Take a fresh look at your lifestyle.

البضعة المحمدية في كتاب (خصائص الفاطمية)

0 1٬252

هاشم حسين ناصر المحنك
رئيس تحرير مجلة النجف

                   امتداد النور المحمدي العظيم الكريم، سر إلهي لا يعلم كنهه إلا الله، فطبيعي أن يكون الامتداد الأبوي عبر أولادهم، والبقاء والخلود متبادل بين الآباء والأبناء، إلا الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) فقد جعل لابنته المباركة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، منها وإليها الخلود عبر الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)، فتبارك الله أحسن الخالقين لها، ومنها سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين(عليهما السلام)، وإمامي الهدى،
من إمام الهدى والمتقين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وامتدادهما الذرية المباركة، والسلسلة الإمامية المباركة من الإمام الحسين(عليه السلام)، وخاتمهم الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه)، الذي يملأ بنوره الأرض قسطاً وعدلاً، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً…
وسيكون استمداد موضوعنا بالنصوص المباركة من كتاب (الخصائص الفاطمية) لمؤلفه (محمد باقر الكرباسي) والمترجم من قبل (سيد علي جمال أشرف) إلى اللغة العربية، والمتكون من جزئين، طبع مطبعة شريعت، سنة (1380هـ).
أولاً: انبثاق النور ومباركة الدنيا بها(ع):
من الكرامات المروية عن فاطمة الزهراء(عليها السلام)، بأن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) دخل (… يوماً فسمع خديجة تحدث، قال(صلى الله عليه وآله): يا خديجة، لمن تحدثين؟ قالت: أحدث الجنين الذي في بطني فإنه يحدثني ويؤنسني، قال(صلى الله عليه وآله): يا خديجة، أبشري فإنها أنثى، وإنها النسلة الطاهرة الميمونة، فإن الله جعلها من نسلي، وسيجعل من نسلها خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه…).
(وقيل: ولدت(عليها السلام) لخمس سنوات قبل البعثة، وقيل: بعد سنة من البعثة، والإمامية ذهبوا إلى القول: بأن ولادتها(عليها السلام) كانت بعد البعثة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: ولدت فاطمة… سنة خمس وأربعين من مولد النبي(صلى الله عليه وآله). أما شهر ولادتها عليها السلام فقد وقع الخلاف فيه بين شهر رمضان ورجب وربيع الأول وجمادي الأولى وجمادي الآخرة، ولكن الأغلب في العشرين من جمادي الآخرة).
وقد اختار المرحوم الشيخ الحر العاملي جمادي الآخرة أو الثاني، في منظومته المنورة ببضعة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله):
قد ولدت فاطمة الزهراء
البضعة الزكية الحوراء
بمكة الغراء يوم الجمعة
في ملك يزدجرد مبدي السمعة
وذاك قبل رجب بعشر
وقيل قبله بنصف شهر
لخمسة من مبعث النبي
المصطفى المكرم الزكي
وقد روى مخالفٌ ما قبله
بخمسة ومن رواه أبله
والمراد العشرون من جمادي الآخرة، لأنها قبل رجب بعشرة أيام، وحدود سنة الولادة الميمونة بخمسة سنين بعد البعثة… وقيل يوم ولادتها عليها السلام كان يوم الجمعة، وبعض الروايات الثلاثاء، والمرجح الأول، أي يوم الجمعة.
وولدت فاطمة الزهراء(عليها السلام) في مكة المكرمة، في بيت خديجة الطاهرة، ولم تعش مع أمها خديجة الطاهرة(عليها السلام) أكثر من خمس سنين.
و(قال الأوزاعي: أخذ النبي(صلى الله عليه وآله) يوماً بيد فاطمة(عليها السلام) وقال: من عرف هذه فقد عرفني، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني وهي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله).
وعن الإمام الرضا(عليه السلام): قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إني سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها عن النار.
وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن الله شق لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة، وفي حديث آدم(عليه السلام): (وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، وفاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعريهم ويشينهم، فشققت لها اسماً من اسمي).
