Take a fresh look at your lifestyle.

نصير الدين الطوسي العالم الشيعي الإمامي

0 1٬066

د. أسامة النجفي
مملكة السويد

                  اذا كان لأحد من علماء المسلمين الشيعة فضل على تقدم البشرية في التكنولوجيا والعلوم الحديثة فلا شك أنه نصير الدين الطوسي العالم الشيعي الامامي. قال عنه سيدللو العالم الروسي ان نصير الدين الطوسي أعظم عقلية تجريبية عرفتها البشرية.
وأشارت اليه الموسوعة البريطانية بأنه أحد أعمدة التكنولوجيا في الحضارة الغربية وهو قول لم تطلقه على غيره من العلماء المسلمين. وقالت عنه موسوعة ويكيبيديا الغربية انه واضع علم المثلثات بلا منازع. نصير الدين الطوسي وضع اسس الهندسة اللااقليدية التى استفاد منها ريمان ووضعت الاساس للنظرية النسبية. ليس هذا كل شيء فنصير الدين الطوسي ابدع في الفقه والكلام وأصبح المرجع الاعلى للشيعة في زمانه وهو أستاذ العلامة الحلي الذي قال في حقه: كان نصير الدين الطوسي أفضل أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية وهو أستاذ البشر. فللشيعة أن تفتخر مدى الدهر بهذا العالم الحكيم الذي بعلومه أوصل البشرية للتقدم الذي نحن فيه. وقد كرّم الغرب نصير الدين عندما أطلق على منطقة على سطح القمر يبلغ قطرها الكيلومترات اسم نصير الدين تيمنا بالمحقق الطوسي (رضوان الله عليه).
من هو نصير الدين الطوسي:
هو محمد بن محمد بن الحسن، وكان يكنَّى بأبي جعفر، وينسب إلى طوس أو إلى جهرود، وهي من أعمال طوس. ولد في الحادي عشر من جمادى الأولى، العام 597هـ. وهناك مصدر يذكر أنه ولد العام 607هـ. درس على والده الذي كان له اعتبار خاص لدى العلماء، وعلى خاله (الحكيم فاضل بابا أفضل الطاشي) الذي وصف انه من كبار الفلاسفة. في مرحلة النمو يبدو الغموض واضحاً، والمصادر لم تذكر عنه إلا القليل، ولكن من المتفق عليه انه عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره، ظهرت عنده دلائل الرغبة في متابعة تحصيل المعارف والعلوم، فانتقل إلى نيسابور، حيث انتسب إلى مدرستها التي كان لها الفضل
في تخريج نخبة من الرياضيين والفلاسفة في ذلك الزمان، أمثال: الفلكي الشهير الحسن بن الصبَّاح،والشاعر الفيلسوف عمر الخيَّام، والوزير نظام الملك وغيرهم.
أمضى الطوسي ستة أعوام في نيسابور، إلى أن تمَّ اجتياح المغول الأول للأقطار الإسلامية العام 619هـ. كخوارزم، وسمرقند، وبخارى، ونيسابور أخيراً وتؤكد المصادر أن النصير كان واحداً من الأربعمائة شخص الذين كتب لهم النجاة في نيسابور. بعد هذا الحدث المؤلم، لجأ إلى طوس حيث عكف على الدرس والتأليف، ثم لازم معين الدين المصري، فدرس عليه الحكمة والفقه والرياضيات وعلم الفلك. وفي تلك الفترة ذاعت شهرته في كل مكان، فأقبل عليه الناس والطلاَّب ينهلون من علمه، ويعبون من معينه. ويبدو أن شهرته وصلت إلى أسماع ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور حاكم قوهستان الاسماعيلي، فوجَّه إليه دعوة لزيارته فلبَّى الطلب. ومن اللقاء الأول أعجب به، ثم أقنعه بالإقامة في كنفه، بعد أن تعهد له بتأمين مطالبه في ما يختص بالتأليف والتحصيل والتخصيص.
عناصر المعرفة عند الطوسي:
وقد يكون من العسير جداً دراسة عناصر المعرفة عند الطوسي، إلاَّ على ضوء جدول تفصيلي تظهر فيه الموضوعات والفروع والأصول.
1ـ العلوم العقلية والفلسفية: ويتفرع منها الأمور العامة، والأعراض واثبات الصانع المبدع (واجب الوجود) وصفاته، والنبوة، والإمامة، ومعرفة العوالم، والمبدأ والمعاد، والتربية والأخلاق.
