Take a fresh look at your lifestyle.

الصدّيقة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في الفكر الاستشراقي

0 2٬670

أ. د. حسن الحكيم
رئيس جامعة الكوفة

                  كان اهتمام الكثير من المستشرقين بالسيرة النبوية الشريفة فصدرت كتب بلغات عديدة، وترجم بعضها إلى اللغة العربية وهي تتأرجح بين السلب والإيجاب أو بين التعصب والحياد، ومن خلالها تبرز السيرة العلوية وطابعها البطولي، والسيرة الفاطمية وملامحها التاريخية، ويرد اسم الزهراء(عليها السلام) في أثناء تعداد أبناء وبنات النبي(صلى الله عليه وآله).
فيقول المؤرخ الهندي السيد أمير علي(Ameer Ali، sayed) إن فاطمة(عليها السلام) هي أصغر أخواتها، وقد لقبت بالزهراء، لجمالها، ويدعوها المسلمون (سيدتنا)، وقد تزوجت من الإمام علي(عليه السلام)(1).
واستعرض المستشرق (ارندنك) (C.Van، Arendonk) ذرية النبي الأعظم محمد(صلى الله عليه وآله) قال: إن لأبناء فاطمة الحق الأول في أن يسموا (أبناء رسول الله) فينتسبوا بذلك إلى النبي(صلى الله عليه وآله)، ولذلك فإن عبارة (ابن رسول الله) هي العبارة المفضلة في مخاطبتهم، وقد استقى معلوماته من مصادر إسلامية منها:
الطبراني، وابن حجر، والنبهاني، عند تعرضهم للحديث النبوي الشريف (كل أبناء آدم ينتسبون إلى عصبة أبيهم، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم، وأنا عصبتهم)(2).
وتحدث المستشرق (دونلدسن) عن غزوة الحديبية وقال: إن النبي(صلى الله عليه وآله) قد اصطحب معه الحسن والحسين وفاطمة(عليهم السلام)، وقد عقب على ذلك بقوله: (ولا يمكن أن يخلفه حفيداه إلا إذا اعترفت بعلي خلفاً له،فإنه ليس من عادة العرب رد النسب إلى ابنته فاطمة)(3). وقد خفي على هذا المستشرق أنه في التشريع الإسلامي نصوص مستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف معارضة للأعراف الاجتماعية القديمة، القائمة على التقاليد الجاهلية، ولعل أهم مشكلة يتعرض لها الكثير من المستشرقين هي عدم فهمهم للإسلام ونظمه، وعدم إحاطتهم باللغة العربية وبلاغتها، وإنما يأخذون النصوص وفق ملامحها الظاهرية.
وتطرق المستشرق (دونلدسن) إلى وفاة الزهراء(عليها السلام)، معتمداً على المؤرخين ابن سعد واليعقوبي وعلى المحدثين أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم، دون الرجوع إلى المصادر الإمامية.
في حين أن المستشرق الفرنسي (لامنس) قال: إن فاطمة(عليها السلام) ماتت ولم تتجاوز الشباب(4). وهو بذلك قد اقترب من روايات الإمامية في عمر السيدة فاطمة(عليها السلام) عند وفاتها، والمدة التي قضتها بعد وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله)، وعند حديث المستشرق (دونلدسن) عن وفاة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) أورد نصاً اقترب فيه من رأي الشيعة الإمامية جاء فيه: (ثم دعا علياً إليه، فوضع رأسه في حجر علي، وتغيرت سخنته، وعرق جبينه، وكانت فاطمة جالسة قربه، فلما رأت ذلك قامت حزينة، وأخذت بيدي الحسن والحسين، وجعلت تندب أباها، ففتح الرسول عينيه، ووضع رأسه على صدرها، ودعا وقال: اللهم ألهم فاطمة الصبر، ثم قال: أبشري يا فاطمة فستكونين أول من يلحق بي، وجعل يعالج سكرات الموت، فأخذت تبكي بكاءً شديداً، فأراد علي إسكاتها، فقال النبي: دعها تبكي أباها، ثم أغمض عينيه وأسلم روحه(5).