ويروى إن الملائكة فزعت ـ من الظلمة ـ ودعت الله أن يكشفها عنهم، فخلق الله قنديل أو قناديل من نور الزهراء(عليها السلام) الزاهر، وعلقها بالعرش فانكشفت الظلمة، ولذا سميت فاطمة الزهراء(عليها السلام) بالزهراء…
ثانياً: كنى فاطمة الزهراء(ع):
الكنية تقوم مقام الاسم، وبها يعرف صاحبها كما يعرف باسمه، والعرب يكنون أبناءهم وبناتهم بأحسن الكنى وأجملها، وذلك للتفاؤل بالخير… وفاطمة(عليها السلام) قد اشتهرت بكنى عديدة، شهرت بعضها متداولة ليومنا هذا، ويمكن إجمال كناها بما يأتي:
(أم أسماء)، وقيل أم الأسماء. و(أم الهناء)، وهي أم الهناء لزوجها أمير المؤمنين(عليه السلام)، حيث قال(عليه السلام): ما رأيت من فاطمة(عليها السلام)، مكروهاً وما أغضبتني قط. ومن الكنى أيضاً (أم العلوم) لعلمها(عليها السلام)، وفي حديث (عيون المعجزات) إنها قالت(عليها السلام) لأمير المؤمنين(عليه السلام): (ولو أردت حدثتك عن علوم الأولين والآخرين). وكنيت(عليها السلام) بـ(أم الفضائل) وهي أعم من الكنية السابقة، حيث أن العلم والمعرفة أحد الفضائل النفسانية لفاطمة الطاهرة المرضية… وأيضاً كنيت بـ(أم الكتاب)، وهو تكريم لكل امرأة خلقها الله عز وجل.
أما سائر كناها فتعود لأحد أبناءها وبالخصوص ابنيها الإمام الحسن والإمام الحسين(عليه السلام) معاً، ومنه (أم الحسن)، (أم الحسين)، (أم السبطين)، (أم الريحانتين)، (أم المحسن)، (أم البررة)، (أم الأزهار)، (أم الأئمة المعصومين)، (أم النجباء)، (أم الأخيار)…
وفي مقاتل الطالبيين، عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (إن فاطمة تكنى بأم أبيها)، وفي كشف الغمة (إن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يحبها ويكنيها بأم أبيها).
ثالثاً: أسماؤها(ع):
ولبضعة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)، أسماء عديدة منها ما ذكره أبو جعفر القمي عن كتاب المناقب وبحار الأنوار، وهي: فاطمة، البتول، الحرة، السيدة، العذراء، الزهراء، الحوراء، المباركة، الطاهرة، الزكية، الراضية، المحدثة، مريم الكبرى، الصديقة الكبرى. ويقال لها في السماء: النورية، السماوية، الحانية.
وعن أبي عبد الله(عليه السلام) حينما سئل عن فاطمة(عليها السلام) لم سميت الزهراء؟ فقال(عليه السلام): لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض.
رابعاً: حب الرسول الأعظم(ص) لفاطمة(ع):
لم يقتصر حب النبي الكريم(صلى الله عليه وآله) لفاطمة(عليها السلام)، لكونها ابنته فحسب، بل لكونها الأنموذج الحي للمرأة بكل القياسات أو المقاييس المادية وغير المادية… لذا روي عن أنس أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون)، وعن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله) في حديث طويل منه: (ففاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبي وهي الحوراء الإنسية).
والنبي(صلى الله عليه وآله) لم ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وبهذا روى ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أفضل رجال العالمين في زماني هذا علي(عليه السلام)، وأفضل نساء الأولين والآخرين فاطمة(عليها السلام)).
وقال(صلى الله عليه وآله): (مريم سيدة نساء عالمها، وفاطمة(عليها السلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها عديلة مريم).
ولم تكن بهذه المكانة إلا من خلال ما بينه الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله): (إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً إلى مشاشها). وفي صحيح البخاري قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)، ولتفرح كل امرأة في الكون بإكرام المرأة بشخص فاطمة الزهراء(عليها السلام) وما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أول شخص يدخل الجنة فاطمة).
