Take a fresh look at your lifestyle.

أنظمة الرؤية والسمع في الفكر الإسلامي

0 768
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ
سورة الأعراف: 27
                    وردت صيغ مختلفة للرؤية والبصر والسمع في القرآن الكريم، وهناك بعض النصوص في (نهج البلاغة) وغيره من كتب الحديث المنقولة عن المعصومين(عليهم السلام) تتناول بعض الأنظمة والأسس التي تنظم عمليتي الرؤية والسمع مما أكدته أبحاث العلم الحديث أو كشفت عن أسراره وإمكانية حدوثه.
أكد النص أعلاه إن الشياطين تستطيع رؤية البشر، ولكن البشر لا يتمكنون من رؤية الشياطين، وهناك نصوص في الفكر الإسلامي تؤكد أن الملائكة كذلك يرون البشر، ولكن البشر لا يمكن لهم رؤية الملائكة، ولكن هناك حالات تمكن البشر من رؤية الملائكة: (فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً) (سورة مريم: 17).
وفي بعض نصوص الروايات أن بعض الأنبياء والرسل(عليهم السلام) ومنهم رسولنا الأعظم(صلى الله عليه وآله) رأوا بعض الملائكة مثل جبرئيل وميكائيل وملك الموت(عليهم السلام) وتكلموا إليهم.
جاء في الكتاب الثاني من (الفيزياء المسلية) بما موجزه بأن الرجل غير المرئي تماماً لا يرى ما حوله، لأن العين الشفافة يكون معامل انكسارها مساوياً لمعامل انكسار الهواء، وذلك يؤدي إلى عدم الانكسار، فالأشعة لا تغير اتجاهها عندما تنتقل من الهواء إلى عدسة العين، فتمر في عينه دون أن يعترضها حاجز. وبتعبير آخر فعند إحداث أي إحساس بصري، لابد أن تولد الأشعة في عين الحيوان بعض التغييرات، أي تقوم الأشعة بإنجاز عمل معين، لذا فلابد للعين أن تحجز ولو كمية ضئيلة من الأشعة، ولكن العين الشفافة لا تتمكن من حجز الأشعة وإلا لما أصبحت شفافة، لذا فالحيوانات الشفافة التي لها عيون للرؤية، لا يمكن تمييزها إلا من خلال عيونها السوداء الصغيرة، ومثل هذه الحيوانات تعيش تحت سطح مياه المحيطات.
إذن هناك قوانين أخرى غير مادية لم يصل إلى معرفتها العلماء لحد الآن تمكن الكائنات غير المرئية مثل الملائكة والشياطين من رؤية الكائنات المادية بصورة عامة ومنها أفراد البشر على سطح الأرض.
وقبل أن ننتقل إلى قوانين الرؤية والسمع في مخلوقات الله تعالى المادية، نقف قليلاً لنتعرف على الفرق بين الرؤية والسمع عند الخالق والمخلوق، فقد قال الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام) كما في (عيون أخبار الرضا/ الجزء الأول) (بأن الله تعالى وصف نفسه تبارك وتعالى بأسماء دعا الخلق أن يدعوه بها، وأنه تعالى أكرم العباد بأسماء من أسمائه على اختلاف المعاني، حيث يجمع الاسم الواحد معنيين مختلفين، ثم قال(عليه السلام): وسمى ربنا سميعاً، لا جزء به يسمع الصوت ولا يبصر به، كما أكد أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوى على النظر به، ولكنه عز وجل أنه لا تخفى عليه الأصوات، ليس على حد ما سمينا نحن، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى. وكذلك البصير لا لجزء به أبصر، كما إنا نبصر بجزء منا لا ينتفع به في غيره، ولكن الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى.
كما أكد نفس المعنى الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد(عليه السلام) في جوابه عن أسماء الله تعالى وصفاته، كما في الجزء الثاني من (الاحتجاج) فقال(عليه السلام): لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه (بصيراً) لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك.