2ـ العلوم الكلامية: ويتفرع منها السياسة والمنطق.
3ـ العلوم المجسطيةة: ويتفرع منها الهندسة والجبر والرياضيات والمثلثات والفيزياء.
4ـ العلوم الدينية: ويتفرع منها الفقه وأصول الفقه والحديث والتفسير والتأويل.
5ـ العلوم الفلكية: ويتفرع منها النجوم والأفلاك والبروج والرصد والزيج والتنجيم والتقديم والاسطرلاب.
6ـ العلوم الإنسانية: ويتفرع منها التاريخ والشعر والموسيقى والفنون والتربية والجغرافيا.
7ـ العلوم الطبيعية: ويتفرع منها الطب والجواهر والكيمياء.
افتــــراء ابن تيـــــــمية:
لعلّ من أشدّ الناس على الشيخ نصير الدين الطوسي رحمه الله في هذه القضيّة هو ابن تيميّة، ممّا يثير الشك ويدعو إلى البحث عمّا إذا كان السبب الاصلي لاتّهام هذا الشيخ بهذا الامر هو الاختلاف العقائدي، وما كان للشيخ نصير الدين الطوسي من دور نشر المذهب الشيعي، ودعمه بالادلّة والبراهين، ولاسيّما بتأليفه كتاب تجريد الاعتقاد، هذا الكتاب الذي أصبح من المتون الاصليّة والاوليّة في الحوزات العلميّة كلّها، وكان يدرّس وما زال هذا الكتاب يدرّس في بعض الحوزات العلميّة، ولذا كثرت عليه الشروح والحواشي من علماء الشيعة والسنّة، وحتّى أنّ كتاب المواقف للقاضي الايجي،
وكتاب المقاصد للسعد التفتازاني، هذان الكتابان أيضاً إنّما أُلّفا نظراً إلى ما ذكره الخواجه نصيرالدين في كتاب التجريد، ويحاولون أن يردّوا عليه آراءه وأفكاره، ولربّما يذكرون اسمه بصراحة، وقد عثرنا على مورد في إحدى تلك الكتب حيث جاء التصريح باسم الشيخ نصير الدين الطوسي مع التهجّم عليه والسب له، وهو كتاب شرح المقاصد. وأمّا ابن تيميّة، فإنّما يتعرّض للخواجة نصير الدين الطوسي بمناسبة أنّ العلاّمة الحلّي ـ تلميذ الخواجة ـ ينقل عن أُستاذه استدلالاً لدعم المذهب الشيعي وإثبات عقيدة الاماميّة،
على أساس حديثين صحيحين واردين في كتب الفريقين. ينقل العلاّمة رحمه الله عن أُستاذه أنّه سئل عن المذهب الحقّ بعد رسول الله، فأجاب بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أخبر في الحديث المتفق عليه بأنّ الاُمّة ستفترق من بعده على ثلاث وسبعين فرقة، وهذا الحديث متّفق عليه. قال: فمع كثرة هذه الفرق قال رسول الله: فرقة ناجية والباقي في النار. ثمّ إنّ رسول الله عيّن تلك الفرقة الناجية بقوله: (إنّما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا). وهذا الاستدلال لا يمكن لأحد أن يناقش فيه، لا في الحديث الأول، ولا في الحديث الثاني، ولا في النتيجة المترتبة على هذين الحديثين وحينئذ نرى ابن تيميّة العاجز عن إظهار أيّ مناقشة وإبداء أيّ إيراد علمي في مقابل هذا الاستدلال، نراه يتهجّم على الشيخ نصيرالدين، ويسبّه بما لا يتفوّه به مسلم بالنسبة الى فرد عادي من أفراد الناس.
أقوال علماء السنة فيه:
ابن الفوطي الحنبلي البغدادي (ت 723هـ):
ترجم الذهبي للفوطي وفي أثناء ترجمته ذكر نصير الدين قائلاً: (ابن الفوطي العالم البارع المتفنّن المحدّث المفيد، مؤرخ الافاق، مفخر أهل العراق، كمال الدين أبوالفضائل عبدالرزاق بن أحمد بن محمّد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي، مولده في المحرّم سنة 642هـ ببغداد، وأُسر في الوقعة وهو حَدَث ـ أُسر في الوقعة: وقعة بغداد ـ ثمّ صار إلى أُستاذه ومعلّمه خواجة نصير الدين الطوسي في سنة 660هـ، فأخذ منه علوم الاوائل، ومهر على غيره في الادب، ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس، وله النظم والنثر، والباع الاطول في ترصيع تراجم الناس، وله ذكاء مفرط، وخط منسوب رشيق، وفضائل كثيرة، سمع الكثير، وعني بهذا الشأن)(1).