وقد نزل في رضا فاطمة(عليها السلام) آي الذكر الحكيم في قوله: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) (سورة الضحى/ الآية:5). روي في سبب نزولها أنه دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله) على فاطمة(عليها السلام) وعليها كساء من ثلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما أبصرها، فقال(صلى الله عليه وآله): يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة، فقد أنزل الله عليّ (ولسوف يعطيك الله فترضى).
ويقول رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إنها روحي ونفسي وقلبي وبضعتي وثمرة فؤادي ونور بصري وفلذة كبدي وشجنتي، وإنها مني وأنا منها)، بالإيمان والإخلاص كله، وبالدم واللحم والفكر والنفس والسلوك الأقوم… ولذا كانت المحبة ذاتية في كونه(صلى الله عليه وآله) أبوها، والممثل لمحبة أرقى الأبوة… وبالمحبة الموضوعة، لما كانت تحمل من أهلية وصفات جليلة، وسلوك أرقى وأقوم ما يحمله الإنسان المتكامل، بكل معاني التكامل…
وروت عائشة عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: يا فاطمة أبشري، فإن الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الإسلام وهو خير الدين).
وروى مجاهد أيضاً: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إن فاطمة شجنة مني، يسخطني ما أسخطها، ويرضيني ما أرضاها). وفي رواية أخرى عن ابن مخرمة إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: (فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني).
خامساً: مكانة فاطمة الزهراء(ع):
بالإضافة إلى ما تقدم يمكن أن نرى ما لمكانة بنت الرسول(صلى الله عليه وآله) عند الله من خلال الروايات في كتاب (الخصائص الفاطمية)، عن أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) للحسن والحسين(عليهما السلام): أنتما كفتا الميزان، وفاطمة لسانه، ولا تعدل الكفتان إلا باللسان، ولا يقوم اللسان إلا على الكفتين، أنتما الأمان ولأمكما الشفاعة…).
وهو دليل على عظمة فاطمة(عليها السلام) وعلى مكانتها، ومن خلالها مكانة الأمهات والأمومة في الإسلام، ومكانة واحترام المرأة الرفيعة التربية في الإسلام…
وفي نزهة المجالس عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (أنا الشمس، وعلي القمر، وفاطمة الزهرة، والفرقدان الحسن والحسين).
وقال(عليه السلام): (إن الله تعالى أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء: التوبة لحواء زوجة آدم(عليه السلام)، والجمال لسارة زوجة إبراهيم(عليه السلام)، والحفاظ لرحمة زوجة أيوب(عليه السلام)، والحرمة لآسيا زوجة فرعون، والحكمة لزليخا زوجة يوسف(عليه السلام)، والعقل لبلقيس زوجة سليمان(عليه السلام)، والصبر لبرخانة أم موسى(عليه السلام)، والصفوة لمريم أم عيسى(عليه السلام)، والرضا لخديجة زوجة المصطفى(صلى الله عليه وآله)، والعلم لفاطمة زوجة المرتضى(عليهما السلام)).
وهو دليل على مكانة المرأة في الإسلام، الاجتماعية والثقافية والعلمية، لكون فاطمة الزهراء(عليها السلام) تمثل أرقى سلوك إنساني وفق شريعة الإسلام السمحاء، التي تسع كل مخلوق، بما فيه تطوره ونموه وحضارته ومستقبله…
وعن ابن عباس أنه قال: سألت النبي(صلى الله عليه وآله) عن الكلمات التي تلقى آدم من ربه فتاب عليه؟ قال(صلى الله عليه وآله): سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ، فتاب عليه).
وروى عمر بن الخطاب عن النبي(صلى الله عليه وآله): (فاطمة وعلي والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عزوجل).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (رضا فاطمة رضاي، وسخط فاطمة سخطي).