وأعطى (دونلدسن) ملامح من الوضع العام في المدينة المنورة عند وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) بقوله: (فبلغ أبا بكر وعمر إن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي في منزل فاطمة بنت رسول الله، وزوج علي، فذهبا ليطلعا على دخيلة الأمر)(6).
وفي الحقيقة أن أبا بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار من يخلف النبي(صلى الله عليه وآله) في إدارة الدولة، وأرسل إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام جماعة لاستطلاع الأمر، حيث كان الإمام علي(عليه السلام) وبعض الصحابة منشغلين في تجهيز النبي(صلى الله عليه وآله) استعداداً لدفنه، ولم يكن أمر الخلافة والوصول إلى السلطة في هذا الوقت المبكر من وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) في حساباتهم وتفكيرهم، وقد توقع المسلمون أن هذا الموضوع قد حسم أمره في بيعة الغدير، وأن أمير المؤمنين(عليه السلام) خليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ووصيه.
وتحدث المستشرق (دونلدسن) عن فدك وميراث فاطمة(عليها السلام) بقوله: (ولم يمض على وفاة الرسول زمن طويل حتى جاءت فاطمة ومعها علي إلى أبي بكر تسأله ميراثها من أبيها، فقال لها: أشهدكما الله، ألم تعلما أو تسمعا أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، قالا: نعم ولكن رسول الله كان ينفق على أهله وهو بار بهم)(7).
وكان ينبغي على هذا الباحث والمؤرخ الوقوف على حقيقة الحديث المروي (نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة)، وعلى خطبة السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في اضعافه، لأنها أقرب زمانياً ومكانياً من صدور الأحاديث الشريفة، وإذا كان الحديث المذكور صحيحاً وسليماً كيف جاز للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز عدم الأخذ بمضمونه.
وقد كشف المستشرق (فلهوزن) عن هذا الجانب بقوله: أن قضية فدك قد تداولها الحاكمون حتى عهد عمر بن عبد العزيز (99ـ101هـ) فردها إلى ما كانت عليه أول أمرها، وأعطاها لآل النبي(صلى الله عليه وآله)، وبذلك ألغى عمر بن عبد العزيز ما كان قد جرى عيه أبو بكر وعمر، ومعنى هذا أنه لم يكن يتبعهما اتباعاً تاماً(8).
وكان لقب (الشريف) قد لحق بأبناء فاطمة(عليها السلام) من ذرية الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، وقد أشار المستشرق (ارندك) إلى أن هذا اللقب قد أطلق فيما بعد على أبناء محمد بن الحنفية، أو أبناء الإمام علي الآخرين، وكذلك لأبناء أخيه جعفر وأخيه عقيل، وأبناء عمه العباس(9).
وقد اعتمد على المؤرخين الذهبي والسيوطي في ألحاق لقب الشريف بهؤلاء حتى قيل: الشريف العباسي أو العقيلي أو الجعفري أو الزينبي، وقال: (غير أن هذا ليس له كبير دلالة بالنسبة للصدر الأول)(10).
ومن الملاحظ أن الشريف الطالبي أو العلوي في العصر العباسي قد ألحق بسلالة الحسن والحسين(عليهما السلام)، أما لقب الشريف الهاشمي فإنه ألحق بسلالة العباس بن عبد المطلب.
وكان بعض المستشرقين قد استقى من آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(11) ومن الحديث الشريف: (الكساء أو العباءة) أن آل البيت(عليهم السلام) هم من سلالة علي وفاطمة(عليهما السلام).
ويقول: إن أهل الكساء يطلق على آل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) وهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين(12).