وهناك معلومة مهمة جداً وردت في نص حديث الإمام الرضا(عليه السلام) حيث قال(عليه السلام): كما أن جزءنا الذي نسمع به لا نقوى على النظر به، بينما قال(عليه السلام) عن جزء البصر: كما إنا نبصر بجزء منا لا ينتفع به في غيره. فلم يقل في الأذن (لا ينتفع به في غيره) ولم يقل في العين (لا نقوى على السمع بها) لأن العين في الإنسان انفردت للرؤية فقط دون أية وظيفة أخرى فقال(عليه السلام): لا ينتفع به في غيره، بينما اشتركت الأذن في وظيفتي السمع وتحديد التوازن في وضع الإنسان وحركته فقال(عليه السلام): لا نقوى على النظر به وهذا يؤكد دقة النص من قول الإمام الرضا(عليه السلام) ودقة رواة الشيعة في نقله دون أن يحاولوا تحريفه لأي هدف كان وحتى لو كانوا لم يدركوا معناه.
في (الدر المنثور في تفسير المأثور) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: إن ربكم تعالى يقول لو أن عبادي أطاعوني لأسقيهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد.
أكدت أبحاث العلم الحديث أن للرعد فوائد كثيرة من أهمها إنتاج الأسمدة وإضافتها إلى التربة من خلال أكسدة النتروجين الموجود في هواء الغلاف الجوي للأرض ولولا الرعد والبرق لما وجدت النباتات مادتها الغذائية في التربة، كما عد صوت الرعد من ملوثات البيئة إذ أنه يؤثر سلباً على الأذن البشرية والحيوانية، لذا جاء التعبير دقيقاً في نص حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلم يقل بأن الله تعالى (لم يحدث الرعد أصلاً لكن لا يسمعوا صوته) وإنما يستمر حدوث الرعد لفوائده ولكن الله تعالى قال (ولم أسمعهم صوت الرعد) وذلك ممكن، لأن الأذن البشرية تسمع الأصوات التي يقع ترددها بين (20 ـ 20000) ذبذبة في الثانية، ويختلف الأفراد في حدود ذلك، وقد استطاع الإنسان توليد أصوات بذبذبات عالية لا تسمعها الأذن البشرية ولا الأذن الحيوانية وصلت في بعض الحالات لأكثر من مليون ذبذبة في الثانية، فحدوث الرعد بأصوات ذات ترددات عالية لا تسمعها الأذن في كل الكائنات على الأرض أمر ممكن ولا ينفيه العلم ولكنه مرتبط بإرادة الله تعالى ولكنه عز وجل جعل ذلك مرتبطاً بطاعة عباده له، فهو إذن نظام طبيعي من سننه التي سنها لتنظيم أمور هذا الكون، ولكن البشر رفض هذه النعمة من سقي المزروعات ليلاً بالأمطار دون جهد وعدم تلويث آذانهم بأصوات الرعد المزعجة، وهكذا كرم الله تعالى عباده عندما يطيعونه.
أكد الإمام علي(عليه السلام) وجود حدود للرؤية والسمع في كل المخلوقات وهو ما تختص به المخلوقات دون الخالق الذي لا حدود لعلمه بما يرى ويسمع، فقد جاء في الخطبة (64) من (نهج البلاغة): وكل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها، ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام.
فكل فرد من البشر والحيوانات يستطيع سماع الأصوات ضمن حدود معينة من الترددات، فقد عرف عن الكلب إنه يسمع الأصوات التي لا يتمكن أفراد البشر من سماعها، فقد ذكر أنه يستطيع سماع الأصوات التي يصل ترددها إلى (38000) ذبذبة في الثانية، بينما يستطيع الخفاش سماع صدى صوته الذي ربما يصل تردده إلى (100000) ذبذبة في الثانية. كما أن الأصوات تتلاشى بزيادة البعد بين مصدر الصوت وسامعيه وذلك ما أكده الإمام الصادق(عليه السلام) في (توحيد المفضل) بقوله: فإن الصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء، والهواء يؤديه إلى المسامع، والناس يتكلمون في حوائجهم ومعاملاتهم طول نهارهم وبعض ليلهم، فلو كان أثر هذا الكلام يبقى في الهواء، كما يبقى الكتاب في القرطاس، لامتلأ العالم منه، وكانوا يحتاجون في تجديده والاستبدال به، إلى أكثر مما يحتاج إليه في تجديد القراطيس،
لأن ما يلفظ من الكلام أكثر مما يكتب، فجعل الخلاق الحكيم جل قدسه هذا الهواء قرطاساً خفياً يحمل الكلام ريثما يبلغ العالم حاجتهم، ثم يمسى فيعود جديداً نقياً، ويحمل ما حمل بلا انقطاع.