وهذا جانب مما يظهر مكانة سيدتنا الكريمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) عند الله عز وجل، وعند رسوله(صلى الله عليه وآله)، كونه الأب والمربي والنبي، وعند كل مؤمن ومؤمنة، وعند زوجها أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام) وما سنتناوله لاحقا… ومن أرادت الاقتداء بها، ستلحق بها، لتكون رفيقتها في جنان الخلد…
سادساً: السلوك الاجتماعي والأخلاقي عند فاطمة الزهراء(ع):
لابد من القول بأن السلوك منعكس عن طبيعة الفكر والتفاعل معه نفسياً، وكلما كان الإيمان بالفكر أعمق، تجسد في السلوك أو الفعل أو العمل، وكان المسير والمسيطر… فما كان مبني على قويم ونقي الفكر، كانت نتائجه الحتمية والطبيعية قويمة وطيبة، وما كان مبني على منحرف وملوث الفكر، كانت نتائجه الحتمية والطبيعية منحرفة وعواقبها الدنيوية والأخروية وخيمة…
ولا يكون قويم الفكر ونقيه، إلا من بعد تربوي وأخلاقي وأرضية صالحة لنمو مكارم الأخلاق،فهناك السوك الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي… ومنها يكون السلوك المتسلسل أو المتتابع لمجموعة من الاستجابات، من الأعمال الجسمية الظاهرة والباطنة، أو المادية وغير المادية.
وطبيعي أن تكون فاطمة الزهراء(عليها السلام) بضعة الرسول(صلى الله عليه وآله)، بضعته الجسدية والفكرية، وما لها من استيعابات واستعدادات عقائدية متفاعلة مع الفكر والنفس، لتسلك السلوك العقلاني الرشيد، التي يتوجب أن تسترشد به كل مؤمنة مخلصة لنفسها ومكانتها وعقيدتها ودينها…
وصورة من صور سلوكها الاجتماعي ـ الأخلاقي، ما يظهره كتاب نوادر الراوندي، قال: قال علي(عليه السلام): (أستأذن أعمى على فاطمة(عليها السلام) فحجبته، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لم حجبته وهو لا يراك؟ فقالت(عليها السلام): إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهم يشم الريح. فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): أشهد أنك بضعة مني).
والبضعة لا تقتصر على الامتداد البيولوجي للإنسان، بل بالفكر والعقيدة وبالعلم والمعرفة والتفكير والاستيعاب والهداية، والغور في فلسفة الأمور…
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): (عاشرت فاطمة تسع سنين، فلم تسخطني ولم أسخطها).
ويعني إنها لم تبدأ زوجها بالسخط، ولم يبادلها السخط، وليسمع كل زوج وزوجة هذا التقارب الروحي الواجب توافره في العلاقات الزوجية الخلاقة، لبناء البيت الأسري المتناهي بالسعادة والتفاهم والمحبة والإخلاص…
وحتى في مختلف الأمور يقول الإمام علي(عليه السلام) في علاقاته الزوجية والإنسانية والاجتماعية والنفسية والروحية: (فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان).
وبهذا يقول النبي الكريم(صلى الله عليه وآله): (خير هذه الأمة من بعدي علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين، ومن قال غيرها لعنه الله)، وفي حديث آخر: (خير أهل الأرض محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين).
وقد كنى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة الزهراء(عليها السلام) بـ(أم الهناء) وهي أم الهناء لزوجها أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث قال(عليه السلام): (ما رأيت من فاطمة(عليها السلام) مكروهاً، وما أغضبتي قط).
هكذا هي الحياة الأسرية الإسلامية، فيها المحبة والتسامح والألفة وكل الخير والبركة الدنيوية والأخروية، لبناء أجيال المحبة والسلام، للذات والمجتمع بأرقى سلوك…
سابعاً: زواج فاطمة الزهراء(ع):
انطلق النداء السماوي، ليحفل أهل السماء والأرض، بأسعد لحظات البهجة وشرح الصدور، ففي حديث التزويج أن جبرئيل(عليه السلام) هبط إلى خاتم المرسلين(صلى الله عليه وآله) وقال: زوج النور من النور، قال(صلى الله عليه وآله): من ممن؟ قال(عليه السلام): بنتك فاطمة من ابن عمك علي بن أبي طالب(عليها السلام).