وذكر المستشرق (ارندنك): أن لقب (السيد) يطلق على العلويين دون غيرهم من الهاشميين، وقد اعتمد على كتاب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) لابن عنبة الداودي، وكتاب (تاريخ الإسلام) للذهبي، وكتاب (نهاية الأرب) للنويري، وكتاب (العقود اللؤلؤية) للخزرجي، وقال: إن الفاطميين في مصر قد أطلقوا لقب (الشريف) على أبناء الحسن والحسين(عليهما السلام)، وبقي هذا اللقب إلى أيام المؤرخ السيوطي المتوفى عام (911هـ).
أما لقب (السيد) فإنه بقي يلازم أبناء الحسن والحسين(عليهما السلام) في حضرموت(13). وربط بين لفظ السيد الذي تعارف عليه الناس على مدى التاريخ وبين الأحاديث النبوية الشريفة التي أشارت إلى هذا اللفظ كقول النبي(صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، ومخاطبة كل من الحسن والحسين(عليهما السلام) بلفظ (سيد العرب وسيد المسلمين).
كما لقبت فاطمة الزهراء(عليها السلام) بلقب (سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة) وقد أطلق على الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) لفظ (سيد الناس)، وقد حاول المستشرق (ارندنك) من خلال هذه الأحاديث الشريفة، إعطاء صفة العمق التاريخي لتلكم الألفاظ الدالة على مكانة أهل البيت(عليهم السلام)، معتمداً على كتب الصحاح والسنن ومصادر التاريخ، وقد أشار إلى (حديث الثقلين) المرتبط بأهل البيت(عليهم السلام)، وقال: إن الصدقة لا تجوز عليهم، وأشار إلى أن بعض المصادر تشير إلى الطالبيين والعباسيين في حرمة الصدقة عليهم(14).
وأن خاتمة القول عن حديث المستشرقين عن الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام) هو موضع قبرها، إذ من الصعب الجزم على موضع معين كما أشارت المصادر والروايات، ولكن أقربها إلى الواقع أنها دفنت في بيتها، وعفي موضع قبرها، وأن مصادر الإمامية الصريحة في هذا المعنى.
ولكن المستشرق (دونلدسن) يجزم أنها(عليها السلام) دفنت بالبقيع، ودفن بالقرب منها ولدها الإمام الحسن(عليه السلام)(15). وإن رواية دفن الزهراء(عليها السلام) بالبقيع قد تضعفه بعض الروايات، وإن من الثابت تاريخياً أن الإمام الحسن(عليه السلام) دفن بالبقيع، وبقرب جدته فاطمة بنت أسد، ولعل (دونلدسن) خلط بين الفاطميتين ونحتاج في الوقت الحاضر إلى دراسات علمية دقيقة للمجهود العلمي الذي بذله المستشرقون في دراسة التراث الإسلامي، والوقوف على الحالات التي تلتقي مع فكرنا الإسلامي أو المتعارضة معه.
نشرت في العدد 12

(1) Ameer Ali، syed: Ashort History Of the Saracen.p.8.
(2) ارندنك، دائرة المعارف الإسلامية، 13/274، مادة (شريف).
(3) دونلدسن، عقيدة الشيعة، ص23.
(4) لامنس، دائرة المعارف الإسلامية، 7/400، مادة (الحسن بن علي).
(5) دونلدسن، عقيدة الشيعة، ص30.
(6) المصدر السابق، ص32.
(7) المصدر السابق، ص36.
(8) فلهوزن، تاريخ الدولة العربية، ص287.
(9) ارندنك، دائرة المعارف الإسلامية، 13/268.
(10) المصدر السابق.
(11) سورة الأحزاب/ الآية:33.
(12) ارندنك، دائرة المعارف الإسلامية، 13/267، مادة (شريف).
(13) ارندنك، دائرة المعارف الإسلامية، 13/269ـ271، مادة (شريف).
(14) المصدر السابق، 13/267.
(15) دونلدسن، عقيدة الشيعة، ص82.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.