أوضح الإمام الصادق(عليه السلام) الفائدة العظمى من تلاشي الصوت في الهواء، وأكد جملة من الحقائق أكدت صحتها أبحاث العلم الحديث، فالصوت أثر يؤثره اصطكاك الأجسام في الهواء، وهو ما اصطلح عليه العلماء بالموجات الصوتية التي تحدثها الأجسام في الهواء، وهذه الموجات تنتقل خلال الهواء من مصدرها إلى سامعها،فعلى سطح القمر استعمل رواد الفضاء الذين نزلوا على سطحه الموجات اللاسلكية في تبادل الأصوات فيما بينهم ذلك لعدم وجود الهواء على سطح القمر لنقل الموجات الصوتية، فالإمام الصادق(عليه السلام) أول من أكد على نقل الهواء للأصوات فيؤديه إلى المسامع.
كذلك أكد الإمام علي(عليه السلام) في النص أعلاه وجود حدود للرؤية لكل المخلوقات فالضوء المرئي جزء من الموجات الكهرومغناطيسية الكثيرة الموجودة في الطبيعة واستطاع العلماء تصنيع الكثير منها أو من أنواعها المختلفة. فالضوء المرئي يقع بين (0،8 ـ 0،1) ميكرون، فهناك إشعاعات تحت الضوء المرئي مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة كاما، وهناك إشعاعات فوق الأشعة المرئية مثل الأشعة تحت الحمراء والموجات فوق القصيرة والقصيرة والمتوسطة والطويلة المستعملة في الرادار والبث الإذاعي والتلفازي، ولكن هذه الإشعاعات لا تراها العين، وقد أطلق عليها الإمام علي(عليه السلام): لطيف الأجسام، أما (خفي الألوان)، فهي الأجسام المادية الصغيرة ذات الألوان المختلفة التي لا يمكن رؤيتها بالعين مثل أنواع الفيروسات والميكروبات وجزيئات المواد المختلفة وذراتها.
للهواء كذلك دور في الرؤية، وهذا ما أكده الإمام أبو الحسن علي بن محمد(عليهما السلام)، كما في الجزء الثاني من (الاحتجاج) وذلك قوله(عليه السلام): لا يجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر، فمتى انقطع الهواء وعدم الضياء لم تصح الرؤية، وقد ورد بألفاظ أخرى في (التوحيد).
وقال الإمام علي(عليه السلام) في أول الخطبة (171) من (نهج البلاغة): اللهم رب السقف المرفوع والجو المكفوف الذي جعلته مغيضاً لليل والنهار.
فالجو يتكون من الهواء الذي هو خليط من مجموعة من الغازات، وقال السيد هبة الدين الشهرستاني في (الهيئة والإسلام) في معنى المغيض: موضع يمص الماء ويبلعه، فكأنه(عليه السلام) استعار لفظ الليل والنهار لمعنى النور والظلام، وشبه انعدام ضوء النهار في الجو ليلاً، وكذا انمحاء الظلام فيه نهاراً بمص الجو وابتلاعه للظلام والضياء. ويظهر من هذا التعبير ما كشف حديثاً بأن الهواء أو الجو يشرب ويمص النور ما يقتضيه طبعه ويمج الباقي.
أكد الدكتور أحمد زكي في (مع الله في السماء) أن جزيئات الهواء تشتت ضوء الشمس وفيه ألوان قوس قزح، فالضوء يتشتت عند اصطدامه بجزيئات الهواء، ولكن اللون الأزرق أكثر تشتتاً وهو يمثل الموجات الأقصر من ضوء الشمس، فيصل اللون الأزرق إلينا مشتتاً، من أجل هذا تظهر السماء لنا نهاراً وفي الصحو زرقاء. فلولا الهواء لرأينا نجوم السماء ظهراً نقاطاً من ضياء في صحيفة من السماء سوداء، ولرأينا الشمس قرصاً أبيض وسط السماء السوداء.
فجزيئات الهواء تجعل ضوء الشمس ينتشر أنواره في جميع الاتجاهات فينتظم مقدار الإشعاع المرئي في كل الاتجاهات فتتمكن العين من رؤية كافة تفاصيل كل جسم بألوانه المختلفة بصورة واضحة، ففي خارج الغلاف الجوي للأرض تنعدم الرؤية باستثناء أجرام السماء التي ترى قرصاً أو نقاطاً بيضاء وسط سماء سوداء مظلمة. ومن الله التوفيق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.