قال قلت: قوله (وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) الزخرف/43.
قال: إيانا عني ونحن أهل الذكر ونحن المسؤولون)(5).
وفي زمن التابعين دون التفسير وصنف فيه وأول كتاب ظهر فيه كان لسعيد بن جبير (ت 64 هـ) وكان اعلم التابعين(6).
نشرت في العدد 11
(1) لسان العرب ـ مادة فسر ـ ج6ص361 ـ طبعة بولاق.
(2) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ـ ج2 ص173 ـ مطبعة حجازي.
(3) ج1 ص10
(4) مجمع البيان للطبرسي ـ مقدمة المحقق ـ ج1 ص1 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1379هـ.
(5) الأصول من الكافي للكليني ـ ج1 ص210 ـ دار الكتب الإسلامية ـ ط3 ـ 1388 هـ طهران.
(6) مجمع البيان للطبرسي ـ ج1ص7.