ويعبّر عنه صاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي، عندما يعنونه يعبّر عنه بـ: الشيخ الامام المحدّث المؤرّخ الاخباري الفيلسوف. وأمّا ابن كثير، فيذكر ابن الفوطي في تاريخه قائلاً: الامام المؤرّخ كمال الدين ابن الفوطي أبوالفضل عبدالرزاق، ولد سنة 642هـ ببغداد، وأُسر في واقعة التتار، ثمّ تخلّص من الاسر، فكان مشرفاً على الكتب بالمستنصريّة، وقد صنّف تأريخاً في خمس وخمسين مجلّداً، وآخر ـ أي كتاباً آخر ـ في نحو عشرين، وله مصنّفات كثيرة، وشعر حسن، وقد سمع الحديث من محي الدين ابن الجوزي، وتوفي في ثالث المحرّم في السنة التي ذكرناها.
فهذا العالم المؤرّخ، الذي شاهد القضيّة، وحضرها، وأُسر فيها، وهو إمام مؤرّخ معتمد، يذكره علماء أهل السنّة بالثناء الجميل، ويذكرون كتبه في التاريخ، هذا الرجل له كتاب الحوادث الجامعة، في هذا الكتاب يتعرّض لقضيّة سقوط بغداد على يد هولاكو، وليس لخواجة نصيرالدين اسم في هذه القضيّة ولا ذكر أبداً، يذكرون أنّه قد ألّف كتابه هذا بعد الواقعة بسنة واحدة، أي أنّ سنة 657هـ تاريخ تأليف كتاب الحوادث الجامعة.
ابن الطقطقي:
ثمّ بعد ابن الفوطي، نرى ابن الطقطقي المولود سنة 660هـ والمتوفّى سنة 709هـ، هذا صاحب كتاب الفخري في الاداب السلطانيّة والدول الاسلاميّة، يروي الحوادث، حوادث بغداد، بواسطة واحدة فقط، ولا ذكر في هذا الكتاب حيث يذكر الحوادث لخواجة نصيرالدين في القضيّة أصلاً، لا من قريب ولا من بعيد. نعم يذكر اسم الخواجة مرّةً واحدةً، حيث يبيّن دخول ابن العلقمي على هولاكو. ابن العلقمي كان وزير المستعصم العباسي، أصبح بعد المستعصم العباسي من الشخصيّات المرموقة في بغداد، وينسب إليه أيضاً من قبل بعض
كتّاب السنّة ـ السابقين واللاّحقين ـ أنّ له يداً في سقوط بغداد، لكن بحثنا
الان في خواجة نصيرالدين وليس في ابن العلقمي، وبإمكانكم أن ترجعوا إلى كتاب أعيان الشيعة للسيّد الامين العاملي رحمه الله يذكر هناك ما يقال عن ابن العلقمي وبراءة ساحة هذا الرجل أيضاً. ففي كتاب الفخري في الاداب السلطانيّة يذكر الشيخ نصيرالدين الطوسي مرّةً واحدةً بمناسبة أنّ الشيخ نصيرالدين كان واسطة في دخول هذا الوزير، أي ابن العلقمي على هولاكو، يقول: (وكان
الذي تولّى ترتيبه في الحضرة السلطانيّة الوزير السعيد نصير الدين محمّد الطوسي(قدس سره)).
ابن خلدون:
ننتقل إلى ابن خلدون، ابن خلدون متولّد في سنة 732هـ، ووفاته سنة 808هـ، يذكر في تاريخه خبر المستعصم آخر ملوك بني العبّاس ببغداد، فلم يصف الخليفة بما وصفه به غيره من الصفات الدنيئة الموجبة للعار والشنار، والمسببة لما وقع به وبأهل بغداد، بل وصفه بقوله: (كان فقيهاً محدّثاً…)(2). ثمّ ذكر ما كان من السنّة ضدّ الشيعة في الكرخ بأمر من الخليفة وابنه أبي بكر وركن الدين الدوادار، ثمّ ذكر زحف هولاكو إلى العراق ودخول بغداد وقتل الخليفة وغيره.