فما أروع ما اختار الخالق عز وجل، لخير خلقه، وكما قال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): (أفضل العالمين في زماني هذا علي(عليه السلام)، وأفضل نساء الأولين والآخرين فاطمة(عليها السلام)).
وانطلق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ليحقق النداء لأرقى بناء أسري عرفه التاريخ، فقد خطب(عليه السلام) فاطمة الزهراء(عليها السلام) من ابن عمه(صلى الله عليه وآله)، في السنة الثانية للهجرة بعد رجوعه من بدر، فولدت له خمسة ذكوراً وإناثاً، فانتشر منها نور النبوة والعصمة في ذريتها الطيبة، الذي قول الرسول الأعظم: (كل بني أم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)، وفي رواية: (لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم وأنا أبوهم).
وفي الحديث: (لو لم يكن علي لما كان لفاطمة(عليها السلام) كفؤ)، وفي رواية: (لو لا علي لما كان لفاطمة كفؤ إلى يوم القيامة)، وفي رواية أخرى: (لو لا علي لما كان لفاطمة كفؤ).
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) مفتخراً:
ولي الفضل على الناس بفاطم وبنيها
ثم فخري برسول الله إذ زوجنيها
وقال صاحب ناسخ التواريخ: دخل النبي(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة الطيبة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان زفاف فاطمة(عليها السلام) في السادس من ذي الحجة في السنة الأولى من الهجرة، وولد الإمام الحسن(عليه السلام) يوم الثلاثاء النصف من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، والعلم عند الله.
وفي الخبر: (كان زواج فاطمة(عليها السلام) بعد بدر بأيام يسيرة).
وروى النسفي: أن فاطمة سألت النبي(صلى الله عليه وآله) أن يكون صداقها شفاعة الأمة يوم القيامة ولها الشفاعة.
وامتدادها هذا الدرس في بناء الأسرة، يروى بأنه لما زوج رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء(عليها السلام) قالوا: بالرفاه والبنين، قال(صلى الله عليه وآله): لا بل على الخير والبركة.
ثامناً: ارتقاء فاطمة الزهراء(ع) إلى الباري عز وجل:
وكما قال أمير البلاغة والمؤمنين الإمام علي(عليه السلام): (الدنيا ممر ولا دار مستقر)، فقد أدت خير نساء العالمين(عليها السلام) رسالتها لتلتحق بالرفيق الأعلى وبأمها وأبيها عليهم الصلاة والسلام، والذي قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (عاشرت فاطمة تسع سنين، فلم تسخطني ولم أسخطها). هكذا كانت مسيرتها في الحياة الدنيوية، وبما يسع موضوعنا…
وعن عائشة أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) دعا ابنته فسارها فضحكت، فسألتها عائشة، فقالت: إذاً إني لبذرة، فلما توفي رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة(عليها السلام): (إنه(صلى الله عليه وآله) أخبرني بموته فبكيت ثم أخبرني أني أول أهله لحوقاً به فضحكت).
وقد أخبر الأئمة المعصومين عليهم السلام بأن عمر فاطمة(عليها السلام) ثمانية عشر عاماً وبضعة أشهر… وفي رواية كانت وفاة فاطمة الزهراء(عليها السلام) أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة عليهم السلام في 13 جمادي الأول في سنة 11 للهجرة…
وهكذا تعيش الزهور، وترحل وطيبها باق، رمز لأرقى امرأة عرفها التاريخ، إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما تزهر نور الكواكب لأهل الأرض، وما أروع أن قال عنها أمير المؤمنين(عليه السلام): (ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان).
وحقاً كما قال الشاعر:
ولو كان النساء بمثل هذي
لفضلت النساء على الرجال
فلا عجب، فهي النور الأعظم من النور الأعظم إلى النور الأعظم، فسحقاً لمن آذاها وآلمها، ونعيماً لمن سرها وأسعدها…
نشرت في العدد 12

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.