ابن كثير:
ابن كثير يقول: (النصير الطوسي محمّد بن عبدالله [لكن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد] كان يقال له المولى نصير الدين، ويقال الخواجة نصير الدين، اشتغل في شبيبته، وحصّل علم الاوائل جيّداً، وصنّف في ذلك في علم الكلام، وشرح الاشارات لابن سينا، ووزر لاصحاب قلاع الالموت من الاسماعيليّة، ثمّ وزر لهولاكو، وكان معهم في واقعة بغداد، ومن الناس من يزعم أنّه أشار على هولاكو بقتل الخليفة، فالله أعلم، وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل… إلى آخر ما قرأناه سابقاً. قال: وهو الذي كان قد بنى الرصد في مراغة، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والاطبّاء، وغيرهم من الفضلاء، وبنى له فيه قبّة عظيمة، وجعل فيه كتباً كثيرةً جدّاً، توفي في بغداد في الثاني عشر من ذي الحجة من هذه السنة، وله خمس وسبعون سنة، وله شعر جيّد قويّ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيّع، فنزع فيه حروب كثيرة منه حتّى أفسد اعتقاده)(3).
هذا كلّه ذكره في ترجمة نصيرالدين الطوسي، وفيه الثناء الجميل على علمه، إلاّ أنّه يعرّض به لاجل مذهبه. وقال الذهبي في وفيات سنة 672: كبير الفلاسفة خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي صاحب الرصد. وقال أيضاً: (خواجه نصير الدين الطوسي أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن، مات في ذي الحجّة ببغداد، وقد نيّف على الثمانين، وكان رأساً في علم الاوائل، ذا منزلة من هولاكو)(4).
من دهـــــــــــائه:
ومن دهائه ما حكي: (أنّه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان، فأمر بقتله، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له، فقال النصير… إلى آخره فسعى في خلاص هذا الشخص. وممّا وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه عن شخص من جملة ما فيها: يا كلب
يا ابن الكلب، فكان الجواب منه أمّا قوله: يا كلب، فليس بصحيح، لانّ الكلب من ذوات الاربع وهو نابح طويل الاظفار، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض الاظْفار ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص، وأطال في نقض كل ما قاله ذلك القائل.
هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأن
غير منزعج، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة)(5).
وفــــــــــــــــاته:
أمر (رضوان الله تعالى عليه) أن يدفن في المرقد الكاظمين (عليهم السلام) وان يكتب علي قبره: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).
خــــــــاتمة البحث:
سمَّاه آية الله آغا بزرك: (أستاذ الحكماء والمتكلَّمين، وأفضل الحكماء والمتكلمين، وحجة الفرقة الناجية)(6)، وقال عنه الحرانَّي: (أفضل المتأخرين)، وذهب بعضهم إلى القول: انه تجاوز أعمال سابقيه من الفلاسفة الكبار، أمثال: الفارابي، وابن رشد، وابن سينا، وقال الدكتور علي أكبر فياض: إن نصير الدين الطوسي من اكبر المشتغلين في العلوم العقلية بعد
ابن سينا. وقال عنه جورج سارتون Georges Sarton: (إنه أعظم علماء الإسلام ومن أكبر رياضيهم)، واعتبره بروكلمان Brocklmann: (أشهر علماء القرن السابع، وأشهر مؤلفيه على الإطلاق). وقد نقل القمي عن ابن المطهِّر قوله:
(كان النصير اشرف من شاهدناه في الأخلاق)(7)، وقد يكون للدور السياسي الكبير الذي كان يضطلع فيه بعد فتح المغول لبغداد اكبر الأثر في ترك
الآثار للناس عن شخصيته الكبرى وسلوكه مع أعدائه وأصدقائه. اسهامات نصير الدين الطوسي في تطور الحضاره الحديثة يمكن قراءتها بالتفصيل في
الموسوعة البريطانية.
نشرت في العدد 11

(1) الذهبي، تذكرة الحفاظ 4/ 1493.
(2) ابن خلدون، التاريخ 3/ 536.
(3) ابن كثير، البداية والنهاية 13/ 313.
(4) انظر: سركيس، معجم المطبوعات العربية 2/ 125.
(5) المناوي، فيض القدير 5/ 412. القمي، الكنى والألقاب 3/ 252.
(6) الأردبيلي، مجمع الفائدة 5/ 5.
(7) المصدر السابق 1/ 17. القمي، الكنى والألقاب 3/ 252.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.